السؤال:
أختانِ تدرسان في كُلِّيَّة الطِّبِّ، وبعد أَنْ مَنَّ اللهُ عليهما بالاستقامةِ؛ وعَلِمَتَا أنَّ مُزاولةَ الدِّراسةِ فيها ينجمُ عنها مفاسدُ أخلاقيَّةٌ شتَّى، فَعَزَمَتَا على التَّوقُّفِ، وعَرَضَتَا الأمرَ على والِدَتِهما الَّتي رفضَتْ فكرةَ التَّوقُّفِ نهائيًّا، ومَرِضَتْ لأجلِ ذلك وهدَّدَتْهما بالانتحارِ إذا تَوقَّفتَا عن الدِّراسة، فعرَضَتَا عليها فكرةَ الذَّهاب إلى بلاد الحرمَيْن (المملكة السعوديَّة) لإكمالِ الدِّراسة في الجامعاتِ غيرِ المُختلِطة، فقَبِلَتِ الفكرةَ بشرطِ أَنْ تَدرُسَا علومَ الطِّبِّ لا الشَّريعة، كما أنَّه تَقدَّم إلى إحدى البنتين أخٌ خاطبٌ ظاهرُه الاستقامةُ، فهي تسأل عن الزَّواج منه ـ مع صِغَرِ سِنِّها ـ أم أنَّها تُقدِّمُ طلَبَ العلمِ على الزَّواج؛ فما توجيهُكم لهما، وجزاكم اللهُ خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فلا يخفى أنَّ الدِّراسةَ في جامعاتٍ غيرِ مختلطةٍ ـ في بلدِنا وأكثرِ بلادِ المسلمين ـ متعذِّرٌ سواءٌ في مجالِ الطِّبِّ أو غيرِه، وأمَّا الدِّراسةُ في الجامعاتِ المُختلطةِ بالصُّورةِ الغالبةِ دون احترازٍ فهي بابُ فِتنةٍ وذريعةُ فسادٍ، بسببِ اختلاطِ الجِنسينِ اختلاطًا محظورًا دون فاصلٍ بينهما ولا الْتِزامٍ بالضَّوابط، فضلًا عمَّا يَشتَمِلُ عليه مِنْ مفاسدِ التَّبرُّجِ السَّافِرِ للنِّساءِ وانبساطِهنَّ مع الرِّجالِ، أو الخُضوعِ والمُيوعةِ والتَّغنُّجِ(١) بالقولِ، أو بالكلام لغيرِ حاجةٍ أو فوق قَدْرِها، أو بالفُحش في القولِ وبما لا يَحسُنُ بين الجنسين ولو مِنَ الأقارب إلَّا بين الزَّوجين، والمَبيتِ في المُستشفَيَاتِ ـ ذُكورًا وإناثًا على سبيل الاختلاط ـ لأجلِ المُداومةِ والمُراقبةِ الطِّبِّيَّةِ، وغيرِ ذلك مِنَ المفاسدِ والمُنكَراتِ الَّتي لا تأمَنُ المرأةُ منها على نفسِها ودِينِها وحيائِها ولا تقدرُ دَفْعَها؛ لذلك ينبغي عليها تجنُّبُ هذه الأماكنِ حفاظًا على دِينِها وأخلاقِها.
ثمَّ إنَّ المرأةَ في إقبالها على دراسةِ العلومِ الدُّنيويَّةِ فإنَّها ـ غالبًا ـ ما تبتَغِي ـ مِنْ وراءِ ذلك ـ الوظيفةَ والتَّكسُّبَ بها، والمرأةُ غيرُ مُطالَبةٍ ـ شرعًا ـ بذلك ولا حتَّى بالعلومِ الشَّرعيَّة، إذِ الأصلُ فيها المكوثُ في بيتِها الَّذي هو الثَّغرُ الَّذي وُكِلَ إليها حِراستُه والدِّعامةُ الَّتي عليها حِفظُها، وجعَلَه اللهُ لها سِترًا وحِجابًا زائدًا على سِترِ الثِّيابِ حيث قرَنَ الأمرَ بالقَرارِ في البيوت بالنَّهي عن تَبرُّجِ الجاهليَّة، لقوله تعالى: ﴿وَقَرۡنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجۡنَ تَبَرُّجَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ ٱلۡأُولَىٰ﴾ [الأحزاب: ٣٣]، ونفقتُها تكون على مَنْ له القِوامةُ وعليه القيامُ عليها مِنْ أبٍ مُشفِقٍ أو زوجٍ مُنفِقٍ أو غيرِهما مِنَ الرِّجال، ممَّنْ هو كاسِبُها وكاسيها وكافلُها ووليُّها الَّذي يُطالَبُ أَنْ يَعُولَهَا، وأمَّا الاختلاطُ فهو ـ في الحقيقةِ ـ مُخالَفةٌ فرعيَّةٌ وصفيَّةٌ زائدةٌ عن مُخالَفةِ الأصلِ المذكورِ وهو القرارُ في البيت، كما أنَّ حُرْمتَه غيرُ محصورةٍ في الدِّراسةِ فحسبُ، بل يَتعدَّى بالأولويَّةِ إلى الوظيفة الَّتي ستُزاوِلُهَا بعدَ التَّخرُّجِ، وغيرها مِنَ الأماكن.
والمرءُ مُطالَبٌ بسلوكِ طريق الاستقامةِ وبِاجتنابِ سُبُلِ الهلاك والغوايةِ، حيث أمَرَ اللهُ سبحانه وتعالى بالْتِزامِ هذا الصِّراط فقال: ﴿وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ١٥٣﴾ [الأنعام]؛ ومِنْ جملةِ الوصايا المُندرِجةِ في هذا الصِّراطِ المستقيم وهي مِنَ الوصايا العَشْرِ في سورة الأنعام: ﴿وَلَا تَقۡرَبُواْ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الأنعام: ١٥١] الَّذي يقتضي تَجنُّبَ الأسبابِ المُفضِيةِ إليه مِنَ النَّظرِ المسمومِ، والسَّماعِ المُهيِّجِ، واللَّمسِ المُحرَّمِ، وهذه كُلُّها مِنَ المُحرَّمِ لغيره لأنَّها أسبابٌ مُفضِيَةٌ إلى معصِيَةٍ أكبرَ؛ ولم يأمرِ اللهُ تعالى المرأةَ أَنْ تخرجَ لِدِراسةِ الطِّبِّ ولا غيرِهِ مِنْ علومِ الدُّنيا، ولم يَأذَنْ لها في ذلك إذا كان فيما فيه اختلاطٌ ولم يكن بها إليه حاجةٌ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَوَائِجِكُنَّ»(٢)، فأفاد عدَمَ الإذنِ في الخروج لغيرِ حاجةٍ أو فوق الحاجةِ شأنَ الخرَّاجات الولَّاجات، وإنَّما أمَرَها بتَعلُّمِ شرعِ ربِّها وما بهِ تُقيم دِينَها، وهي داخلةٌ في قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ [بِهِ] طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ»(٣)، وفي قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «طَلَبُ العِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»(٤)، ومع ذلك فإذا كانت دراسةُ ما تحتاجه مِنَ العلوم الشَّرعيَّةِ أو الضَّروريِّ منها لم تَسلَمْ مِنْ مُلابَسةِ الاختلاط فلا يَسقُط عنها التَّحرُّزُ منه والْتِزامُ الضَّوابطِ الشَّرعيَّةِ حتَّى لا يتلطَّخَ عِرضُها ولا يُمَسَّ دِينُها وخُلُقُها، فلا يجوز لها التَّهاونُ في ذلك، فكيف بما دونه؟!.
هذا؛ والوالدانِ إنَّما طاعتُهما تكونُ في المعروفِ لا في المعصيةِ؛ لقوله تعالى: ﴿وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَيَّۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ١٥﴾ [لقمان]، وقولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لَا طَاعَةَ [لِمَخْلُوقٍ، وفي روايةٍ: لِبَشَرٍ] فِي مَعْصِيَةِ [اللهِ]»(٥)، وقولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»(٦)؛ وحتَّى لو أنَّ الأُمَّ فعلَتْ في نفسِها ما ذُكِرَ في السُّؤالِ فلا يُعَدُّ ذلك مِنَ العقوقِ، وإنَّما الجنايةُ منها، والتَّبِعةُ عليها، ولا لومَ عليهما ولا عِتابَ إذ فَعَلَتَا ما أُمِرَتا به مِنْ عدمِ المُطاوَعةِ على المعصيةِ مع حُسنِ المُصاحَبةِ ولو كان المأمورُ به شِركًا، إذِ العقوقُ هو عِصيانُها في الأُمور المشروعةِ المعرُوفة، وأمَّا ما لا يَرضاه الشَّرعُ فلا طاعةَ لها عليهما في ذلك، بل مِنْ كمالِ بِرِّهما بأُمِّهما: أَنْ تَنصُراها ولا تُطيعاها في ذلك وأَنْ تُصاحِبَاها بالمعروفِ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»، فَقَالَ رَجُلٌ: «يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟!» قَالَ: «تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ»(٧)؛ والحديثُ يدلُّ على أنَّ نَصْرَ الظَّالمِ يَتِمُّ بأَنْ تَنصُرَه على نفسِه وعلى هَواه وعلى شيطانِه، وتَمنَعه مِنْ ظُلمِ غيرِه.
وعليه، فكُلُّ راعيةٍ منهنَّ مسؤولةٌ عمَّا استرعاها اللهُ، فلو أَطاعَتَاها في معصية الله لكان ذلك زيادةً في إثمِ أُمِّهما الآمرةِ به، كما أنَّ البِنتَيْنِ لا ضمانَ عليهما تنزيلًا على قاعدةِ: «الجوازُ الشَّرعيُّ يُنافي الضَّمانَ»، والواجبُ مِنْ جملةِ الجائز، فهذا سعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه يقول: «أُنْزِلَتْ فِيَّ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَا﴾ ـ الْآيَة ـ»، وَقَالَ: «كُنْتُ رَجُلًا بَرًّا بِأُمِّي، فَلَمَّا أَسْلَمْتُ قَالَتْ: «يَا سَعْدُ، مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكَ قَدْ أَحْدَثْتَ؟! لَتَدَعَنَّ دِينَكَ هَذَا أَوْ لَا آكُلُ وَلَا أَشْرَبُ حَتَّى أَمُوتَ فَتُعَيَّرَ بِي فَيُقَالَ: «يَا قَاتِلَ أُمِّهِ»»، فَقُلْتُ: «لَا تَفْعَلِي يَا أُمَّهْ، فَإِنِّي لَا أَدْعُ دِينِي هَذَا لِشَيْءٍ»؛ فمكثَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَمْ تَأْكُلْ فَأَصْبَحَتْ قَدْ جُهِدَتْ، فمكثَتْ يَوْمًا [آخَرَ] وَلَيْلَةً أُخْرَى لَا تَأْكُلْ، فأصبحَتْ قَدِ اشْتَدَّ جَهْدُهَا(٨)، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُلْتُ: «يَا أُمَّهْ، تَعْلَمِينَ ـ وَاللهِ ـ لَوْ كَانَتْ لَكِ مِائَةُ نَفْسٍ فَخَرَجَتْ نَفْسًا نَفْسًا، مَا تَرَكْتُ دِينِي هَذَا لِشَيْءٍ، فَإِنْ شِئْتِ فَكُلِي، وَإِنْ شِئْتِ لَا تَأكُلِي»، فأكلَتْ»(٩)؛ فما نقَصَ ذلك سعدًا شيئًا.
أمَّا الذَّهابُ إلى بلاد الحرمَيْنِ لدراسةِ العلوم الشَّرعيَّةِ فيها، فلا يخفى أنَّه مِنَ الصَّعبِ الحصولُ على مقاعدَ للدِّراسةِ هناك لكثرة الطَّلبِ؛ والأَوْلى أَنْ تكونَ الأُختانِ بالقُربِ مِنْ أوليائِهمَا خاصَّةً إذَا احتاجوا إليهِما، ولهما أَنْ تَدرُسَا في كُلِّيَّةِ الشَّريعةِ القريبةِ مِنْ بيتهما، مع الأخذِ بالاحتراز ممَّا في بعضِ المُقرَّراتِ الجامعيَّةِ مِنْ مُخالَفةٍ لأصول الدِّينِ والشَّريعةِ كالعقيدةِ الأشعريَّة، ودراسةِ القوانينِ الوَضعيَّةِ وإحلالِها محلَّ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ وغيرِها؛ وإذا تَعذَّر ذلك فعليهما طلبُ العلمِ في المساجدِ والمدارسِ القرآنيَّةِ الَّتي لا اختلاطَ فيها، مع الْتِزامِ الأدب الواجبِ عند الخروجِ والسَّترِ اللَّازمِ.
هذا، والأَوْلى بالمرأةِ أَنْ تكونَ قريبةً مِنْ أهلها، إذ هو أفضلُ لهما مِنْ أَنْ تتغرَّبا بعيدًا وأَصوَنُ لعِرضِهما وكرامَتِهما، إلَّا أنْ تكونَا مع مَحرَمٍ مُرافِقٍ أو تحتَ عِصمةِ زوجٍ يعمل في بلاد الحرمَيْنِ أو يطلب فيها العِلمَ الشَّرعيَّ أو الدُّنيويَّ، فلا بأسَ ـ حالتَئِذٍ ـ أَنْ تَستغِلَّا وقتَهما لتَعلُّمِ أمرِ دِينِهما هناك.
ـ وأمَّا الزَّواج فبِحَسَبِهَا، فإذا تَقدَّم لإحداهما ذو خُلُقٍ ودِينٍ ويستطيع أَنْ يقوم عليها مأكلًا ومَشرَبًا ومَلبَسًا وعلاجًا عند الحاجةِ ومسكنًا مُحترَمًا لائقًا فبِها ونِعمَتْ، أمَّا إذا كان الرَّجلُ ذا خُلُقٍ ودِينٍ لكنَّه لا يستطيع الباءةَ فلها أَنْ تَرفُضَه إِنْ شاءت، لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ [مِنْكُمُ] البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، [فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ]؛ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»(١٠)؛ أمَّا إذا كانت صغيرةَ السِّنِّ ورأَتْ مِنْ نفسِها أنَّها بحاجةٍ ماسَّةٍ لِتَعلُّمِ أمرِ دِينِها: عقيدةً وفقهًا وسُلوكًا وأدبًا، أو خافت أَنْ لا تُؤدِّيَ حقَّ زوجِها ولا تُقِيمَ حُدودَ اللهِ فيه لجَهلِها بحقوقه أو لعدمِ صبرِها على ذلك لِقِلَّةِ خِبرَتِها بشؤون البيتِ ومَهَامِّ الزَّوجية، فإنَّها تستفرِغُ مِنْ وقتِها ما يُمكِّنُها مِنْ تحصيل الضَّروريِّ مِنْ أمور الدِّين لتَسُدَّ حاجتَها لقِوامِ دِينِها، وتتدرَّبَ في بيتِ أُمِّها على تَعلُّمِ كيفيَّةِ أداءِ واجباتِها في بيتِ زوجِها، وبعد ذلك تُقبِلُ على الزَّواجِ إذا تَيسَّر لها الأمرُ لتَحقِيقِ سقفِ زوجيَّةٍ مِلؤُها المودَّةُ والرَّحمةُ؛ قال تعالى: ﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ ٢١﴾ [الرُّوم].
والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٨ جمادى الآخِرة ١٤٤٤ﻫ
المُــوافق ﻟ: ٢٠ جــــانـــفي ٢٠٢٣م .
(١) التَّغَنُّجُ: هو التَّدلُّل والتَّكَسُّر، [انظر: «النِّهاية» لابن الأثير (٣/ ٣٨٩)].
(٢) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «النِّكاح» بابُ خروجِ النِّساء لحوائجهنَّ (٥٢٣٧)، ومسلمٌ في «السَّلام» (٢١٧٠)، مِنْ حديثِ عائشةَ رضي الله عنها.
(٣) أخرجه مسلمٌ في «الذِّكر والدُّعاء والتَّوبة والاستغفار» (٢٦٩٩) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) أخرجه ابنُ ماجه في «المقدِّمة» بابُ فضلِ العلماء والحثِّ على طلب العلم (٢٢٤) مِنْ حديثِ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه. وهو في «صحيح الجامع» (٣٩١٣).
(٥) أخرجه أحمد (٧٢٤، ١٠٦٥، ١٠٩٥، ٣٨٨٩، ١٩٨٨٠، ٢٠٦٥٣، ٢٠٦٥٦) مِنْ حديثِ عليٍّ وابنِ مسعودٍ وعِمرانَ بنِ الحُصَيْنِ الخُزاعيِّ والحَكَمِ بنِ عَمْرٍو الغِفاريِّ رضي الله عنهم، وصحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه على «المسند» (٢/ ٢٤٨)، والألبانيُّ في «صحيح الجامع» (٧٥٢٠)، وانظر: «السِّلسلة الصَّحيحة» للألباني (١٧٩). وهو في الصَّحيحين مِنْ حديثِ عليٍّ بلفظِ: «لا طاعةَ في معصيةٍ» ولفظِ: «لا طاعةَ في معصيةِ الله»: البخاريُّ (٧٢٥٧)، ومسلمٌ (١٨٤٠)، وهو جزءٌ مِنَ الحديث الآتي.
(٦) جزءٌ مِنْ حديثٍ مُتَّفَقٍ عليه: أخرجه البخاريُّ في «الأحكام» باب السَّمعِ والطاعةِ للإمام ما لم تكن معصيةً (٧١٤٥)، وفي «أخبار الآحاد» بابُ ما جاء في إجازةِ خبر الواحد الصَّدوق في الأذان والصَّلاة والصَّوم والفرائض والأحكام (٧٢٥٧)، ومسلمٌ في «الإمارة» (١٨٤٠)، مِنْ حديثِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه. وفيه قصَّةٌ.
(٧) أخرجه البخاريُّ في «المظالم» باب: أَعِنْ أخاك ظالمًا أو مظلومًا (٢٤٤٣، ٢٤٤٤) وفي «الإكراه» بابُ يمينِ الرَّجُلِ لصاحبِه: «إنَّه أخوه» إذا خاف عليه القتلَ أو نحوَه (٦٩٥٢)، مِنْ حديثِ أنسٍ رضي الله عنه.
(٨) في «مختار الصِّحاح» للرَّازي (٦٣): «الجهد ـ بفتح الجيمِ وضمِّها ـ: الطَّاقة، وقُرِئ بهما قولُه تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهۡدَهُمۡ﴾ [التَّوبة: ٧٩]، والجَهد بالفتح: المَشَقَّة... وجُهِدَ الرَّجلُ على ما لم يُسَمَّ فاعِلُه فهو مجهودٌ مِنَ المَشَقَّة».
(٩) ذكَرَه ابنُ كثير في «تفسيره» (٣/ ٤٤٥)، وابنُ الأثير في «أُسْد الغابة» (٢/ ٢٩٢) عن داودَ بنِ أبي هندٍ [عن أبي عُثمانَ النَّهديِّ]؛ وأشار إليه ابنُ كثيرٍ في «البداية والنِّهاية» (٨/ ٧٤ ـ ٧٥).
(١٠) مُتَّفَقٌ عليه: أخرجه البخاريُّ في «النِّكاح» بابُ قولِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنِ استطاع منكم الباءةَ فلْيَتزوَّج» لأنَّه أغضُّ للبصر وأحصنُ للفَرْج، وهل يتزوَّج مَنْ لا أَرَبَ له في النِّكاح؟ (٥٠٦٥)، وباب: مَنْ لم يستطع الباءةَ فلْيَصُمْ (٥٠٦٦)، ومسلمٌ في «النِّكاح» (١٤٠٠)، مِنْ حديثِ عبد الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه.