الحضارة الإسلامية هي جزء من دين ملؤه الرقي و السمو و طبعا يكون بالأخلاق الفاضلة و العادات والتقاليد المحترمة و العلوم المزدهر ة , وهذا المفهوم عرفته الشعوب الإسلامية الأولى و طبقة دعوى الإسلام فحققت الازدهار و التطور في مختلف مجالات الحياة فأمنت للعالم الإسلامي عظمة و هيبة جعلته الرائد بلا منازع , و فتحت المجال أمام الأسماء الإسلامية بأن تبرز و تخرج لتعرف بالعقل المسلم ولترفع عنه الاتهامات , فحقق عباقرتها انجازات خدمت البشرية مدى الدهر ، و جعلت الاعترافات تقربها , فاكتشف العلماء و اخترعوا و ألفوا وبلغت أوجها في العهد العباسي , و لكن كأية حضارة في الوجود لابد لها من الزوال عساها تفتح المجال أمام حضارة أخرى , و طبعا بعد انتشار الغرور , و الضياع اللهو و الفساد , و الابتعاد عن المبادئ المرسومة و التي يعرفها الكل , و لكن قبل أن نغوص في خرابها و دمارها و كشف أخطائها , لما لا نتكلم عن فضائلها و محاسنها و لنفخر كثيرا بأصلنا .
استمرت الخلافة العباسية في المشرق من سنة 132 إلى 656 للهجرة أي لمدة 524 سنة، و بقي للعباسيين بعد ذلك الخلافة بمصر إلى سنة 923 للهجرة.
و تعد الدولة العباسية كما يقول ابن طباطبا كثيرة المحاسن، جمة المكارم، أسواق العلوم فيها قائمة، و بضائع الآداب فيها نافقة، و شعائر الدين فيها معظمة، و الخيرات فيها دائرة، و الدنيا عامرة، و الحرمات مرعية، و الثغور محصنة، و مازالت على ذلك حتى أواخر أيامها، فأنتشر الشر، و اضطرب الأمر.
فقد شهدت الحركة العلمية في العصر العباسي ازدهارا كبيرا في شتى الميادين، يعود سببه إلى ظهور الكثير من العلماء والمفكرين في مختلف العلوم وانتشار حركة الترجمة واهتمام الخلفاء بها، إضافة إلى التوسع في التعليم العام وبناء المدارس والمؤسسات الثقافية مثل دور العلم والربط فضلا عن المساجد. ومن العلماء البارزين في اللغة والادب والشعر الخليل بن أحمد الفراهيدي في علم النحو والعروض (نظم الشعر) والجاحظ في الادب والبلاغة والاصمعي في الادب واللغة, كما تميز الامام بن ثابت الكوفي المعروف بابي حنيفة والقاضي ابي يوسف في علم الفقه. أما شعراء هذا العصر فمن أبرزهم أبو العتاهية وعباس بن الأحنف وابو تمام الطائي والبحتري والمتنبي والشريف الرضي وأبو العلاء المعري وأبو نواس ومن المؤرخين البارزين محمد بن جرير الطبري واليعقوبي وبرز في الجغرافية المسعودي أما في الرياضيات والفيزياء فقد برز أبو الحسن بن الهيثم وفي علم الجبر محمد بن موسى الخوارزمي وفي الكيمياء جابر بن حيان وغيرهم كثيرون ممن ترجمت مؤلفاتهم إلى اللغات الاوربية واستفيد منها في النهضة الاوربية الحديثة. وقد اهتم الخلفاء بالعلم والعلماء فقربوهم وشجعوهم فكان لذلك أثره الكبير على الرقي الفكري في هذا العصر، وأبرزهم الخليفة هارون الرشيد الذي اشتهر بتقريبه العلماء والفقهاء والادباء والشعراء والكتاب وتشجيعهم على البحث والتأليف وتوفير كل ما يحتاجون اليه في بحوثهم ودراساتهم
مظاهر ازدهار الحركة العلمية
1- أصبحت المساجد ساحات علمية ومجالس للدرس والمناظرة والتثقيف .
2-امتزاج الثقافة العربية بثقافات الأمم السابقة .
3-ترجمة كتب العلوم المختلفة إلى العربية والإضافة إليها.
4-ظهور علم الكلام للرد على الملا حدة والزنادقة .
5-ازدهار الثقافة الدينية تفسير القران جمع الأحاديث نشأة الفقه
6- ازدهار العلوم اللغوية بظهور مذهب الكوفيين والبصريين في دراسات النحوية
7-الاهتمام بالتأليف البلاغي والنقدي ورواية الشعر والنوادي والأخبار
8- ظهور مذهب المحدثين في الشعر وتعدد اتجاهات الشعراء وأغراضهم .
9- تجدد أساليب النثر وتنوع فنونه مثل الخطابة و الكتابة والتأليف .
اثر الحركة العلمية في الحياة الفكرية في عصر العباسي
شهد العصر العباسي نهضة حضارية عظيمة وحركة فكرية رائدة امتدت لتشمل العديد من المجالات، وكان لوعي الخلفاء والحكام ورعايتهم للعلم والفن والثقافة والأدب أكبر الأثر في تشجيع العلماء والأدباء والفقهاء والشعراء على الإجادة والإبداع، وإشعال الرغبة في الإجادة والتميز في نفوسهم حيث حظي العلماء والنابهون من الأدباء والفقهاء والشعراء بمكانة متميزة، ليس في بلاط الخلافة فحسب وإنما صارت لهم منزلة مرموقة في المجتمع كله
وقد أدى هذا الاهتمام من جانب الخلفاء والحكام بالعلم والعلماء إلى ظهور عدد كبير من العلماء الأفذاذ الذين حملوا على عاتقهم تلك النهضة الحضارية الواعدة،
وقادوا مسيرة العلم والتقدم، ودفعوا عجلة الحضارة الإسلامية تلك الدفعة القوية التي ظلت أصداؤها تتردد في ظلام أوربا لعدة قرون
كان تطور الفكر العربي في العصر العباسي نتيجة لما مر عليه من أحداث سياسية و اجتماعية, و من مظاهر تطور الفكر في العصر العباسي
أصبحت الترجمة عملا رسميا بعدما كان في العصر الأموي عملا فرديا يقوم به بعض الراغبين فيه, و هذا ما أدى إلى اكتساب كثيرا من العلوم و الآداب من البلاد المترجم عنها بفضل الرحلات و البعثات العلمية و أول من عني بالترجمة من الخلفاء العباسيين أبو جعفر المنصور ثم نشطت الترجمة في عهد هارون الرشيد و خاصة في عهد المأمون
تطورت الحياة الفكرية من بعد 50 سنة فقط من بداية دراسة العرب لثقافات الأمم الأخرى عن طريق الترجمة فقد اهتم العباسيون بالعلوم و الفنون المختلفة, و أول العلوم اهتموا بها هي علو التفسير و الفقه و النحو, المنطق و الأدب و من ذلك انتقلوا إلى الاهتمام و العناية بالعلوم الكونية من الفلك , طب , رياضيات الفيزياء
فمن أهم الشخصيات العلمية من العصر العباسي التي أسهمت في إثراء الفكر الإنساني نجد: ابن سينا, أبو بكر الكرخي, محمد الكاشني ,أبو الريحان البيروني, محمد أبو الوفا البوزجاني , أبي سهل عيسى النصراني و ابوعباس المأمون و اعد ريحان البيروني و أبو بكر الرازي.