الكلِمُ الطيّب ..

[صوت خافت]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه .. وبعد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

الكتابةُ فنٌ يشدو وخُلقٌ يسمو وذوقٌ يعلو ، وصنعةٌ أدواتُها حرفٌ يرسِمُ حرفًا وكلمةٌ تنسج أختها ، بقوالب من معانٍ بعضها آخذٌ برقابِ بعض ، صاغها وحاك خيوطها من أمسكَ نصْلهُ وقلّبه فسنّ رأسهُ وحدّ شفرته واستحضر لُبابة عقلِه ، ليفْلِق لنا بين السطور أنهارا ويُفجّر من الينبوع أنهارا ويُشعل مع قتمةِ الليل منارا .


الكلمةُ _ أخوتي في الله _ هي علامةُ عقولنا ولُغة التخاطب هي البريد الحيّ لمكنوننا وقلوبنا ..
لذلك وصف ابن القيّم رحمه الله تعالى اللسان بأنّه " بريد القلب وترجمانه " ، وكلما تعالت العبارة عن سفسفات البذيء من الكلام والسقطِ من لغطِ القول وصخبهِ كلما ارتقت بصاحبها وسمت بهِ ولا يتأتّى ذلك إلا بالتأسّي باللفظ القرآني والنبوي بعد الاستعانةِ بالله سبحانه وتعالى ..
وانظر _ يا رعاك الله _ وتأمّل في لغةِ القرآن حيثُ سمو الألفاظ وجمال التعبير والتهذيب اللغوي الفريد .
ولنأخذ مثالا على ذلك قول الله تبارك وتعالى " أو لا مستم النساء "
وقوله تعالى " وإن طلقتموهن من قبل أنْ تمسوهنّ "
وقوله تعالى " هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهن "
فتجدهُ يُكنّي بالملامسةِ والمس عن " الجماع " بأدبٍ في العبارةِ وجمال في الاسلوب .


الكلمةُ جسرٌ .. لا تعبُر الأنهار والبحار ومفازةُ القفار فحسب ، بل تتعدّى ذلك فتصلُ مشرق الأرض بمغربها ،
وتشقّ الفضاء فلا مكان يحدّها لتصل القاصي بالداني ، وتتحدّى الوقت فلا زمان يصُدّها لتربط الحاضر بالفاني ،
فالنتعاهد كلماتنا بالتهذيب والتشذيب ، ولننتقيها كما يُنْتقى الطيبُ من الثمر على التلال العُفْر ، لنجني بعد إثر ذلك
شجرةٌ خضراءَ مورقة ، ومعانٍ باسقةٍ مونقة .


وإنْ تباعدت بنا الآراء وتباينت الأهواء فالنتذكر لغة القرآن ولنجعلها حيّة تتنبض بها حروفنا ، وتتوحد خلالها صفوفنا ،
فتتعانق قلوبنا وتتصافح كفوفنا .
وأخيرًا دعوني أُشنّف مسامعكم بخير الكلام .. كلام الله جل وعلا حيث قال :
" وقولوا للنّاس حُسْنا "
" قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن "
وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم :
" أطِب الكلام "
" عليك بحسن الكلام "
" الكلمة الطيبة صدقة "