بسم الله الرحمن الرحيم
نقد نظرية ( العقد الاجتماعي ) social contract
تعريف النظرية : هي ( نظرية فلسفية يراد بها تفسير فكرة أصلالدولة وقيامها ، ومؤداها أن الدولة قامت نتيجة لتعاقد تم بين الشعب والملك بشروطمعينة . وأية مخالفة من جانب الملك لهذه الشروط تعتبر مبررا لفسخ العقد الاجتماعيالذي يفترض تخلي الناس عن حالة الفوضى ليكونوا المجتمع الذي يريدون )
هذا هوتعريف هذه النظرية كما جاء في ( معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية ) للدكتور / احمدزكي بدوي ص 383.
وعبر بالملك هنا لأن هذه النظرية ظهرت في عهد أسرة البوربونالحاكمة في فرنسا قبل الثورة الفرنسية 1789م.
نشأتها :
نشأت هذه النظرية فيأواخر القرن السابع عشر / وخلال القرن الثامن عشر ، ومن أوائل القائلين بها كل منهوبز وجان جاك روسو وفولتير وغيرهم ، وتحققت نظريا إبان الثورة الفرنسية في حكومةالإدارة ، وأقول نظريا ، لأن الثورة الفرنسية قد تخلت عن كثير من شعارات حقوقالإنسان والحرية حيث سفكت فيها الدماء وظهر لون جديد من الديكتاتورية ( الاستبداد ) باسم الثورة والشعب ، بل إن نابليون حين نصب إمبراطورا لفرنسا ( 1814م ) قد طوحبكثير من أسس الثورة ورمى بها في مزبلة ( المصالح العليا ) ، وهي واحدة من منادحالذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون .
هذه النظرية تخالف النهج الإسلامي في الحكموالسياسة والسيادة من وجوه :
1- أنها تعطي السيادة المطلقة للشعب دونالله تعالى ، وهو صاحب الحكم والأمر سبحانه ، قال الله تعالى ( قُلْ إِنِّي عَلَىبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِإِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) الأنعام ، فبيده الحكم والسيادة وهو سبحانه خير الفاصلين ، ومن الفصل : الأمروالنهي والحكم والتشريع .
2- تجعل نظرية العقد الاجتماعي العقد اجتماعيا ،والعقود في الإسلام ربانية شرعية ، أي أنها تقوم على أساس الخضوع للدين والشريعةممثلة في القرآن الكريم والسنة الشريفة ، وليس للشعب ،/ ولا لبشر مهما أوتي منالعلم والعقل والثقافة والحصافة .
3- من أسس هذه النظرية أنها بشريةالاختيار والبناء والأسس والتفسيرات ، فواضعوها بشر ، وهم غير مسلمين منهم كما ذكرتآنفا : هوبز وروسو وفولتير وغيرهم ، وبالتالي فالنظرية ترفض أن يحتكم الشعب فيمسألة التعاقد بين الحاكم والشعب إلى القرآن والسنة بل إلى اختيار الشعب المتمثل فيالدستور الوضعي .
4- تقوم هذه النظرية على أساس المنفعة ، والمنفعة الدنيويةفقط ، ولا تقيم أي اعتبار للمنفعة الأخروية ، وبالتالي فهي نظرية علمانية - وأرجوألا يأتي أ حد فيغالط في هذه الحقائق - بينما العقد الرباني الشرعي في الإسلام يقومعلى تحقيق المنفعة الأخروية في الأساس ومعها المنفعة الدنيوية قال تعالى (وَابْتَغِفِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَالدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَفِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) القصص ، ومن نتائجنظرية العقد الاجتماعي حين لا تهتم بالمنفعة الأخروية أن ينتشر الفساد في الأرض ،أي أن المنفعة الدنيوية التي تتغياها نظرية العقد الاجتماعي لاتتحقق هي أيضافتأمل.
5- يلغي القول بهذه النظرية مبدأ البيعة في الإسلام التي هي الأساسفي تحقق العقد الرباني الشرعي بين الحاكم و الرعية و ألفاظها ( أبايعك على كتابالله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ) ، فنظرية العقد الاجتماعي لا تأتي على ذكرالكتاب الكريم ولا السنة المشرفة ، أي أنها تسقط مبدأ التحاكم إلى القرآن والسنةوحصر التعاقد فيهما وتسقط نظرية الشرط في البيعة الشرعية وهو ذكر الكتاب والسنةكشرط أصيل في البيعة ، فهي نظرية يردها الإسلام لذلك ولكل ما تقدم .
6- وأخيرا – وليس آخرا- فهي تدعو إلى دستور غير إسلامي ، أي وضعي ، يصممه القانونيونوغيرهم ، وقد يقول قائل : بل هو دستور إسلامي مصدره الكتاب والسنة ، وربما قال قائلمصدره الرئيس الكتاب والسنة : وهنا يصبح معه مصادر أخرى ، لأنه ليس المصدر الوحيد ،وقد يزايد بعضهم فيقول بل دستوره الإسلام فما الضير من استعمال هذا اللفظ ( العقدالاجتماعي ) و لفظ ( الديموقراطية ) ووو ،،،،،،، من الألفاظ التي تحمل دلالات عقديةومنهجية واضحة ومناقضة للشريعة الإسلامية ، وقد رددنا على هؤلاء في مواضع سابقة ،وهنا وعلى عجالة نقول : إذا كنتم تريدون الإسلام منهجا ودستورا فلماذا تتخطون ألفاظالإسلام في الحكم والسياسة والسيادة إلى ألفاظ لمناهج تناقضه روحا ومعنى ومبنىوعقيدة .
إن القوم في الحقيقة لايرفعون شعار الشريعة الإسلامية في بعضبياناتهم إلا لخداع الناس و إيقاع بعض الدعاة في شراكهم ، بينما يعتبر استعمالالألفاظ الكفرية – التي جاءت من قبل عقول كافرة وحضارات كافرة – هي الإطار العامالذي سيحكم كافة التوجهات والتشريعات والمناشط السياسية بعد أن تترسخ ويتفق الجميععلى استخدامها لتأطير الفعل السياسي و ترتيب أوراقه وتنظيم أولوياته وتحديد مساراتهووضع مناهجه وآلياته . قالالله تعالى : (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِبَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَيَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْأَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)النور ،و أتوجه بوعيد الله هذا إلى الذين يخالفون عن أمره ممن يعتبر نفسه من الدعاة ولكنهيسعى مع هؤلاء ويعجب بأقوالهم ومراميهم المخالفة لشريعة الله ولدينه القويم ،فليحذر هؤلاء من عاقبة سعيهم هذا وهم ممن قامت عليهم الحجة بالعلم الشرعي والنصيحة .
منقول للكاتب:
عليالتمني