المعلق:
في شمال شرق "مدغشقر" يأوي خليج "جوان جيل" واحدة من أخر الزواحف. لم يأت إلى هذه الأرض سوى عدد قليل من السياح، لكن جاء العلماء من مختلف أنحاء العالم، يعيش "ماكسيم" عالم الطبيعة الفرنسي في هذه المنطقة منذ ثمان سنوات، اختار دراسة عائلة كبيرة تتكون من مائة نوع أو أكثر عائلة "الحرباء".
ماكسيم:
أُعجبت دائمًا بالحرباء، فهي غير عدوانية على الإطلاق، وتندمج تمامًا في محيطها. إنها حيوان يكتنفه الغموض.
المعلق:
تتبع "الحرباء" في غابة كثيفة يعني المشي المتعب لمسافة طويلة، هذا الحيوان الشجري نادرًا ما ينزل إلى الأرض؛ حيث تكون معرضة للخطر، وفي معظم الوقت فإنها تختفي بين الأشجار وتراك دون أن تراها.
لكن عدم الرؤية لا يعني الحماية، فمع الطيور الجارحة والأفاعي المفترسة، وحيث أن الحرباء لا تستطيع مجاراة السرعة؛ فإنها تختفي خلف فرع شجرة دون أن تتحرك حتى يغادر المهاجم المحتل.
قبل اكتشاف وتعريف أنواع جديدة على "ماكسيم" أن يغزو الغابة، فالتنوع الجيوفيزيائي والمناخات المختلفة على الجزيرة؛ أوجدت بيئات محددة يؤوي كل منها نوعًا خاصًا من الحيوانات.
تغير الحرباء ثوبها مرتين أو ثلاثة سنويًا وتتخلص منه بحكه بفروع الأشجار. تعيش الحرباء في المناطق قليلة الأشجار، وهي مخلصة جدًا لمناطقها، وعندما يحدد "ماكسيم" المكان الذي تعيش فيه يكون متأكدًا أنه سيجدها، لسانها يجذب الحشرات، و"السرعوف" ليس هدفًا سهلاً لهذا الحيوان الصغير، وفي هذه الحالة فإن التعقل أفضل من الشجاعة.
تعتبر مدغشقر من أكبر الجزر في العالم، انفصلت عن إفريقيا قبل مائة وخمسين مليون سنة، ومنذ ذلك الحين وحيواناتها ونباتاتها مستقلة عن بقية الحيوانات والنباتات، بالنسبة لـ"ماكسيم" فإنها جزء من كنز، فمن بين مائة وثلاثين نوعًا من الحرباء تعيش نصفها هنا تقريبًا.
يغطي عيني الحرباء جفن سميك مستقلان عن بعضهما ولها مدى رؤية مائة وثمانين درجة أفقية، وتسعين درجة عمودية تستطيع أن ترى خلفها دون أن تحرك رأسها، وأن ترى في ذات الوقت الفريسة المحتملة أمامها.
وللإمساك بفريستها؛ يجب أن تتحرك للأمام بالتالي تكشف عن وجودها، يظهرها هذا التحرك للأمام والخلف كورقة تهتز في النسيم. بطء حركة الحرباء وتمويهها يظهرها أنها وحيدة، وتستطيع تلوين جسدها حسب رغبتها في معظم المواقف الحرجة، وهي تحاول الإمساك بفريسة قريبة أو إن أمكن المفترس الذي يعبر الطريق.
أحيانًا هذا التكتيك لا يكفي، خصوصًا بالنسبة للحرباء الصغيرة التي لا يتكلل صيدها بالنجاح، يبلغ طول لسان الحرباء طول جسمها ينطلق كالسهم في الهواء، طرفه شبيه بملعقة الصيدلاني ينطبق على الفريسة. تستعمل الحرباء ذيلها كمخلب خامس، الأصابع تنقسم إلى مجموعات متقابلة من سلامتين أو ثلاثة؛ لتمكن الحيوان من الإمساك بفروع الأشجار بدلاً من التعلق بها، يذكرنا شكلها بالتنين الذي عاش في عصور ما قبل التاريخ.
بالصبر والمثابرة يستكشف "ماكسيم" كل نبتة وكل ورقة بحثًا عن حرباء جديدة، ومنذ ثلاث سنوات وهو يعمل في برنامج لحماية أكثر الأنواع عرضة للخطر، رغم إحرازه بعض النجاح في تكاثر الحرباء في الأسر فلا يزال الطريق طويلاً أمامه؛ لهذا يستمر في جمع الأزواج من هذا الحيوان.
رغم جهوده فإن من المستحيل إيجاد بعض الأنواع أكثرها ندرة يُسمى "بروكيشيا"، فبالإضافة لكونها من بين أصغر الأعضاء في العائلة تعيش على الأرض أيضًا، فلونها القاتم يمتزج مع الأوراق الميتة، و"ماكسيم" يبحث عن أصغر الصغار. أقام ما يشبه حاجز الطرق على الأرض، ووضع مصائد على طول الحاجز.
ماكسيم:
كنت أعجب دائمًا من طريقة عيش الحرباء في بيئتها، فهي تمكث على الأرض عاجزة؛ لأنها لا تستطيع الجري، وفي الماء؛ لأنها لا تستطيع السباحة، لكنها ما تزال قادرة على تدبير حل حسب التضاريس التي تتعامل معها.
المعلق:
بترك الحرباء الشجرة تصبح معرضة للخطر، وتعاني من إجهاد كبير، لكنها بطلة في البقاء ثابتة، وتحاول البحث عن مخبأ تختبئ فيه وتشعر بالأمان.
يلاحظ "ماكسيم" بعناية المنطقة التي يصطاد فيها الحرباء، فبعد قيامه بتجارب الإنجاب يطلقها في نفس البقعة التي أمسكها فيها، وبالتالي يُبسِّط على الحيوان اللقاء مع بيئته، وبعد ساعات من وضع المصيدة يأتي للتأكد من فاعلية أسلوبه، تم الإمساك بعدد من هذه الحيوانات. يضع "ماكسيم" القادمين الجدد في بيئة دفيئة.
وحيث أن هذا الجزء مكرس للإنجاب مع بعض الاستثناءات؛ فإن معظم أنواع هذا الحيوان تبيض أو تنتج البيض. تحفر الأنثى حفرة صغيرة في أرض رطبة، وتضع فيها البيض وتغادر المكان غير مهتمة تمامًا بصغارها، لكن "ماكسيم" وهو كالأم البديلة يلاحظ تطور العشرين حرباء بعناية، وهذا عمل يتطلب وجوده في كل الأوقات.
الأنهار الكبيرة التي تجري في شمال شرق "مدغشقر" تجعل الاستكشاف معقدًا، رغم الصعوبة تم اكتشاف عدد من الأنواع مؤخرًا، خصوصًا على الارتفاعات الكبيرة.
"ماكسيم" ليس العالم الوحيد المهتم بالحرباء، فقبل أربعين سنة استقر الدكتور "أنري بيريراس" وهو عالم الطبيعة من مدغشقر في منطقة خليج "أنطوان جيل"، ويأمل في أن يساعده في أبحاثه.
يستعمل "ماكسيم" ذكر "البارسونيا" فهو يتجول بحرية بين النباتات، وعندما يتم إطلاق سراح الذكر؛ فإنه يتجه إلى قمة شجرة للاستفادة من الحرارة، لكنه يعرف أيضًا بأنه يمكن أن يجد الكثير من الحشرات هناك.
لا تحتمل الذكور تدخل حرباء أخرى في منطقتها، والتغير في لون الجلد يعود إلى حد كبير إلى الانفعال، فالجهاز العصبي للحرباء حساس جدًا، فالغضب والخوف يجعل الخلايا تخفف الأصباغ الموجودة في الجلد، الألوان الفاتحة موجودة بالقرب من سطح الجلد، في حين أن الألوان الداكنة موجودة في الطبقات السفلى، وترتيب الخلايا يعدد الألوان.
خلال الهجوم يظهر أحدهما ألوانًا رائعة، وهذا دليل على قوته، بعض الحرباوات لها قرون. سلاح الحرباء الرئيس هو الإيحاء، عند انتهاء موجة التحدي؛ فإن الخاسر يذهب بعيدًا ويتغير لونه إلى اللون الأسود، ويتبع الذي يفوز الخاسر حتى يتأكد من ذهابه من المنطقة، وما أن تنتهي المنافسة حتى تلجأ الحرباوات إلى طريقة طالما أنها تقوم بها وهي القفز والسقوط للأسفل.
الخيار الأخير للحرباء إستراتيجية شائعة، يكتشف "ماكسيم" أخيرًا هدف كل منافسيه فالأنثى تختبئ في الأوراق طيلة هذا الوقت، ويبدأ الذكر في طرح أوراقه وتتبنى الأنثى ألوانًا محايدة فبالنسبة للحرباء اللون لغة في حد ذاتها.
سُميت حرباء "بروكيشيا" بهذا الاسم نسبة لمكتشفها الدكتور "بيريراس" وككل الزواحف فإن الحرباء من ذوات الدم البارد تستعمل أشعة الشمس لتنشيط وظائفها الفسيولوجية، وفي الليل تتوقف عن كل نشاط.
يستمر "ماكسيم" بجمع الأنواع المختلفة من هذا الحيوان بشكل مستمر، هناك مؤشرات على قدوم الأمطار، لكن بالنسبة للحرباء فقد حان الوقت للتزود بالرطوبة. نادرًا ما تتحرك هذه الحرباء عاليًا في الأشجار. تحتوي المناطق المطيرة في شمال وشرق مدغشقر عددًا كبيرًا من الأنواع، فهذه الغابات الرطبة هي الموطن المفضل لحرباء "كالمونا". الحرباء لا تشرب كثيرًا مثل صغار الضفادع، وتستطيع امتصاص الرطوبة المجاورة من خلال الجلد، تعتبر حرباء "ميريتشار" عملاقة مقارنة مع هذه.
في البيت يقوم "ماكسيم" بفحص الحاضنات، فهو يتوقع بعض الولادات هذا الأسبوع، يختلف زمن الحضانة حسب الأنواع، وعندما تخرج الصغار يجب أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها، تتعلم بسرعة صيد الحشرات، كما أنها تولد ومعها حب الاستطلاع، فبعد أن تفقس البيضة وتخرج الفراخ تفترق عن بعضها وتنتشر بسرعة، وعندما يتقدم بها السن تستقر الصغار وتصبح كالكبار حيث تنتهي أيام تجوالها.
وبعد أيام من التفقيس يرسل "ماكسيم" الصغار إلى الدفيئة؛ حيث الظروف مشابهة للموطن الطبيعي للحرباء، في المراحل الأولى فإن تلون الصغار لا يكون واضحًا، رغم أن بعض نواحي سلوكها كالكبار تستطيع التحرك والإمساك بالنباتات كالكبار، لكن تحركاتها أكثر حيوية وعفوية.. حرباء "البارداليس" تظهر الطبيعة العدائية لنوعها.
يقوم "ماكسيم" بإطلاق العينات التي يمسكها لأبحاثه، واليوم جاء دور "ميلشيور" وبعض الأنواع الأخرى، ككثير من الزواحف غير الضارة فإن الحرباء غالبًا ما تكون ضحية للتكهنات، وفي مدغشقر فإن لها تأثيرًا سيئًا عند الأهالي.
الحرباء من الزواحف التي يقتنيها محبو تربية الحيوانات في غرف معيشتهم، وتعتبر التجارة غير المشروعة، وتدمير موطنها السببين الرئيسين لكون الحرباء من الأنواع المهددة بالانقراض.
وهناك الكثير مما ينبغي تعلمه عن الحرباء؛ لهذا يتابع "ماكسيم" بحثه في هذا الجزء من مدغشقر، وبالنسبة لحرباء "ميلشيور" انتهت مهمته ويمكنه الآن العودة لأراضيه.
مهما صغرت أو عظمت مخلوقات الله؛ فإن فيها سرًا لا يعلمه إلا من خلقها، ويجدر بنا أن نلاحظ كيفية معيشة الحرباء؛ لنعرف الكثير عن أسرار هذه الحياة