منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم
عرض مشاركة واحدة
قديم 2019-01-20, 15:15   رقم المشاركة : 78
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

أوجه البلاغة في آية سورة النور : ( ليس على الأعمى حرج ..) الآية .

السؤال

من ضمن تعاريف البلاغة ، أن تستطيع إيصال المعنى المراد بأقل عدد من الكلمات في إيجاز ووضوح وقوة أسلوب لذلك هذا المنطلق على سبيل المثال يجعلني أتساءل حول البلاغة والبيان في قوله تعالى:

"لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ

أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا ۚ فَإِذَا

دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" ألم تكن هنالك طريقة أبسط لتوصيل المراد؟ ما الاعجاز البلاغي الموجود بالاية ؟


الجواب

الحمد لله

أولًا:

نزل القرآن الكريم ، على أمة من العرب كانت الصناعة الرائجة في وقتهم ( صناعة البيان )

ومع ذلك فقد ظهر عجزهم مع توافر هممهم آنذاك على كراهية الرسول صلى الله عليه وسلم وكراهي

ة ما جاء به، لقد جاء القرآن بما يعرفون ويفهمون، بيد أن واحدًا منهم لم يستطع أن يأتي بمثل القرآن، ولا بعشر سور مثله، بل ولا بسورة واحدة من القرآن .

وأمر آخر؛ أن واحدًا منهم لم يعترض على آية واحدة، فعاب أسلوبها، أو تنقص من فصاحتها، بل كانوا له مذعنين، ولبلاغته خاضعين .

يقول العلامة الشيخ محمد عبد الله دراز ، رحمه الله :

"ها نحن أولاء ندعو كل من يطلب الحق بإنصاف، أن ينظر معنا في القرآن من أي النواحي أحب: من ناحية أسلوبه، أو من ناحية علومه، أو من ناحية الأثر الذي أحدثه في العالم، وغيَّر به وجه التاريخ،

أو من تلك النواحي مجتمعة = على أن يكون له الخيرة بعد ذلك أن ينظر إليه في حدود البيئة، والعصر الذي ظهر فيه، أو يفترض أنه ظهر في أرقى الأوساط والعصور التاريخية.

وسواء علينا أيضًا أن ينظر إلى شخصية الداعي الذي جاء به، أو يلتمس شخصًا خياليًّا تجمعت فيه مَرانات الأدباء، وسلطات الزعماء، ودراسات العلماء بكافة العلوم الإنسانية .

ثم نسأله:

هل يجد فيه إلا قوة شاذة، تغلب كل مغالب، وتتضاءل دونها قوة كل عالم، وكل زعيم، وكل شاعر وكاتب، ثم تنقضي الأجيال والأحقاب، ولا ينقضي ما فيه من عجائب، بل قد تنقضي

الدنيا كلها ولما يُحِطِ الناس بتأويل كل ما فيه ( يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ) [الأعراف: 53]"

النبأ العظيم: (108).

وإن غبي عن بعض الناس ذلك؛ فإن دواءه :

" أن يطيل النظر في أساليب العرب، وأن يستظهر على فهمها بدراسة طرف من علوم الأدب، حتى تستحكم عنده ملكة النقد البياني، ويستبين له طريق الحكم في مراتب الكلام وطبقاته، ثم ينظر في القرآن بعد ذلك.

وأنا له زعيم، بأن كل خطوة يخطوها في هذه السبيل ستزيده معرفة بقدره، وستحل عن نفسه عقدة

من عقد الشك في أمره؛ إذ يرى هنالك أنه كلما ازداد بصيرة بأسرار اللغة، وإحسانًا في تصريف القول، وامتلاكًا لناصية البيان، ازداد بقدر ذلك هضمًا لنفسه، وإنكارًا لقوته، وخضوعًا بكليته أمام أسلوب القرآن !!

وهذا قد يبدو لك عجيبًا، أن يزداد شعور المرء بعجزه عن الصنعة، بقدر ما تتكامل فيها قوته ويتسع بها علمه ؟!!

ولكن لا عجب؛ فتلك سنة الله في آياته التي يصنعها بيديه: لا يزيدك العلم بها، والوقوف على أسرارها، إلا إذعانًا لعظمتها، وثقة بالعجز عنها. ولا كذلك صناعات الخلق، فإن فضل العلم بها، يمكنك منها

ويفتح لك الطريق إلى الزيادة عليها؛ ومن هنا: كان سحرة فرعون هم أول المؤمنين برب موسى وهارون"

النبأ العظيم: (110).

ثانيًا:

البلاغة في الكلام هي : "مطابقته لمقتضى الحال، مع فصاحته"، انظر: عروس الأفراح: (1/ 90).

وعلى ذلك :

"فيشترط في الكلام البليغ شرطان:

الشرط الأول: أن يكون فصيح المفردات والجمل.

الشرط الثاني: أن يكون مطابقاً لمقتضى حال من يُخَاطبُ به.

ولمّا كانت أحوال المخاطبين مختلفة، وكانت كلُّ حالةٍ منها تحتاج طريقةً من الكلام تلائمها، كانت البلاغة في الكلام تستدعي انتقاء الطّريقة الأكثر ملاءمة لحالة المخاطب به،

بلُوغ الكلام من نفسه مبلغ التأثير الأمْثل المرجوّ... " .

ينظر : "البلاغة العربية"، لحبنكة (1/ 130)

وفي بيان : الأحوال التي تستدعي اختلافاً في طرائق الكلام وأساليبه .

ونحن ندعوك لمطالعة كتاب ( النبأ العظيم ) لمؤلفه الشيخ محمد دراز رحمه الله، لتقف على طرف من بلاغة القرآن، وروعة أسلوبه وبيانه .