منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - التاريخ الاسلامي
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-03-17, 17:49   رقم المشاركة : 41
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 الهادي و هارون الرشيد

الهادي

( 169- 170هـ)

هو موسى الهادي بن محمد المهدي بن جعفر المنصور وأمه أم ولد اسمها الخيزران كانت ملكاً للمهدي وفي سنة159 أعتقها وتزوجها أي بعد أن ولدت له الهادي والرشيد. ولد الهادي سنة 144 وولاه أبوه العهد وسنه16 سنة.
الحال في عهده:

كان الهادي على سنن أبيه في كراهة الزنادقة فالتفت إليهم ونكل بهم تنكيلاً والزندقة على ما يظن كانت عندهم عنواناً على ترك التدين والمجازفة في التعبير عن الدين.

ثورة الحسين بن علي:

وفي عهد الهادي خرج بالمدينة الحسين بن علي بن الحسن المثلث سنة169 وكان والي المدينة لوقته عمر بن عبد العزيز بن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب وسبب خروجه أن عمر بن عبد العزيز أخذ الحسن بن محمد النفس الزكية وجماعة كانوا على شراب لهم فأمر بهم فضربوا جميعاً ثم أمر بهم فجعل في أعناقهم حبال وطيف بهم في المدينة فصار إليه الحسين بن علي فكلمه فيهم وقال له ليس هذا عليهم وقد ضربتهم ولم يكن لك أن تضربهم لأن أهل العراق لا يرون به بأساً فلم تطوف بهم فبعث إليهم وقد بلغوا البلاط فردهم وأمر بهم إلى الحبس فحبسوا يوماً وليلة ثم كلم فيهم فأطلقهم جميعاً وكانوا يعرضون كما قدمنا يراقبون ففقد الحسن بن محمد وكان الحسين بن علي ويحيى بن عبد اللَّه بن الحسن كفلاه لأن العمري كان كفل بعضهم من بعض فغاب عن العرض ثلاثة أيام فأخذ الكفيلين وسألهما عنه فحلفا أنهما لا يدريان موضعه فكلمهما بكلام أغلظ لهما فيه فحلف يحيى بن عبد اللَّه ألا ينام حتى يأتيه به أو يضرب عليه باب داره حتى يعلم أنه قد جاءه فلما خرجا قال الحسين: سبحان اللَّه ما دعاك إلى هذا وأين تجد حسناً حلفت له بشيء لا تقدر عليه قال والله لا نمت حتى أضرب عليه باب داره بالسيف فقال حسين: تكسر بهذا ما كان بيننا وبين أصحابنا من الصلة قال: قد كان الذي كان، فلا بد منه، وكانوا قد تواعدوا على أن يخرجوا بمنى أو بمكة أيام الموسم، وكان بالمدينة جماعة من أهل الكوفة من شيعتهم وممن كان بايع الحسين بن علي، ففي آخر الليل خرجوا وجاء يحيى بن عبد اللَّه حتى ضرب باب دار مروان على العمري فلم يجده فيها وتوارى منهم فجاءوا حتى اقتحموا المسجد. ولما أذن الصبح جلس الحسين على المنبر وعليه عمامة بيضاء وجعل الناس يأتون المسجد فإذا رأوهم رجعوا ولا يصلون فلما صلى الغداة جعل الناس يأتونه ويبايعونه على كتاب اللَّه وسنة نبيه صلى اللَّه عليه وسلم للمرتضى من آل محمد وقاومهم جماعة من نصراء الدولة فلم يفلحوا ولما تم للحسين بن علي ما أراد انتهبت جماعته ما في بيت المال.

أقام الحسين بالمدينة بعد إعلان الخروج أحد عشر يوماًثم فارقها لست بقين من ذي القعدة قاصداً مكة.

انتهى خبر الحسين إلى الهادي وقد كان حج في تلك السنة رجال من أهل بيته منهم محمد بن سليمان بن علي والعباس بن محمد وموسى بن عيسى سوى من حج من الأحداث وكان على الموسم سليمان بن أبي جعفر المنصور فأمر الهادي بالكتاب بتولية محمد بن سليمان على الحرب فلقيهم الكتاب وقد انصرفوا عن الحج. وكان محمد بن سليمان قد خرج في عدة من السلاح فشمر للحرب وسار نحو الحسين بن علي فلقيه بفخ وكانت عاقبة الوقعة أن قتل الحسين بن علي الثائر وجماعة ممن معه وأفلت من الموقعة رجلان لهما تاريخ جليل وهما إدريس بن عبد اللَّه بن الحسن بن علي أخو محمد النفس الزكية وهو مؤسس دولة الأدارسية بالمغرب الأقصى والثاني أخوه يحيى بن عبد اللَّه الذي ذهب إلى بلاد الديلم.
صفات الهادي:

كان الهادي شديد الغيرة على حرمه ويشبه في ذلك سليمان بن عبد الملك في بني أمية وقد نهى أمه الخيزران أن يدخل عليها أحد من القواد أو رؤساء حكومته بعد أن كان لها من نفوذ الأمر في عهد المهدي ما لم يكن لامرأة غيرها.

وكان شجاعاً قوياً روي عنه أنه كان يثب على الدابة وعليه درعان.

وكان يرى الناس لا يصلحون إذا حجب خليفتهم عنهم حتى أنه قال للفضل بن الربيع الذي أقامه في حجابته بعد أبيه: لا تحجب عني الناس فإن ذلك يزيل عني البركة ولا تلق إليّ أمراً إذا كشفته أصبته باطلاً فإن ذلك يوقع الملك ويضر بالرعية، وقال مرة لعلي بن صالح: ائذن للناس عليّ بالجفلى لا النقرى ففتحت الأبواب فدخل الناس على بكرة أبيهم فلم يزل ينظر في المظالم إلى الليل.

وكان كريماً يشبه أباه في أعطياته. ولم تطل مدته في الخلافة حتى يكون له في أحوال الأمة أثر ظاهر.
- هارون الرشيد

ترجمته:

هو هارون الرشيد بن محمد المهدي وأمه أم الهادي ولد بالري سنة145 ولما شب كان أبوه يرشحه للخلافة فولاه مهام الأمور. جعله أمير الصائفة سنة163 وسنة165 وفي سنة164 ولاه المغرب كله من الأنبار إلى أطراف أفريقية فكانت الولاة ترسل من قبله وفي سنة166 جعله أبوه ولي عهد بعد الهادي وفي سنة169 وهي السنة التي توفي فيها المهدي أراد أن يقدمه على الهادي لما ظهر من شجاعته وعلو شأنه فحالت منية المهدي دون ذلك المهدي.

بويع الرشيد بالخلافة يوم أن مات أخوه الهادي في14 ربيع الأول سنة170 (14 سبتمبر سنة786 وسنه25 سنة ولم يزل خليفة إلى أن توفي في ثالث جمادى الآخرة سنة194 (24 مارس سنة808 فكانت مدته23 سنة وشهرين و18 يوماً وكان سنه إذ توفي48 سنة.
نكبة البرامكة:

أولع المؤرخون بذكر نكبة البرامكة وأجهدوا قرائحهم في تعرف أسباب إيقاع الرشيد بهم. لم يكن هذا العمل بدعاً في الدولة العباسية فإن للمنصور والمهدي سلفاً في ذلك فقد أوقع المنصور بوزيره أبي أيوب المورياني قتله وأقاربه واستصفى أموالهم لخيانة مالية اطلع عليها منهم وأوقع المهدي بوزيريه أبي عبد اللَّه معاوية بن يسار ويعقوب بن داود لوشاية كانت بهما مع نزاهة الأول وحسن سيرته ومع ما كان للمهدي من الولوع بالثاني حتى كتب للجمهور أنه اتخذه أخاه في اللَّه. كل هذا قد سبق به الرشيد.

كان يحيى بن خالد هو القائم بأمر الرشيد أيام المهدي وكان الرشيد يدعوه يا أبي وكانت أم الفضل بن يحي ى ظئراً للرشيد وأرضعت الخيزران أم الرشيد الفضل بن يحيى فكان يحيى هو الذي يكفله ويقوم بتربيته من لدن ولد إلى أن شب. وهو الذي كانت له اليد الطولى في إخفاق المساعي التي بذلت لخلع الرشيد من ولاية العهد أيام الهادي فلما تولى الرشيد قلده وزارته وزارة تفويض ثم ضم إليه وزارة الخاتم بعد وفاة الفضل بن سليمان الطوسي فاجتمعت له الوزارتان وأعانه في العمل أبناؤه إلا أن الشهرة ونباهة الذكر كانت للفضل وجعفر مع ما كان لهم جميعاً من الكفاية.

رآهم الناس بعد هذا العز المتين والشرف الباذخ منكوبين على يد الرشيد، ابن يحيى وأخي الفضل وحبيب جعفر، فجعفر مقتول بالعمر من ناحية الأنبار في آخر ليلة من محرم سنة197 بعد أوبة الرشيد من حجه وكتابته عهدي ولديه الأمين والمأمون ثم جسمه مصلوب ببغداد على ثلاثة جسور ثم أحرق. ويحيى بن خالد وأبناؤه الباقون محبوسون. ورأوا مصادرة لكل ما يملكون من عقار ومنقول ورقيق ورأوا كتباً أرسلت إلى جميع العمال في نواحي البلدان والأعمال بقبض أموالهم وأخذ وكلائهم وأمراً بالنداء في جميع البرامكة أن لا أمان لمن أواهم إلا محمد بن خالد بن برمك وولده وأهله وحشمه فإن الرشيد استثناهم لما ظهر له من نصيحة محمد له وعرف براءته مما دخل فيه غيره من البرامكة. رأوا ذلك كله فعرتهم الدهشة وظنوا الظنون وسادت عليهم الخيالات والأوهام ناسبين ذلك لحادث فجائي حدث فغير قلب الرشيد هذا التغيير وأداه إلى هذا العمل شأن الناس في الأعصار كافة إذا عصفت بهم عاصفة من حادث شديد الوقع.

من كل هذا يتبين أن النفور والريبة وقعت في قلب كل من الطرفين للآخر وتبع ذلك معاملات من الرشيد لم يكن يبعثه عليها إلا ما ركز في نفسه وأثبته عنده وشاة السوء وأعداء البرامكة وكان الرشيد يتحين الفرصة للإيقاع بهم ولا سيما جعفر لما كان منه من تخليص يحي ى بن عبد اللَّه وهذا دليل عدم الإخلاص للرشيد وللبيت العباسي وقد قام الفضل بن الربيع بما انتدب إليه خير قيام وشايعه في ذلك كثيرون وكانت زوجة الرشيد زبيدة منحرفة عن جعفر لقيامه في أمر المأمون فإنه هو الذي قام في ولايته العهد وجعله مناظراً لابنها الأمين وكانوا يتخوفون من جعفر أن يكون سبباً في الإيقاع بين الأخوين إذا حانت منية الرشيد لذلك كانت زبيدة توغر قلب الرشيد على جعفر كلما حانت الفرصة.

في سنة186 حج الرشيد ولما انصرف من حجه أتى الأنبار ومعه يحيى والفضل وجعفر ومحمد بن خالد ودعا موسى بن يحيى فرضي عنه بعد غضبه عليه وفي غاية المحرم أمر فيهم أمره فقتل جعفراً وحبس يحيى وابنيه وصادر أموالهم كلها وقد حبس يحيى مع الفضل، ومحمد في دير القائم وجعل عليهم حفظة ولم يفرق بينهم وبين عدة من خدمهم ولا ما يحتاجون إليه وصير معهم زبيدة بنت منير أم الفضل وعدة من خدمهم وجواريهم ولم تزل حالهم سهلة إلى أن سخط الرشيد على عبد الملك بن صالح فعمهم بالتسقف بسخطه وجدد لهم التهمة عند الرشيد فضيق عليهم.
العلاقات الخارجية:

كانت دول هذا العصر الكبيرة دولة الروم الشرقية بالقسطنطينية ودولة شرلمان الذي كان يميل إلى تجديد دولة الرومان الغربية ودولة الأمويين بالأندلس وحدثت في عهده دولة الأدارسة بالمغرب الأقصى.
مع الروم:

من أعمال الرشيد أنه عزل الثغور كلها عن الجزيرة وقنسرين وجعلها حيزاً واحداً وسميت العواصم وجعل قاعدتها منبجاً وأسكنها عبد الملك بن صالح سنة173 وسميت العواصم لأن المسلمين كانوا يعتصمون بها فتعصمهم وتمنعهم من العدو إذا انصرفوا من غزوهم وخرجوا من الثغر وكان من هذه العواصم دلوك ورعبان وقورس وانطاكية وتيزين وما بين ذلك من الحصون ومن تلك المدن الشهيرة طرسوس وقد عمرت في زمن الرشيد على يد أبي سليم فرج الخادم التركي ونزلها الناس وكان يغزو الصائفة عبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح ووصل سنة175 إلى أقريطية. وفي سنة181 غزا الرشيد الصائفة بنفسه ففتح عنوة حصن الصفصاف وغزا عبد الملك بن صالح فبلغ أنقرة.

ولم يزل عبد الملك يرى الثغور وحربها وهو قائم بذلك خير قيام حتى عزله الرشيد وحبسه بعد نكبة البرامكة سنة 187 فولى بعده القاسم بن الرشيد وسكن منبجاً فغزا الروم وأناخ على حصن قرة وحاصرها ووجه العباس بن جعفر بن محمد بن الأشعث فأناخ على حصن سنان حتى جهدوا فبعثت الروم تبذل320 رجلاً من أسارى المسلمين على أن يرحل عنهم فأجابهم إلى ذلك ورحل عن حصني قرة وسنان.

كان يملك الروم في ذلك الوقت إربني وكانت في أوائل أمرها تنوب عن ابنها قسطنطين السادس منذ سنة780 ثم استبدلت بالملك سنة790 فاتفقت مع الرشيد على الصلح والمهادنة مقابل جزية تقوم بدفعها له وذلك لما رأته من إلحاح المسلمين عليها بالحرب وعدم قدرتها على الدفاع لوقوعها بين المسلمين من جهة وبين شارلمان من جهة أخرى وكلتا الدولتين تناوئها العداوة لأن شارلمان كان يريد توسيع سلطانه وإعادة دولة الرومان إلى بهجتها التي كانت لها في القدم وفي سنة802 نهضت عليها عصابة رومية فخلعتها عن الملك وملكت مكانها نقفور فعقد معاهدة مع شارلمان عينت فيها تخوم المملكتين ثم كتب إلى الرشيد من نفقور ملك الروم إلى هارون ملك العرب أما بعد فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ وأقامت نفسها مكان البيدق فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقاً بحمل أمثاله إليها لكن ذلك ضعف النساء وحمقهن فإذا قرأت كتابي فأردد ما حصل قبلك من أموالها وافتد نفسك بما يقع به المصادرة لك وإلا فالسيف بيننا وبينك. فلما قرأ الرشيد الكتاب استفزه الغضب حتى لم يمكن أحد أن ينظر إليه دون أن يخاطبه وتفرق جلساؤه خوفاً من زيادة قول أو فعل يكون منهم واستعجم الرأي على الوزير من أن يشير عليه أو يستبد برأيه دونه فدعا بدواة وكتب على ظهر الكتاب:

( بسم اللَّه الرحمن الرحيم من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم قد قرأت كتابك والجواب ما تراه دون أن تسمعه والسلام) ثم شخص من يومه وسار حتى أناخ بباب هرقلة ففتح وغنم واصطفى وأقاد وخرب وحرق واصطلم فطلب نقفور الموادعة على خراج يؤديه كل سنة فأجابه إلى ذلك فلما رجع من غزوته وصار بالرقة نقض نقفور العهد وخان الميثاق وكان البرد شديداً فيئس نقفور من رجعته إليه وجاء الخبر بارتداده عما أخذ عليه فما تهيأ لأحد إخبار الرشيد بذلك إشفاقاً عليه وعلى أنفسهم من الكرة.

ولم تقف الحروب بين الطرفين بعد ذلك وفي سنة189 حصل فداء بين المسلمين والروم فلم يبق بأرض الروم مسلم إلا فودي به وهذا أول فداء كان بين المسلمين والروم.

وفي سنة190 غزا الرشيد الصائفة بنفسه ففتح هرقلة وبث الجيوش والسرايا بأرض الروم وكان دخلها في135 ألف مرتزق سوى الاتباع وسوى المطوعة وسوى من لا ديوان له وكان فتح الرشيد هرقلة في شوال فأضر بها وسبى أهلها بعد مقام ثلاثين يوماً عليها وولى حميد بن معيوف سواحل الشام إلى مصر فبلغ حميد قبرص فانتصر على أهلها.

وفي سنة191 غزا الصائفة هرثمة بن أعين أحد كبار القواد وضم إليه ثلاثين ألفاً من أهل خراسان ومعه مسرور الخادم واليه في النفقات وجميع الأمور ما خلا الرياسة ومضى الرشيد إلى درب الحدث فرتب هنالك عبد اللَّه بن مالك ورتب سعيد بن سلم بن قتيبة بمرعش فأغارت الروم عليها وأصابوا من المسلمين وانصرفوا وسعيد مقيم بها. وبعث محمد بن يزيد بن مزيد إلى طرسوس، فأقام الرشيد بدرب الحدث ثلاثة أيام من شهر رمضان ثم انصرف إلى الرقة.

وعلى الجملة فإن قوة المسلمين كانت في عهد الرشيد ظاهرة ظهوراً بيناً على الروم لما كان يقوم به الرشيد بنفسه من الغزو المتوالي ومعه عظماء القواد وكبار رجال الدولة من عرب وموال وخراسانية.
العلاقة مع أوروبا:

كان في عهد الرشيد شارلمان بن بابن وكان ملكاً على فرنسا واستولى على لمبارديا وقاد طوائف السكسون التي كانت في جرمانيا إلى الدين العيسوي بعد أن كانت وثنية واستولى على المانيا وإيطاليا وكان يرغب أن يكون له اسم كبير في الديار الشرقية لتكون درجته فوق درجة نقفور ملك القسطنطينية وكان يرغب أن يكون حامياً للعيسويين في البلاد الإسلامية وخصوصاً زائري القدس فأرسل إلى بغداد سفراء يستجلبون رضا هارون الرشيد وكان لشارلمان غرض من مصافاة الرشيد فوق ما تقدم وهو إضعاف الدولة الأموية بالأندلس ففاز سفير شارلمان برضا الرشيد فسر بذلك لأنه عده فوزاً على نقفور ولهذا لما قدم سفير الرشيد على شارلمان قابله بمزيد الإكرام واستفاد شارلمان من ذلك التودد فائدتين الأولى تمكنه من حرب الدولة الأموية بالأندلس وتداخله في مساعدة الخارجين عليها والثانية نيله رضا الرشيد.

وقد أراد أيضاً أن يغتنم غنيمة علمية فإن أوروبا في ذلك الوقت كانت مهد جهالة لأنه بانقراض الرومانيين وغلبة الأمم المتبربرة على أوروبا انطفأ مصباح العلم أما الحال في البلاد الإسلامية فكانت على العكس من ذلك علماً وعملاً سواء في ذلك بغداد وقرطبة فسعى شارلمان في إصلاح قوانين دولته مقلداً هارون الرشيد وذهب إلى أوروبا أطباء تعلموا في البلاد الإسلامية وكانوا من اليهود فانتخب منهم شارلمان رجلاً يقال له إسحاق وأرسله إلى الرشيد مصحوباً ببعض الهدايا وبعد أربع سنين عاد إسحاق مع ثلاثة من رجال الرشيد ومعهم هدايا وهي ساعة وراغنون وفيل وبعض أقمشة نفيسة، فلما نظرها رجال شارلمان ظنوها من الأمور السحرية وأوقعتهم في حيرة وهموا بكسر الساعة فمنعهم الامبراطور، وفي ذلك التاريخ اتفقوا على أمور تتعلق بحماية المسيحيين الذين يتوجهون لزيارة القدس.

أما علاقة بغداد بقرطبة فكانت شر علاقة إذ أن الرشيد كان ينظر إلى بني أمية نظر الخارجين على دولته فكان يود محوهم ولكن القوم كانوا أكبر من ذلك وأقوى فقاوموا شارلمان مقاومة عظيمة ولم يتمكن أن يفعل بهم شراً.
أخلاق الرشيد:

كان الرشيد خليفة ديناً محافظاً على التكاليف الشرعية أتم محافظة فأما صلاته فكان يصلي في كل يوم مائة ركعة إلى أن فارق الدنيا إلا أن تعرض له علة. وكان له سمير فكه هو ابن أبي مريم المدني كان الرشيد لا يصبر عنه ولا يمل محادثته.

وأما صدقته فقد كان كل يوم يتصدق من صلب ماله بألف درهم سوى العطايا التي كانت تهطل على الناس منه ولم ير خليفة قبله كان أعطى منه للمال ثم المأمون بعده.

وأما حجه فإنه كان لا يتخلف عنه إلا إذا كان مشغولاً بالغزو فهو في كل عام بين غاز وحاج وقد أقام للناس حجهم تسع مرات في سني حكمه وهي السنوات70و73 و74 و75 و77 و80 و81 و86 و88 بعد المائة وكان إذا حج حج معه من الفقهاء وأبنائهم وإذا لم يحج يحج عنه ثلثمائة رجل بالنفقة السابغة والكسوة الباهرة.

وكان يسمع وعظ الواعظين وهو عند ذلك رقيق القلب سريع الدمعة. دخل عليه ابن السماك الواعظ فقال له: الرشيد عظني، فقال: يا أمير المؤمنين اتق اللَّه وحده لا شريك له واعلم أنك غداً بين يدي اللَّه ربك ثم مصروف إلى إحدى منزلتين لا ثالث لهما جنة أو نار فبكى هارون حتى اخضلت لحيته.

وأما جهاد الرشيد فإنه كان لا يترك الخروج مع جنده بل كان غالباً في مقدمتهم حتى لا يعتاد الراحة ولا يقعده الترف عن القيام بهذا الواجب حتى كان من ضمن مآثره أنه كان يغزو سنة ويحج أخرى.
وفاة الرشيد:

خرج الرشيد من بغداد في خامس شعبان سنة192 قاصداً خراسان عندما بلغه استفحال أمر رافع بن الليث بما وراء النهر واستخلف ابنه محمداً الأمين بمدينة السلام وخرج معه ابنه عبد اللَّه المأمون ولم يزل الرشيد في مسيره حتى وافى مدينة طوس في صفر سنة193 وهناك اشتدت به علته ولحق بربه ليلة السبت لثلاث خلون من جمادى الآخرة سنة193 وصلى عليه ابنه صالح لأن المأمون كان قد سبقه إلى مرو حاضرة خراسان ودفن الرشيد بهذه المدينة.

وكان للرشيد اثنا عشر ولداً ذكراً وأربع بنات فذكور أولاده محمد الأمين من زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر وعلي من زوجته أمة العزيز أم ولد موسى الهادي وعبد اللَّه المأمون والقاسم والمؤتمن ومحمد المعتصم وصالح ومحمد أبو عيسى ومحمد أبو يعقوب ومحمد أبو العباس ومحمد أبو سليمان ومحمد أبو علي ومحمد أبو أحمد وهم لأمهات أولاد شتى.

وتزوج الرشيد بست زوجات مات عن أربع منهن وهن زبيدة وأم محمد بنت صالح المسكين والعباسة بنت سليمان بن المنصور والجرشية بنت عبد اللَّه العثمانية.










رد مع اقتباس