حدثني أستاذ متقاعد – في تألم وحسرة – عن بنته، وقال لم أندم في حياتي على شيء ندمي على تعلمها.
وبعد أن زم على شفتيه في إطراقة خفيفة، رفع رأسه وقال ووجهه يقطر حزنا: لقد أصاب الحكيم الذي رأى فتاة تتعلم وقال:"أفعى تُسقى سما" ذلك لأن المرأة إذا تركت على جهلها كانت ملاكا تنفع نفسها وغيرها، وإذا تعلمت صارت شيطانا مريدا!
وأضاف: إن المرأة هيأها الله تعالى بتركيبتها الخاصة واستعدادها وصبرها للحمل والوضع، والرضاعة، والعناية بالطفل، والحدب عليه، والقيام بشؤون المنزل!
أما تعليمها فإنه يخرجها عن طبيعتها، وعما خلقت له، ومن ثم فإنها تصير شرا لا يحتمل!
وبعد حديث طويل عرض فيه صورا من سلوك ابنته لا تدل إلا على الحماقة والطيش، قلت له: العهدة فيما وقع، عليك أنت لا على تعليم ابنتك، فتعليم المرأة أمر ضروري لا شك فيه، يهذب روحها، ويرقق طبعها، ويوسع مداركها، ويسدد خطاها، ويشعرها بواجبها نحو نفسها ونحو زوجها وأبنائها وأسرتها وأهلها ونحو الناس جميعا!
ولكنك أنت الذي قصرت في رعاية أخلاقها، ومراقبة سلوكها، وتعهدها بالتوجيه والإرشاد، يدل على ذلك ما ذكرته من إطلاق الحرية لها، وغض بصرك عمن تعاشر من البنات!
إن الفتاة إذا لم تحصن بالأخلاق الكريمة، ولم تؤت قسطا من التعليم الديني، كان تعليمها حينئذ شرا عليها وعلى أسرتها وعلى مجتمعها، وكان جهلها خيرا من علمها الذي تضر به ولا تنفع، وتفسد به ولا تصلح، وقد قال الشاعر وأجاد القول:
رب جهل أجدى على الناس من علـ
ـم يثير الأذى ويقسي القلوبا
كم أضر العلم الحديث بأهليــ
ـه فأضرى على الأنام الخطوبا
فإذا ما عددت ما أبدع العلـ
ـم بإحسانه فعد الذنوبا
واذكر الغاز والصواعق تترى
واذكر الويل والأذى والحروبا
إن المرأة إذا تعلمت، وصلحت، واستقامت، صنعت المجد، وبنت التاريخ، ولكن على الآباء والأمهات أن يشعروها بعزها وكرامتها، ويلفتوها إلى اعتزازها بعفافها وحيائها، ويضعوا نصب عينيها قول الله تعالى:} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ{. 16
الاستاذ: محمد الصالح الصديق