1 ـ لمحة عن الأسرة الجزائرية:
لقد كانت الحياة العائلية قبل الثورة الجزائرية تسودها السيطرة الأبوية على الزوجة والأولاد، كما كانت القبيلة هي محور العلاقات السياسية والاجتماعية والدينية، وهي مجموعة عائلات ممتدة توحدها الرقعة الجغرافية، كما أنها الرابطة القوية بين الأفراد بالإضافة إلى أن المجتمع كان ريفيا بنسبة 80% من مجموع السكان، ومن المعلوم بأن السكان الريفيين هم مجتمع محافظ، بخلاف سكان الحضر أو المدن، فبحكم قربهم من المعمرين تغيرت نظرتهم إلى الأشياء وعرفوا بنوع من التفتح خاصة بما يتعلق بتعلم الفتاة دون أن يمس هذا التغيير بناء الأسرة ونظامها.
لقد عرفت الأسرة الجزائرية اهتزازات كبيرة في زمن الاستعمار على غرار مصادرة الأراضي التي أدت إلى تفكيك الأسرة الجزائرية، والذي بدوره نتج عليه تشرد أفراد الأسرة وانتشار الفقر.
ولما قامت الثورة المجيدة عملت على تغيير الأدوار داخل الأسرة خاصة في دور المرأة، حيث أصبح لها دورا ومسؤولية عما كانت عليه، فلقد شاركت في النضال إلى جانب الرجال، كما أن الاحتكاك بالثقافة الغربية أثر على الأسرة عامة، والعلاقات بين أفرادها خاصة، وبالتحديد العلاقة بين الزوجين من حيث تغير مكانة ومركز الفتاة الجزائرية الذي جعلها تقتحم مجال العمل.
ومنه مشاركة الزوج في ميزانية الأسرة، واتخاذ القرارات المتعلقة بالأسرة، كما أصبح لها الحق في اختيار الشريك، على عكس ما كانت عليه، حيث كانت العائلة والأهل هم المكلفين بالاختيار نظرا لعدم وجود فرص تقابل الطرفين حتى أن الزوج لم يكن له الحق في التعرف على زوجته إلى غاية يوم زفافه(1).
لكن في فترة ما بعد الاستقلال شهدت عدة أحداث و تطورات و من بينها حصيلة إجراءات حكومية ترمي إلى تغير المجتمع عموما والوسط الاجتماعي الريفي خصوصاً كما تم إقرار الملكية الفردية.
لقد حدث في الجزائر بعد الاستقلال تغير ديناميكي على نطاق واسع، إذ توسع نظام التربية والتعليم بـوتيرة معتبرة أظهرت قواعد مدنية تنافس القوانين المعرفية إضافة إلى توسع المشاريع العمرانية في مناطق جغرافية عديدة، كما وضعت إستراتيجية جديدة للتنمية الريفية في أيطار التخطيط العمراني (القرى الاشتراكية ) والثورة الزراعية لضمان الاستقرار وفرص التشغيل، كما تخصص أفراد العائلة في تخصصات مهنية عن طريق التكوين المهني ثم الدخول بعدها في أعمال مختلفة و مهن متنوعة، خططت لها الدولة وكانت تهدف من وراءها، لترقية الأحوال المادية للشعب، والموافقة بين البنية التحتية (الأسرة) و البنية الفوقية (إجراءات ، قوانين ....اٍلخ) لتجسيد مفهوم العائلة الزواجية واقعا(1).
2 ـ خصائص و مميزات الأسرة الجزائرية:
تمتاز الأسرة الجزائرية بعدة خصائص نذكر منها:
1. الأسرة الجزائرية هي عائلة موسعة، حيث تعيش في أحضانها عدة عائلات زواجيه تحت سقف واحد تسمى (بالدار الكبيرة).
2. يعتبر فيها الأب أو الجد هو القائد الروحي للجماعة الأسرية وينظم فيها أمور تسيير الجماعة و له مرتبة خاصة تسمح له بالحفاظ غالبا على مركزه في الأسرة بواسطة نظام محكم على تماسك الجماعة المنزلية، وفيها النسب ذكوري، والانتماء أبوي، والمرأة يبقى اٍنتماءها لأبيها.
3. تنتقل المسؤولية من الأب إلى الابن الأكبر حين غيابه وهذا للحفاظ على التوازن داخل الأسرة .
4. إن العائلة الجزائرية هي عائلة متماسكة أي أن الأب له المسؤولية على كامل الأفراد فالبنات لا يتركن البيت إلا عند زواجهن، والأبناء لا يتركون البيت الكبير.
5. العائلة مصطلح يفهم منه تماسك الجماعة الأسرية الجزائرية التي يصفها بن خلدون بالعصبية، فبواسطتها تطورت القبائل نحو السلطة وتعني بها الشرف الأكبر، والبركة الكبرى، الذي يوضح الموقع الروحي، والاقتصادي للجماعة في الأسرة(2).
3 ـ الأسرة والزواج في المجتمع الجزائري:
- لقد كان للتغيرات الاقتصادية و الاجتماعية التي عرفها المجتمع الجزائري منذ الاستغلال آثار واضحة في تركيبته الاجتماعية عامة ومؤسساته الاجتماعية خاصة، ومنها الأسرة التي تغيرت صفاته التقليدية من وظائف وعلاقات ونظام زواج وغيرها، هذه التغيرات التي كانت نتيجة التحضر والتصنيع الذي شهدته البلاد ودخول الأفكار الحديثة إلى المجتمع، أين أصبحت الأسرة في تحول مستمر من الامتداد نحو الأسرة البسيطة أو النووية,وهذا كله أدى إلى التأثير البالغ في عملية الاختيار للزوج، حيث لم يعد الشباب يطلب من أهله اختيار زوجة له، لكون الزواج يتعلق به أكثر من عائلته فصار مؤهلا لاختيار أي فتاة تتلاءم أخلاقهما وميولها مع أخلاقه حتى ولو كانت هذه الفتاة أجنبية على العائلة.
- كما نجد أن النظام الداخلي للزواج قد تغير وعوضه النظام الخارجي الذي انتشر بين مختلف الفئات الاجتماعية، كما نلاحظ أنه برز للوجود تأخر سن الزواج لدى كلا الجنسين حيث وصل لدى الذكور إلى أكثر من31 سنة أما الفتيات فتجاوز 26سنة.
- وخلاصة ما سبق يمكن أن نقول أن المقبلين على الزواج رغم كل شيئ لازالوا تحت تأثير الأسرة عموما والوالدين بالخصوص في اختيارهم لشريك حياتهم فهم "الأسرة والوالدين"لا يجبرانهم على الزواج من شخص لا يرغبان فيه، بعكس ما كان في السابق، وعلى العموم فإن الأسرة الجزائرية عرفت الكثير من التحول حتى وصل الأمر للسكن حيث أصبح العريسان يسكنان لوحدهما بعيدا عن الأهل.
(1) عمار هلال،أبحاث ودراسات في تاريخ الجزائر المعاصر.ديوان المطبوعات الجامعية،الجزائر،1982، ص122.
(1) مصطفى لشرف،الجزائر الأمة والمجتمع. ترجمة مصطفى حنفي، المؤسسة الوطنية للكتاب،الجزائر، 1983 ، ص09.
(2) مصطفى بوتفنوتش،العائلة الجزائرية التطور والخصائص الحديثة.ديوان المطبوعات الجامعية،الجزائر، 1984،ص38،37.