و بخصوص السؤال الثالث
و هو
علم يُنتفع به " هل يَضم هذا القول العلوم الدنيوية
أم فقط يخص العلوم الشرعية ؟
و اجابة السؤال الثالث
الحديث المذكور : رواه ابن ماجة (253)
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما
أَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ لِيُبَاهِيَ
بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ فَهُوَ فِي النَّارِ )
ورواه أيضا (254)
من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما ولفظه :
( لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ وَلَا لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ
وَلَا تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ )
والمقصود بالعلم في هذا الحديث
وغيره العلم الشرعي ، فهو المقصود
أصالة ـ بالثناء والمدح في خطاب الشرع .
وهو أصل خطاب الشارع بالتكليف
وأصحابه ورثة الأنبياء
كما قال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( العلماء ورثة الأنبياء )
رواه أبو داود (3641)
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
" العلم يطلق على أشياء كثيرة ,
ولكن عند علماء الإسلام المراد بالعلم هو : العلم الشرعي
, وهو المراد في كتاب الله وسنة
رسوله صلى الله عليه وسلم عند الإطلاق " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (2 / 302) .
ثانيا :
ما ذكرناه من أن العلم المراد بالحديث
هو العلم الشرعي
لا يعني أن العلوم الدنيوية غير محمودة بالإطلاق
ولا مطلوبة ، بل المحمود من هذه العلوم مطلوب
لتعلق مصالح الأمة به ، واحتياجها إليه .
قال أبو حامد الغزالي رحمه الله :
فالعلوم التي ليست بشرعية :
تنقسم إلى ما هو محمود
وإلى ما هو مذموم ، وإلى ما هو مباح
فالمحمود ما يرتبط به مصالح أمور الدنيا كالطب والحساب .
وذلك ينقسم إلى ما هو فرض كفاية
وإلى ما هو فضيلة وليس بفريضة
أما فرض الكفاية فهو علمٌ لا يُستغنى
عنه في قوام أمور الدنيا ، كالطب
إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان . وكالحساب
فإنه ضروري في المعاملات وقسمة الوصايا
والمواريث وغيرهما .
وهذه هي العلوم التي لو خلا البلد عمن يقوم
بها حرج أهل البلد وإذا قام بها واحد كفى
وسقط الفرض عن الآخرين .
فلا يُتعجب من قولنا :
إن الطب والحساب من فروض الكفايات
فإن أصول الصناعات أيضا من فروض الكفايات
كالفلاحة والحياكة والسياسة ، بل الحجامة والخياطة
فإنه لو خلا البلد من الحجام تسارع الهلاك إليهم
وحَرِجوا بتعريضهم أنفسهم للهلاك " انتهى .
"إحياء علوم الدين" (1/16) .
فتبين أن من علوم الدنيا ما هو محمود مطلوب
وأن شأنها شأن الصناعات :
الفلاحة والتجارة وغيرها
تطلب لمصالح الدنيا
وجرى الناس على تعلمها والعمل بها لذلك
ولا ينكر التكسب من ورائها
لأنها ليست قربة محضة .
والخلاصة
" كل علم ديني مع وسائله
التي تعين على إدراكه
داخل فيما يرفع الله -
من علمه وعمل به، مخلصا له - عنده درجات
وأنه مقصود بالقصد الأول .
وكل علم دنيوي تحتاجه الأمة
وتتوقف عليه حياتها
كالطب والزراعة والصناعة ونحوها
داخل أيضا إذا حسنت النية
وأراد به متعلمه والعامل به نفع الأمة الإسلامية ودعمها
ورفع شأنها ، وإغنائها عن دول الكفر والضلال
لكن بالقصد الثاني التابع
ودرجات كل متفاوتة تبعا لمنزلة ذلك من الدين
وقوته في النفع ودفع الحاجة " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (12 / 77) .