أيها المسلمون : تسقط النفقة على الزوجة في عدة حالات : أولاً / أن يكون العقد فاسداً كنكاح الشغار ، ونكاح المتعة وغير ذلك ، ثانياً / أن تكون المرأة ناشزاً ،
ثالثاً / أن تكون الزوجة غير مدخولٍ بها ، مالم يمكنه أهلها من ذلك ، فإن مكنوه فتأخر وتباطأ وأبى ، فهنا يجب عليه أن ينفق عليها ، رابعاً / أن تمتنع من فراش زوجها ، فإن امتنعت وعصت أوامره ، وضرته وآذته ، سقطت نفقتها حتى ترجع إلى رشدها ، وتحكم شرع ربها .
عباد الله : ربما كان بعض الأزواج شحيحاً بخيلاً ، وهي صفة مذمومة ، مقبوحة مرفوضة ، وعند الله ممقوتة ، فمن كانت تلك صفته ، وتلك همته ، فيجوز للمرأة أن تأخذ من ماله ما يكفيها ويكفي بنيها بالمعروف ، وهذه فتوىً من محمد صلى الله عليه وسلم حينما اشتكت إليه هند بنت عتبة رضي الله عنها فقالت : يا رسول الله ! إن أبا سفيان رجل شحيح أفآخذ من ماله ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : " خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف " ، فهي رخصة لهند رضي الله عنها خاصة ، ولنساء الأمة عامة ، فاتقوا الله عباد الله في أزواجكم ، وارعوا حقوقهن ، وإياكم والتفريط فيها ، فربما أوصل ذلك إلى نار تلظى ، وعاقبة لا ترجى .
ألا وإن من حقوق المرأة على زوجها ، ألا يضرب ضرباً مبرحاً ، وألا يقبح ، وألا يستخدم أساليب التجريح في المعاملة ، والكلمات القاسية ، والألفاظ النابية ، والأوامر الصارمة ، والتهديدات الفاضحة ، فذلكم خارج عن تعاليم الإسلام والشرع الحنيف ، فلا يضرب المرأة على أتفه الأسباب ، إلا رجل سيئ الخلق ، ناقص العقل والفهم ، قاصر التفكير والتأمل ، مريض معتوه ، غير عارف بدين الله الصحيح ، ولقد جاء في الأثر : " ما أهانهن إلا لئيم ، وما أكرمهن إلا كريم " ، وعن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: " أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت ، ولا تضرب الوجه ، ولا تقبح ، ولا تهجر إلا في البيت " ، قال الصنعاني : " في الحديث دليل على جواز الضرب تأديباً ، إلا أنه منهي عن ضرب الوجه للزوجة وغيرها " ، فعلى الزوج أن يسعى جاهداً لحماية بيته ، وصيانة عرينه من أن تكتنفه الهموم ، أو تتملكه الغموم ، أو أن تتربص به المشاكل الدوائر ، فالمرأة خلقت من ضلع ، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه ، فيجب أن يستمتع بها الزوج على اعوجاجها ، لأن هذا العوج طبيعة جبلية في جل النساء ، لا تستطيع دفعه ، ولا تملك رفعه ، ولكن بحكمة الزوج ، ومعرفته بشريعة ربه ، يستطيع التعامل والتكيف مع ذلك العوج ، قال تعالى : " وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً " ، وقال صلى الله عليه وسلم : " لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئاً قالت ما رأيت منك خيراً قط " ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يفرك مؤمن مؤمنة ـ لا يبغض ـ إن كره منها خلقا رضي منها آخر " ، قال الشوكاني : " فيه الإرشاد إلى حسن العشرة، والنهي عن البغض للزوجة بمجرد كراهة خُلُق من أخلاقها ، فإنها لا تخلو مع ذلك عن أمر يرضاه منها زوجها " ، فعلى ذلك من أعظم حقوق المرأة على زوجها أن ينبسط معها في البيت ، فيهش للقائها ، ويستمع إلى حديثها ، ويمازحها ويداعبها تطييباً لقلبها ، وإيناساً لها في وحدتها ، وإشعاراً لها بمكانتها من نفسه ، وقربها من قلبه ، وربما ظن بعض الجاهلين أنّ مداعبة الزوجة وممازحتها مما يتنافى مع الورع أو الوقار أو الهيبة التي يجب أن تستشعرها الزوجة نحو زوجها ، ولا ريب أن ذلك خطأ فاحش ، ودليل على غلظ الطبع ، وقسوة القلب ، وجهل الشريعة ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو العابد الخاشع ، القائد الحاكم ، من أفكه الناس مع زوجاته ، وأحسنهم خلقاً ، كان يمزح معهن بما يدخل السرور إلى قلوبهن ، ويقص لهن القصص ، ويستمع إلى قصصهن ، وكان يسابق عائشة رضي الله عنها ، ومن هنا قال عليه الصلاة والسلام : " أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقا وألطفهم بأهله " [ أخرجه الترمذي وغيره ] ، وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع : " واتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله " ، وقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة في الوصية بهن ، وبيان حقوقهن ، والتحذير من التقصير في ذلك ، فالله الله بالنساء ، أوصيكم بهن خيراً ، فهن الزوجات ، والأمهات ، والأخوات ، والبنات ، فاتقوا في النساء ، بارك لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، أقول قلي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه كان للأوابين غفوراً .
------------
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر ، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إرغاماً لمن جحد به وكفر ، وإذلالاً لمن أشرك به وفجر ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد البشر ، الشافع المشفع في المحشر ، صلوات ربي وسلامه عليه ما اتصلت عين بنظر ، وما سمعت أذن بخبر ، وعلى آله وأزواجه الميامين الغرر ، وأصحابه خير صحب ومعشر ، وعن التابعين لهم بإحسان ما بدأ الفجر وأنور . . . أما بعد : فأوصيكم ونفسي أيها الناس بتقوى الله تعالى ، فهي المنجية من عذاب النار ، والمؤدية إلى دار الأبرار ، قال تعالى : " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب " .
أمة الإسلام : ومن حقوق الزوجة على زوجها ، أن يعينها على صلة رحمها ، واتصالها بأهلها ، وزيارة أقربائها ، ما لم يكن في ذلك حدوث مفاسد ، ووجود مخاطر ، كإفساد المرأة على زوجها ، ودعوتها إلى التحرر والتفكك من قيود الشريعة ، أو إثقال كاهل الزوج بكثرة الطلبات والنفقات ، فهنا تُمنع المرأة من الزيارة ، ألا وإن من حقوق الزوجة على زوجها ، أن يسكنها في سكنٍ خاص بها ، لا يشاركها فيه أحد ، كي تأخذ حريتها في منزلها ، وراحتها في بيتها ، تنظيفاً وترتيباً ، وتكميلاً وتكييفاً ، لا سيما إذا كان للزوج أكثر من زوجة ، فالواجب عليه شرعاً العدل بين زوجاته ، وإسكان كل زوجة في سكن مستقل بها ، هكذا أفتى به جمهور أهل العلم ، بل ساق بعضهم إجماع العلماء على ذلك ، فاتقوا الله أيها الأزواج في زوجاتكم ، وإياكم وظلمهن ، فإن الظلم تعد وإجحاف بحق النساء ، وعدوان صريح يأباه رب الأرض والسماء ، وتعد واضح لحدود الله ، وارتكاب للمناهي والمحرمات ، ولقد حرم الله الظلم وتوعد أهله بأشد العذاب ، قال الله تعالى في كتابه : " إن الظالمين لهم عذاب أليم " ، وقال تعالى في الحديث القدسي : " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا " [ أخرجه مسلم ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة " [ أخرجه البخاري ومسلم واللفظ له ] ، وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يفلته " ، ثم قرأ " وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد " [ أخرجه البخاري ومسلم ] ، فاتقوا الله في النساء ، واحذروا غضب الله وعقابه ، وخذوا وقاية من ناره وعذابه ، وأعلموا أن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وعليكم بالجماعة ، فإن يد الله على الجماعة ، ومن شذ ، شذ في النار ، عباد الله : إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه ، وثنى بملائكته مسبحة بقدسه ، وثلث بكم معاشر المسلمين من جنه وإنسه ، فقال جل وعلا ، في قرآن يقرا ويتلى : " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً " ، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً ، وسائر بلاد المسلمين ، اللهم اجعلنا مجتمعين على الحق غير متفرقين فيه ، اللهم يسرنا لليسرى ، وجنبنا العسرى ، واغفر لنا في الآخرة والأولى ، اللهم أبرم لأمتنا أمر رشد ، يعز فيه أهل طاعتك ، ويذل فيه أهل معصيتك ، ويؤمر فيه بالمعروف ، وينهى فيه عن المنكر ، يا حي يا قيوم ، يا ذا الجلال والإكرام ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ، وأدخلنا الجنة مع الأبرار ، يا عزيز يا غفار ، اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين ، الأحياء منهم والميتين ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان ، وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر ، والله يعلم ما تصنعون .
منقول من صيد الفوائد