شرح حديث إن قريشا منعتني أن أبلغ كلام ربي
وقال -صلى الله عليه وسلم-: « إن قريشا منعتني أن أبلغ كلام ربي »1 .
رواه أبو داود في باب السنة، والترمذي وقال: حديث غريب صحيح، وابن ماجه، ورواه البخاري في خلق أفعال العباد مُعلقا، ثم رواه فيه مسندا .
قال فضيلة الشيخ / عبد العزيز الراجحي
نعم. وهذا الحديث صحيح، وهو قوله -عليه الصلاة والسلام-: « إن قريشا منعتني أن أبلغ كلام ربي »1 وذلك في أول البعثة، حينما كان -عليه الصلاة والسلام- بمكة منعوه أن يبلغ كلام الله، والحديث فيه إثبات كلام الله -عز وجل-، وأن الله تكلم بالقرآن.
وفيه الرد على الجهمية الذين أنكروا أن يكون القرآن كلام الله -عز وجل-، أنكروا كلام الله، قالوا: إن الله لا يتكلم، وقالوا: إن الكلام وصف لمخلوقاته، وكذلك المعتزلة، وكذلك الأشاعرة الذين يقولون: إن الكلام ليس بحرف ولا صوت، وإنما هو كلام نفسي.
قالوا: إن الكلام معنى قائم بنفس الرب، وأما هذا الكلام الموجود في القرآن فهذا عبارة عن كلام الله، تكلم به جبريل أو محمد، عبر به جبريل أو محمد، فالأشاعرة يقولون: إن الله ما تكلم بالقرآن، القرآن ليس حرفا ولا صوتا، الكلام ليس بحرف ولا صوت عند الأشاعرة، بل هو كلام معنى بالنفس، قائم بنفس الرب، مثل العلم.
أما هذا القرآن الذي يتلى، قالوا: هذا المعنى من الله، والكلام ليس من الله، الحروف ليست من الله، وإنما هي من جبريل أو محمد، بعضهم قال: إن جبريل اضطره الله ففهم المعنى القائم بنفسه فعبر بهذا بالقرآن، فهذا القرآن الذي بين أيدينا عبارة عبر بها جبرائيل، وقال آخرون من الأشاعرة: إن الذي عبر به محمد، وقالت طائفة ثالثة من الأشاعرة: إن جبريل أخذ القرآن من اللوح المحفوظ، والله لم يتكلم بكلمة.
وهذا من أبطل الباطل، فهذا الحديث فيه رد عليهم؛ لأن النبي قال: « إن قريشا منعتني أن أبلغ كلام ربي »1 والنصوص في هذا كثيرة من الكتاب ومن السنة، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ﴾2 ولم يقل: حتى يسمع ما هو عبارة عن كلام الله، دل على أن الله تكلم بالقرآن، والكلام لا يُسمى كلاما إلا إذا كان من حرف وصوت.
فالله تعالى تكلم بالقرآن، وسمعه جبرائيل من الله -عز وجل-، وأنزله على قلب محمد -صلى الله عليه وسلم-، كما قال الله -سبحانه وتعالى- في كتابه المبين: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾3 .
ومقصود المؤلف -رحمه الله- التحذير من أهل البدع الذين أنكروا أن يكون القرآن كلام الله -عز وجل-، من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، التحذير من أهل البدع، ومن أقوالهم الباطلة المخالفة للنصوص، هذا من النصوص التي فيها الرد على أهل البدع. نعم.
1 : الترمذي : فضائل القرآن (2925) , وأبو داود : السنة (4734) , وابن ماجه : المقدمة (201) , وأحمد (3/390) , والدارمي : فضائل القرآن (3354).
2 : سورة التوبة (سورة رقم: 9)؛ آية رقم:6
3 : سورة الشعراء (سورة رقم: 26)؛ آية رقم:193 - 195
(شرح الشرح والإبانة الإبانة الصغرى - ص 94- ط مكتبة العلوم و الحكم )