السلام عليكم ورحمة اللّه تعالى وبركاته أما بعد:
تقديرا مني ومحبة للساهرين على إنجاز هذا المنبر وأيضا لروّاده الأخيار، أردت أن أفضي بوجعي، عسى أن يخفّف اللّه عني، فالأمر قد يبدو للبعض يحمل شيئا من الإفراط والمبالغة، لكنّها حقيقة أعيشها ولا بد أنّه يوجد من الآباء من مرّ بهذه المرحلة.
رجل متقاعد في الستين من العمر، شعور غريب يُراودني لا أفهم معناه، يشبه التعاسة لكنّه ليس تعاسة، يشبه الندم ولكنه ليس كذلك، لأنّ ما حدث لا يتطلّب هذا الإحساس ولا ذاك، ويتعلق الأمر بزواج ابنتي… أتوقف برهة لأنّ الدموع غلبتني، تزوّجت نور عيني ومبهجة قلبي منذ شهرين، فشعرت وكأنّني عديم الجدوى في غيابها. للعلم أنّ بيتي يعج ضجيجا ولا تنقطع فيه أبدا الحركة ولا يعرف السكون، أولادي وأحفادي وزوجات أبنائي، وزوجتي المحبّة الطيّبة لا تفارقني أبدا، تلازمني بغية أن تسد فراغ ابنتي، لكن مكان غاليتي أكبر وأعظم من أن يعوّضه هؤلاء.
عندما أختلي بنفسي يشتّد شوقي إليها، أكلمها في الهاتف وعندما أنهي الحديث لا تفارقني ابتسامتها، أتذكر منذ كانت طفلة فصبية ثم شابة، بسرعة شريط حياتها يمر أمام عيني، فأفرح لأنّ اللّه حفظها وأكرمها بزوج طيّب، ولكنّني سرعان ما أفتقد وجودها وأبكي كالأطفال.
أحاسيس غريبة، وجع يمزّق قلبي، أفكر ليل نهار، أخشى أن يتطاول عليها زوجها وتخفي الأمر عني، أخشى أن تلقى سوء المعاملة من قبل أهل زوجها ولا تخبرني، فابنتي من النوع الكتوم، أكاد أجن عندما أتذكر أنّني بيدي أمسكتها وسرت بها تحت أنغام الزرنة والزغاريد حتّى أوصلتها بيت الزوجية، أتعوّذ باللّه من الشيطان الرجيم وأقول في نفسي هذه سنّة الحياة، لا يمكن أن أحتجز حبيبتي، فلا بد لها ككل البنات أن تتزوّج وتعيش حياتها الخاصة لتغدو أمّا، والآن بعدما علمت أنّها حامل انتابتني غيرة شديدة، لأنّها لا محالة ستهتمّ بالمولود وتنسى الوالد.