مرت أيامٌ بعد ذلك اليوم، ويبدو أن المنتدى لم ينسَ ** أثــر** ، التي كان اسمها يُذكر ، ولها في كل الأركـان همسًا، ومواضيعها للكلّ متنفساً، يراها البعضُ متمرّدة، والبعض الآخر يراها مجنونة، أما هي فكانت تشعر أنها عادت إلى طفولتها الأولى، حين كانت تندهشُ من كل شيء وتصدقُ كل ضوء...
ففي أحد الأيام، استُدعيت إلى ركــنٍ كبــير في المنتدى، ركنٌ مهيبٌ تتدلّى فيه المرايا وتخفي وجوه الحاضرين، جلست في وُكنتهـا، وأقلام الحقد تحدّقُ فيها ،كما لو كانت متّهمة لا عضوة...
قال أحدهم، بصوتٍ يقطر هدوءًا:
يا أثـــر، كُـفّي عن الكلام، دعي الأمـور تمضي كما هـي، إنّ قول الحقّ لا يُصلحُ شيئًا، بل يثير الفوضَى...
ابتسمت أثــر ابتسامة هادئة، كانت أشبه بنداءٍ خافتٍ من أعماقها قائلة:
الفوضى التي تُـثيرها الحقيقة، أهونُ من السّكون الذي يخلّفه الكذب والنفاق...
ساد الصمتُ، لكنه كان أثقل من أي كلمة، لم يصرخوا فيها، لم يهدّدوها فقط بل قالوا لها أن ترحلي، أن تتركي المنتدى بطريقتهم الخاصة إن أردتِ أن تعيشي بسلام....
خرجت أثــر تجوبُ الصّفحات التي عرفتها حينما كانت مُشرفة، رأت فيها الوجوه ذاتها، لكنها بلا ملامح ومُقرفة...
سارت نحو الهامش المطلّ على المنتدى، هناكَ حيث الأمس بالحاضر إلتقى، جلست وكانت الحسرة تتدفق حولهــا، تعبث بقلبهـا، وتذكّرها بأنها ما زالت على قيد الحيَـاة، رغم كل اللذغات من الأفاعي والحيّـاة...
أغمضت عينيها، ورأت نفسها تمشي في طريقٍ طويل، تُحيط به النيران من الجانبين
فخافت، لكنها حين اقتربت أكثر، اكتشفت أنّ تلكَ النيران لم تكن لتحرقها، بل لتنير لها خُطاها،وتنمحي فيها خطاياها...
وحينما فتحت عينيها من جديد، ابتسمت قائلة بصوتٍ خافت وما خافت...
لقد فهمتُ الآن… ليستَ المخاطر هي ما يحفّ هذا الطريق، بل التطهّر وارتداء معطف الصدق....
نهضت، وعادت تسير نحو المدينة الجلفونية ،غير أنها كانت تعلم ...
أن الظلام ينتظرها عند أول تعليق أو موضوع، وأن الخطر ما زال ،وأن الحظر فعال...
لكن قلبها كان مطمئنًا، لأن النور الذي في داخلها صار أقوى من كل ما حولها...