بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله جمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد :
اعلم أخي القارئ أنه قد جاءت الأحاديث عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الخوارجمتواترة متظافرة ، في وصفهم والتحذير منهم وتوعدهم وبيان خطرهم على الأمة ، فهم أصل الشر في هذه الأمة ، فكلما خمد لهم قرن ظهر قرن آخر على مر التاريخ ، يقتلون المسلمين ويدعون المشركين والكافرين ، وقد كانوا في القديم يعتزون بالانتساب إلى منهجهم التكفيري ويظهرونه ، أما في عصرنا فهم ينتسبون للسنة ويظهرونا ، وينفون عن أنفسهم التهمة قولا في الظاهر مستعملين في ذلك التقية ، أما في حقيقة واقعهم فإن أفعالهم وأفكارهم تكذبهم وجرائمهم في أهل الإسلام تؤكد خارجيتهم ، وقد مرت الجزائر بلادي بمرحلة دموية وعشرية سوداء تولاها كلاب النار وشر الخلق والخليقة فاعملوا سيوفهم ورصاصهم في الشعب الجزائري المسلم ولم يفرقوا بين مدني ولا عسكري ولا كبير وصغير ولا بين رجل أو امرأة ولا بين شيخ كبير طاعن في السن ولا بين مولود أو صبي ذكر كان أو أنثى بل كانوا يفجرون بطن المرأة الحامل أمام أهل القرية كلهم ويرمونه في مقلاة الزيت على النار ، بل يقطعون الرؤوس ويجعلونها أثافي يضعون عليها القدر لطبخ طعامهم عليها ، ويقتلون الابن أمام عيني والديه أو أحدهما كما يقتلون ذبحا الوالد أما أبنائه أو بعضهم ، والزوج أما زوجته ، ويقتلون من يصلي ويصوم ويتشهد بالشهادتين بل من أعجب ما حدث منهم أن يطلبوا من أرادوا ذبحه أن ينطق بالشهادتين ثم يذبحونه ، وينتهكون الأعراض فكم من امرأة غصبوها أمام زوجها وأبنائها وكم من فتاة اختطفوها وكم من رجل اغتصب أمام عيني أولاد أو زوجته ثم يقتلونه ؛ فلا رحمة لديهم ولا شفقة وإذا دخلوا قرية أبادوا أهلها إلا من توارى واختفى واستطاع أن يهرب ، فقد مرجت عهودهم وذهبت عقولهم حتى أصبح دم المسلم عندهم أرخص من دم البعوض والذباب ، وأصبحنا نصبح ونمسي على كثير من الفجائع والدماء حيث تقطع الرؤوس وتعلق في الشوارع
وهناك أشخاص من الرجال والنساء ذبحوهم ثم تركوهم ولم يكن ذبحهم جيدا متقنا تاما فأسعفوا وعاشوا وهم اليوم أحياء يشهدون على تلك المجازر والجرائم للعبرة والتاريخ ..
وقد التقيت بأحد التائبين الراجعين عن ذلك المسلك فسألته عن بعض أحوالهم ومرجعيتهم فذكر لي بعض شبههم وقص علي بعض قصصهم
وما سأذكره من الحال التي كان عليها الجماعة الإسلامية المسلحة في بلادنا الجزائر أيام العشرية الدموية السوداء سمعتها مباشرة منه ومن غيره بل أصبحت مستفيضة يتحدث بها في كثير من المجالس كما يتحدث اليوم الإعلام عما تفعله عصابة داعش الإجرامية التكفيرية ، والتاريخ يعيدنفسه وما أشبه الليلة بالبارحة ، وهذه الشبه والحال التي بين يديك أخي سمعتها من الأخ المذكور وقرأت بعضا منها من رسالة تائب آخر بدائرة أولاد يعيش ولاية البليدة ، في آخر سنة 1999 يومها كنت في زيارة لأحد إخواننا الذين كانوا يدسون في دار الحديث بمكة ، ولما كنت في ضيافته قدم لي أحد التائبين من جماعة زوابري التكفيري الدموي والمقربين منه ، ليظهر لك جليا خطر هذه الشبهات على الفرد والمجتمع المسلم الذي نعيش فيه ، ويظهر وجه الموافقة والمطابقة بين ما تفعلوه الجماعات الخارجية في ليبيا ومصر وتونس ، والعراق وسورية وما يسمى بداعش ، فإليكم تلك الشبه والوقائع مجملة يرويها من عاشها بنفسه ، وهذا فيض من غيض وإلا لو جئت لأجمع القصص والوقائع الإجرامية الدموية من قتل واغتصاب وحرق وتدمير وأخذ للأموال ، والتي تخالف شرع الله تعالى ، وتحدث جرحا عميقا في القلوب عند سماعها ،وتألم النفوس المؤمنة آلاما بالغة لها لما وسعني مجلدات ، ولعل الله سبحانه يمد في العمر وأجمع ما استطعت وبعض أخواني منها للتاريخ وعبرة لمن في قلبه مثقال ذرة من خوف من الله تعالى أن يلقاه وهو متند بدم حرام .
إن فكرة الخروج على الدولة الجزائرية ليست وليدة الانفتاح الحزبي الذي كان في الجزائر سنة 1989م بل هو امتداد للخروج الأول الذي كان سنة 1985م بقيادة مصطفى بو يعلي وجماعته ، ولما تكونت الجبهة الإسلامية للإنقاذ انضم إليها ما بقي من فلول تلك الجماعة ، فبدءوا نشاطهم من داخل التنظيم ووجدوا أرضية خصبة لما يحمله قادة التنظيم وكثير ممن ينتسبون إليه من فكر تكفيري فبدءوا بتدريبات عسكرية سرية ، ويوم انقلب النظام عليهم وحظر حزبهم يومها لجئوا إلى الجبال وحملوا السلاح ، (( ولم يصبروا على ذلك ))وهناك تكونت الجماعة الإسلامية المسلحة ثم حصلت عنها انشقاقات تقاتلت فيما بينها وتناحرت ، حتى أن الدماء التي جرت بينهم كانت أكثر من الدماء التي سالت بينهم وبين الجيش النظامي ، وكانت الجماعة الإسلامية المسلحة كثيرا ما تغدر بالآخرين وتنصب لهم الكمائن لذلك تغلبت على الكثير من الجماعات وأفرادها وصفتها تصفية كاملة ..
قال التائب : بدأت عقيدة التكفير تنتشر وتعشعش عند الخوارج بعد صدور فتوى من قبل أحد الأمراء المغرورين ، عنوانها الردة : ومفادها : أن الحكام مرتدين لعدم تطبيقهم شرع الله تعالى والتحاكم إلى القوانين الوضعية الجائرة .
ومادام الحكام مرتدون ، فالبلاد التي يحكمونها تعد دار كفر ، وردة وحرب .وعلى هذا استوجب على كل مسلم الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام وبحكم أن دار الإسلام لا توجد لم يبق إلا الهجرة والالتحاق بالجبال للجهاد في سبيل الله – زعموا -.
وكل من تقاعس عن الهجرة إليهم أو الجهاد - كما يدعون - وبقي يراوح مكانه بين أحضان الحكام المرتدين فهو مرتد كافر حلال الدم والعرض والمال سيما إذا كان يشتغل في مؤسسات الدولة أو يُدرس ويَدرس في معاهدها ومدارسها وجامعاتها أو نحو ذلك ..
إلا أن هذا الكفر والردة عامة وليست خاصة ، ومعنى هذا الكلام عندهم . أننا لا نستطيع أن نحكم على شخص معين بالردة ، إذا لم يكن عسكري وكان مدنيا ، ولكن الحكم بالردة عامة يتنزل على الشعب ، وعلى هذا جاز لأي مقاتل منهم أن يرمي الرصاص على أفراد الشعب إذا كانوا متجمعين ، من غير أن يعين فردا بعينه أما العسكري أو المشتغل مع النظام فهذا لا يشك في ردته وتكفيره بعينه .
وهذا ما برر في أول الأمر المجازر الجماعية عن طريق التفجير في الأماكن العمومية ، كالأسواق والمقاهي ، والمدارس ، والملاعب وحتى المساجد فقد قتلوا أئمة وحفاظ معلمين للقرآن الكريم .
وبعد هذه الفترة تطورت الأحداث ، وتطورت معها الفتوى لتصبح الردة يحكم بها على كل فرد بعينه بعد أن كانت عامة في الجملة .
ويقولون في العامة أن من مات فيها يبعث على نيته أما الآن فمن مات فيها فموته مرتدا كافرا ، وهذا هو الفرق عندهم بين الردة العامة والخاصة .
فقد حكموا على كل فرد من أفراد الشعب بالردة ، مادام أنه لا يقاتل في صفوفهم وتحت رايتهم ، ولا يتعاون معهم بشتى الطرق من إمداد بالمال ورصد الأخبار ، أما أبناء الرجال من الشعب ونسائهم ، فهم تبع لهم ، ويستدلوا على ذلك بقول الله تعالى إخبارا عن نوح لما دعا ربه : {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا }. وهكذا هم الخوارج يستدلون بالآيات القرآنية في غير محلها ويتبعون المتشابه منها.