باب ما جاء في الحث على كثرة السجود
عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال: لقيتُ ثوبان مولى رسول الله ﷺ فقلت: أخْبِرني بعَمل أعملُه يُدخلني الله به الجنةَ، أو قال: قلت: بأحبِّ الأعمال إلى الله. فسكت ثم سألتُه فسكت، ثم سألتُه الثالثة. فقال: سألت عن ذلك رسول الله ﷺ فقال: «عليك بكثرة السجود لله. فإنك لا تسجد لله سجدةً إلا رفعك الله بها درجةً، وحطَّ عنك بها خطيئةً».
قال معدانُ: ثم لقيتُ أبا الدرداء فسألتُه. فقال لي مثل ما قال لي ثوبان.
📖 شرح الحديث
________________________________________
صحيح: رواه مسلم في الصلاة (٤٨٨) من طريق الأوزاعي، قال: حدثني الوليد بن هشام المُعيطي، حدثني معدان بن أبي طلحة اليَعْمَري فذكر مثله.
عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنتُ أبيتُ مع رسول الله ﷺ فأتيتُه بوضوئه وحاجته، فقال لي: «سَلْ» فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: «أو غير ذلك» قلت: هو ذاك، قال: «فَأعِنِّي على نفسِك بكثرة السجود».
📖 شرح الحديث
________________________________________
صحيح: رواه مسلم في الصلاة (٤٨٩) من طريق الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، حدثني أبو سلمة، حدثني ربيعة بن كعب الأسلمي فذكر مثله، وفي الحديث دليل لمن يقول: إن تكثير السجود أفضل من تطويل القيام. ولكن لما عارضه حديث جابر في صحيح مسلم أن النبيَّ ﷺ قال: «أفضل الصلاة طول القنوت» توقف الإمام أحمد عن الترجيح. والمراد بالقنوت القيام.
ورواه الإمام أحمد (١٦٥٧٩) من طريق أُخرى أتمّ من هذا عن محمد بن إسحاق قال: حدّثني محمّد بن عمرو بن عطاء، عن نُعيم بن مُجمر، عن ربيعة بن كعب، قال: كنت أخْدُم رسول الله ﷺ وأقوم له في حوائجه نهاري أجمع، حتى يصلى رسول الله ﷺ العشاء الآخرة، فأجلس ببابه إذا دخل بيته أقول: لعلّها أن تحدث لرسول الله ﷺ حاجة، فما أزال أسمعه يقول رسول الله ﷺ: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله وبحمده«حتى أملَّ فارجع، أو تغلبني عيني، فأرقد. قال: فقال لي يومًا لِما يرى من خفَّتي له وخدمتي إياه: «سلني يا ربيعة أُعطك«قال: فقلت: أَنظر في أمري يا رسول الله! ثم أعلمك ذلك. قال: ففكّرت في نفسي، فعرفت أنَّ الدنيا منقطعة وزائلة، وأن لي فيها رِزقًا سيكفيني ويأتيني. قال: فقلت: أسأل رسول الله ﷺ لآخرتي، فإنّه من الله عز وجل بالمنزل الذي هو به. قال: فجئته فقال: «ما فعلت يا ربيعة؟ «قال: فقلت: نَعَم يا رسول الله! أسألك أن تشفع لي إلى ربك فيُعتقني من النار. قال: فقال: «من أمرك بهذا ياربيعة؟ » قال: فقلت: لا والذي بعثك بالحقّ! ما أمرني به أحدٌ، لكنك لما قُلت سلني أُعطك، وكنت من الله بالمنزل
الذي أنت به، نظرت في أمري وعرفت أنّ الدنيا منقطعة وزائلة، وأن لي رزقًا سيأتيني، فقلت: أسأل رسول الله ﷺ لآخرتي. قال: فصمت رسول الله ﷺ طويلًا، ثمّ قال لي: «إنِّي فاعلٌ، فأعنِّي على نفسك بكثرة السجود».
إسناده حسن لأجل محمّد بن إسحاق، وقد صرح بالتحديث.
عن خادم للنبي ﷺ رجل أو امرأة قال: كان النبي ﷺ مما يقول للخادم: «ألك حاجة؟ «قال: حتى كان ذات يوم، فقال: يا رسول الله حاجتي. قال: «ما حاجتك؟ «قال: حاجتي أن تشفع لي يوم القيامة. قال: ومن دلك على هذا؟» قال: ربّي. قال: «إمّا لا فأعنِّي بكثرة السجود».
📖 شرح الحديث
________________________________________
صحيح: رواه الإمام أحمد (١٦٠٧٦) عن عفان، حدثنا خالد - يعني الواسطي -، قال: حدثنا عمرو بن يحيى الأنصاري، عن زياد بن أبي زياد مولى بني مخزوم، عن خادم للنبي ﷺ فذكره.
قال الهيثمي (٢/ ٢٤٩): «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح».
قال الأعظمي: وهو كما قال؛ فرجاله رجال الشيخين غير زياد بن أبي زياد، واسم أبي زياد؛ ميسرة من رجال مسلم. وإسناده صحيح، والخادم المبهم في هذا الحديث قد يكون هو ربيعة بن كعب نفسه إلا أنه سأل في الحديث الأول الذي عند مسلم، مرافقة النبي ﷺ في الجنة، وفي هذا الحديث سأل أن يُعتقه الله من النار، فلعلّ هذا سؤال آخر بعد إجابته النبيّ ﷺ بسؤاله الأوّل.
وقوله: «إمَّا لا» بكسر الهمزة، وتشديد الميم، بإدغام نون «إن» الشرطية في ميم «ما» الزائدة، والتقدير: لا تترك هذه الحاجة، فكن أنت معينًا لي على قضائها بكثرة السّجود. أفاده السِّندي.
عن أبي فاطمة قال: قلت يا رسول الله! أخبرني بعمل أستقيم عليه وأعمله. قال: «عليك بالسجود، فإنّك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله درجة، وحطَّ بها عنك خطيئة».
📖 شرح الحديث
________________________________________
حسن: رواه ابن ماجه (١٤٢٢) عن هشام بن عمار وعبد الرحمن بن إبراهيم الدّمشقيان قالا: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن كثير بن مرة أنّ أبا فاطمة قال: فذكر الحديث. والوليد بن مسلم مدلس إلا أنه صرّح بالتحديث.
وعبد الرحمن بن ثابت مختلف فيه، والخلاصة أنه حسن الحديث، إلا ما يروي في تأييد مذهبه في القدر، وأنكروا عليه أحاديث يرويها عن أبيه عن مكحول.
قال ابن عدي: «له أحاديث صالحة، وكان رجلًا صالحًا، ويكتب حديثه على ضعفه، وأبوه ثقة».
والحديث في مسند الإمام أحمد (١٥٥٢٧) من طريق ابن لهيعة، حدثنا الحارث بن زيد، عن كثير الأعرج الصدفي، قال: سمعت أبا فاطمة وهو معنا بذي العواري يقول ... فذكر الحديث.
وابن لهيعة فيه كلام مشهور، ولكن في بعض الأسانيد بروي عنه عبد الله بن المبارك كما في زهده (١٢٩٦) وعبد الله بن يزيد المقرئ، وقتيبة بن سعيد وسماع هؤلاء كان قديمًا.
وكثير الأعرج الصدفي لا يُعرف، ولكن المحفوظ أنه من حديث كثير بن مُرَّة كما قال المزي وغيره. وللحديث أسانيد أخرى غير أن ما ذكرته هو أصحّها.
عن الأحنف بن قيس قال: دخلت بيت المقدس، فوجدت فيه رجلًا يُكثِر السجود، فوجدت في نفسي من ذلك، فلمَّا انصرف قلت: أتدري على شفع انصرفت أم على وتر؟ قال: إن أك لا أدري، فإنّ الله عز وجل يدري. ثمّ قال: أخبرني حِبِّي أبو القاسم ﷺ ثمّ بكى ثمّ قال: أخبرني حِبِّي أبو القاسم ﷺ ثمّ بكى ثمّ قال: أخبرني حِبِّي أبو القاسم ﷺ أنه قال: «ما من عبد يسجد لله سجدة إلّا رفعه الله بها درجة، وحطّ عنه بها خطيئة، وكتب له بها حسنة».
قال: قلت: أخبرني من أنت يرحمك الله؟
قال: أنا أبو ذرٍّ صاحب رسول الله ﷺ. فتقاصَرَتْ إِليَّ نَفْسِي.
📖 شرح الحديث
________________________________________
صحيح: رواه الإمام أحمد (٢١٤٥٢) عن عبد الرزاق - وهو في مصنَّفه (٣٠٦١ - ٤٨٤٧) قال: سمعت الأوزاعي يقول: أخبرني هارون بن رئاب، عن الأحنف بن قيس فذكره. ورواه البزّار (٣٩٠٣) من طريق الأوزاعي به.
وإسناده صحيح. وللحديث أسانيد أخرى رواه الإمام أحمد والطحاوي والبيهقي وغيرهم، غير أن ما ذكرته هو أصحّها.
وفي معناه ما رُوي عن عبادة بن الصامت أنّه سمع النبي ﷺ يقول: «ما من عبد يسجد لله سجدة إلّا كتب الله له بها حسنة، ومحا عنه بها سيئة، ورفع له بها درجة، فأكثروا من السجود».
رواه ابن ماجه (١٤٣٤) عن العباس بن عثمان الدمشقي، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن خالد بن يزيد المُرِّي، عن يونس بن ميسرة بن حلبس، عن الصُّنابحي، عن عبادة بن الصامت فذكره. وإسناده ضعيف لتدليس الوليد بن مسلم؛ فإنّه لم يُصرِّح بالسماع، وإنّه وُصف بتدليس التسوية.