منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - من مواقف علماء الجزائر
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-05-10, 11:06   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
ابو مريم الجزائري
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لم يقتصر الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله في نشر الوعي الصحيح، وتعريف الأمة بمبادئ دينها الحنيف، على دروس الوعظ والإرشاد في المساجد وجور العبادة، أو في المدارس العربية الحرة للجمعية، ولكنه بتوفيق من الله عز وجل أدرك أن هناك شرائح من المجتمع لابد أن تخاطَب بوسائل إعلامية أخرى، فدخل ميدان الصحافة، و"... أنشأ صحافة عربية كانت منبرًا رحبًا، يعلن في عزم وثقة أن الحركة الإصلاحية الجزائرية، حركة شعبية أصيلة، تعمل لإحياء التراث الثقافي للأمة، وتنقيته من الشوائب التي علقت به، وتنشر الوعي الديني والاجتماعي والوطني، وهكذا أصدر جريدة (المنتقد) عام 1925م، ثم صحيفة (الشهاب الأسبوعي)، التي حولها إلى مجلة الشهاب الشهرية، منذ فبراير 1939م، ومجلات أخرى منها (الشريعة)، و(السنة)، و(الصراط)، و(البصائر).. وقد قامت هذه الصحافة بعمل إيجابي ضخم في مجال اليقظة الفكرية والوعي الوطني، والإصلاح الديني، وإحياء اللغة العربية، محبطًا بذلك كله مخططات الاستعمار الرامية إلى تشويه الشخصية الجزائرية في كل ميدان) [مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، ص482].
وهذا نموذج من كتاباته الصحفية، تتجلى فيه شجاعته وصرامته في الحق،
فقد عُرِفَ عن الشيخ ابن باديس أنه كان في كثير من مواقفه ليّنًا من غير ضعف، لكنه حين تمس مبادئ الدين الحنيف، ويحس بأن هناك كيدا لجمعية العلماء المسلمين ينقلب إلى ليث هصور وثابٍ غير هيابٍ، فينطبق عليه ما وصفه به أحد رفاقه:" فهو في الحق صارم... وحين تخور العزائم، فهو شجاع شجاعة مَن لا يخاف في الله لومة لائم، ولا غطرسة ظالم متجبّر".
وهذا المقال الذي يرد فيه على خطاب ألقاه في مجلس النواب المدعو " علي ابن غراب " أحد النواب الجزائريين من علماء وأذيال فرنسا الإستدمارية، وقد هاجم فيه الحركة الاصلاحية ممثلة في جمعية العلماء المسلمين، داعيا السلطات الفرنسية إلى التضييق على نشاطاتها وغلق مدارسها وتوقيف صحفها.
وقد نشر هذا الرد في صحيفة " الصراط السوي " التي كانت تطبع وتصدر بمدينة قسنطينة وهي التي خلفت صحيفة الشريعة [ وقد صدر العدد الأول من صحيفة " الصراط السوي " يوم الاثنين 21 جمادى الأولى 1352 هـ/ 11 سبتمبر 1933م، وقد أصابها ما أصاب أخواتها من تضييق ومصادرة، فتوقفت هي الأخرى نهائيا، وكان آخر عدد يصدر عنها بتاريخ 22 رمضان 1352 هـ/ 08 جانفي 1934م.]
[ انظر " ابن باديس: حياته وآثاره ، الدكتور عمار طالبي ، دار الغرب الاسلامي بيروت، الطبعة الثانية 1403 هـ/ 1983م " ( 1 / 87) ]

نشر هذا الرد على دفعتين في العددين الأول والثاني من صحيفة " الصراط السوي ".

تحت عنوان : "رد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على خطاب ابن غراب"

" لو كان هذا الرجل وجه على الجمعية أضعاف ما وجه عليها من تهم واعتدى عليها بأضعاف ما اعتدى به عليها من سب وإذاية من عند نفسه، وفي مجلس من أي مجالس مثله، لكان محققا من الجمعية ألا تسمعهن ولو سمعته لكان حقا عليها أن لا تقول له إلا " سلاما" ... ولكن الرجل كان - عن رضى واختيار- آلة هدم وتخريب، وبوق شر وفساد، في مجلس رسمي قد استدعى الناس له الناس ويحتج بأقوالهم، فلهذا تنازلت الجمعية لرد افتراءات النائب واعتداءاته.
زعم أن الفتنة والقلاقل والمشاغب منتشرة في الوطن، وأن سببها هو الجمعية وكذب في الاثنين.
فأما الزعم الأول: فإن المشاهد في الوطن كله هو السير المعتاد في الأعمال دون تظاهر ولا تجمهر ولا مصادمة بين قوتين ولا توقف عن أداء حكومي ولا تصدي لأحد بسوء، وإنما الموجود في الوطن حركة هادئة عامة نحو ما وعدت فرنسا الجزائريين من حقوق تعطى لهم في القريب، ولعمر الحق إن تسمية هذا فتنة وقلاقل ومشاغب لمن الكذب الحبريت وقلب للحقائق اللذين لا يصدران إلا عن ذمة خربة وقلب مريض ونفس شريرة لا تبالي ماذا تجني، أو جاهلة لا تدري ماذا تقول، وإذا كنا نسمي توجه الجزائريين بمطالبهم في هدوء ونظام إلى فرنسا فتنة، فبماذا نسمي ما قام به أصحاب الأعتاب من التظاهر في بلدان عديدة بعنف وشدة وتهديد حتى عطلوا إحدى الجلسات في النيابة المالية لإظهار استيائهم؟
إن الأشياء - يا هذا - لا تخرج عن حقائقها بما يخلع عليها من الأسماء حسب الأغراض والأهواء.
وأما الزعم الثاني: فان حركة الجزائريين نحو مطالبهم من دولتهم إنما سببه ما علموه من عناية بعض رجال فرنسا بها، وما بلغهم من بروجي م قرني وبروجي م فيوليت [ الحاكم العام الفرنسي صاحب المشروع المشهور] ، ثم ما شاهدوه من حزم بعض نوابهم وذهابهم إلى فرنسا، أولا بصورة فردية، وثانيا بصورة عمومية، ثم كان ما كان من استياء من أن نوابهم ردوا ولم يقبلوا وفهموا من عدم قبول نوابهم عدم قبول مطالبهم ثم أحسوا بضغط من ناحية وضعف من الناحية الأخرى فرجعوا إلى سكوتهم كسابق عادتهم واستعصموا بالانتظار الذي تعودوه من أمد طويل، فهم ساكتون منتظرون.
هذه هي الأسباب المنطقية التي يؤيدها الحس ويجسمها الواقع لما كان من حركة في الأمة ولن يستطيع تمويه غراب ومن لقنه أن يزيد عليها أو ينقص منها.
وزعم أن الحكومة ساعدت أولا الجمعية ورخصت لها، والحكومة ما عرفت منها الجمعية مساعدة خاصة لا أولاً ولا أخيرا، وأي مساعدة شاهدناها من الحكومة وقد أقرت قرار بريفي [ كلمة فرنسية معناها الحاكم أو الوالي الفرنسي] الجزائر الذي يمنع الجمعية من وعظ العامة وإرشادهم في المساجد، وأي مساعدة والحكومة قد أغلقت مكاتب وأمتنعت من الترخيص في مكاتب أخرى لمجرد انتماء المعلمين أو الطالبين للتعليم للجمعية، فمن الأولى مدرسة سيق ومدرسة بلعباس ومدرسة قمار، ومن الثانية مدرسة القنطرة، هذا هو الواقع مع الأسف الشديد، ولكن من الحق الذي يجب أن نقوله وأن نتسلى به أنه ليس كل واحد من رجال الحكومة راضيا بهذه المعاكسة التي لا مبرر لها والتي هي صد لجمعية إصلاحية تهذيبية عن الإصلاح والتهذيب، وأما ترخيص الحكومة للجمعية فالفضل في ذلك للقانون، ولولا ثقتنا بذلك القانون والرجال الساهرين على تنفيذه ما كان لنا ان نصدع بهذه الحقائق التي يريد النائب غراب وملقنوه تغطيتها.
زعم أن الجمعية تدخلت في شؤون لا علاقة لها بالتعليم وانفجرت بتعاليم منافية للعلم ومثيرة للأحقاد والتحزبات.
كأن الملقنين لهذا الغراب يفهمون من التعليم أنه هو أن يجلس لشيخ في وسط حلقة ثم يلقي عليهم مسائل من النحو، ومسائل من كتاب الصلاة ، هذا فقط هو التعليم، فأما مكتب ابتدائي يعلم فيه أبناء المسلمين وبناتهم مبادئ دينهم ولغتهم ويحفظون فيه من مواطن الفساد ومهاوي الشقاء وبراثن المضللين، ويهيئون للحياة تهيئة صحيحة تكوّن منهم رجالا مسلمين يخدمون أمتهم ووطنهم ودولتهم ويشرفون سمعتها، وأما إلقاء دروس الوعظ والإرشاد على طبقات العامة التي تفقههم في دينهم وتعرفهم بالفضائل الإنسانية وتحذرهم من الرذائل الحيوانية وتفتح بصائرهم لإدراك حقائق الحياة الدنيا وما يفيدهم في الحياة الأخرى، وتصحيح عقائدهم وتهذيب أخلاقهم وتقويم أعمالهم.
حتى يعيشوا بذلك كله سعداء في الدنيا مع أنفسهم وجيرانهم
، ويكونوا على أقوى الأسباب لنيل السعادة في آخرتهم - فهذا كله شؤون لا علاقة لها بالتعليم، ولهذا لما اشتغلت بها الجمعية- زيادة على دروس رجالها لطلبة العلم، قال هذا المنقول المقول: إن الجمعية تدخلت في شؤون لا علاقة لها بالتعليم ؟!
أما التعليم كما يفهمه كل أحد، وكما جاء به الدين، وكما كان عليه سلف المسلمين، فهو نشر العلم لكل أحد، الكبير والصغير والمرأة والرجل: بحلق الدرس ومجالس الوعظ وخطب المنابر وبكل طريق موصل، وهذا ما اشتغلت به الجمعية وتوسلت بالطرق الموصلة إليه، ولن يستطيع الغراب ولا غيره أن يثبت عليها شيئا غيره.
ولا نظنه يعني التعاليم المنافية للعلم إلا ما قامت به الجمعية من بناء وعظها وإرشادها على آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ووصايا أئمة السلف، فإن كل هذا كان مهجورا في هذه الديار، وفي غير هذه الديار ، فإذا كانت هذه هي التعاليم المنافية للجهل المغيظة لأهل الجهل الماحقة لكل جهل ودجل وأنها هي هي مصدر الدين والعلم وكل خير وسعادة للبشر وأرغم الله أنف كل أفاك أثيم.
ثم يقول الغراب: إن هذه التعاليم مثيرة للأحقاد والتحزبات؟؟؟ ولقد صدق وهو الكذوب، فقد أثارت علينا هذه التعاليم الأحقاد، وأي حقد أعظم من الحقد الذي أكل قلبه وقلب مثله حتى اعتدى علينا هذا لاعتداء العظيم، وافترى علينا هذا الافتراء المبين، وكيف لا يحقد علينا الجهال الذين يعيشون على الجهل ونحن نحارب الجهل والمتعيشين عليه؟ وكيف لا يحقد علينا الذين يقولون للناس كونوا عبادا لنا بفنون من لسان المقال ولسان الحال، ونحن نقول للناس لا تكونوا عبادا إلا لله، وهم يقولون للناس اعبدونا وارزقونا، ونحن نقول لهم لا تعبدوا إلا الذي يرزقكم وهو وحده لا شريك له، وكيف لا يحقدون علينا من يريدون بقاء المسلمين عضوا أشلاٌ أو مريضا في الهيئة الجزائرية ونحن نريده عضوا حيا عاملا كسائر الأعضاء فيها يفيد ويستفيد يعين ويستعين.
فهذه الأصناف كلها وغيرها من أمثالها امتلأت صدورها على الجمعية حقدا حتى انفجرت بالشر أقوالها وأعمالها، وكانت حزبا واحدا في الكيد للجمعية والمكر بها والسعاية عليها والوشاية بها، وموقف هذا النائب الظالم المفتري مظهر من مظاهرها ومشهد من مشاهدها، وهذه الأصناف وغيرها من أمثالها هي الحاقدة المتحزبة دون عموم الأمة وسوادها التي ظهر للعيان التفافها حول الجمعية وسخطها على أضدادها، وما تملك الجمعية لتلك الأصناف من حقدها وتحزبها إلا أن تسأل الله هدايته، وتقاومها بالطرق المشروعة لترد كيدها وتخنق حقدها، وتدفع شر تحزبها عندما تدعوها الضرورة لمدافعتها، مثلما دعتها الضرورة للرد على هذا النائب بالحجة والبرهان لا بما سلكه هو -وسلكه أمثاله قبله- من الوشاية والإذاية والكذب والبهتان.
ثم يرمي الجمعية بدس الدسائس وقد علم الناس صراحة الجمعية في جميع مواقفها والجمعية التي يلقي رئيسها باسمها تلك الخطبة المشهورة في حفلة النادي بالجمعية في حفل حاشد من جميع الطبقات لا يتصور عاقل أن يكون الدس من خلقها.
ثم يرميها بنصب الحيل لجمع الأموال وقد علم الناس ضبط حساب الجمعية الدقيق بما يتلوه في أجتماعاتها العمومية أمين ماليتها وينشره على الناس.
ثم يرميها بنشر الشحناء، وكيف هذا وكلمات الجمعية التي كانت وفودها تلقيها على الناس وتلقنهم اياها هي: تعلموا تحابوا، تسامحوا.
وإذا كانت هذه الكلمات تثير الشحناء، والعداوة في القلوب المريضة التي لم تألف سماع هذه الكلمات ولم تخلق للإتصاف بها، فماذا تملك الجمعية لها؟
ثم يقول عن الجمعية " خالطت الطوائف الانتخابية" وماذا يعني هذا الجاهل بالطوائف الانتخابية؟ ولو كانت في الامة طوائف انتخابية تسير عل برامج منظمة لما كان مثله نائبا يهذي بهذا الهذيان؟؟؟
لكن لعلعه يعني شخصا او شخصين من النواب العماليين الذين أنطقهم شرفهم وغيرتهم بما يعلمونه عن الجمعية من خدمة الحق والخير، وهؤلاء لم يكن يبنهم وبين بعض رجال الجمعية إلا معرفة شخصية لست أكثر من المعرفة الشخصية التي بين هذا النائب الجهول وبين بعض رجال الجمعية الذين في قسمه، والجمعية نفسها لا خلطة لها، لا بهذا ولا بذاك، ثم كان ماذا لو أن الجمعية اعتمدت على أهل الصدق والشرف والغيرة لترد بهم كيد مثلك يا مسكين؟ فينكر على جمعية سلمية أن تتقوى بالأحرار الصادقين - والنواحي القوية لا تتنزه عن التقوي عند الحاجة بالعبيد الكاذبين؟ إلا أن الجمعية جمعية علم وتهذيب، فهي تتأيد بأهل العلم والتهذيب، جزائريين وفرنسيين، مسلمين وغير مسلمين ، وتمقت وتتبرأ من الجهل والوحشية من أي ملة وجنس.
ثم يرمي الجمعية بأنها تنشر المذهب الوهابي ، أفتعد الدعوة إلى الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة وطرح البدع والضلالات واجتناب المرديات والمهلكات ؛ نشرا للوهابية ؟!! ، أم نشر العلم والتهذيب وحرية الضمير وإجلال العقل واستعمال الفكر واستخدام الجوارح ؛ نشرا للوهابية ؟ !! ، إذاً فالعالم المتمدن كله وهابي! فأئمة الإسلام كلهم وهابيون ! ما ضرنا إذا دعونا إلى ما دعا إليه جميع أئمة الإسلام وقام عليه نظام التمدن في الأمم إن سمانا الجاهلون المتحاملون بما يشاءون ، فنحن - إن شاء الله - فوق ما يظنون ، والله وراء ما يكيد الظالمون .

ثم يقول : " إننا مالكيون " ومن ينازع في هذا ؟ !! وما يقرئ علماء الجمعية إلا فقه مالك ، ويا ليت الناس كانوا مالكية حقيقة إذاً لطرحوا كل بدعة وضلالة ، فقد كان مالك - رحمه الله - كثيرا ما ينشد :
وخير أمور الدين ما كان سنة *** وشر الأمور المحدثات البدائع
ثم يقول: " إن الأمة الإسلامية منذ قرون وهي متمتعة بدينها وحريتها وعاكفة على دروس علمائها" ونحن نريد في هذا القرن أن تزداد تمتعا بحريتها وانتفاعا بفقه دينها واتساعا في دائرة علمها على سنة التطور والرقي والتدريج، فثارت ثائرة هذا الجاهل ومن وراءه، ومن كان في الشر والجهل مثله يحاول ثارة الفتنة، والله يطفئها ويكيدون للجمعية والله يحفظها، ويكذبوا على الجمعية والله يظهر نزاهتها، حتى فضح الله أمرهم وعرفت الأمة أمرهم وعرفت الأمة دخيلتهم، وأصبحوا كلهم في غضب من الله وسخط من الناس، والله لا يهدي كيد الخائنين، ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين والحمد لله رب العالمين.
عبد الحميد بن باديس.










رد مع اقتباس