منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - وقعة الجمل والصفين
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-06-07, 07:29   رقم المشاركة : 43
معلومات العضو
جواهر الجزائرية
عضو متألق
 
الصورة الرمزية جواهر الجزائرية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

وقال الشافعي : ( أثنى الله تبارك وتعالى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن والتوراة والانجيل وسبق على لسان رسول الله صلىالله عليه وسلم من الفضل ما ليس لأحد بعدهم ،
فرحمهم الله وهنأهم بما آتاهم من ذلك ببلوغ أعلى منازل الصديقين والشهداء والصالحين ، فهم أدوا لنا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشاهدوه والوحي ينزل عليه فعلموا ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاما وخاصا وعزما وارشادا وعرفوا من سننه ما عرفنا وجهلنا وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر واستدرك به علم واستنبط به ، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا والله أعلم ) (1).
قال الامام أحمد : ( اذا رأيت رجلا يذكر أحدا من الصحابة بسوء فاتهمه على الاسلام ) (2).
وقال أيضا : ( من تنقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينطوي الا على بلية ، وله خبيئة سوء ، اذا قصد الى خير الناس وهم أصحاب رسول الله صلىالله عليه وسلم حسبك ) (3 ) . وقال أيضا من شتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نأمن أن يكون قد مرق عن الدين (4) ، وقال في رواية : ( ما أراه على الاسلام ) .
وقال ايضا : ( ومن السنة ذكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كاهم أجمعين والكف عن الذي شجر بينهم ، فمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو واحدا فهو مبتدع رافضي ، حبهم سنة والدعاء لهم قربة ، والاقتداء بهم وسيلة ، والأخذ بآرائهم فضيلة ) السنة للامام أحمد

)- مناقب الشافعي للبيهقي
(2)-اللالكائي ، والبداية والنهاية ، والصارم المسلول .
(3)- (4) - السنة للخلال .
قال أبو نعيم : ( فمن سبهم وأبغضهم وحمل ما كان من تأويلهم وحروبهم على غير الجميل الحسن فهو العادل عن أمر الله تعالى وتأديبه ووصيته فيهم ، لا يبسط لسانه فيهم الا من سوء طويته في النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والمسلمين (1).
قال النووي رحمه الله : ( واعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات ، سواء من لابس الفتنة منهم وغيره لانهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون ) ( 2 ) .
قال ابن حجر الهيتمي : ( عد ما ذكر – أي بغض الأنصار وشتم واحد من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين – كبيرتين هو ما صرح به غير واحد وهو ظاهر ، وقد صرح الشيخان وغيرهما أن سب الصحابة كبيرة ، قال جلال البلقيني : ( وهو – أي سب الصحابة – داخل تحت مفارقة الجماعة وهو الابتداع المدلول عليه بترك السنة ، فمن سب الصحابة رضي الله عنهم أتى كبيرة بلا نزاع (3). ثم قال أيضا ( فقد نص الله تعالى على أنه رضي عن الصحابة في غير آية ، قال تعالى :
والسابقون--- ورضوا عنه ) < التوبة : 100 > . فمن سبهم أو واحد منهم فقد بارز الله بالمحاربة أهلكه وخذله ، ومن ثم قال العلماء : اذا ذكر الصحابة بسوء كاضافة عيب لهم وجب الامساك عن الخوض في ذلك بل ويجب انكاره باليد ثم باللسان ثم بالقلب على حسب الاستطاعة كسائر المنكرات بل هذا من أشرها وأقبحها ، ومن ثم أكد النبي صلى الله عليه وسلم التحذير من ذلك بقوله : ( الله الله ) أي احذروا الله أي عذابه وعقابه على حد قوله ( ويحذركم الله نفسه )
وكما تقول لمن تراه مشرفا على الوقوع في نار عظيمة : النار النار أي احذرها ، وتأمل أعظم فضائلهم ومناقبهم التي نوه بها صلى الله عليه وسلم حيث محبتهم محبة له وبغضهم بغض له ، وناهيك بذلك جلالة لهم وشرفا فمحبتهم عنوان محبته وبغضهم عنوان بغضه )).
1)- الامامة والرد على الرافضة
(2)-شرح مسلم
(3)- الزواجر .
ثم قال أيضا ( أي ابن حجر الهيتمي ) : ( وانما يعرف فضل الصحابة من تدبر سيرهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثرهم الحميدة في الاسلام في حياته وبعد مماته فجزاهم الله عن الاسلام والمسلمين خير الجزاء وأكمله وأفضله فقد جاهدوا في الله حق جهاده حتى نشروا الدين وأظهروا شرائع الاسلام ولولا ذلك منهم ما وصل الينا قرآن ولا سنة ولا أصل ولا فرع فمن طعن فيهم فقد كاد أن يمرق من الملة ، لأن الطعن فيهم يؤدي الى انطماس نورها ( ويابى الله – الكافرون ) التوبة : 32 ، . وقال محمد بن بشار : ( قلت لعبد الرحمن بن مهدي ، أحضر جنازة من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : ( لو كان من عصبتي ما ورثته ) .
وقال أحمد بن عبد الله بن يونس : باع محمد بن عبد العزيز التيمي داره وقال : ( لا أقيم بالكوفة ، بلد يشتم فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم


قال ابن السمعاني رحمه الله في الاصطلام <*> : ( التعرض الى جانب الصحابة علامة على خذلان فاعله بل هو بدعة وضلالة ) ( 1 ) .
قال ابو أيوب السختياني : ( … ومن أحسن الثناء على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد برىء من النفاق ومن ينتقص أحدا منهم أو بغضه لشيء كان منه فهو مبتدع مخالف للسنة والسلف الصالح والخوف عليه ان لا يرفع له عمل الى السماء حتى يحبهم جميعا ويكون قلبه لهم سليما ( 2 ) . قال أبو زرعة العراقي : ( اذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم انه زنديق وذلك ان الرسول عندنا حق والقرآن حق وانما أدى الينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله وانما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة ) (3).
وروى


قال الامام الطحاوي في عقيدة أهل السنة والجماعة المشهورة : ( ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم ولا نتبرّأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم ولا نذكرهم الا بخير ، وحبهم دين وايمان واحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان ) .
قال الامام ابن بطة العكبري : ( ويشهد لجميع الهاجرين والأنصار بالجنة والرضوان والتوبة والرحمة من الله ، ويستقر علمك وتوقن قلبك أن رجلا راى النبي صلى الله عليه وسلم وشاهده وآمن به وأتبعه ولو ساعة من نهار أفضل ممن لم يره ولم يشاهده ، ولو أتى بأعمال اهل الجنة أجمعين ، ثم الترحم على جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صغيرهم وكبيرهم ، وأولهم وآخرهم
، وذكر
محاسنهم ، ونشر فضائلهم والاقتداء بهديهم والاقتفاء لآثارهم وأن الحق في كل ما قالوه
، والصواب فيما فعلوه ) .


وقال الامام البربهاري : ( واعلم أنه من تناول أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاعلم انما أراد محمدا صلى الله عليه وسلم وقد آذاه في قبره ) .
وقال أيضا : ( واذا رأيت الرجل يطعن على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاعلم انه صاحب قول سوء وهوى ) .
وقال الامام ابو بكر الحميدي شيخ البخاري : ( السنة عندنا أن يؤمن الرجل بالقدر خيره وشره … - فعد مسائل اللا ان قال - : والترحم على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم فان الله عز وجل قال : ( والذين جآءو…… رحيم ) < الحشر - 10 > . فلم يؤمر الا بالاستغفار لهم فمن سبهم أو بعضهم او أحدا منهم وليس له في الفيء حق أخبرنا بذلك غير واحد عن مالك بن أنس ) .
وقال الامام حرب صاحب الامام أحمد في مسائله : ( وذكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم والكف عن ذكر مساويهم التي شجرت بينهم فمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو واحد منهم ، أو نقصه ، أو طعن عليه ، أو عرض بعيبهم ، أو عاب احدا منهم فهو مبتدع رافضي خبيث مخالف ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ، بل حبهم سنة والدعاء لهم قربة والاقتداء بهم وسيلة ، والأخذ بلآثارهم فضيلة ، وخير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر بعد أبي بكر وعثمان بعد عمر وعلي بعد عثمان ، ووقف قوم على عثمان: وهم خلفاء راشدون مهديون ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هؤلاء الأربعة خير الناس ،
لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساويهم ولا أن يطعن على واحد منهم بعيب ولا نقص فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته ، ليس له أن يعفو عنه بل يعاقبه ويستتيبه فان تاب قبل منه ، وان لم يتب أعاد عليه العقوبة وخلده في الحبس حتى يموت او يرجع ) . (1)
وقال ابن شاهين : ( وأن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، وأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم أخيار أبرار واني أدين الله بمحبتهم وأبرأممن سبهم أو لعنهم أو ضللهم أو خونهم أو كفرهم ) . (2)
وقال ابن ابي زيد في مقدمة الرسالة : ( ولا يذكرأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الا بأحسن الذكر ، والامساك عما شجر بينهم ، وأنهم أحق الناس أن تلتمس لهك المخارج ، ويظن بهم أحسن المذاهب … واتباع السلف الصالح ، واقتفاء آثارهم ,الاستغفار لهم ) .
قال القاضي عبد الوهاب في شرحه للرسالة : ( لأن فيه سلامة الدين وتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وقبول وصيته ) .
وقال الآجري بعدما روى حديثا في فضل الصحابة : ( فمن سمع فنفعه الله الكريم بالعلم أحبهم أجمعين المهاجرين والانصار وأصهار رسول الله صلىالله عليه وسلم ، من تزوج اليهم ومن زوجهم وجميع أهل بيته الطيبين وجميع أزواجه ، واتقى الله الكريم فيهم ولم يسب واحدا منهم ولم يذكر فيما شجر بينهم ، واذا سمعوا واحدا يسب أحدا منهم نهاه وزجره ونصحه ، فان أبى هجره ولم يجالسه ، فمن كان على هذا مذهبه رجوت له من الله الكريم كل خير في الدنيا والآخرة ) .
قال الصنعاني الأمير في ثمرات النظر في علم الأثر وأما الصحابة رضي الله عنهم فلهم شأن جليل وشأو نبيل ومقام رفيع وحجاب منيع فارقوا في دين الله أهلهم وأوطانهم وعشائرهم واخوانهم وأنصارهم وأعوانهم وهم الذين أثنى الله جل جلاله عليهم في كتابه وأودع ثنائهم شريف كلامه وخطابه وفيهم
الممادح النبوية والأخبار الرسولية بأنه لا يبلغ أحد مد أحدهم ولا نصيفه ولو أنفق مثل أحد ذهبا ) .

وانما حصل واستحق الصحابة الكرام هذا الثناء الجميل في الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة لما بذلوه في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه حتى ان الرجل الواحد منهم كان يفدي النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وماله وأهله وولده ولا يقبل أن يصاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأدنى سوء . وهم الذين ضربوا للأجيال من بعدهم أمثلة رائعة في التضحية والصبر حتى انهم أكلوا أوراق الشجر وربطوا الحجر على بطونهم ، وهم الذين جاهدوا في الله حق جهاده حتى بلغوا بالاسلام أقاصي البلاد وأبهروا أعدائهم ببسالتهم وشجاعتهم في القتال ، فقد روى ابن كثير عن ابي اسحاق قال : ( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يثبت لهم العدو فواق ناقة عند اللقاء (1) ، فقال هرقل – وهو على انطاكية لما قدمت منهزمة الروم – ويلكم أخبروني عن هؤلاء
القوم الذين يقاتلونكم أليسوا بشرا مثلكم ؟ فقالوا : بلى ، قال : فأنتم أكثر أم هم ؟ قالوا : بل نحن أكثر منهم أضعافا في كل موطن . قال : فما بالكم تنهزمون ؟ فقال شيخ من عظمائهم : من أجل أنهم يقومون الليل ويصومون النهار ، ويوفون بالعهد ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ،
ويتناصفون بينهم ، ومن أجل أنا نشرب الخمر ، ونزني ، ونركب الحرام ، وننقض العهد ، ونغصب ونظلم ، ونأمر بالسخط ، وننهى عما يرضي الله ، ونفسد في الأرض فقال أنت صدقتني ) (2) .
-------------------
(1)- الفواق : ما بين الحلبتين من الوقت .
(2) – البداية والنهاية .
بيان الحق فيما وقع بين الصحابة الكرام
رضي الله عنهم أجمعين
أما ما شجر بينهم فأعدل الأقوال قول أهل السنة والجماعة .
قال الامام أبوحسن الأشعري في ( رسالة الى أهل الثغر ) ضمن ذكره لما أجمع عليه السلف الصالحون
(ص-172): ( الاجماع الثامن والأربعون : وأجمعوا على الكف عن ذكر الصحابة عليهم السلام الا بخير ما يذكرون به ، وعلى انهم أحق أن ينشر محاسنتهم / ويلتمس لأفعالهم أفضل المخارج ، وأن نظن بهم أحسن الظن وأحسن المذاهب ممتثلين بذلك لقوله عليه الصلاة والسلام : ( اذا ذكر أصحابي فأمسكوا ) وقال أهل العلم : ( معنى ذلك لاتذكروهم الا بخير الذكر ) .
وقال أيضا في الابانة : ( فأما ما جرى بين علي والزبير وعائشة رضي الله عنهم فانما كان على تأويل واجتهاد ، وعلي الامام وكلهم من أهل الاجتهاد وقد شهد لهم النبي بالجنة والشهادة فدل على انهم كلهم كانوا على حق في اجتهادهم ، وكذلك ما جرى بين علي ومعاوية رضي الله عنهما كان على تأويل واجتهاد وكل الصحابة ائمة مؤمنون غير متهمين في الدين وقد أثنى الله ورسوله على جميعهم وتعبدنا بتوقيرهم وتعظيمهم وموالاتهم والتبري من كل من ينقص أحدا منهم رضي الله عن جمعهم ،

وقد قلنا في الاقرار قولا وخبرا والحمد لله أولا وأخيرا ).
قال الامام الآجري : ( ولا يذكر ما شجر بينهم ولا ينقر عنه ولا يبحث ، فان عارضنا جاهل مفتون قد خطىء به عن طريق الرشاد فقال : لم قاتل فلان لفلان ولم قاتل فلان لفلان وفلان ؟ قيل له : ما بنا وبك الى ذكر هذا حاجة تنفعنا ولا اضطررنا الى عملها . فان قال : ولم ؟
قيل له : لأنها فتن شاهدها الصحابة رضي الله عنهم فكانوا فيها على حسب ما أراهم العلم بها وكانو أعلم بتأويلها من غيرهم وكانوا أهدى سبيلا ممن جاء بعدهم لأنهم أهل الجنة عليهم نزل القرآن وشاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم وجاهدوا معه وشهد لهم الله عز وجل بالرضوان والمغفرة والأجر العظيم ، وشهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم انهم خير قرن .
فكانوا بالله عز وجل أعرف وبرسوله صلى الله عليه وسلم ، وبالقرآن والسنة ومنهم يؤخذ العلم وفي قولهم نعيش وبأحكامهم نحكم وبأدبهم نتأدب ولهم نتبع وبهذا أمرنا .
فان قال : وايش الذي يضرنا من معرفتنا لما جرى بينهم والبحث عنه ؟
قيل له : ما لا شك فيه وذلك أن عقول القوم كانت أكبر من عقولنا ، وعقولنا أنقص بكثير ولا نؤمن أن نبحث عما شجر بينهم ، فنزل عن طريق الحق ونتخلف عما أمرنا فيهم .
فان قال وبما أمرنا فيهم ؟
قيل : أمرنا بالاستغفار لهم والترحم عليهم والمحبة لهم والاتباع لهم دل على ذلك الكتاب والسنة
وقول المسلمين . وما بنا حاجة الى ذكر ما جرى بينهم قد صحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم وصاهرهم وصاهروه فبالصحبة يغفر الله الكريم لهم .
وقد ضمن الله عز وجل في كتابه أن لا يخزي منهم واحدا ، وقد ذكر الله تعالى في كتابه أن وصفهم في التوراة والانجيل فوصفهم بأجمل الوصف ونعتهم بأحسن النعت ، وأخبرنا مولانا الكريم أن قد تاب عليهم ، واذا عليهم لم يعذب واحد منهم أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ، أولئك حزب الله الا ان حزب الله هم المفلحون .
فان قال : انما مرادي من ذلك لأن أكون عالما بما جرى بينهم فأكون لم يذهب علي ما كلنوا فيه لأني أحب ذلك ولا أجله .
قيل له : أنت طالب فتنة لأنك تبحث عما يضرك ولا ينفعك ولو اشتغلت باصلاح ما لله عز وجل عليك فيما تعبدك به من أداء فرائضه واجتناب محارمه كان أولى بك .
وقيل : ولا سيما في زماننا هذا مع قبح ما قد ظهر فيه من الأهواء الضالة .
وقيل له : اشتغالك بمطعمك وملبسك من اين هو ؟ أولى بك أو تكسبك لدرهمك من أين هو ؟ وفيما تنفقه أولى بك .
وقيل : لا يأمن أن يكون بتنقيرك وبحثك عما شجر بين القوم الى أن يميل قلبك فتهوى ما لا يصلح
لك أن تهواه ويلعب بك الشيطان فتسب وتبغض من أمرك الله بمحبته والاستغفار له وباتباعه فتزل عن طريق الحق وتسلك طريق الباطل ) .
قال شيخ الاسلام : ( ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم – الى أن قال – ويمسكون عما جرى بين الصحابة ،
ويقولون : ان هذه الآثار المروية في مساوئهم منها ما هو كذب ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه ، والصحيح منه هم فيه معذورون ، واما مجتهدون مصيبون واما مجتهدون مخطئون – الى أن قال - : ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة وما من الله عليهم به من الفضائل ؛ علما يقينا انهم خير الخلق بعد الأنبياء لا كان ولا يكون مثلهم ، وأنهم صفوة من قرون هذه الأمة اليي هي خير الأمم وأكرمها على الله ) .
قال الامام ابن بطة العكبري : ( نكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلىالله عليه وسلم فقد شهدوا المشاهد معه سبقوا الناس بالفضل . فقد الله لهم وأمرك بالستغفار لهم ، والتقرب اليه بمحبتهم
وفرض ذلك على لسان نبيه ، وهو يعلم ما سيكون منهم وأنهم سيقتتلون وانما فضلوا على سائر الخلق
لأن الخطأ والعمد قد وضع عنهم وكل ما شجر بينهم مغفور لهم ) .
وقال عمر بن عبد العزيز : وسئل عن أمر الحرب التي جرت بينهم فقال : تلك دماء كف الله يدي فيها ، فلا أحب أن أغمس لساني فيها وأرجوا أن يكونوا ممن قال الله عز وجل فيهم : ( ونزعنا
ما في صدورهم من غل ) < الحجر – 47 > .

وفي رواية عنه قال : ( دماء لم أغمس فيها يدي أغمس فيها لساني ؟ ) . وفي أخرى : ( دماء غيّب الله عنها يدي أحضرها بلساني ) .
قال أبو قاسم الأصفهاني التيمي : ( فالصحابة رضي الله عنهم كانوا أخير الناس وهم ائمة لمن بعدهم والامام اذا لاح له الخير في شيء حتى فعله لا يجب أن يسمى ذلك الشيء اساءة ، اذ المساوىء ما كان على اختيار في قصد الحق من غير امام فكيف تعد أفعالهم مساوىء وقد أمر الله عز وجل بالاقتداء بهم .. طهر الله قلوبنا من القدح فيهم وألحقنا بهم ) .
قال القرطبي رحمه الله ذابّا عن الصحابي الجليل عقبة بن عامر رضي الله عنه : ( فمن نسبه أو واحدا من الصحابة الى الكذب فهو خارج عن الشريعة مبطل للقرآن طاعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومتى ألحق واحد منهم تكذيبا فقد سب ، لأنه لا عار وعيب بعد الكفر بالله أعظم من الكذب ، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من سب اصحابه فالمكذب لأصغرهم – ولا صغير فيهم – داخل في لعنة الله التي شهد بها رسول الله صلىالله عليه وسلم وألزمها كل من سب واحدا من أصحابه أو طعن عليه ) . < الجامع لأحكام القرآن (16/285) .
قال ابن كثير : ( ومعاوية معذور عند جمهور العلماء سلفا وخلفا ) . وقال أيضا : ( وأما ما شجر بينهم بعده عليه الصلاة والسلام فمنه ما وقع عن غير قصد كيوم الجمل ، ومنه ما كان عن اجتهاد كيوم صفين . والاجتهاد يخطىء ويصيب ، ولكن صاحبه معذور وان أخطأ ومأجور أيضا ، وأما المصيب فله أجران اثنان ، وكان علي وأصحابه أقرب الى الحق من معاوية وأصحابه رضي الله عنهم
أجمعين ) < اختصار علوم الحديث ( الناعث الثيث ) " 182 " > .
وسئل الامام أحمد عما جرى بينهم فقرأ : ( تلك أمة ---- يعملون ) " البقرة – 141 " .
ويرى أهل السنة والجماعة أن معاوية رضي الله عنه كان في قتاله مع علي مجتهدا متأولا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران واذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر ) " رواه البخاري ومسلم " .
وقد تقرر في شرعنا الحنيف أن ما وقع بين الصحابة الكرام وجب القول فيه بحق وعدل وانصاف ،
هدى الله ووفق أهل السنة والجماعة لذلك فقالوا : خيرا في جميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعندهم أن المصيب مأجور والمتأول معذور ومن لم يقل فيهم خيرا مأزور ، ومن رماهم بالثلب ابتلاه الله بموت القلب .
قال يزيد بن الأصم : ( سئل علي عن قتلى يوم صفين فقال : قتلانا وقتلاهم في الجنة ويصير الأمر الي والى معاوية ) . " أخرجه ابن ابي شيبة في المصنف (7/552) ، وذكر نحوه الذهبي في السير (3/144) .
قال النووي : ( وأما الحروب التي جرت فكانت لكل طائفة شبهة اعتقدت تصويب أنفسها بسببها
وكلهم عدول رضي الله عنهم متأولون في حروبهم وغيرها ، ولم يخرج شيء من ذلك أحدا منهم عن العدالة لأنهم مجتهدون اختلفوا في مسائل من محل الاجتهاد كما يختلف المجتهدون بعدهم في مسائل من الدماء وغيرها ولا يلزم من ذلك نقص أحد منهم ، واعلم أن سبب تلك الحروب أن القضايا كانت مشتبهة فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام :
* - قسم ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرف وأن مخالفه باغ ، فوجب عليه نصرته وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه ففعلوا ذلك ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة امام العدل في قتال البغاة في اعتقاده .
وقسم عكس هؤلاء ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في الطرف الآخر فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه .
• • - وقسم ثالث اشتبهت عليهم القضية وتحيروا فيها ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين فاعتزلوا الفريقين وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم لأنه لا يحل الاقدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك ، ولو ظهر لهؤلاء رجحان أحد الطرفين وأن الحق معه لما جاز لهم التأخر عن نصرته في قتال البغاة عليهم فكلهم معذورون رضي الله عنهم ، ولهذا أهل الحق ومن يعتد به في الاجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم وكمال عدالتهم رضي الله عنهم أجمعين ) .
" شرح مسلم (15-149) " .
قال الجوزقاني عن معاوية : ( تولى الامارة عشرين سنة من قبل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ،
وأمير المؤمنين عثمان وتوفى سنة ستين من الهجرة في رجب ، فنحن : ان عثمان بن عفان رضي الله عنه لما قتل مظلوما ، فسمع معاوية رضي الله عنه وأطاع وطلب منه أن يقتل قتلة عثمان رضي الله عنه قصاصا ، فامتنع من قتلهم ، لأن مذهبه رضي الله عنه أن لا يقتل الجماعة بالواحد ، فتأول معاوية حينئذ ، وطلب قتلة ابن عمه عثمان ، لأن عثمان بن عفان بن ابي العاص بن أمية بن عبد شمس لقول الله تعالى : ( ومن قتل ------ سلطانا ) " ألاسراء 33 " الآية . فخرج يقاتل على التأويل ، وبايع له جمهور الصحابة ومن لا يحصى من التابعين الى أن استقر الأمر على التحكيم بعد الحروب العظيمة ، فحكم له بالخلافة وبويع عليها يومئذ باجماع ، وهذه قصة مشهورة ) – < الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير ( ص: 101 ) .
قلت : الصواب أنه لم يحصل الاجماع على خلافته الا بعد تنازل الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه .
أما ما يحكى ويروى في كتب التواريخ مثل مهزلة التحكيم وتصوير عمرو بن العاص رضي الله عنه بصورة الرجل الكائد المخادع الناقض للعهد ، وتصوير ابي موسى الأشعري بصورة الرجل المغفل المخدوع الذي لا يدري ما يدور حوله . ومثل حكايات لعن علي رضي الله تعالى عنه على منابر معاوية وغيرها من الأكاذيب والمختلقات فلا نشك جازمين أن ذلك مما دسه أعداء الاسلام في تاريخه كالروافض وغيرهم لتشويه سمعة الصحابة ليتأتى لهم اسقاط عدالتهم ودينهم ثم بعد ذلك ينقضوا الاسلام عروة عروة ، فعلينا أن نخضع التاريخ ورواياته للميزان المحدثين نخلصه مما دس فيه وشوه جمالية الاسلام ونقاءه .فان أغلب هذه الروايات التي فيها تنقيص الصحابة وخاصة معاوية هي من طريق الاخباري أبي مخنف لوط بن يحيى الرافضي المحترق وغيرهم ممن هم على شاكلته فلا تغتر أخي القارىء بوجود مثل هذه الأخبار في كتب المؤرخين الكبار كالطبري وغيرهم فهم قد ساقوا ذلك بأسانيدهم ومعلوم أنه من أسند لك فقد أحالك وبرئت ذمته . قال ابن العربي : ( وقد تحكم الناس بالتحكيم فقالوا فيه ما لا يرضي الله ، واذا لاحظتموه بعين المروءة – دون الديانة – رأيتم أنها سخافة حمل على سطرها في الكتب في الأكثر عدم الدين ، وفي الأقل جهل المتين ) .
وبخصوص ما وقع في صفين أنقل لك أخي القارىء فصلا من كتاب ( عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام ) لناصر بن عائض حسن الشيخ . فقد ذلك من كتب التاريخ بروح متحررة فأجاد وأفاد جزاه الله خيرا .
قال في الجزء< 2/717-726> : ( فقد دارت رحى رحا الحرب فيها بين أهل العراق من أصحاب علي رضي الله تعالى عنه وبين أهل الشام من أصحاب معاوية بن ابي سفيان رضي الله تعالى عنهما ذلك أن عليا رضي الله عنه لما فرغ من وقعة الجمل ودخل البصرة وشيع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما أرادت الرجوع الى مكة ثم سار من البصرة الى الكوفة فدخلها وكان في نيته أن يمضي ليرغم أهل الشام على الدخول في طاعته كما كان في نية معاوية ألا يبايع حتى يقام الحد على قتلة عثمان رضي الله عنه ، أو يسلموا اليه ليقتلهم ، ولما دخل علي رضي الله عنه الكوفة شرع في مراسلة معاوية
بن أبي سفيان رضي الله عنهما فقد بعث اليه جرير بن عبد الله البجلي ومعه كتاب أعلمه فيه : باجتماع المهاجرين والأنصار على بيعته ودعاه فيه الى الدخول فيما دخل فيه الناس فلما انتهى اليه جرير بن عبد الله البجلي أعطاه الكتاب فطلب معاوية عمرو بن العاص ورؤوس أهل الشام فاستشارهم فأبوا أن يبايعوا حتى يقتل قتلة عثمان ، أو أن يسلم اليهم قتلة عثمان وان لم يفعل لم يبايعوه حتى يقتل قتلة عثمان رضي الله عنه فرجع جرير الى علي فأخبره بما قالوا : وحينئذ خرج من الكوفة عازما على دخول الشام فعسكر بالنخيلة وبلغ معاوية أن عليا قد خرج بنفسه فاستشار عمرو بن العاص فقال له : أخرج أنت أيضا بنفسك فتهيأ أهل الشام وتأهبوا ، وخرجوا أيضا : الى نحو الفرات من ناحية صفين حيث يكون مقدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسار علي رضي الله عنه
بمن معه من الجنود من النخيلة قاصدا أرض الشام فالتقى الجمعان في صفين أوائل ذي الحجة سنة ست وثلاثين ) .
ومكث علي يومين لا يكاتب معاوية ، ولا يكاتبه معاوية ، ثم دعا علي بشير بن عمرو الأنصاري وسعيد بن قيس الهمداني ، وشبث بن ربعي التميمي فقال لهم : ائتوا هذا الرجل فادعوه الى الطاعة
والجماعة واسمعوا ما يقول لكم فلما دخلوا على معاوية جرى بينه وبينهم حوار لم يوصلهم الى نتيجة فما كان من معاوية الا ان أخبرهم أنه مصمم على القيام بطلب دم عثمان الذي قتل مظلوما ) .
ولما رجع أولئك النفر الى علي رضي الله عنه وأخبروه بجواب معاوية رضي الله عنه لهم وأنه لن يبايع
حتى يقتل القتلة أويسلمهم ) عند ذلك نشبت الحرب بين الفريقين واقتتلوا مدة شهر ذي الحجة كل يوم ، وفي بعض الأيام ربما اقتتلوا مرتين ولما دخل شهر المحرم تحاجز القوم رجاء أن تكون بينهم مهادنة وموادعة يؤول أمرها الى الصلح بين الناس وحقن دمائهم ) ثم في خلال هذا الشهر بدأت مساعي الصلح والمراسلة تتكرر بين الطرفين ولكن انسلخ شهر محرم ولم يحصل لهم أي اتفاق ، ولم يقع بينهم صلح . ثم نشبت الحرب بين الطائفتين أياما ثمانية وكان أشدها وأعنفها ليلة التاسع من صفر سنة سبع وثلاثين حيث سميت هذه الليلة ( ليلة الهرير ) تشبيها لها بليلة القادسية اشتد القتال فيها حتى توجه النصر فيها لأهل العراق على أهل الشام ) وتفرقت صفوفهم وكادوا ينهزمون فعند ذلك رفع أهل الشام المصاحف فوق الرماح وقالوا : هذا بيننا وبينكم قد فنى الناس فمن لثغور أهل الشامبعد أهل الشام ، ومن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق ، فلما رأى الناس المصاحف قد رفعت قالوا : نجيب الى كتاب الله عز وجل وننيب اليه .
ولما رفعت المصاحف بالرماح توقفت الحرب ولما رفع أهل الشام المصاحف اختلف أصحاب علي رضي الله عنه وانقسموا عليه : من راى الموافقة على التحكيم ، ومنهم من كان يرى الاستمرار في القتال حتى يحسم الأمر ، وهذا كان رأي علي رضي الله عنه في بادىء الأمر ، ثم وافق أخيرا على التحكيم ) .
فتم الاتفاق بين الفريقين على التحكيم بعد انتهاء موقعة صفين وهو أن يحكّم كل واحد منهما رجلا من جهته ، ثم يتفق الحكمان على ما فيه مصلحة المسلمين فوكل معاوية عمرو بن العاص ووكل علي أبا موسى الأشعري رضي الله عنهم جميعا ، ثم أخذ الحكمان من علي ومعاوية ومن الجندين العهود والمواثيق أنهما آمنان على أنفسهما وأهلهما والأمة لهما أنصار على الذي يتقاضيان عليه ، وعلى المسلمين والمؤمنين من الطائفتين – كليهما – عهد الله وميثاقه أنهما على ما في ذلك الكتاب وأجلا القضاء الى رمضان وان أحبا أن يؤخرا ذلك فعلى تراض منهما وكتب في يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من صفر سنة سبع وثلاثين على أن يوافي علي و معاوية موضع الحكمين بدومة الجندل في رمضان ، ومع كل واحد من الحكمين أربعمائة من أصحابه ، فان لم يجتمعا لذلك من العام المقبل بأذرح ولما كان من شهر رمضان جعل الاجتماع كما تشراطوا عليه وقت التحكيم بصفين وذلك أن عليا رضي الله عنه لما كان مجيء رمضان بعث أربعمائة فارس من أهل الشام ومعهم عبد الله بن عمر،
فتوافوا بدومة الجندل بأذرح وهي نصف المسافة بين الكوفة والشام بينه وبين كل من البلدين تسع مراحل، وشهد معهم جماعة من رؤوس الناس كعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، والمغيرة بن شعبة ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي وعبد الرحمن بن عبد يغوث الزهري ، وأبو جهم بن حذيفة فلما اجتمع الحكمان وتراوضا على المصلحة للمسلمين ونظر في تقدير أمور ثم اتفقا على أن يكون الفصل في موضوع النزاع بين علي ومعاوية يكون لأعيان الصحابة الذين توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو راض عنهم هذا ما اتفق عليه الحكمان فيما بينهما لاشيء سواه .
أما ما يذكره المؤرخون من أن الحكمين لما اجتمعا بأذرح من دومة الجندل وتفاوضا واتفقا على أن يخلعا الرجلين فقال عمرو بن العاص لأبي موسى : اسبق بالقول فتقدم فقال : اني نظرت فخلعت عليا عن الأمر وينظر المسلمون لأنفسهم كما خلعت سيفي هذا من عنقي أو عاتقي وأخرجه من عنقه فوضعه في الأرض ، وقام عمرو فوضع سيفه في الأرض وقال : اني نظرت فأثبت معاوية في الأمر : كما أثبت سيفي هذا في عاتقي وتقلده ، فأنكر أبو موسى فقال عمرو : كذلك اتفقنا وتفرق الجمع على ذلك من الاختلاف ) .
فهذه البدع وما يشبهها من اختلاف أهل الأهواء والبدع الذين لا يعرفون قدر أبي موسى وعمرو بن العاص ومنزلتهما الرغ\فيعة في الاسلام . قال ابو بكر بن العربي مبينا كذب ذلك : ( هذا كذب صراح ما جرى منه حرف قط ، وانما هو شيء أخبر عنه المبتدعة ووضعته التاريخية للملوك فتوارثه أهل المجانة والجهارة بمعاصي الله والبدع ) " العواصم - : 179 " .
ولم يكتف الواضعون من أهل التاريخ بهذا بل وسمّوا الحكمين بصفات يتخذون منها وسيلة للتفكه والتندر ، وليتخذ منها أعداء الاسلام صورا هزيلة لأعلام الاسلام في مواقف حرجة ، فقد وصفوا عمرو بن العاص رضي الله عنه بأنه كان صاحب غدر وخداع ، ووصفوا أبا موسى بأنه كان أبله ضعيف الرأي مخدوعا في القول كما وصفوه بأنه كان على جانب كبير من الغفلة .
ولذلك خدعه عمرو بن العاص في قضية التحكيم حيث اتفقا على خلع الرجلين فخلعهما ابو موسى
واكتفى عمرو بخلع علي دون معاوية .. كل هذه الصفات الذميمة يحاول المغرضون الصاقها بهذين الرجلين العظيمين اللذين اختارهما المسلمون ليفصلا في خلاف كبير أدى الى قتل الآلآف من المسلمين، وكل ذي لب يعلم أن المسلمين لا يسندون الفصل في هذه الأمر الى أبي وموسى وعمرو بنالعاص رضي الله عنهما الا لعلمهم بما هما عليه من الفضل ، وانهما من خيار الأمة المحمدية ، ومن أكثرهم ثقة وورعا وأمانة فكيف يصفون الافلون هذين الرجلين بما وصفوهما به من المكيدة والخداع وضعف الرأي والغفلة ، ولكن تلك الأوصاف هي أليق بمن تفوه بها من أهل الأهواء ، وقد تجاهل
أولئك الواصفون لأبي موسى وعمرو بما تقدم ذكره أمورا لو دققوا النظر فيها لاستحيوا من ذكر
تلك الأوصاف وتلك الأمور هي :
الأمر الأول : أنهم تجاهلوا أن معاوية لم يكن خليفة ولا هو ادعى الخلافة يومئذ حتى يحتاج عمرو
الىخلعها عنه أو تثبيتها له .
الأمر الثاني : أن سبب النزاع هو أخذ الثأر لعثمان رضي الله عنه من قتلته فلما طلب علي البيعة من معاوية ( عتل بان عثمان قتل مظلوما وتجب المبادرة الى الاقتصاص من قتلته وأنه أقوى الناس على طلب بذلك ، والتمس من علي أن يمكنه منهم ثم يبايع له بعد ذلك ) ، ومعنى هذا أن معاوية كان مسلما لعلي بالخلافة لأن الطلب منه بوصفه الخليفة تسليم القتلة ، أو اقامة الحد عليهم باعتباره أمير المؤمنين ، وكان رأي علي أن يدخل معاوية ومن معه من أهل الشام فيما دخل فيه الناس من البيعة
له ، ثم يتقدم أولياء عثمان بالمحاكمة اليه ( فان ثبت على أحد بعينه انه ممن قتل عثمان اقتص منه فاختلفوا بحسب ذلك ) .
قال ابو محمد بن حزم مبينا أن القتال الذي دار بين علي ومعاوية كان مغايرا لقتال علي الخوارج حيث قال : ( واما أمر معاوية رضي الله عنه فبخلاف ذلك ولم يقاتله علي رضي الله عنه لامتناعه من بيعته لأنه كان يسعه في ذلك ما وسع ابن عمر وغيره ولكن قاتله لامتناعه من انفاذ أوامره في جميع أرض الشام وهو الامام الواجبة طاعته فعليّ المصيب في هذا ولم ينكر معاوية قط فضل علي واستحقاقه الخلافة لكن اجتهاده أداه الى أن رأى تقديم أخذ القود من قتلة عثمان رضي الله عنه على البيعة وراى نفسه أحق بطلب دم عثمان والكلام فيه من ولد عثمان وولد الحكم بن العاص لسنه ولقوته على الطلب بذلك كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن سهل أخا عبد الله بن سهل المقتول بخيبر بالسكوت وهو أخو المقتول وقال له : كبر كبر فسكت عبد الرحمن وتكلم محيصة وحويصة ابنا مسعود وهما ابنا عم المقتول لأنهما كانا أسن من أخيه ) فلم يطلب معاوية من ذلك الا ما كان له من الحق ان يطلبه وأصاب في ذلك الأثر الذي ذكرنا واما أخطأ في تقديمه ذلك على البيعة فقط فله أجر الاجتهاد في ذلك ولا اثم عليه فيما حرم من الاصابة كسائر المخطئين في اجتهادهم الذين أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لهم أجرا واحدا وللمصيب أجران – الى أن قال – وقد علمنا أن من لزمه حق واجب وامتنع ون أدائه وقاتل دونه فانه يجب على الامام أن يقاتله وان كان منا وليس ذلك بمؤثر في عدالته وفضله ولا بموجب له فسقا بل هو مأجور لاجتهاده ونيته في طلب الخير فبهذا قطعنا على صواب علي رضي الله عنه وصحة امامته وأنه صاحب الحق وأن له أجرين : أجر الاجتهاد وأجر الاصابة وقطعنا أن معاوية رضي الله عنه ومن معه مخطئون مجتهدون مأجورون أجرا واحدا ) .
فابن حزم رحمه الله يقرر في هذا النص أن النزاع الذي كان بين علي ومعاوية انما هو في شأن قتلة عثمان وليس اختلافا على الخلافة اذ ان معاوية رضي الله عنه لم ينكر فضل علي واستحقاقه للخلافة وانما امتنع عن البيعة حتى يسلمه القتلة أو يقتلهم وكان علي رضي الله عنه يستمهله في الأمر حتى يتمكن ويفعل ذلك فتحكيمهما اذن هو في محل النزاع ، وليس من أجل الخلافة .
الأمر الثالث : أن موقف ابو موسى الأشعري في التحكيم لم يكن أقل من موقف عمرو بن العاص
في شيء ، ولذلك عد المؤرخون المنصفون هذا الموقف من مفاخر أبي موسى بعد موته بأجيال وصار مصدر فخر لأحفاده من بعده حتى قال ذو الرمة الشاعر مخاطبا بلال بن ابي بردة ابن أبي موسى الأشعري بأبيات منها :
أبوك تلافى الدين والناس بعدما ** تشاءوا وبيت الدين منقطع الكسر
فشد آصار الدين أيام أذرح ** ورد حروبا قد لقحن الى عقر
فلم يول رضي الله عنه في الفصل في قضية التحكيم الا لما علم فيه من الفطنة والعلم وقدرته على حل المعضلات فقد ولاّه النبي صلى الله عليه وسلم هو ومعاذ بن جبل قبل حجة الوداع على بلاد اليمن حيث بعث كل واحد منهما على مخلاف وأوصاهما عليه الصلاة والسلام بأن ييسرا ولا يعسرا وأن يبشرا ولا ينفرا وما توليته عليه الصلاة والسلام لأبي موسى الا لعلمه بصلاحه للامارة .
قال العلاّمة ابن حجر رحمه الله عند شرحه لحديث بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا موسى ومعاذ الى اليمن : ( واستدل به على أن أبا موسى كان عالما فطنا حاذقا ، ولولا ذلك لم يوله النبي صلى الله علبه وسلم الامارة ولوكان فوّض الحكم لغيره لم يحتج الى توصيته بما وصّاه به ، ولذلك اعتمد عليه عمر ، ثم عثمان ثم علي ، وأما الخوارج والروافض فطعنوا فيه ونسبوه الى الغفلة ، وعدم الفطنة لما صدر منه بالتحكيم بصفين فالتحكيم لم يقع فيه خداع ولا مكر ولم تتخلله بلاهة ولاغفلة ، وأن عمرا لم يغالط أبا موسى ولم يخدعه ولم يقرر في التحكيم غير الذي قرره ابو موسى ولم يخرج عما اتفقا عليه من تفويض الحسم في موضع النّزاع الى النفر الذين بقوا على قيد الحياة ممن توفي عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راض عنهم .
قال ابن كثير : ( والحكمان كانا من خيار الصحابة وهما : عمرو بن العاص السهمي من جهة أهل الشام ، والثاني أبو موسى عبدالله بن قيس الأشعري من جهة أهل العراق ، وانما نصبا ليصلحا بين الناس ويتفقا على أمر فيه رفق بالمسلمين وحقن دمائهم ، وكذلك وقع ) . واذا كان قرارهما الذي اتفقا عليه لم يتم فما في ذلك تقصير منهما فهما قد قاما بمهمتهما بحسب ما أدى اليه اجتهادهما واقناعهما ولو لم تكلفهما الطائفتان معا باداء هذه المهمة لما تعرضا لها ولا أبديا رأيا فيها ، وكل ما تقدم ذكره في هذا المبحث عن موقعتي الجمل وصفين وقضية التحكيم هو الائق بمقام الصحابة فمو خال مما دسه الشيعة الرافضة وغيرهم على الصحابة في تلك المواطن من الحكايات المختلفة والأحاديث الموضوعة ؛ ومما يعجب له الانسان أن أعداء الصحابة اذا دعوا الى الحق أعرضوا عنه وقالوا : لنا أخبارنا ولكم أخباركم ونحن حينئذ نقول لهم : سلام عليكم لانبتغي الجاهلين ) .
قلت : أما عن الحديث الذي رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار : ( تقتلك الفئة الباغية ) فالبغي هنا لا يلستلزم الفسق وخاصة ان كان صحبه متأولا .
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في معرض كلامه على هذا الحديث : ( قد تأوله بعضهم على أن الباغية الطالبة بدم عثمان ، كما قالوا نبغي ابن عفان بأطراف الأسل ، وليس بشيء بل يقال ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حق كما قاله ، وليس في كون عمار تقتله الفئة الباغية ماينافي ما ذكرناه فانه قد قال الله تعالى : ( وان طائفتان ----- بين أويكم ) "الحجرات"- 10 " . فقد جعلهم مؤمنين ، وليس كل من كان باغيا ، أو ظالما ، أو معتديا ، أو مرتكبا ما هو ذنب فهو "قسمان" متأول ، وغير متأول ، فالمتأول المجتهد : كأهل العلم والدين ، والذين اجتهدوا ، واعتقد بعضهم حل الأمور ، واعتقد الآخر تحريمها كما استحل بعضهم بعض أنواع الأشربة ، وبعضهم بعض المعاملات الربوية وبعضهم بعض عقود التحليل والمتعة وأمثال ذلك ، فقد جرى ذلك وأمثاله خيار السلف . فهؤلاء متأولون المجتهدون غايتهم أنهم مخطئون ، وقد قال الله تعالى : ( ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا ) "البقرة : 286" . وقد ثبت في الصحيح أن الله استجاب هذا الدعاء .
وقد أخبر سبحانه عن داود وسليمان عليهما السلام أنهما حكما في الحرث ، وخص أحدهما بالعلم والحكم ، مع ثنائه على كل منهما بالعلم والحكم ، والعلماء ورثة الأنبياء ، فاذا فهم أحدهم من المسألة مالم يفهمه الآخر لم يكن بذلك ملوما ولا مانعا لما عرف من علمه ودينه ، وان كان ذلك مع العلم بالحكم يكون اثما وظلما ، والاصرار عليه فسق ، بل متى علم تحريمه ضرورة كان تحليله كفرا ، فالبغي هو من هذا الباب .
اما اذا كان الباغي مجتهدا ومتأولا ، ولم يتبين له أنه باغ ، بل اعتقد أنه على الحق وان كان مخطئا في اعتقاده : لم تكن تسميته "باغيا " موجبة لاثمه ، فضلا عن توجب فسقه ، والذين يقولون بقتال البغاة المتأولين ، يقولون : مع الأمر بقتالهم قتالنا لهم لدفع ضرر بغيهم ، لا عقوبة لهم ، بل للمنع من العدوان ، ويقولون : انهم باقون على العدالة ، لا يفسقون ، ويقولون هم كغير المكلف ، كما يمنع الصبي والمجنون والناسي والمغمى عليه والنائم من العدوان أن لا يصدر منهم ، بل تمنع البهائم من العدوان ، ويجب على من قتل مؤمنا خطأ الدية بنص القرآن مع أنه لا اثم عليه من ذلك) "الفتاوى"35/ 74 ،75 ، 76 " .
ثم قال : ( ثم بتقدير أن يكون "البغي" بغير تأويل يكون ذنبا ، والذنوب تزول عقوبتها بأسباب متعددة : بالحسنات الماحية ، والمصائب المكفرة ، وغير ذلك . ثم قال : ( ان عمارا تقتله الفئة الباغية) ليس نصا في أن هذا اللفظ لمعاوية وأصحابه ، بل يمكن أنه أريد به تلك العصابة التي حملت عليه حتى قتلته ، وهي طائفة من العسكر ، ومن رضي بقتل عثمان كان حكمه حكمها . ومن المعلوم أنه كان في المعسكر من لم يرض بقتل عمار : كعبد الله بن عمرو بن العاص ، وغيره بل كل الناس كانوا منكرين لقتل عمار ، حتى معاوية وعمرو ) "الفتاوى – ص : 76 ، 77 " .
ثم قال: ( والمقصود أن هذا الحديث لا يبيح لعن أحد من الصحابة ، ولا يوجب فسقه ) "الفتاوى:ص – 79 " .
وقال الحافظ ابن كثير في معرض كلامه على الحديث الذي رواه مسلم واحمد : ( تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق ) .
قال : ( فهذا الحديث من دلائل النبوة اذ قد وقع الأمر طبق ما أخبر به عليه الصلاة والسلام ، وفيه الحكم باسلام الطائفتين أهل الشام وأهل العراق ، لا كما يزعمه فرقة الرافضة والجهلة الطغام ، من تكفيرهم أهل الشام ، وفيه أن أصحاب علي أدنى الطائفتين الى الحق ، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة أن عليا هو المصيب وان كان معاوية مجتهدا ، وهو مأجور ان شاء الله ، ولكن عليا هو الامام فله أجران كما ثبت في صحيح البخاري من حديث عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، واذا اجتهد فأخطأ فله أجر ) . "البداية :7/290" . قال الحافظ : ( واتفق أهل السنة على وجوب منع طعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك ولو عرف المحق منهم لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب الا عن اجتهاد وقد عفا الله تعالى عن المخطىء في الاجتهاد بل ثبت أنه يؤجر أجرا واحدا وأن المصيب يؤجر أجرين )"الفتح13 / 42 " .
ورحم الله من قال :
وما جرى بين الصحاب نسكت ** عنه وأجر الاجتهاد نثبت .
وقال أبو محمد بن حزم عن قتال علي معاوية رضي الله عنهما : ( ولم يقاتله علي رضي الله عنه لامتناعه من بيعته لأنه كان يسعه في ذلك ما وسع ابن عمر وغيره لكن قاتله لامتناعه من انفاذ أوامره في جميع أرض الشام وهوالامام الواجبة طاعته ن فعلي المصيب في هذا ، ولم ينكر معاوية قط فضل علي واستحقاقه الخلافة لكن الاجتهاد أداه الى أن راى تقديم أخذ القود من قتلة عثمان رضي الله عنه
على البيعة ورأى نفسه أحق بطلب بدم عثمان والكلام فيه عن ولد عثمان وولد الحكم ابن أبي العاص لسنه ولقوته على الطلب بذلك كما أمر رسول ا لله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن سهل أخا عبد الله بن سهل المقتول بخيبر بالسكوت وهو أخو المقتول وقال له ( كبر كبر ) .
وروى الكبر الكبر فسكت عبد الرحمن وتكلم محيصة وحويصة أبناء مسعود وهما ابنا عم المقتول لأنهما كانا أسن من أخيه فلم يطلب معاوية من ذلك الا ما كان له من الحق أن يطلبه وأصاب في ذلك الأثر الذي ذكرنا ، وانما أخطأ في تقديمه ذلك على البيعة فقط له أجر الاجتهاد في ذلك ولا اثم عليه فيما حرم من الاصابة كسائر المخطئين في اجتهادهم الذين اخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن لهم أجرا واحدا وللمصيب أجرين ولا عجب أعجب ممن يجيز الاجتهاد في الدماء وفي الفروج والأنساب والشرائع والأموال التي يدان الله بها من تحريم وتحليل وايجاب ، ويعذر المخطئين في ذلك
ويرى ذلك مباحا الليث والبتي وأبي حنيفة والثوري ومالك والشافعي وأحمد وداود واسحاق وأبي ثور وغيرهم كزفر وأبي يوسف ومحمد بن الحسن بن زياد وابن القاسم وأشهب وابن الماجشون والمزني وغيرهم فواحد من هؤلاء يبيح دم هذا الانسان وآخر منهم يحرمه كمن حارب ولم يقتل
أو عمل عمل قوم لوط ، وغير هذا كثير وواحد منهم يبيح هذا الفرج ، وآخر منهم يحرمه كبكر
أنكحها أبوها وهي بالغة عاقلة بغير اذنها ولا رضاها وغير هذا كثير ، وكذلك في الشرائع والأوامر والأنساب وهكذا فعلت المعتزلة بشيوخهم كواصل وعمرو وسائر شيوخهم وفقهائهم ، وهكذا فعلت الخوارج بفقهائهم ومفتيهم ثم يضيقون ذلك على من له الصحبة والفضل والعلم والتقدم
والاجتهاد كمعاوية وعمرو ومن معهما من الصحابة رضي الله عنهم ، وانما اجتهدوا في مسائل
دماء كالتي اجتهد فيها المفتون وفي المفتين من يرى قتل الساحر وفيهم من لا يراه وفيهم من يرى
قتل الحر بالعبد وفيهم من لا يراه ، وفيهم من يرى قتل المؤمن بالكافر وفيهم من لا يراه فأي فرق
بين هذه الاجتهادات واجتهاد معاوية وعمرو وغيرهما لولا جهل والعمى والتخليط بغير علم وقد علمنا أن من لزمه حق واجب وامتنع عن أدائه وقاتل دونه فانه يجب على الامام أن يقاتله وان كان منا وليس ذلك بمؤثر في عدالته وفضله ، ولا بموجب له فسقا بل هو مأجور لاجتهاده ونيته في طلب
الخير ، فبهذا قطعنا على صواب علي رضي الله عنه وصحة امامته وأنه صاحب الحق وأن له أجرين
: أجر الاجتهاد وأجر الاصابة . وقطعنا أن معاوية رضي الله عنه ومن معه مخطئون مجتهدون مأجورون أجرا واحدا وأيضا في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر عن مارقة تمرق بين طائفتين من أمته يقتلها أولى الطائفتين بالحق فمرقت تلك المارقة وهم لخوارج من أصحاب علي أصحاب معاوية فقتله علي وأصحابه فصح أنهم أولى الطائفتين بالحق ، وأيضا الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تقتل عمارا الفئة الباغية ) "الفصل : 4/159 – 161".
وقال أيضا : ( فصح أن عليا هو صاحب الحق والامام المفترضة طاعته ، ومعاوية مخطىء مأجور مجتهد وقد يخفى الصواب على الصاحب العالم فيما هو أبين وأوضح من هذا الأمر من أحكام الدين فربما رجع اذا استبان له وربما لم يستبن له حتى يموت عليه وما توفيقنا الا بالله عز وجل وهو المسئول العصمة والهداية لا اله الا هو ) "الفصل : < ص : 163 > " .
وقال الحافظ الذهبي : ( فنحمد الله على العافية التي أوجدنا في زمان قد انمحص فيه الحق واتضح من الطرفين وعرفنا مآخذ كل واحد من الطائفتين وتبصرنا فعذرنا واستغفرنا ، وأحببنا باقتصاد وترحمنا
على البغاة بتأويل سائغ في الجملة أو بخطأ ان شاء الله مغفور وقلنا كما علمنا الله ( ربنا -- ءامنوا )
"الحشر : 10 " . وترضينا أيضا عمن اعتزل الفريقين كسعد بن أبي وقاص وابن عمر ومحمد بن مسلمة وسعيد بن زيد وخلق ، وتبرأنا من الخوارج المارقين الذين حاربوا عليا وكفروا الفريقين ، فالخوارج كلاب النار قد مرقوا من الدين ومع هذا فلا نقطع لهم بخلود النار كما نقطع به لعبدة الأصنام والصلبان ) "السير : 3 / 128 " .
أما ما يحكى ويروى في كتب التاريخ من تشويه سمعة معاوية رضي الله عنه واظهاره بمظهر الرجل الماكر المخادع الشرس المحب للدنيا .. فلا نشك أن ذلك مما عملته أيدي الروافض الضلال .
قال محمد بن عمر بحرق الحضرمي ، المتوفي سنة 930 : ( يجب تعظيم كافة الصحابة رضي الله تعالى عنهم والكف عن القدح في منصبهم الجليل ، ويطلب المحامل الحسنة والتأويلات اللائقة بقدرهم فيما ينقل عنهم بعد العلم بصحة ذلك عنهم ، وعدم المسارعة الى ما ينقله عنهم المؤرخون والاخباريون ، وأهل البدع الضالة المبطلون ، وانما المعتمد على ما يورده العلماء الراسخون في علم الحديث والسير بالأسانيد المعتمدة فاذا صح ذلك وجب حمله على أحسن المحامل ، لأن تقريره يؤدي الى مناقضة كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والخلف في قولهما محال ، ثم يؤدي الى هدم أركان الشرع من أصله والازراء بشارعه وناقله وأهله لأن الصحابة هم الذين نقلوا الينا الشرع والتوحيد ، والنبوة والرسالة ، والاسلام والايمان ، والصلاة والزكاة ، والصيام والحج ، والحلال والحرام الى غير ذلك ومتى تطرقت الأوهام الى القدح فيهم انخرمت عدالتهم ، وردت روايتهم وشهادتهم ، وصار هذا الدين الذي هو خير الأديان شر الأديان لكونه حمّاله فسقة ، وكان القرآن مفترى ، والا كان قوله فيهم : ( أولئك هم الصادقون ) "الحجرات :15". ( التائبون العابدون )
" التوبة : 112 " ، (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) "الاحزاب : 23" . الى غير ذلك زورا وبهتانا،
وكان الرسول متقولا على الله وقوله : ( خيركم قرني ثم الذين يلونهم ) " وقال عمران : فما أدري قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد قوله مرتين أو ثلاثا " ( ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يوفون ، ويظهر فيهم السمن ) . "متفق عليه".
وقوله : ( ويحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين وتاويل الجاهلين ) " رواه ابن عبد البر وابن عدي والبيهقي والحديث حسن كما قالا الحافظان العلائي والسخاوي ، " .
الى غير ذلك افكا وباطلا ، وكان الخير كله والصدق والنزاهة مع أعداء الله القادحين فيهم الذين
حدثوا بعدهم وأحدثوا بدعهم ، لا مع الله ورسوله وأوليائه ، وصار جميع الأنبياء والمرسلين المبشرين
برسالة محمد صلى الله عليه وسلم كذبة ، والكتب المنزلة عليهم من عند الله مختلقة ، وصار جميع العلماء الأحبار ، والعارفين بالله الأخيار ، من أول الدهر الى آخر الأعصار ، على باطل وضلال ،
لاتفاقهم على تصديق الصحابة فيما نقلوه وعملهم بعلمهم الذي عنهم حملوه ، الى ما لا يحصر من الكفر والضلال تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، وهذا في الحقيقة هم المقصود لهذه الفرقة الضالة ، التي ظاهر مذهبها الرفض ، وباطنها الكفر المحض ، والا فكيف يخطر بقلب من يدعي الايمان الازدراء بسادة المؤمنين ، وأركان الدين أو يتطرق الى القدح فيهم آخذا بقول من اتخذ الهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه ، وجعل على بصره غشاوة ، وعدولا عن ثناء الله عليهم في مواضع عديدة ، في كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ،
فأين قول القادح فيهم المتنقص لهم المزري بهم من قول الله تعالى الذي لا يبدل القول لديه ، ولا يتصور أن ينعكس مدحه ذما ، ولا رضاه سخطا ( لكن الرسول --- العظيم ) "التوبة : 88،89".
وهذه الخيرات والفلاح والجنان المعدة لمن هي ؟ ( للفقراء ---- ورضوانا ) "الحشر : 8 " .
( والسابقون ----- ورضوا عنه ) "التوبة : 100 " ، وهذا الرضى الأبدي من المراد به ؟
(رجال ---- تبديلا ) " الأحزاب : 23 " . ( ان الله --- الجنة ) "التوبة : 111 "، وهذه البيعة
الرابحة من تولى عقدها ؟ ( محمد ----- السجود ) "الفتح : 29 "، وهذه الأوصاف الجميلة من
هو الموصوف بها ؟ ( الذين ءامنوا ---- عند الله ) "التوبة : 20 " الآيات ( فأنزل الله --- عليما )
"الفتح : 26 " .
يا عجبا كيف تكون العصاة الفسقة بزعم الدعاة المرقة أحق بكلمة التقوى وأهلها ؟! هلا كانوا هم أحق بها وأهلها ، لزعمهم أنهم على الحق ، لا الصحابة وأتباعهم أغلط صدر من الباري جل وعلا ؟
حتى أعطى القوس غير باريها ، أم سهل حصل ممن لا يضل ولا ينسى ، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وبادي الأمور وخافيها حتى يقول فيهم ذلك ، مع علمه بما سيكون منهم من التبديل والتحريف .. كلا والله بل كان الله بكل شيء عليما ، وكانوا هم أحق بها وأهلها أزلا وأبدا ، وعلم الله لا يتبدل ، والله أعلم حيث يجعل رسالاته ، ثم كيف أطنب في مدحهم في كتابه ، وعلى لسان رسوله وهو يعلم ما يصدر منهم من التعاون على الظلم والعدوان ، وقول الزور والبهتان ، قبل أن يدفنوا نبيهم ويجهزوه أغش منه لرسوله المحبوب مع ماله عنده من المكانة !! أو عجزت قدرته النافذة
عن أن يختار لرسوله من يصحبه بالصدق ، ويؤدي شرعه بالأمانة !! أم أنزل كتابه وأرسل رسوله للاضلال لا للارشاد حتى مدح فيه من هو مذموم عنده من العباد ، فاعتبروا يا اولي القلوب والأبصار
( وان استغفروا ----- قدير ) "هود : 3 ، 4 " .
ولنختم الكلام حول هذا الموضوع بوصية نفيسة من ابن العربي المعافري رحمه الله قال : ( فأعرضوا عن الغاوين وازجروا العاوين وعرجوا عن سبيل الناكثين الى سنن المهتدين وأمسكوا الألسنة عن السابقين الى الدين ، واياكم أن تكونوا يوم القيامة من الهالكين بخصومة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد هلك من كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم خصمه ، دعوا ما مضى فقد قضى الله فيه ما قضى وخذوا لأنفسكم الجد فيما يلزمكم اعتقادا وعملا ولا تسترسلوا بألسنتكم فيما لا يعنيكم مع كل ماجن اتخذ الدين هملا ، فان الله لا يضيع أجر من أحسن عملا ، ورحم الله الربيع بن خثيم فانه لما قيل له قتل الحسين ، قال : أقتلوه ؟ قالوا : نعم ، فقال : ( قل اللهم – يختلفون ) " الزمر : 46 " ، ولم يزد على هذا أبدا فهذا العقل والدين والكف عن أحوال المسلمين
والتسليم لرب العالمين ) . " العواصم من القواصم : ص – 182 " .











رد مع اقتباس