" همم الرجال في التأليف" الحافظ ابن عساكر أنموذجاً.
منذ بضعة أشهر كنت قد تصفحت كتاب " تاريخ دمشق وذكر فضلها و تسمية من حلها من الأماثل واجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها " للحافظ ابن عساكر الدمشقي ، فهالني حجم هذا الكتاب الذي بلغ ثمانين مجلّدة ، لا يقل عدد الصفحات في كل منها عن أربعمائة صفحة وقد يفوق هذا العدد في البعض الآخر .
إن المتأمل في هذا الكتاب ليعجب من همّة الحافظ ابن عساكر في التأليف ، وكيف حصّل المعلومات التي ضمّنها كتابه الضخم ؟! ، وكم استغرق منه ذلك ؟! . رغم بساطة آلات الكتابة وصعوبة تحصيل المعلومات التي كثيرا ما تتطلب الرحلة لتحصيلها الشهور والأعوام ، فقد قال ابن خلكان : قال لي شيخنا الحافظ زكي الدين عبد العظيم وقد جرى ذكر هذا التاريخ وطال الحديث في أمره : (( ما أظن هذا الرجل إلا عزم على وضع هذا التاريخ من يوم عقل على نفسه وشرع في الجمع من ذلك الوقت وإلا فالعمر يقصر عن أن يجمع الإنسان مثل هذا الكتاب )) . مقارنة بعصرنا هذا الذي تقصر فيه همم المؤلفين على أن يأتوا بأقل من معشار ما ألفه الأسلاف ، رغم تقدم آلات الكتابة وسهولة تحصيل المعلومات ، كيف لو علمنا أن مؤلفات الحافظ ابن عساكر فاقت مائة مصنف في شتى الفنون .