الاجتهاد لغة:
"بذل الجهد في فعل شاق" فيقال: اجتهد في حمل الرحى، لا في حمل خردلة، وعرفه علماء أصول الفقه بأنه: "بذل الجهد في إدراك الأحكام الشرعية"، أو هو: "بذل الجهد في تعرف الحكم الشرعي" ويقابله: التقليد. هو إما تام أو ناقص، فالتام هو: "استفراغ القوة النظرية حتى يحس الناظر من نفسه العجز عن مزيد طلب"، والناقص هو: "النظر المطلق في تعرف الحكم". ويكون الاجتهاد بمعنى: بذل مجهود علمي، ممن تتوفر فيه شروط الاجتهاد، للبحث والنظر والاستدلال، واستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها، وهو إما؛ اجتهاد مطلق كاجتهاد الأئمة الأربعة، وإما؛ اجتهاد مقيد كاجتهاد أصحاب الأئمة الأربعة، الذين نقلوا محتوى المذهب وبحثوا وحققوا فيه، وهذا النوع من الاجتهاد للمتخصص الذي له معرفة واسعة بمقاصد الشريعة، وفهم مداركها، والقدرة على استنباط الأحكام الشرعية، أما الاجتهاد الذي ليس من قبيل التخصص العلمي؛ فلا يشترط فيه كل هذه الشروط.
تعريف الأجتهاد :
هو: بذل الجهد، واستفراغ الوسع في درك الأحكام الشرعية". بتحقيق المناط أو تخريج المناط. فهو عمل المجتهد في استنتاج الأحكام الشرعية من أدلّتها ومصادرها المقررة، كالقرآن والسنة والإجماع والقياس وغيرها. وبعبارة أخرى، هو بذل الجهد لاستنباط واستخراج الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية.
يؤمن المسلمون أن شريعة الإسلام هي خاتمة الشرائع الإلهية كلها؛ وأنها صالحة لكل زمان ومكان، وأنها تمتاز بقدرتها على تنظيم حياة الناس واستيعاب الحوادث المتجددة وذلك بإتاحة الفرصة للاجتهاد وتنظيمها له.
حكم الاجتهاد في الشرع أنه:
قد يكون فرضاً عينيا، أو كفائيا، أو غير ذلك بحسب نوع الاجتهاد ومدى أهميته، وقد ذكر علماء الأصول أنه: إذا وقعت حادثة لشخص أو سئل عن حادثة فإن حكم الاجتهاد في حقه يكون فرضاً عينياً وقد يكون فرضاً كفائياً وقد يكون مندوباً وقد يصير حراماً
- فهو فرض عين في حق نفسه فيما طرأ له من حوادث فإذا أداه اجتهاده إلى حكم لزمه العمل به ولا يجوز له أن يقلد غيره من المجتهدين في حق نفسه وفي حق غيره لأن حكم المجتهد هو حكم الله في المسأله التي اجتد فيها بحسب ظنه الغالب، والمجتهد ينبغي عليه العمل بما غلب على ظنه أنه حكم الله. وكذلك يكون الاجتهاد فرض عين عليه إذا سئل عن حادثة وقعت وخاف فواتها على غير وجهها الشرعي ولم يوجد غيره لأن عدم الاجتهاد يقضي بتأخير البيان عن وقت الحاجة وهو ممنوع شرعاً. قال القرافي في ارشاد الفحول

مذهب مالك وجمهور العلماء: وجوب الاجتهاد وابطال التقليد).
فإن لم يخف فوت الحادثة ووجد غيره من المجتهدين يجب عليه وجوباً كفائياً فإذا اجتد أحد المجتهدين سقط الطلب عن الباقين وإن تركه الجميع أثموا جميعاً. - الندب : وهو الاجتهاد في حكم حادثة لم تحصل سواءً سئل عنه أو لم يسأل - التحريم : وهو وقوع الإجتهاد في مقابلة نصٍ قاطع من كتاب أو سنة أو في مقابلة الإجماع وفيما عداه يكون جائزاً.
مراتب الاجتهاد :
هي درجات ومراتب علمية محددة في الفقه وأصوله، ويقصد بها ترتيب المستويات العلمية للمجتهدين ودرجاتهم. وقد ذكر علماء الشرع الإسلامي مراتب الفقهاء، وبينوا خصائص كل صنف من المجتهدين وشروطه في الاجتهاد، كما قسم العلماء مراتب المجتهدين إلى قسمين أساسيين وهما: المجتهد المستقل وغير المستقل، فالمجتهد المستقل أو المجتهد المطلق المستقل، هو الذي بلغ رتبة الاجتهاد في جميع أبواب الشرع وفق شروط محددة لذلك، وتعد رتبة المجتهد المستقل من أعلى مراتب الاجتهاد، فالمستقل كالأئمة الأربعة، وغير المستقل هو المنتسب إلى مذهب إمام من أئمة المذاهب الفقهية. وقد فقد الاجتهاد المستقل في القرن الرابع الهجري، ولم يبق إلا اجتهاد المنتسبين إلى المذاهب الفقهية، الذين عملوا في استكمال بناء المذاهب الفقهية، حتى نضج علم فروع الفقه خصوصا في العصور المتأخرة، فالمسائل والأحكام الفقهية ومعاقد الإجماع أصبحت مقررة، والفقهاء بعد الفراغ من تمهيد الأحكام مقلدون لأئمة مذاهبهم في الأحكام المفروغ منها.
يعتبر علماء الدين الإسلامي الاجتهاد من أهم الوسائل التي يتمكن بها العالم المختص من التوصل إلى الأحكام الشرعية في مسائل الحياة المتجددة. فبه يتعرفون على أحكام الحياة كلها، وبه يسترشدون على سلامة سلوكهم وعملهم. ومع تجدد الحياة وكثرة المستجدات فيها، كان لابد من وجود فئة متخصصة في العلوم الشرعية وما يتصل بها، تتولى مهمة النظر في القضايا المستجدة وبيان الأحكام الشرعية المناسبة من كل منها بحيث يسهل الرجوع إليها، والاستئناس بها، وكان من المناسب أن يتولى علماء الأمة بمساعدة الدول الإسلامية مهمة توفير حاجة المجتمع من هذه الفئة ؛ بإنشاء الحوزات العلمية والكليات الشرعية والمجمعات الفقهية والهيئات العامة للفتيا، وتنظيم لقاءات علمية بين المختصين الشرعيين.
ومجالتة :
حدد الفقهاء والأصوليون مجال الاجتهاد وهو كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي الثبوت، فخرج به مالا مجال للاجتهاد فيه مما اتفقت الأمة عليه من ظواهر وجليات الشرع كوجوب الصلوات الخمس والزكاة والصيام وتحريم الخمر والربا والزنا والسرقة إلى غير ذلك مما ورد فيه دليل صريح واضح لايقبل الجدل. وقد حدد الغزالي هذا الضابط في كتابه المستصفى فالأحكام الشرعية بالنسبة للاجتهاد نوعان:
ما يجوز الاجتهاد فيه.
ومالا يجوز الاجتهاد فيه.
والخلاصة في ذلك: أن مجال الاجتهاد أمران: مالا نص فيه أصلاً أو مافيه نص غير قطعي. ولا يجري الاجتهاد في القطعيات ولا فيما يجب فيه الاعتقاد الجازم من اصول الدين إذ لامساغ للاجتهاد في مورد النص. وهذا الأصل جارٍ في القوانيين الوضعية فمتى كان القانون صريحاً لا اجتهاد فيه ولو كان مغايراً لروح العدل. والقضاة مكلفون بتنفيذ أحكامه حسبما وردت لأن تفسير يرجع إلى الواضع للقانون ولا مساغ للاجتهاد في موضع النص.
والله اعلم لست مختص .