منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - ضمانات الحق الإنتخابي في ضوء القانون الجديد 12-01
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-12-11, 10:55   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 الفصل التمهيدي

الفصل التمهيدي: ماهية الانتخابات
من المعروف أنه أصبح للانتخابات مكانة بارزة في العصر الحديث وأضحى ركناً من أركان الديمقراطية، بل وروحها التي لا يمكن أن تحيى إلا بها، وبناءً على ذلك اهتمت مختلف الأنظمة السياسية وفقهاء القانون الدستوري على وجه الخصوص بموضوع الانتخابات وصدرت التشريعات لتنظيم أحكامها، وقيلت النظريات والآراء حول المبادئ والأسس التي ينبغي مراعاتها لإجراء الانتخابات، حتى أصبح مجال الانتخابات يمثّل نظاماً مستقلاً في الحياة السياسية، فقيل أن النظام الانتخابي هو قانون الحقوق السياسية، واعتبروه من أرقى أساليب ممارسة الديمقراطية حيث يمثل الوسيلة الأساسية التي تمكن الشعب من اختيار ممثله، وممارسة سيادته، فقد أصبح يشكل هذا المصطلح جزءاً عملياً من النظام الديمقراطي، لذا عمدت الدول إلى سن قوانين تنظم الانتخابات
لكن قد تشوب المراحل الانتخابية أعمال تجعل منها انتخابات لا تتسم بالنزاهة، ولا تتفق مع مبادئ الديمقراطية، على الرغم من وجود القواعد القانونية التي تنظم هذه المراحل. وهو ما نلاحظه اليوم أن التشريعات في مختلف الدول أصبحت تولي اهتماماً بالغ الأهمية لنظام الانتخابات، فأصبحت تسن الآليات القانونية للحق الانتخابي والمعايير المتبعة في ذلك، مع تحديد متطلبات ووظائف الانتخابات.
ومن هذه الوضعية كان لابد من الإجابة على الإشكاليات التالية: ماهو الحق الانتخابي؟ وما هي طبيعته؟ ومصادره وطبيعته القانونية في القانون الجزائري؟ وما المعايير المعتمدة لاعتبار الانتخابات حرة ونزيهة؟
نتناول في هذا الفصل ثلاثة مباحث، الأول مفهوم الحق الانتخابي ومصادره ، والثاني نتناول فيه متطلبات ووظائف الحق الانتخابي في حين نتناول في المبحث الثالث معايير الانتخابات الديمقراطية ومتطلباتها .
الفصل التمهيدي: ماهية الانتخابات
المبحث الأول: مفهوم الحق الانتخابي
المطلب الأول: مفهوم الحق الانتخابي(تعريفه، طبيعته)
من المهم قبل التطرق لتفاصيل الموضوع أن نعرف معنى الحق الانتخابي بصفة عامة ، والطبيعة القانونية من حيث أنه حق شخصي أو وظيفة اجتماعية أو سلطة قانونية ، لذلك سنناقش في هذا المبحث تعريف الحق الانتخابي في مطلب أول، ونخصص المطلب لطبيعة الحق الانتخابي.
الفرع الأول: تعريف الحق الانتخابي
أولا: حق الانتخاب كركيزة أساسية للديمقراطية الحديثة
حق الانتخاب أو التصويت هو أبرز الحقوق المدنية والسياسية وأحد الركائز الأساسية للديمقراطية الحديثة، حيث اعتمد فيها كبديل مناسب لتمثيل الشعب بعد تعذر ممارسة الديمقراطية المباشرة بدأ استعمال مصطلح حق الاقتراع أو التصويت أيام"الفرانك الأحرار" "FRANKS" في فرنسا القديمة عندما كان التصويت ممنوعاً على مجموعات كثيرة لأن أعضاءها لم يكونوا رجالاً أحراراً.
فمع بداية تطبيقه كان محصورا بطبقات اجتماعية معينة كالأغنياء أو ذوي المستوى التعليمي المحدد، كما كان الحال في فرنسا قبل عام 1848، أو تم حصره بمن يجيد القراءة والكتابة أو بمن يحسن تفسير الدستور كما كان حال الزنوج في أمريكا في القرن التاسع عشر، كل ذلك كان بهدف إبعاد فئات معينة من ممارسة هذا الحق . وقد خضع هذا الحق لعملية تطور من خلال الممارسة، أوصلته إلى مفهومه الحالي، حيث أصبح يمارس ضمن شروط وقواعد أبرزها العمومية والاختيارية والسرية.
يرى بعض الفقه الدستوري في الحق الانتخابي أنه أحد الحقوق الطبيعية ولا يمكن سحبه من الشعب على حد تعبير جان جاك روسو انطلاقاً من مبدأ السيادة الشعبية بينما يرى فيه البعض الآخر نوعاً من الواجب الملزم قانوناً، كما حصل في العديد من الدول الديمقراطية التي اعتمدت التصويت إذا رأي فيه نوع منا الواجب والحق في نفس الوقت.
إن حق الانتخاب بقي محصوراً بالرجال دون النساء حتى القرن العشرين، حيث بدأ السماح للنساء بالمشاركة فيه، بدأ بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1918، فرنسا عام 1945، وسويسرا عام 1971 ليصبح في نهاية القرن العشرين ظاهرة شائعة في العديد من دول العالم، بعد أن وضعت له آليات التطبيق، ونظمت القواعد الضرورية لحمايته. وبعد بروز عدد من الدول المستقلة نجد أن هناك حوالي 108 دولة من أصل 119 دولة ديمقراطية تنص دساتيرها على حق المواطنين في اختيار ممثليهم السياسيين، بعض هذه الدول نصت دساتيرها على قواعد انتخابية مفصلة، وبعضها الآخر أعلن هذا الحق كحق أساسي تاركاً للقوانين وضع القواعد التفصيلية التي تتضمن ممارسته وحمايته، كما هو الحال في اليابان مثلا. جاء ذلك بعد أكدت المعاهدات والإعلانات الدولية على واجب الدول في حماية حق الانتخاب لمواطنيها، وبعد أن كرس كأحد الحقوق الأساسية في القوانين الدولية.
ثانياً: حق الانتخاب في القانون الدولي
أولى النصوص الدولية التي تناولت هذا الحق كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أكد في المادة 21 منه على حق الناس في المشاركة في سياسية شؤون بلدهم مباشرة أو عبر ممثلين يتم اختيارهم بحرية، معتبراً أن الانتخاب يعبر عن الإرادة الشعبية، وفي الفقرة الثالثة نص الإعلان على الصفات أو الخصائص التي يجب أن يتمتع بها حق الانتخاب وهي: (الدورية، النزاهة، العمومية، المساواة، السرية).
وبعد أن صدر الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي أصبح ملزماً بعد تصديقه من قبل أكثر من 150 دولة، أصبح بالإمكان القول أن القانون الدولي قد نص على هذا الحق وكرسه عندما أضاف على ما ورد في الإعلان العالمي، النص على أن المواطنين فقط لهم حق الاقتراع، كما ألزم الدول باتخاذ الإجراءات الضرورية للتأكد من توفر الفرص لجميع المواطنين للتمتع بهذا الحق .
أما على صعيد المعاهدات الإقليمية فقد فرضت المادة 03 من البروتوكول رقم(p3-01) الصادر عام 1952. والملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان الصادرة عام 1950. على الدول إجراء انتخابات حرة ضمن فترات معقولة بالاقتراع السري، ووفق شروط تؤكد على التعبير الحر لإرادة الناس في اختيار ممثليهم. وأمنت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان الحماية لهذا الحق، كما فعلت اتجاه باقي الحقوق والحريات .
ثالثاً: حق الانتخاب في فرنسا
الجدل الذي دار حول الانتخاب في فرنسا كان مختلفا عن الجدل الأمريكي، لأن النقاش دار في فرنسا بين نظريتين "السيادة الوطنية والسيادة الشعبية"، وتغير مفهوم الاقتراع تبعاً لتغير التوجه نحو إحدى هاتين النظريتين. ففي منطق السيادة الوطنية يكون صاحب السيادة هو الأمة أو الوطن" Nation"، ويعود لها سلطة تعيين أو اختيار ممثليها . وهنا لا يعود الأمر، وجود حق أو عدم وجوده، بل تسيطر نظرية الواجب الذي تفرضه الأمة. أو تكلف به بعض الأشخاص.
أما في منطق السيادة الشعبية فالسيادة هي للشعب، وكل فرد من هذا الشعب هو بالضرورة صاحب قسم من هذه السيادة. إذن هو صاحب حق ويترجم في الممارسة أن الانتخاب هو حق يملكه كل مواطن.
وهاتان النظريتان للسيادة، أعطيتا معنيين مختلفين للاقتراع، معنى الحق الذي نادى به روسو Rosseau ومعنى الواجب الذي تبناه باقي مفكري الثورة الفرنسية، وأبرزهم "سييس Sieyos".
وفي المرحلة الأولى التي تلت الثورة، تغلب منطق سييس، إذ سيطر مفهوم السيادة الوطنية، وكان الانتخاب واجبا على الفرد وليس حقا له.
وهذا كان خيار فرنسا خلال القرن التاسع عشر. لكن دستور 1946 أو دستور الجمهورية الرابعة، أعلن أن السيادة الوطنية هي ملك الشعب، مما يعني تغلب مفهوم الحق الانتخابي على مفهوم الواجب وأما دستور 1958 فقد ورد فيه عبارة أريد لها أن تكون خلاصة ما بين السيادة الوطنية والسيادة الشعبية. شكلت نوعا من التلاقي بين النظريتين، لأن تطور الديمقراطية أدى إلى تعميم الحق الانتخابي على جميع المواطنين وانتفت بالتالي الحاجة إلى تبريرات فقهية تخفي مصالح فئات اجتماعية متناقضة والكثير من النتائج السياسية والقانونية مازالت مرتبطة بفكرة السيادة الوطنية، كما هي حال النيابة مثلاً في دستور 1958، الذي اعتبر أن كل نيابة مشروطة باطلة، وأن النواب أحرار كليا بالنسبة لمنتخبيهم الذين لا يملكون حق إعطاء أي أوامر لمرشحيهم أو وضع قيود، وعلى هؤلاء الآخرين واجب التداول بحرية من دون أي ضغط من قبل الناخبين .
الفرع الثاني: طبيعة الحق الانتخابي
لوقت غير بعيد كان يثار جدل فقهي كبير حول طبيعة الانتخاب، ولذلك نقسم التكييف القانوني للانتخاب إلى خمسة فروع، خصص الفرع الأول لمناقشة الرأي القائل بأن الانتخاب حق شخصي، أما الفرع الثاني فقد خصص لمناقشة الرأي القائل بأن الانتخاب هو وظيفة اجتماعية، في حين خصص الفرع الثالث لمناقشة الرأي القائل بأن الانتخاب وظيفة(أي المزج بين الرأيين الأول والثاني)، أما الفرع الرابع فقد خصص للرأي الذي يقول بأن الانتخاب سلطة قانونية، أما الفرع الخامس فقد وضع للرأي الراجح بين هذه الآراء.
أولا: الانتخاب حق شخصي
ذهب بعض الفقهاء في القرن الثامن عشر إلى القول بأن الانتخاب حق شخصي(droit individuel) لكل مواطن باعتباره حقا طبيعيا لا يجوز أن ينزع أو ينقص منه، وقد عبر على ذلك العلامة جان جاك روسو بقوله:"إن التصويت حق لا يمكن انتزاعه من المواطنين. كما قال في هذا المجال أن التصويت حق لا سبيل لسلبه من أبناء هذا الوطن، "ويثبت حق الانتخاب في رأي هؤلاء الفقهاء على أرض الدولة صفة المواطن لكل فرد، على أساس المساواة بين المواطنين ويعد حقاً طبيعياً لا يمكن انتزاعه من أي فرد، ومادام كذلك فإنه يكون أسبق على وجود المشروع، ولا ترقى إليه سلطة التشريع المنظمة للانتخاب.
هذا ويترتب على الأخذ بنظرية الانتخاب حق شخصي اعتبار الانتخاب حقا وليس واجبا أو وظيفة، فللناخب الحق في ممارسة أو عدم ممارسة هذه الصلاحية دون أن يتعرض لأي مسؤولية فالانتخاب هنا اختياري وليس إجباريا، كما يترتب عن الأخذ بهذه النظرية تقرير الاقتراع العام وبناء عليه لا يجوز حرمان أي مواطن من الانتخاب استناداً للشروط الاستثنائية كالحد الأدنى من التعليم أو النصاب المالي أو الانتماء إلى طبقة اجتماعية.
كما لا يحق بأي حال من الأحوال أن يتدخل المشرع في هذه المسألة ويحاول وضع قيود تمس بهذا الحق ما عدا فيما يتعلق بصورة محدودة بالنسبة للسن.
لهذا أراد أنصار هذه النظرية وعلى رأسهم دوبسين وبيتيون تقرير مبدأ الاقتراع العام، مما يتعارض مع ما سعت إليه البرجوازية في الاستحواذ على السلطة، لذا لم يحظ هذا الاتجاه إلا بتأييد ضعيف في الجمعية التأسيسية من أبناء الطبقة البرجوازية.
ثانياً: الانتخاب وظيفة اجتماعية
إذا كانت النظرية السابقة تجعل الانتخاب حق شخصي لكل فرد بمجرد كونه مواطنا، فإن هذه النظرية ترى بأن الانتخاب وظيفة اجتماعية مقررة من أجل الصالح العام، وتنطلق هذه النظرية من مبدأ سيادة الأمة، فبسبب تبني زعماء الثورة الفرنسية له، والذي يعتبر لسيادة الأمة كمجموع قانوني متميز عن الأفراد المكونين له، ترتب على ذلك أن سلطة الانتخاب لا تمنح للأفراد لأنهم أصحاب سيادة ولكن بصفتهم ملزمين، باختيار ممثلين عن الأمة ليعبروا عن سيادتها . وهم إذ يمارسون عملية الاختيار هذه لا يمارسون حق شخصيا لهم وإنما يمارسون وظيفة وبالتالي لا تعطى هذه الوظيفة إلا للأجدر والأكثر كفاءة، فينحصر ذلك في فئات قليلة من الناس، ولا بد عندها من توفر شروط معينة في الناخبين لضمان حسن أدائهم لوظيفتهم ، وقد لفي هذا الرأي قبولاً كبيراً في بداية عهد الثورة الفرنسية، حيث أيدته الجمعية التأسيسية في عام 1791، وتضمنه الدستور الصادر في العام نفسه، وكذلك نظام الانتخاب الذي تم إقراره حينذاك وطنياً، شأنها شأن الخدمة العسكرية. وما يقتضيه ذلك من تشديد عقوبة التخلف عن المشاركة في التصويت، كما هو الحال بالنسبة لعقوبة الاستدعاء للخدمة العسكرية. ويترتب عن الأخذ بهذا الرأي نتائج مغايرة للقول بأن الانتخاب حق شخصي منها:
تقرير مبدأ الاقتراع المقيد: فيما أن هيئة الناخبين تمارس وظيفة. فيحق للمشرع تقييد حق الانتخاب بشروط تتعلق بالكفاءة العلمية أو النصاب المالي، ويقتصر الانتخاب فقط على من تتوفر فيه هذه الشروط.
1. تقرير مبدأ الانتخاب الإجباري: بمعنى أن للأمة أن الناخبين على الإدلاء بأصواتهم باعتبار أن من صفات الوظيفة وجوب إلزامية أدائها ومن ثمة فرض الجزاء على من يتخلف عن القيام بذلك. وقد أخذت بذلك العديد من الدول بحيث توقع دولة الأرجنتين عقوبة الغرامة من 50 إلى 500 دولار على المتخلفين عن التصويت، بالإضافة إلى حرمانهم من شغل الوظائف العامة لمدة ثلاث سنوات متتالية، وفي أستراليا توقع عقوبة من 03 إلى 15 دولار وفي اسبانيا تعلن أسماء المتخلفين دون عذر ويشهر بهم لتخاذلهم عن أداء الواجبات الوطنية ومن الدساتير التي عملت بهذا الرأي الدستور الفرنسي الصادر عام 1791، وكذلك الدستور المصري الصادر عام 1930. كما اعتنق المشرع المصري بعد الثورة الفكرة القائلة بأن الانتخاب يدخل في عداد الواجبات الوطنية، فترتب على ذلك الإجبار في الانتخاب.
ثالثا: الانتخاب حق ووظيفة:
حاول البعض الأخذ بموقف وسط هو الجمع بين الفكرتين السابقتين، على أساس أن الانتخاب ليس وظيفة اجتماعية خالصة وإنما فيه شيء من صفة الحق الفردي، فلو كان الانتخاب وظيفة اجتماعية خالصة لما اعترض على المشرع عند تضييقه دائرة الناخبين، أو اشتراطه نصاباً مالياً في الناخب، كما أن المنتخبين لا يعملون لحسابهم دائما للمجموع وللصالح العام. ويذهب جانب من أصحاب هذا الرأي إلى أن ذلك لا يعني الجمع بين هاتين الصفتين المتعارضتين في لحظة واحدة، وإنما يعني أن الانتخاب حق ووظيفة على التتابع، فذهب الفقيه كاريه دي مالبيرج إلى أن الانتخاب يعتبر حق شخصي تحميه الدعوى القضائية في البداية، عندما يقوم الناخب بتقييد اسمه في الجداول الانتخابية غير أنه يتحول إلى وظيفة بعد ذلك أثناء ممارسة الناخب لعملية التصويت والمساهمة في تكوين الهيئات العامة في الدولة، أي أن هناك تتابع بالأخذ بالصفتين، فأولاهما كون الانتخاب حق، وثانيهما كونه وظيفة.
ويميل الدكتور (داود الباز) لإلى تأييد هذا الرأي بالقول أن " هذا التكييف يفصل بين مرحلتين (القيد والتصويت)، ويجعل من كل منهما عملا منفصلاً عن الآخر بالنسبة لاكتساب الوصف الخاص به، وعملا متكاملاً بالنسبة لممارسة التصويت، التي يستلزم وجود الحق في التصويت .
بينما يرى العميد موريس هوريو أن الجمع بين النظريتين يقوم على أساس أن الانتخاب هو حق فردي وهو في الوقت نفسه وظيفة اجتماعية وواجب مدني، مما يؤدي إلى جواز النص على جعل التصويت إجبارياً
رابعاً: الانتخاب سلطة قانونية
يذهب أنصار هذا الاتجاه إلى تكييف الانتخاب باعتباره سلطة أو (مُكنة) قانونية مقررة للناخب لا لمصلحته الشخصية، ولكن لمصلحة المجموع، وهذه السلطة يحدد مضمونها وشروط استعمالها بالقانون وبطريقة واحدة بالنسبة لجميع الناخبين، ويترتب على هذا المنطق أنه من حق المشرع التدخل بالتنظيم والتعديل في أي وقت شاء، لأن الانتخاب ليس حقا شخصيا مولدا لمركز ذاتي، ولكنه سلطة قانونية لا يعترف بها لكل شخص، إنما يعترف بها للأفراد الذين يحددهم القانون، وفقا للشروط التي يقررها، وللمشرع أن يعدل فيها كونها تولد مراكز عامة مجردة، لا مراكز شخصية.
ومن أنصار هذا الرأي من الكتاب العرب، الدكتور ثروت بدوي والدكتور محمد أنس جعفر، والباحث علي محمد الدباس وآخرون.
كما يرى جانب من الفقه الدستوري أن الانتخاب هو حق سياسي يستمده المواطن من الدستور والقانون، وينتهي هذا الرأي إلى نفس النتائج المترتبة على اعتبار الانتخاب سلطة قانونية .
كما يرى اتجاه آخر أن الانتخاب سلطة قانونية مقررة للفرد ليس بصفة شخصية، إنما بصفة جماعية، ولمصلحة المجموع، لذلك يحق للمشرع التدخل بالتنظيم والتعديل وفق ما تقتضيه مصلحة الجماعة فهو يولّد مركز عام ومجرد، وليس مركز ذاتي حسب هذه النظرية.
ويقول الفقيه النوني "بارتلمي" في هذا الشأن أن"المشاركة الانتخابية تستمد شرعيتها من قانون الانتخابات الذي يقررها ويحدد كيفية ممارستها .
خامساً: الرأي الأرجح
نرى أن الرأي الأرجح في تكييف الانتخاب وما يترتب على ذلك من نتائج، أنه حق خاص لم يأت من مكنة أو سلطة قانونية وبالتأكيد هو ليس وظيفة وذلك للأسباب الآتية:
1. هذا الرأي هو الأكثر انسجاماً مع الروح الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان كونه ينبع أساساً من المفهوم الديمقراطي لحق المشاركة السياسية وآليات تطبيق هذا المفهوم مع ميل الديمقراطيات الحديثة إلى الأخذ بهذا التكييف، وبما ينسجم مع المعايير الدولية والاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان.
2. إن الأخذ بهذا التكييف لحق الانتخاب لا ينال من حق الدولة في القيام بتنظيمه بمقتضى ما لها من صلاحية في إصدار القواعد القانونية مع الإشارة إلى أن اعتبار الانتخاب حق له فائدة في التأكيد على أن القوانين التي تسنها الدولة في هذا الشأن يجب أن تستمد شرعيتها من مبادئ قانونية كبرى تتعلق أحكامها بالمجتمع البشري قاطبة، خصوصا تلك المتعلقة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
3. إن النقد الذي يوجه لهذا التكييف في أنه يسمح بإجراء مختلف التصرفات على هذا الحق هو انتقاد يمكن الرد عليه بأن هناك العديد من الحقوق ذات طبيعة خاصة تجعلها غير قابلة للتصرف فيها أو التنازل عنها من قبل أصحابها، وفي مقدمتها الحقوق السياسية كحق المشاركة الانتخابية، مثال ذلك الشهادات العلمية التي يتحصل عليها الشخص كإثبات قانوني لدرجة كفاءته العلمية، فهذه الحقوق شخصية لا يمكن التصرف بها بأي حال من الأحوال.
4. من الصعب القبول بالنتائج التي تترتب على كون الانتخاب وظيفة من حيث:
‌أ. لم يثبت نجاح الأخذ بالتصويت الإجباري كأحد نتائج نظرية تكييف الانتخاب كوظيفة في الدول التي أخذت بذلك لتحقيق نسب مشاركة عالية.
‌ب. إن اشتراط الكفاءة العلمية يخالف المبدأ الديمقراطي القائم على توسيع المشاركة السياسية والوعي الشعبي، قد يعوّض عن الوعي الأكاديمي.
‌ج. إن سبب قلة إقبال الناخبين على صناديق الاقتراع ليس مرده كون الاقتراع اختياريا وليس إجباريا بل إن الأمر قد يعود إلى أسباب أخرى منها: عدم اكتراث الناخب للعملية السياسية في بلاده، أو اعتقاد الناخب أن صوته غير مؤثر، أو لكثرة عمليات التزوير التي تشوب الانتخاب والإجراء الصحيح هو قيام الدولة بمعالجة هذه الأسباب لجعل الانتخاب إجبارياً.
المطلب الثاني: مصادر الحق الانتخابي في القانون الجزائري
سنستعرض فيما يلي مصادر النظام الانتخابي في الجزائر على أن يتم التركيز على النظام الانتخابي الجديد الصادر بموجب القانون العضوي رقم 12-01 المؤرخ في 12/01/2012 و الذي ألغى صراحة و بموجب المادة 237 منه الأمر 97/07 المؤرخ في 06/03/1997 المتضمن قانون الانتخابات المعدل و المتمم.
الفرع الأول: الدستور كمصدر للحق الانتخابي في الجزائر
إذا كان الدستور هو القانون الأساسي الذي يحدد نظام الحكم وبين السلطات العامة في الدولة واختصاص كل منها وعلاقة هذه السلطات بعضها ببعض وبالأفراد، وهو الذي يبين أيضا ما للأفراد من حريات عامة وحقوق قبل الدولة، وما عليهم من واجبات إزاءها. فإنه يعتبر مصدر لجميع القوانين العضوية والعادية ومن بينها بطبيعة الحال القانون المتعلق بنظام الانتخابات.
ولذلك نجد قانون الانتخابات لسنة 1980 مستمد أحكامه من دستور 1976، الذي ينتمي إلى طائفة الدساتير التي يغلب عليها الطابع الإيديولوجي على الطابع القانوني، ومع ذلك وردت فيه مختلف الأس والمبادئ التي تقوم عليها التشريعات المتعلقة بالأنظمة الانتخابية في الدول العصرية كمبدأ المساواة أمام النظام الانتخابي، ومبدأ الاقتراع العام المباشر والسري، وشخصية التصويت.
إلا أن دستور 1989 جاء بمبادئ جديدة فيما يتعلق بتنظيم السلطات والعلاقات القائمة فيما بينها، من حيث استقلالية كل منها عن الأخرى، وتكريسه لمبدأ حرية الممارسة السياسية التعددية، التي نبر على أساسها نظام الانتخابات بموجب القانون 89/13 المؤرخ في 07/08/1989 والذي منح حرية الترشح لجميع المواطنين والمواطنات مهما كانت انتماءاتهم السياسية.
وتكرست هذه المبادئ بصفة راسخة في دستور 28 نوفمبر 1996، والذي تبنى نفس الأسس الديمقراطية الواردة في دساتير الدول المتقدمة، حيث نصت المادة 07 على أن: "... يمارس الشعب سيادته عن طريق الاستفتاء، وبواسطة ممثليه المنتخبين ..."، والمادة 11 على أن: "تستمد الدولة مشروعيتها وسبب وجودها من إرادة الشعب"، وفي المادة 08 على أن: "يختار الشعب لنفسه مؤسسات ...". وجسد مبدأ المساواة بين جميع المواطنين في الترشح والانتخاب في المادة 50 حيث نص على أن: "كل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية أن ينتخب ويُنتخب"، وأخرى حرية إنشاء الأحزاب السياسية معترف به ومضمون".
ونظرا للأهمية البالغة التي يكتسيها مجال الانتخابات، اشترط الدستور أن يخضع نظام الانتخابات للتشريع بموجب قانون عضوي "المادة 123"، وبناء على ذلك صدر الأمر 97/07 المؤرخ في 06/03/1997 المتعلق بالقانون العضوي لقانون الانتخابات، إلا أن هذا الأمر تم إلغاؤه بموجب المادة 237 من القانون العضوي رقم 12-01 المؤرخ في 12/01/2012 المتعلق بنظام الانتخابات وهو ما سيتم التطرق إليه في الفرع الثاني مع بيان أحكامه وأسسه وأهميتها في اختيار ممثلي الشعب في مختلف المؤسسات المنتخبة.
الفرع الثاني: التشريع كمصدر للحق الانتخابي في الجزائر
بموجب دستور 1996 تم إسناد نظام الانتخابات للقانون العضوي بهدف تجنيبه للتعديلات المكررة، وبالتالي تحقيق الاستقرار القانوني لأكبر مدة زمنية ممكنة.
وينبغي الإشارة إلى أن أول قانون عضوي متعلق بنظام الانتخابات هو الأمر 97/07 المؤرخ في 06/03/1997 وقد صدر في عهد المجلس الوطني الانتقالي. إلا أن هذا الأمر تم إلغاؤه بموجب المادة 237 من القانون العضوي رقم 12-01 المؤرخ في 12/01/2012 المتعلق بنظام الانتخابات وهو الأمر الذي يمكن اعتباره مساهمة فعالة في إرساء مؤسسات الدولة، وإرجاعها إلى الشرعية لممارسة الوظائف المنوطة بها.
إن إدخال القوانين بصفة عامة ضمن التشريع الجزائري بالكيفية التي وردت في الدستور وتوزيعها بين مجلسين نيابيين، ومجلس دستوري يعد عاملا مساعدا على وجود توازن بين السلطات العامة، كما يعد استقرار في المنظومة القانونية بوجه عام.
إن أهم ملاحظة يمكن إدراجها في هذا الشأن هي أن القوانين العضوية ليست وليدة البيئة الجزائرية، فهي مستوحاة من الخارجـ حيث ارتبط وجودها بتطورات سياسية معينة وتقاليد دستورية لبعض الدول، مثل فرنسا التي ظهر بها في دستور 1848. LOI ORGANIQUE"
إن القانون العضوي يصدر عن السلطة التشريعية، إلا أنه من الوجهة القانونية يعتبر أسمى من القانون العادي، ويرجع هذا السمو إلى طبيعة المواضيع المخصصة له، والإجراءات الخاصة بالمصادقة عليه، كما أن المصادقة على القانون العضوي تتم بالأغلبية المطلقة للنواب وبأغلبية ثلاثة أرباع مجلس الأمة (3/4)، زيادة إلى خضوعه لمراقبة المجلس الدستوري، وهنا يكمن الفرق بينه وبين القانون العادي ، حيث أن رئيس الجمهورية يستطيع إصدار القانون العادي دون إخطار المجلس الدستوري.
وطبقا للمادة 165 من الدستور فإن المجلس الدستوري يفصل في دستورية لقوانين برأي قبل أن تصبح هذه الأخيرة واجبة التنفيذ، بمعنى أن القانون العضوي يفصل فيه بواسطة رأي وليس قرار.
و هو ما تأكد من خلال إصدار المجلس الدستوري للرأي رقم 03/ ر م د /11 المؤرخ في 22/12/2011 المتعلق بمراقبة مطابقة القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات، للدستور الصادر في العدد الأول من سنة 2012 ، في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية .
وقد شمل القانون العضوي رقم 12-01 المؤرخ في 12/01/2012 المتعلق بنظام الانتخابات ، كل المراحل والإجراءات التي تمس جانب الانتخابات بدء من التسجيل في القوائم الانتخابية وإلى غاية الإعلان الرسمي عن النتائج النهائية.
لقد أوكل مهمة إعداد القوائم الانتخابية ومراجعتها للإدارة كونها صاحبة الاختصاص الطبيعي في التحضير للعملية الانتخابية، و قسم هذا القانون الجديد مواده وأحكامه إلى ثمانية (08) أبواب هي:
01- الباب الأول: وتضمن الأحكام المشتركة لجميع الاستشارات القانونية
-فحدد في الفصل الأول الشروط المطلوبة في الناخب (المواد 03 إلى 05 من القانون العضوي رقم 12-01).
- وبين في الفصل الثاني القواعد المسيرة للقوائم الانتخابية من خلال تحديد شروط التسجيل في القوائم الانتخابية (المواد06 إلى 13 من القانون العضوي رقم 12-01)، وحدد كيفيات وضع القوائم الانتخابية ومراجعتها (المواد14 إلى 23 من القانون العضوي رقم 12-01) ، وهي مرحلة هامة جدا كونها تمس هيئة الناخبين التي يقع على عاتقها أمر اختيار من ينوب عن الشعب في تولي الشؤون العامة. و ادرج قسما لبطاقة الانتخاب من خلال المادة 24 من القانون العضوي رقم 12-01 .
-كما نظم في الفصل الثالث مراحل عملية الاقتراع ، من خلال تنظيم العمليات التحضيرية للاقتراع (المواد25 إلى 29 من القانون العضوي رقم 12-01)، بالإضافة إلى ذلك فقد نص القانون على مختلف الجوانب المتعلقة بإجراء عمليات التصويت، والمتمثلة في كيفية تشكيل مكاتب التصويت، والصلاحيات المخولة لأعضائها (المواد 30 إلى 52 من القانون العضوي رقم 12-01) ، كما بين أحكام التصويت بالوكالة (المواد53 إلى 64 من القانون العضوي رقم 12-01).
02 –الباب الثاني و تضمن الأحكام المتعلقة بانتخاب أعضاء المجالس الشعبية البلدية و الولائية و المجلس الشعبي الوطني و مجلس الأمة
- فحدد في الفصل الأول الأحكام المتعلقة بانتخاب أعضاء المجالس الشعبية البلدية و الولائية ، من خلال تحديد الأحكام المشتركة (المواد 65 إلى 77 من القانون العضوي رقم 12-01) ،و بين في القسم الثاني الأحكام المتعلقة بانتخاب أعضاء المجالس الشعبية البلدية (المواد 78 إلى 81 من القانون العضوي رقم 12-01) ، كما حدد في القسم الثالث الأحكام الخاصة بانتخاب أعضاء المجالس الشعبية الولائية (المواد 82 إلى 83 من القانون العضوي رقم 12-01).
- في الفصل الثاني فقد بين الأحكام الخاصة بانتخاب أعضاء المجلس الشعبي الوطني (المواد 84 إلى 98 من القانون العضوي رقم 12-01).
- في الفصل الثالث فقد نص المشرع على كيفيات استخلاف أعضاء المجالس الشعبية البلدية و الولائية و المجلس الشعبي الوطني (المواد 99 إلى 103 من القانون العضوي رقم 12-01).
- أما في الفصل الرابع فقد بين الأحكام المتعلقة بانتخاب أعضاء مجلس الآمة المنتخبين (المواد 104 إلى 131 من القانون العضوي رقم 12-01).
03 –الباب الثالث و تضمن الأحكام المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية و الاستشارة الانتخابية عن طريق الاستفتاء .
- فحدد في الفصل الأول الأحكام المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية (المواد 132 إلى 145 من القانون العضوي رقم 12-01).
- أما في الفصل الثاني فقد بين الأحكام المتعلقة بالاستشارة الانتخابية عن طريق الاستفتاء (المواد 146 إلى 148 من القانون العضوي رقم 12-01)

04 –الباب الرابع و تضمن الأحكام الخاصة باللجان الانتخابية
- فحدد في الفصل الأول الأحكام المتعلقة باللجنة الانتخابية البلدية ، من خلال تحديد تشكيلتها و دورها (المواد 149 إلى 150 من القانون العضوي رقم 12-01).
- - أما في الفصل الثاني فقد بين الأحكام المتعلقة باللجنة الانتخابية الولائية ، من خلال تحديد تشكيلتها و دورها ، كما نص المشرع على إنشاء اللجنة الانتخابية للدائرة الدبلوماسية أو القنصلية ، اضافة الى اللجنة الانتخابية للمقيمين في الخارج (المواد 151 إلى 159 من القانون العضوي رقم 12-01).
05- –الباب الخامس و تضمن الأحكام المتعلقة بمراقبة عمليات التصويت و المنازعات الانتخابية
- فحدد في الفصل الأول مسؤولية الأعوان المكلفين بالعمليات الانتخابية و حيادهم (المادة 160 من القانون العضوي رقم 12-01).
- في الفصل الثاني فقد بين الأحكام المتعلقة بمراقبة العمليات الانتخابية (المواد 161 إلى 164 من القانون العضوي رقم 12-01).
- أما في الفصل الثالث فقد بين الأحكام المتعلقة بالمنازعات الانتخابية (المواد 165 إلى 167 من القانون العضوي رقم 12-01).
06–الباب السادس و تضمن آليات الإشراف و المراقبة
- فحدد في الفصل الأول إحداث اللجنة الوطنية للإشراف على الانتخابات(المواد 168 إلى 170 من القانون العضوي رقم 12-01).
- أما في الفصل الثاني فقد نص المشرع على إحداث اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات، كما بين صلاحياتها و تنظيمها و وسائل سيرها (المواد 171 إلى 187 من القانون العضوي رقم 12-01).
07–الباب السابع و تضمن الحملة الانتخابية و الأحكام المالية
- فحدد في الفصل الأول الأحكام المنظمة للحملة الانتخابية (المواد 188 إلى 199 من القانون العضوي رقم 12-01).
- أما في الفصل الثاني فقد نص المشرع على الأحكام المالية (المواد 200 إلى 209 من القانون العضوي رقم 12-01).
08–الباب الثامن و تضمن أحكام جزائية
-و قد تضمن هذا الباب الجزاءات و العقوبات الواجب فرضها في حالات التزوير أو تعكير صفو إجراء العملية الانتخابية ، أو استعمال التهديد ضد الناخبين .. وقد تضمنت هاته الجزاءات ، عقوبات سالبة للحرية و كذا غرامات مالية (المواد 210 إلى 236 من القانون العضوي رقم 12-01).
و إضافة إلى القانون العضوي رقم 12-01 المؤرخ في 12/01/2012 المتعلق بنظام الانتخابات ، فقد صدرت عدة نصوص قانونية ، مصاحبة له و هي :
- القانون العضوي 12-02 المؤرخ في 12/01/2012 الذي يحدد حالات التنافي مع العهدة البرلمانية.
- القانون العضوي 12/03 المؤرخ في 12/01/2012 الذي يحدد كيفيات توسيع حظوظ تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة
- القانون العضوي 12/04 المؤرخ في 12/01/2012 ،المتعلق بالأحزاب السياسية.
- القانون العضوي 12/05 المؤرخ في 12/01/2012 ،المتعلق بالإعلام.
- القانون العضوي 12/06 المؤرخ في 12/01/2012 ،المتعلق بالجمعيات .
- الأمر رقم 12/01 المؤرخ في 13/02/2012 الذي يحدد الدوائر الانتخابية و عدد المقاعد المطلوب شغلها في انتخابات البرلمان.
الفرع الثالث: النصوص التنظيمية كمصدر للحق الانتخابي في الجزائر
تختص السلطة التنفيذية بوضع النصوص التنظيمية في الحدود التي خولها إياها الدستور، وتتمثل هذي السلطة في كل ن رئيس الجمهورية والوزير الأول الذين تثبت لهما سلطة تنظيمية عامة، كما تتمثل في الوزراء الذين تثبت لهم سلطة تنظيمية محصورة في مجال اختصاص كل منهم، وتضاف إلى هؤلاء سلطات إدارية أخرى (الولاة، رؤساء البلديات، رؤساء المصالح) التي خولت لها سلطة تنظيمية محددة بموجب تفويض تشريعي.
وتقع على رأس هذه التنظيمات المراسيم الرئاسية والتنفيذية، تليها القرارات الوزارية أو القرارات الوزارية المشتركة، والقرارات الصادرة عن مسؤولي المؤسسات المحلية.
ومن بين النصوص التنظيمية المتعلقة بنظام الانتخابات يمكن الإشارة إلى مجموعة من المراسيم الرئاسية و المراسيم التنفيذية:
أولا: المراسيم الرئاسية
01- - مرسوم رئاسي رقم 12/67 المؤرخ في 10/02/2012 المتضمن استدعاء الهيئة الانتخابية لانتخاب أعضاء المجلس الشعبي الوطني.
02- مرسوم رئاسي رقم 12/68 المؤرخ في 11/02/2012 المحدد لتنظيم و سير اللجنة الوطنية للإشراف على الانتخابات.
03- مرسوم رئاسي رقم 12/69 المؤرخ في 11/02/2012 المتضمن تعيين أعضاء اللجنة الوطنية للإشراف على الانتخابات التشريعية لسنة 2012.
ثانيا : المراسيم التنفيذية يمكن أن نستعرض على سبيل المثال بعض منها:
1- مرسوم تنفيذي رقم 12/24 المؤرخ في 24/01/2012 المتعلق باستمارة التصريح بالترشح لانتخاب أعضاء المجلس الشعبي الوطني .
2- مرسوم تنفيذي 12/25 المؤرخ في 24/01/2012 المتعلق باستمارة اكتتاب التوقيعات الفردية لصالح قوائم المترشحين الأحرار لانتخاب أعضاء المجلس الشعبي الوطني.
3- مرسوم تنفيذي 12/28 المؤرخ في 06/02/2012 ، الذي يحدد شروط تصويت المواطنين الجزائريين المقيمين في الخارج لانتخاب اعضاء المجلس الشعبي الوطني و كيفيات ذلك.
4- مرسوم تنفيذي 12/29 المؤرخ في 06/02/2012 ، الذي يحدد كيفيات إشهار الترشيحات.
5- مرسوم تنفيذي 12/30 المؤرخ في 06/02/2012 ، الذي يحدد شكل و شروط إعداد الوكالة للتصويت في الانتخاب .
6- مرسوم تنفيذي 12/31 المؤرخ في 06/02/2012 ، الذي يحدد شروط تسخير المستخدمين خلال الانتخابات .
7-مرسوم تنفيذي 12/32 المؤرخ في 06/02/2012 ، المتعلق بشروط تعيين أعضاء مكاتب التصويت و كيفيات ممارسة حق الاعتراض و/ أو الطعن القضائي بشأنهم .
8- مرسوم تنفيذي 12/81 المؤرخ في 14/02/2012 ، الذي يحدد قواعد سير اللجنة الإدارية الانتخابية.
9- مرسوم تنفيذي 12/86 المؤرخ في 26/02/2012 ، الذي يحدد كيفيات تطبيق المادة 05 من الامر رقم 12-01 المؤرخ في 13/02/2012 الذي يحدد الدوائر الانتخابية و عدد المقاعد المطلوب شغلها في انتخابات البرلمان .
يتضح مما سبق أن النظام الانتخابي قد واكب التحولات التي عرفها المجتمع خاصة في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية وعرف تعديلات هامة مست توسيع دائرة الترشح لمختلف المؤسسات المنتخبة بما فيها منصب رئيس الجمهورية، كما مست سير العملية الانتخابية وإجرائها، في جو من الشفافية والمساواة بين الجميع، من بداية عملية الاقتراع إلى غاية استلام محاضر الفرز، وهي حقوق يمكن تصنيفها ضمن خانة الانجازات الديمقراطية منذ الإصلاح السياسي سنة 1989. والذي كرس ممارسات سلوكية أصبح يتحلى بها المواطنون والمرشحون والأحزاب السياسية والإدارة.
ولم تأت هذه الأمور إلا بفضل الآليات القانونية التي اعتمدها المشرع والتي أعطت الثقة لدة الجميع في نزاهة وشفافية وصحة الانتخابات.


المبحث الثاني : متطلبات ووظائف الحق الانتخابي
المطلب الأول: متطلبات الانتخابات
يمكن تلخيص الإطار الذي يحدد المتطلبات الرئيسية للانتخابات الديمقراطية في الأسس العامة الرئيسية للديمقراطية والتي تدور في مجملها حول:
الفرع الأول : تنظيم عملية اتخاذ القرارات وعمل المؤسسات: وذلك من خلال الاستناد إلى مبدأ حكم القانون، أي تقييد سلطة الحكومة بدستور يخضع له الحكام والمحكومون على قدم المساواة، ويوفر آليات محددة لصنع القرارات. وأخرى للمساءلة السياسية، وقيام نظام قضائي مستقل لحماية مبدأ أحكام القانون، وصيانة حريات الأفراد وحقوقهم والنظر في مدى دستورية القوانين، هذا فضلا عن ضمان عدم خضوع السياسيين المنتخبين الذين يمارسون وظيفة السلطة السياسية السيطرة أو مراقبة هيئات غير منتخبة كالمؤسسات العسكرية، الأمنية أو الدينية، وكذا مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ووجود آليات للتوازن بين تلك السلطات.
الفرع الثاني : تمكين المواطنين من المشاركة في عملية صنع القرارات السياسية
واعتماد مبدأ التداول على السلطة السياسية، وحق كافة القوى السياسية في التداول والتنافس على مقاعد الحكم. وذلك من خلال الاستناد إلى مبدأ أن الشعب هو مصدر السلطة، وأن الحكومة تقوم بممارسة مظاهر السلطة بهدف تحقيق المصلحة العامة للمواطنين، وليس تحقيق مصالح فئة ما، ولهذا فإن حرمان الشعب من التنافس على أي من المناصب التنفيذية أو التشريعية يتناقض مع مبدأ أن الشعب هو مصدر السلطة، كما أن حرمان المنتخبين من ممارسة بعض سلطاتهم يتناقض مع هذا المبدأ.
وتجدر الإشارة إلى أن مبدأ أن الشعب هو المصدر النهائي للسلطة لا يعني غياب أية مرجعيات عليا، ففي الديمقراطيات الغربية المعاصرة على سبيل المثال، ثمة مرجعية عليا أعلى من الدساتير لا يستطيع النواب تجاوزها وسن تشريعات تتعارض مع مبدئها العليا وقيمتنها الإنسانية، وهي الأفكار المذهبية الفردية (الإيديولوجية الليبرالية)، التي جاءت في مجموعة من الوثائق التاريخية كإعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي، وإعلان الاستقلال الأمريكي، وتضم الآليات التي طورت هناك بهدف وضع الضوابط اللازمة لهذا المبدأ أمرين رئيسيين هما وضع الدساتير لا تناقض المرجعية العليا التي تستند إليها تلك الدساتير.
الفرع الثالث: تنظيم علاقات مؤسسات الحكم بالجماهير على لأساس علاقة المواطنة.
أي تمنع كافة الفئات في المجتمع بكافة الحقوق والواجبات على قدم من المساواة، وتساوي فرض المشاركة وفي عملية وضع القرارات السياسية أمام المواطنين البالغين بلا أي شكل من أشكال التميز على أساس الأصل واللغة أو العرق أو الدين أو المذهب، أو المكانة الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية. هذا فضلا عن وجود ضمانات لحريات الأفراد وحقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وضمانات الدستور وقانونية لجمالية و حريات وحقوق الأقليات والفئات الضعيفة في المجتمع.
المطلب الثاني: وظائف الانتخابات
الفرع الأول : التغيير عن مبدأ أن الشعب هو مصدر السلطة
الانتخابات الديمقراطية تقوم بوظيفة التعبير عن مبدأ أن الشعب هو مصدر السلطات، وتنفيذ آلية التنفيذ النيابي وذلك من خلال إتاحة الفرصة أمام الناخبين لممارسة أظهر صور للمشاركة السياسية في عملية صنع القرارات وهو الاقتراع العام، وبهذا يتحقق الفصل بين الشخص الحاكم والسلطة التي هي وظيفة يؤديها الحكام لحساب الجماهير وبتفويض منهم، وليس ملكا يتولونها من غير قبول من المحكومين ويرتبط أن مبدأ الشعب هو مصدر السلطات بحق الشعوب في تقرير مصيرها وتحديد من يحكمها عن طريق صناديق الانتخاب، دون تأثير مباشر أو غير مباشر من أي فرد أو مجموعة من الأفراد من داخل المجتمع أو من أي قوة أو هيئة خارجية، ولهذا فإن محاولات بعض القوى الدولية التأثير في نتائج الانتخابات في دول أخرى أمر يتنافى مع مبدأ الانتخابات الديمقراطية ، من ذلك مثل محاولة الو.م. أ التحديد المسبق لنتائج صناديق الاقتراع في بعض الدول العربية بحيث تستبعد بعض التيارات، بل ومقاطعتها لحكومة السلطة الفلسطينية التي شكلتها حكومة حماس في أعقاب فوزها بالأغلبية في انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني في يناير .2006 .
الفرع الثاني : اختيار الحكام
توفر الانتخابات الطريقة التي يتم من خلالها اختيار الحاكم بتفويض شعبي، وذلك من خلال انتقال السلطة إلى المرشحين الفائزين في الانتخابات، وذلك فيما يتصل برئاسة السلطة التنفيذية أو أعضاء المجالس التشريعية النيابية.، وذلك وفقا لقواعد ذات صلة النظامين السياسي والانتخابي، فعلى سبيل المثال تقرير الانتخابات في الديمقراطيات الغربية المعاصرة سلطة تشريعية تكون مسؤولة أمام هيئة الناخبين وسلطة تنفيذية تكون مسؤولة أمام الناخبين كما هو الحال بالنسبة لمنصب رئيس الجمهورية في النظم الرئاسية، أو أمام هيئات خيالية منتخبة كما هو الحال للوزارات في النظم البرلمانية أو شبه الرئاسية، هذا وفضلا عن اختيار المسؤولين بالانتخاب في بع المجالس الإقليمية والمحلية في جل الديمقراطية المعاصرة.
وفي الديمقراطيات المعاصرة لا يفترض بالضرورة أن يقوم نواب المجالس النيابية بالعمل وفقا لرغبات محددة للناخبين، إذن أن جوهر عملية الانتخابات هو ما يسمى نظرية التفويض العام، أي تفويض هؤلاء النواب قدرا كافيا من السلطة لاقتراح سياسات واتخاذ قرارات، وذلك تبعا للأوضاع والمتغيرات التي يواجهونها أثناء فترة عملهم كنواب عن الشعب، وبغرض تحقيق ما يرونه متوافقا مع المصالح العامة للناخبين. وتضمن المجالس التشريعية النيابية التعددية السياسية وذلك من خلال تمثيل كافة التيارات السياسية الرئيسية في المجتمع وتمثيل أفضل للنساء والأقليات في الدول ذات التعددية العرقية أو اللغوية أو الدينية، وذلك وفقا لقواعد النظامين السياسي والانتخابي المعمول به في الدولة.
الفرع الثالث : تسوية الصراعات السياسية بطرق سلمية
توفر الانتخابات آلية للتداول على السلطة وتغيير مركز القوة، وإمكانية تقلد قوى المعارضة –حال فوزها في الانتخابات- الحكم بديلا من الحكومة القائمة، أي أن الانتخابات هي آلية لتسوية الصراعات السياسية في الدولة الحديثة ب طرق سلمية، وهي تؤدي إلى قبول كافة المتنافسين على المناصب السياسية المختلفة بنتائج الانتخابات، والتسليم بشرعية الفائزين لاسيما المتنافسين الخاسرين في الانتخابات، لذا فالنظام الديمقراطي لا يسمح بتغيير الحكومات بطرق غير الاحتكام إلى أغلبية أصوات الناخبين، كالانتقال العنيف للسلطة بانقلاب عسكري أو ثورة مسلحة بشكل مباشر، كما لا يمكن إقصاء حكومة جاءت باختيار الناخبين في انتخابات حرة ونزيهة بشكل غير مباشر.
الفرع الرابع: توفير الشرعية السياسية وتجديدها
فالانتخاب يقوم بوظيفة توفير شرعية شعبية للحكومة المنتخبة أو تحديد شرعية الحكومة القائمة، فعن طريق الانتخابات يصل إلى مواقع صنع القرار أولائك الذين يحظون بقبول شعبي من طرف الناخبين. فالشرعية تستند إلى ان الحكومة المنتخبة تعمل في إطار المبادئ الديمقراطية وتخضع لإرادة الشعب من خلال آلية الانتخابات التنافسية والدورية، وهذا في وجود إطار دستوري يحترمه الجميع وآليات للمشاركة السياسية وأخرى لمساءلة المسؤولين ومحاسبتهم، وكذلك وجود استقلال قضائي، و صحافة حرة ومستقلة،كما توفر الانتخابات الديمقراطية آلية لتجديد شرعية الحكومات القائمة وحكومات الدول الديمقراطية قد يعتريها الضعف مع مرور الوقت، ومن ثم تحتاج إلى تجديد شرعيتها وسط ناخبيها وهنا يستطيع النظام الديمقراطي أن يجدد شرعية الحكومات القائمة ويعزز من الدعم الذي يوفره الناخبون لمن هم في مواقع صنع القرار.
الفرع الخامس: محاسبة الحكام
للانتخابات مقصد هام هو محاسبة الحكام ومساءلتهم وقت الانتخاب إما من خلال تقويم برامج المتنافسين قبل الانتخاب، أو عن طريق مكافأة أو معاقبة السياسيين إذا ما أرادوا الترشح مرة ثانية وهذا الهدف يعد واحدا من أبرز أهداف الانتخابات الديمقراطية النظم السياسية المعاصرة وأحد الآليات الرئاسية التي يمكن من خلالها التأكد من الحكومة المنتخبة تستجيب بانتظام لمطالب الناخبين، وترعى مصالحهم المختلفة وقد اهتم الكثير من خبراء السياسة بمناقشة محمل الجوانب المتصلة بالمسائل الانتخابية أي مسألة الحكام عن طريق إجراء انتخابات حرة ونزيهة بصفة دورية وجعل بقائهم في أماكنهم مرهون بأصوات الناخبين.
ولأن المساءلة تعد محاسبة المسؤولين عما فعلوه في السابق، فإن آلية المحاسبة هي انتخابات للتجديد أو الحصول على فترة جديدة، وليس الانتخابات نفسها ولهذا فالمسألة هي أحد الأسباب الأساسية وراء السماح بحق الترشح لأكثر من فترة واحدة، كما أن هناك وسائل تستهدف مساءلة الحكام قبل اختيارهم كأن يخضعوا لتقدير وحكم الناخبين من خلال وعودهم الانتخابية وحملتهم الدعائية، كما أن هناك حالات يلزم فيها القانون الحكام باستشارة الناخبين عن طريق الاستفتاء قبل اتخاذ القرار مثل التعديل الدستوري، أو القرارات المصيرية مثل الانضمام أو الانسحاب من تكثر إقليمي أو منظمة دولية .
الفرع السادس: التجنيد السياسي
تقوم الانتخابات الديمقراطية بدور تعبئة الجماهير، فهي مصدر رئيسي من مصادر التجنيد السياسي، ووسيلة هامة من وسائل المشاركة السياسية في النظم الديمقراطية المعاصرة عادة ما يقوم السياسيون وقادة الأحزاب بمهمة اختيار المرشحين للمناصب السياسية، وإعداد البرامج السياسية لمواجهة المشكلات والتحديات العامة التي تواجهها مجتمعاتهم. لذا فالانتخابات تلعب دورا محوريا في إعداد وتدريب السياسيين وتأهيلهم لمناصب أعلى، الأمر الذي يسهم في تحديد حيوية المجتمع ويضن مشاركة عناصر جديدة في وضع السياسات وصنع القرارات.
وعلى العكس من ذلك نجد المجتمعات التي لا تجرى فيها انتخابات ديمقراطية غير قادرة على تحديد حيوية المجتمع ولا الدفع بعناصر جديدة إلى موقع صنع القرار، فتفقد بذلك أجيال الفرصة في المشاركة في العمل السياسي وصنع القرار، وما الانتخابات التي يجريها بعض الحكام إلا وسيلة للسيطرة من خلال ترشيح أتباعهم، وضمان فوزهم بعد التلاعب بقوانين واجراءات الانتخابات. إذ يتوقف دور الحكام على تبرير تصرفاتهم وسن القوانين التي تضمن لهم البقاء في الحكم لأطول مدة.
هذا النوع من الانتخابات ليس وسيلة للتجنيد السياسي والمشاركة السياسية إنما هو أداة للسيطرة، والحيلولة دون بروز سياسيين جدد يتنافسون على مواقع السلطة.
الفرع السابع: التثقيف السياسي
تقوم الانتخابات الديمقراطية بدور تثقيفي عام، فهي تشارك في تثقيف المواطنين بالمسائل المتصلة بالعمل والشؤون السياسية قبل وأثناء عملية الانتخابات، وذلك من خلال إذاعة وإعلان البرامج المختلفة للمرشحين والأحزاب، ومواد الدعاية الانتخابية خلال فترة الانتخابات، الأمر الذي يتيح الفرصة أمام الجماهير للاطلاع ومناقشة المشكلات التي يواجهونها، لذا ففي الدول الديمقراطية المعاصرة هناك علاقة طردية بين مستوى الوعي والثقافة والتعليم من جهة، ومستوى المشاركة في الانتخابات من جهة أخرى، وعلى العكس من ذلك نجد العلاقة سلسة في الكثير من الدول غير الديمقراطية، فلانتخابات لا تجري على أساس الأفكار والبرامج التي تعالج الشأن العام، وإنما على أساس الأشخاص وأداء الخدمات والمصالح الشخصية، ولهذا يعزف المتعلمون والمثقفون عن المشاركة فيها.
المبحث الثالث: معايير الانتخابات الديمقراطية
إن أكبر مشكلة تتخبط بها دول العالم الثالث حاليا هي مصادرة حقهم في اختيار ممثليهم في السلطة نتيجة غياب حرية ونزاهة الانتخابات، والتي اعتبرت الوسيلة الأنسب نحو تكوين حكم راشد، يكون الشعب هو السيد فيه، ويخلق جوا من التنافس الشريف بدل أن تكون هذه الانتخابات أداة لإعادة انتاج نفس النخاب والسياسات منذ عقود. وهنا يطرح التساؤل حول: ما هي معايير حرية الانتخابات ونزاهتها؟ وما هي متطلباتها بحسب النصوص الدولية وتحليل الفقهاء.
المطلب الأول: معايير الحرية ومتطلباته
يعني معيار الحرية احترام الحقوق والحريات السياسية الرئيسية كحرية الحركة، وحرية التعبير، وحرية الاجتماع، وحرية المشاركة في التصويت وغيرها، والواردة في مجموعة من الوثائق والاتفاقيات الدولية، وعدد من الوثائق الإقليمية. وهذه الحريات تتفق مع الأمور التي اعتبرها "دال" شروط مسبقة لما أسماه البولارشية، أي أن معيار حرية الانتخابات يشكل في نفس الوقت أحد متطلبات الانتخابات الديمقراطية، وفي تصورنا فإنه يمكننا أن نضيف إلى تلك الحريات والحقوق بعدين جديدين، الأول أن تجري الانتخابات في ظل حكم القانون، والثاني أن تقسم الانتخابات بالتنافسية.
الفر ع الأول: احترام مبدأ حكم القانون
لعل أول وأبرز معايير حرية الانتخابات الديمقراطية في النظم الديمقراطية أن تلك الانتخابات، لابد أن تحترم مبدأ حكم القانون (Rule of law) بمعنى خضوع أطراف العملية الانتخابية من مرشحين وناخبين، وإدارة إلى كل قانون مسبق يحدد التزامات وحقوق كل طرف، ويطبق بكل حذافره دون ضغوط أو تحايل من السلطة، وهو ما يعبر عن سيادة القانون بدل سياسة استبداد الحكام بالسلطة.
وفق هذا المجال يمكن للطرف المتضرر المطالبة بحقوقه المكفولة قانونا، ولا تملك السلطة مجالا للتلاعب أو الاحتيال.
ومثال ذلك: كيفية التقدم للترشح، مرورا بالقواعد التي تنظم الحملات الانتخابية، انتهاء بالمسائل المتصلة بتنظيم يوم الانتخابات.
الفرع الثاني: احترام مبدأ التنافسية
أي وجود تنافس حقيقي بين مرشحين متعددين أو برامج مختلفة، ويتضمن هذا المعيار أمرين رئيسيين هما: المعيار الكمي الصرف: وهو ضرورة أن لا تقتصر الانتخابات على مرشح واحد فقط، كما كان الحال مع النظم الماركسية ذات النظام الواحد في الاتحاد السوفياتي الواحد ودول شرق أوروبا والعدد من دول إفريقيا وآسيا قبل موجات الحول في الثمانيات والتسعينات من القرن الماضي، وقد أفرزت بعض الانتخابات ذات مرشحين متعددين. لكن دون أن تترك للناخبين حرية الاختيار وذلك باستعمال أساليب متعددة من الترغيب أو الترهيب أو التزوير بغية ضمان فوز مرشحي التيار الحكومي فقط. وهذا ما كان عليه الحال في الجزائر قبيل سنة 1989 حين كان المرشحين يخرجون من بوابة حزب جبهة التحرير فقط، وبالتالي تكون أمام استفتاء بنعم أو لا ولا يمكن حتى أن نسميه انتخاب .
ما المعيار الثاني فهو كيفي، أي أن الانتخابات التنافسية الحرة لابد أن توفر أمام الناخب اختيارات وبرامج متعددة ومختلفة فتشابه البرامج وتقاربها يقلل من درجة التنافسية التي يجب أن تتمتع بها الانتخابات الديمقراطية كما أن هناك انتخابات تسود فيها جبهات قومية مع سيطرة الحزب بحاكم وذلك كما كان الحال في بولندا وألمانيا الشرقية إبان الحكم الشيوعي.
وبجدر الذكر في الأخير أن مبدأ التنافسية ليس مبدأ مطلق بل ترد عليه بعض القيود، فتمتع بعض الأحزاب بالقوة والنفوذ والإمكانيات المادية والبشرية يجعلها تسيطر بطريقة غير مباشرة على الساحة الانتخابية ولا تدع مجالا واسعا لباقي الكتل السياسية الصغيرة في التحرك رغم وجود التنافس الحر، وهو ما نجده حاصل في أعرق الديمقراطيات، في أمريكا حيث يسيطر عليها الحزب الجهوي والديمقراطي، وفي انجلترا نجد حزب المحافظين والعمال .
الفرع الثالث: ضمان حرية المعرفة والتعبير والاجتماع والإعلام
تعد حماية حريات الأفراد وحقوقهم الرئيسية و لاسيما حريات المعرفة والتعبير والاجتماع والإعلام، من معايير حرية الانتخابات الديمقراطية، وتتصرف حرية المعرفة إلى حق الناخبين في وعرفة ومناقشة آراء وأفكار وبرامج كل المترشحين في الانتخابات دون قيد أو شرط أو خوف من التعرض إلى الأذى من السلطات، ويتطلب كل هذا ضمان حق المترشحين للمناصب السياسية في الإعلان عن أفكارهم وبرامجهم والترويج لها بين الناخبين دون قيود أو معوقات، وكذا حق عقد الاجتماعات والمؤتمرات الانتخابية والتجمعات الجماهيرية، وذلك ودن تمييز أو قيود من السلطة. يرتبط هذا بحق كل المرشحين في الحصول على فرص متساوية في استخدام موارد الدولة ووسائل الإعلام المختلفة اعرض برنامجه وآرائه بحرية دون خوف من بطش السلطة التنفيذية، وقد أثارت هذه الحريات الكثير من النقاش حول ضرورة ضمان حد أدنى من هذه الحقوق ولاسيما حق استخدام وسائل الإعلام، وعقد المؤتمرات الانتخابية كل المرشحين الأغنياء منهم والفقراء عن طريق تخصيص الإعتمادات المالية لهذا الغرض .
الفرع الرابع: حرية تشكيل منظمات سياسة مستقلة عن السلطة التنفيذية
يرتبط بعنصر التنافسية ضرورة ضمان حرية تشكيل المنضمات السياسية المستقلة عن سلطة التنفيذ من أحزاب وتكتلات للسياسة، وكذا ضمان حرية الترشح في الانتخابات وهذا يعني عدم وجود قيود رسمية (دوجير،dejure) أو فعلية " defacto " على إنشاء تلك المنظمات والتنافس على المناصب السياسية والمقاعد النيابية، ومن هنا فإن الانتخابات الديمقراطية لا يجب أن ت شهد ممارسات مثل إقصاء فئة أو جماعة ما من حق الانتظام في حزب أو تكتل سياسي أو ترشح لمناصب سياسية، وذلك مثل ما فعل الحزب الحاكم في المكسيك قبل عام 2000، حينما أقصى الأحزاب الدينية والجهوية والمستقلين من التنافس الانتخابي.أو مثلما فعل حكام كينيا، وزمبيا، وكوت ديفوار، عندما منعوا المنافسين الحقيقيين من فرصة الترشح .
المطلب الثاني: معيار نزاهة الانتخابات ومتطلباته
يرتبط معيار نزاهة الانتخابات بعنصر الحياد imparttiality الذي يجب أن تتسم به الجهة المشرفة على الانتخابات، في تعاملها مع كل أطراف العملية الانتخابية من مرشحين وناخبين ومشرفين ومراقبين وفي جميع مراحلها، بدءا من حق الاقتراع، مرورا بكيفية تحويل أصوات الناخبين إلى مقاعد سياسية، وكيفية ممارسة هذا الحق، وانتهاء بكل ما يتصل بالإشراف على الانتخابات وفرز الأصوات وإعلان النتائج. ونعني بالحياد حياد، حياد القوانين والقواعد والأنظمة المنظمة لعملية الانتخاب، وكذا حياد الهيئة المشرفة أو الإدارة في تنفيذها لتلك القوانين والقواعد.
الفرع الأول: حق الاقتراع العام
ترتبط الانتخابات الديمقراطية التنافسية بحق الاقتراع العام "universal Vote" أي حق كل المواطنين البالغين المسجلين في الاقتراع في الانتخابات دونما تمييز، ويرتبط بحق الاقتراع العام قاعدة "شخص واحد، صوت واحد" "One nam, one vote" بمعنى أن لكل ناخب صوت أو ما يسمى الوزن المتساوي للأصوات equal weighting of votes، وحق الاقتراع العام وقاعدة أن لكل شخص صوت واحد يرتبطان بمبدأ المساواة السياسية، الذي يعني تكافؤ الفرص أمام المواطنين في المشاركة في عملية صنع القرارات السياسية.
لذا فإن حرمان جماعة ما أو فئة معينة من حق الاقتراع ينقص من نزاهة الانتخابات، ومثال ذلك حرمان المرأة من حق الترشح والاقتراع في الكويت قبل عام 2006، أو الحرمان غير المباشر باستعمال طرق ملتوية كالتشديد في إجراءات تسجيل الناخبين أو التلاعب في سجلات الناخبين .
الفرع الثاني: تسجيل الناخبين بشفافية وحياد
على الرغم من أن تسجيل الناخبين في سجلات انتخابية ليس شرطا ضروريا لانتخابات ديمقراطية، إلا أنه يعمل على تحقيق هدفين رئيسيين، فهو يوفر آلية للنظر في المنازعات التي قد تثار في شأن حق الفرد في التصويت، وذلك بشكل منتظم وقبل يوم الانتخاب، وهذا في حالة ما إذا حاول شخص لا يملك حق الانتخاب أن يدلي بصوته في الانتخابات، أو عندما يحاول شخص ممارسة حقه مرتين، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإن تسجيل أسماء الناخبين في سجلات انتخابية يسهل عملية التنظيم وتحديد الدوائر الانتخابية وتحديد القوة البشرية المشرفة على الدوائر الانتخابية.

الفرع الثالث: الحياد السياسي للقائمين على الانتخابات
من أبرز معايير الانتخابات الديمقراطية حياد القائمين على إدارتها في جميع مراحلها بدءا بالإشراف على تسجيل الناخبين والمرشحين، ومرورا بإدارة يوم الانتخاب وانتهاء بعملية فرز الأصوات وإعلان نتائجها النهائية والإشراف على حق الناخبين في الشكوى والتظلم والطعن.
من الناحية الوظيفية، تعمل الإدارة المشرفة في إطار النظام القانوني السائد، واحترام مبدأ سيادة القانون، لذا فإن التأكد من معاملة كل الناخبين والمرشحين وفقا للقانون ودون أدنى تمييز، يعد من أكبر مهام تلك الإدارة وتكتسب الإدارة المشرفة على الانتخابات ثقة المواطنين من خلال الالتزام بالحياد السياسي والحزبي، الذي قد يفهم من القيام ببعض التصرفات تغليب مصالح الحكومة القائمة أو مصالح فئة ما أو حزب سياسي، في حال الإعلان على مواقف سياسية محددة أو الخوض في نشاطات ذات صلة بأحد الجهات المتنافسة.
الفرع الرابع: قانون انتخابي عادل وفعال
تسند نزاهة عملية إدارة الانتخابات إلى القانون الانتخابي الذي ينظم عملية الانتخاب في مراحلها المختلفة، فالمنطق إذن يجب أن يكون صحيحا، حتى يستطيع أن يأتي التطبيق فيما بعد معبرا فعلا عن إرادة الشعب، فتبني القانون لنظام انتخابي معين له الأثر البالغ في تحديد النتائج وفرز الأصوات، ولذلك يجب أن يعمل كل نظام انتخابي على تحقيق كافة أهدف رئيسه.
- تحويل أصوات الناخبين إلى مقاعد في الهيئات التمثيلية بالبرلمانات.
- توفير الآلية التي يمكن من خلالها للناخبين محاسبة ممثليهم.
- توفير حوافر للمتنافسين من أجل عرض برامجهم وآرائهم وتمثيل كافة فئات المجتمع .
ومن أخطر الأمور على الإطلاق أن تكون عدم النزاهة بسبب القانون نفسه، بحيث نجده يتعارض مع حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا. بحيث يكون تصنيف باب الترشح ووضع شروط تعجيزية لا تسمح إلا لفئة محددة بذلك، وهو ما نصت عليه المادة 76 من الدستور المصري حيث جاءت بقائمة طويلة من الشروط التعجيزية التي كانت محل انتقاد شديد من طرف الرأي العام المصري. كما أن الدستور السوري جعل الوصول لكرسي الرئاسة لا يكون إلا من بوابة حزب البعث الذي اعتبره القائد في المجتمع والدولة.
الفرع الخامس: دورية الانتخابات
نعني بدورية الانتخابات إجراؤها على فترات زمنية دورية، ويقتضي ذلك أنه لا يوجد منتخب مدى الحياة، كما كان سائدا في ليبيا، حيث أن الرئيس تواجد في سدة الحكم منذ 1969 وإلى غاية سنة 2011 دون إجراء أية انتخابات. وتكمن أهمية هذا المعيار في حدوث التغيير الذي هو عنصر مهم جدا في التطوير والنمو، وتحقيق التداول على السلطة التي هي من أسس الديمقراطية، وتجعل المنتخب يعمل كل ما في وسعه خلال عهدته من أجل كسب ثقة المصوتين خلال الانتخابات القادمة.
إضافة إلى معيار دورية الانتخابات، هناك معيار ضامن لهذه الدورية، وهو تحديد العهدات الانتخابية المسموح بها لنفس الشخص وهذا ما يعطي فعالية أكبر ومصداقية لمعيار دورية الانتخابات.

خاتمة الفصل التمهيدي
لقد تمت محاولة تحديد مفهوم الانتخاب من حيث تعريفه وتكييف طبيعته و استنتاج خصائصه، ومن حيث بيان القيم السياسية و الاجتماعية و القانونية لممارسة الانتخاب تجسيدا للديمقراطية .
كما تم التعرض في هذه الدراسة إلى توضيح مفهوم الحق الانتخابي ، ومدى ارتكاز الديمقراطيات الحديثة في بنائها عليها ، وهذا من خلال التطرق إلى حق الانتخاب في القانون الدولي وفي فرنسا بالخصوص .وتعرضنا كذالك إلى طبيعة الحق الانتخابي كونه حقا شخصيا أو وظيفة اجتماعية وكذلك الرأي الراجح بين الموقفين
ونستنتج من خلال الدراسة ان للانتخاب مصادر مختلفة متمثلة في الدستور كمصدر أساسي ، وكذا التشريع والنصوص التنظيمية. ومن خلال التجربة الجزائرية يتبين لنا إن للحق الانتخابي وظائف ومتطلبات لازمة لسير و تنظيم العملية الانتخابية و تمكين المواطنين في صنع القرارات السياسية.
ولترسيخ القيم الديمقراطية بصورة منظمة يجب أن يعطى الشعب حق التعبير على انه هو مصدر السلطة ومصدر اختيار الحكام . كما انه من وظائف الحق الانتخابي تسوية الصراعات السياسية بالطرق السلمية وتوفير الشرعية السياسية و تجديدها، و يعمل على محاسبة الحكام ، كما يقوم الانتخاب بدور تعبوي عام فهو مصدر للتجنيد السياسي ووسيلة من وسائل المشاركة السياسية ،حيث يسهم في ضمان مشاركة عناصر جديدة في صنع القرارات .
ومن خلال ما سبق تتضح الحاجة إلى معرفة معايير الانتخابات الديمقراطية والمتمثلة في معيارين أساسيين : أما الأول فهو معيار الحرية ، وينطوي على مبادئ نظامية وضمانات و هي :
احترام مبدأ حكم القانون و مبدأ التنافسية ،وضمان حرية المعرفة و التعبير والاجتماع و الإعلام ، وحرية تشكيل منظمات سياسية مستقلة عن السلطة التنفيذية .
أما المعيار الثاني فهو النزاهة وهذا بالاحتكام إلى حق الاقتراع العام ومبدأ الشفافية و الحياد، مع تمتع القائمين على العملية الانتخابية بالحياد السياسي ضمانا لتحقيق مبدأ الديمقراطية .
والخلاصة إن النظام الانتخابي بكل أسسه و مبادئه و مصادره الوطنية و الدولية ،وبكل عملياته و مراحله وإجراءاته وضماناته الوطنية والإقليمية و الدولية يضبط و ينظم الممارسات الانتخابية المختلفة . ويجسد قيمها و فضائلها السياسية والاجتماعية و الاقتصادية و الأمنية ويوفر لها كافة ضمانات حماية مشروعيتها و نزاهتها.










رد مع اقتباس