منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (2)
عرض مشاركة واحدة
قديم 2019-10-23, 18:41   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
احمد الصادق
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

الفُرقَان بينَ أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (2)
الدَّرسُ الأول (1)
فضيلة الشيخ د./ فهد بن سليمان الفهيد
{بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرحب بكم إخواني وأخواتي المشاهدين الأعزَّاء في حلقةٍ جديدةٍ من حلقات البناء العلمي، وفي مطلع هذه الدروس المباركة أرحب بفضيلة الشيخ الدكتور فهد بن سليمان الفهيد، فأهلًا وسهلًا بكم فضيلة الشيخ}.
حياكم الله، وحيا الله الإخوة جميعًا.
{في مطلع هذا الفصل نستكمل ما توقفنا عنده في الفصل الماضي، من قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَلِهَذَا عَامَّةُ كَلَامِهِمْ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَالَاتِ الشَّيْطَانِيَّةِ)، وَيَقُولُونَ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْفُتُوحَاتِ: (بَابُ أَرْضِ الْحَقِيقَةِ وَيَقُولُونَ هِيَ أَرْضُ الْخَيَالِ .
فَتُعْرَفُ بِأَنَّ الْحَقِيقَةَ الَّتِي يَتَكَلَّمُ فِيهَا هِيَ خَيَالٌ وَمَحَلُّ تَصَرُّفِ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُخَيِّلُ لِلْإِنْسَانِ الْأُمُورَ بِخِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: ï´؟وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَï´¾.
وَقَالَ تَعَالَى: ï´؟إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًاï´¾.
وَقَالَ تَعَالَى: ï´؟وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌï´¾، وَقَالَ تَعَالَى: ï´؟وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِï´¾.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ، وَالشَّيَاطِينُ إذَا رَأَتْ مَلَائِكَةَ اللَّهِ الَّتِي يُؤَيِّدُ بِهَا عِبَادَهُ هَرَبَتْ مِنْهُمْ وَاَللَّهُ يُؤَيِّدُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَلَائِكَتِهِ.
قَالَ تَعَالَى: ï´؟إذْ يُوحِي رَبُّكَ إلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُواï´¾، وَقَالَ تَعَالَى: ï´؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَاï´¾.
وَقَالَ تَعَالَى: ï´؟إذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَاï´¾، وَقَالَ تَعَالَى: ï´؟إذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَï´¾)}.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
نحمد الله -سبحانه وتعالى- ونشكره، ونسأله أن ينفع بهذه المجالس وأن يجعلها خالصةً لوجهه الكريم ونافعةً لعباده.
ثم في مطلع هذه الدروس نحاول أن نربط بين ما مضى وبين ما نحن في صدده الآن، فإنَّ القراءة في كتاب "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" قد وصلنا فيها إلى هذا الموضع الذي قرأته.
وهذا الموضع هو ضمن فصلٍ ذكر فيه شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أنَّه قد اتَّفق سلف الأمَّة وأئمتها على أنَّ الأنبياء أفضل من الأولياء، وهذا دلَّ عليه القرآن والسُّنَّة وإجماع الأمَّة، ولم يُخالف فيه إلا بعض الضُّلَّال المبتدعة من هؤلاء غلاة الصُّوفيَّة، أو غيرهم من أهل الفلسفة كما مرَّ معنا.
وكان في ضمن الحديث -حتى نربط ما مضى بما نحن فيه الآن- أن قال -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن الأنبياء أفضل من الأولياء"، ثم ذكر أدلَّة كثيرة جدًّا، وقال: ظنَّ طائفةٌ غالطةٌ أنَّ خاتم الأولياء أفضل الأولياء، قياسًا على أنَّ خاتم الأنبياء أفضل الأنبياء، ثم بيَّنَ فسادَ هذا القول وبطلانه، ثم ذكرَ أنَّ ابن عربي، وهو محمد بن علي بن محمد بن عربي الطائي، أبو بكر الملقَّب بمحيي الدين بن عربي، ولد سنة خمسمائة وستين، وتوفي سنة ستمائة وثمانية وثلاثين، وهذا الشَّخص له كتبٌ طافحة بالكفريَّات مثل: كتاب "الفتوحات المكيَّة" وكتاب "فصوص الحكم"، وسيمرُّ معنا بعض النُّقولات التي يقشعرُّ منها جلد كلِّ مسلم ومسلمة من هذه الكتب، ومع ذلك زعم عن نفسه وزعم بعض الناس المعجبين به أنه أفضل الأولياء، وزعم أنه خاتم الأولياء.
ويجدر التَّنبيه أنَّ "ابن عربي" هذا بدون "ال"، وهناك عالم آخر مالكي اسمه "ابن العربي"، فهذا المالكي رجل فاضل وعالم جليل، وله كتب نافعة، وهو من العلماء الفضلاء وليس عنده هذه الضَّلالات، ولكن "ابن عربي" بدون "ال" هذا من أهل الضَّلال ، ومصنفاته فيها الكفر الصَّريح -كما ستأتي بعض النقول عنه.
والشيخ نبَّه عليه؛ لأنَّه قريب مِن زمنه، فالشيخ وُلد سنة ستمائة وواحد وستين، وهذا الزِّنديق ابن عربي توفي قبل ولادة الشَّيخ بنحو ثلاث وعشرين سنة، ولكن له أتباع كُثُر، فمن ضمن ضلالاتهم أنَّهم زعموا أنَّ الولي أفضل من النَّبي، وهذا موجود إلى الآن في كتب غلاة الصُّوفيَّة، فاحتاج الشَّيخ إلى التَّوسُّع فيه، فذكر ابن عربي، وابن الفارض، وابن سبعين، والقنوي، وذكر ضلالاتهم وردَّ عليهم في أول هذا الفصل الذي نقرأ فيه، وذكر من أقوالهم الكفريَّة أنهم يقولون: "مقام النبوة في برزخٍ فويق الرسول ودون الولي"، فالولي أعلى في زعم هؤلاء الضُّلَّال، ولهم شبهات سبقَ الرَّد عليها.
ومن ضِمن ضلالاتهم أنَّهم يقولون: نحن نأخذ مِن المعدن الذي يأخذ منه الملك، فصرنا أعلى درجة من الرَّسول الذي يأخذ من الملك ثم عن الله، فنحن نأخذ عن الله مباشرة!
وهذا كلُّه من التَّلاعب الذي تتلاعب به شياطين الإنس والجن، وذكر الشَّيخ أنَّ هؤلاء ركَّبوا باطلهم على فلسفة أرسطو ومَن معه، وتابعوه في بعض أقوالهم الكفريَّة، مثل قولهم "إنَّ الأفلاك قديمة أزليَّة لا علَّةٌ تتشبَّه بها"، فأنكروا وجود الخالق.
وذكر الشيخ أنَّ هؤلاء صوفيَّة الملاحدة؛ لأنَّهم يعتقدون عقيدة الملاحدة المتفلسفة، وذكر أقوالهم، ويُمكن لكل طالب أن يُراجع النَّص السابق.
وذكر الشيخ أنَّ بعضهم يقول: إنَّ النُّبوَّة مكتسبة؛ يُمكن للإنسان أن يصير نبي!
وهذا من أعظم الكفر والتَّكذيب لكلام الله وكلام رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومن أقوالهم الباطلة: أنَّهم يُنكرون كثيرًا مِن حقائق الشَّرع، ويجعلون حقائق من عندهم أخذوها عن الفلاسفة ويلبِّسوها لبوسًا إسلاميًّا، مثل قوله: إنَّ هناك عقول عشرة هي التي تحرك الأفلاك، وأنَّها صدرت عن العقل الأول، وعن هذا العقل صدر كل شيء!
وبيَّن الشَّيخ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- هذه الكفريَّات وهذه الضَّلالات، ومع الأسف أنَّ هؤلاء الصُّوفيَّة الغلاة لبَّسوا على المسلمين تلبيسًا كثيرًا، فجعلوا جبريل هو العقل الأول، وجعلوه هو الخيال التَّابع للعقل، وزعموا أنهم هم الأولياء يأخذون عمَّن فوق جبريل -كما سبق ذكر هذا.
وأكَّد الشيخ على مسألة، فقال: (فإن ابن عربي وأمثاله فإنهم وإن ادعوا أنهم صوفية فإنهم من صوفية الملاحدة الفلاسفة، وليسوا من صوفيَّة أهل الكلام، فضلًا عن أن يكونوا من مشايخ أهل الكتاب والسنة، كالفضيل، وإبراهيم بن أدهم، والجنيد، وغيرهم).
فالصوفيَّة أنواع، فهؤلاء لم يقعوا في بدعِ أهلِ الكلام من المتصوِّفة؛ بل وقعوا فيما هو أشدَّ، فوقعوا في كفريَّات وضلالات، وردَّ عليهم الشَّيخ في زعمهم أنَّ جبريل هو العقل الفعَّال أو أنَّه هو العقل الأوَّل.
قال الشَّيخ: (وَغَايَةُ حَقِيقَةِ هَؤُلَاءِ إنْكَارُ " أُصُولِ الْإِيمَانِ " بِأَنْ يُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَحَقِيقَةُ أَمْرِهِمْ جَحْدُ الْخَالِقِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا وُجُودَ الْمَخْلُوقِ هُوَ وُجُودُ الْخَالِقِ وَقَالُوا: الْوُجُودُ وَاحِدٌ وَلَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ الْوَاحِدِ بِالْعَيْنِ وَالْوَاحِدِ بِالنَّوْعِ).
إذن هذه حقيقة عقيدتهم، فخلاصة عقيدة الملاحدة الفلاسفة من الصُّوفية الذين تابعوهم هو إنكار أركان الإيمان السِّتَّة والزَّعم بأنَّها خيالات، فلا تغتر بهم حتى ولو أظهروا الإسلام تستُّرًا فإنَّهم منافقون زنادقة، يُنكرون الإيمان بالله والملائكة والكتب والرُّسل واليوم الآخر.
قال الشَّيخ: (وَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ قَوْلُ فِرْعَوْنَ الَّذِي عَطَّلَ الصَّانِعَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُنْكِرًا هَذَا الْوُجُودَ الْمَشْهُودَ ; لَكِنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ بِنَفْسِهِ لَا صَانِعَ لَهُ).
فرعون لم يُنكر أنَّ الوجود المشهود هذا ليس موجودًا، ولكن أنكر أن له خالقًا، وزعم أن هذا الوجود ليس له صانع.
قال: (وَهَؤُلَاءِ وَافَقُوهُ فِي ذَلِكَ)، أي: وافقوه في إنكار الخالق، فحقيقة قولهم أن لا خالق.
قال: (لَكِنْ زَعَمُوا بِأَنَّهُ هُوَ اللَّهُ فَكَانُوا أَضَلَّ مِنْهُ)، زعموا أنَّ هذا الكون وهذه المخلوقات هي الله، فصاروا أضل من فرعون من هذا الوجه.
قال: (وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ هَذَا هُوَ أَظْهَرُ فَسَادًا مِنْهُمْ وَلِهَذَا جَعَلُوا عُبَّادَ الْأَصْنَامِ مَا عَبَدُوا إلَّا اللَّهَ وَقَالُوا: "لَمَّا كَانَ فِرْعَوْنُ فِي مَنْصِبِ التَّحَكُّمِ...")، هذا النَّص منقول من كتاب "الفصوص والحكم" لابن عربي حتى يعرفَ طالب العلم ويعرف كلَّ مسلم أنَّ هؤلاء الذين يُدافعون عن ابن عربي ويُروِّجونَ له أنَّهم يروِّجون لهذا الكلام، وحتى تعرف أنَّ الدعايات لابن عربي وللحلَّاج وأمثالهم هي دعوات لإنكار الإسلام ومحاربة الدِّين الإسلامي.
قال عن فرعون: (مَّا كَانَ فِرْعَوْنُ فِي مَنْصِبِ التَّحَكُّمِ صَاحِبَ السَّيْفِ وَإِنْ جَارَ فِي الْعُرْفِ النَّامُوسِي كَذَلِكَ قَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الْأَعْلَى -أَيْ وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ أَرْبَابًا بِنِسْبَةِ مَا فَأَنَا الْأَعْلَى مِنْكُمْ بِمَا أُعْطِيته فِي الظَّاهِرِ مِنْ الْحُكْمِ فِيكُمْ".
قَالُوا: "وَلَمَّا عَلِمَتْ السَّحَرَةُ صِدْقَ فِرْعَوْنَ فِيمَا قَالَهُ أَقَرُّوا لَهُ بِذَلِكَ وَقَالُوا: ï´؟فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَاï´¾).
السَّحرة آمنوا، وليس كلام السَّحرة لفرعون ï´؟فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَاï´¾ هو اعتقاد منهم بأنَّ فرعون صادق؛ لا، فهم كفروا بفرعون وآمنوا بالله وأسلموا واتَّبعوا موسى وقالوا لفرعون "اقضِ ما أنت قاضٍ"، يعني أيشٍ تسوِّي فنحن صابرين على الدِّين ومتمسِّكين بالإسلام، لن نتركَ الإسلام ولن نتركَ الإيمان بالله، وكل ما تقدر عليه يا فرعون أنت وجندك هو هذه الدنيا، أن تعذبنا وتؤذينا في هذه الدنيا، ولكن ما تقدر على الآخرة.
أما هذا الطاغوت ابن عربي قال: (فَصَحَّ قَوْلُ فِرْعَوْنَ ï´؟أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىï´¾ وَكَانَ فِرْعَوْنُ عَيْنَ الْحَقِّ).
هل يقول مسلم مثل هذا! والله ما يقول هذا إلَّا زنديق كافر.
قال: (ثُمَّ أَنْكَرُوا حَقِيقَةَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَجَعَلُوا أَهْلَ النَّارِ يَتَنَعَّمُونَ كَمَا يَتَنَعَّمُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَصَارُوا كَافِرِينَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبِمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، مَعَ دَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ خُلَاصَةُ خَاصَّةِ الْخَاصَّةِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَةِ اللَّهِ، وَأَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ إنَّمَا يَعْرِفُونَ اللَّهَ مِنْ مِشْكَاتِهِمْ).
عرفتم يا إخواني الكرام كيف هؤلاء يقلبون الحقائق ويدَّعون أنهم أهل الولاية، وأنَّهم خلاصَّة خاصَّة الخاصَّة، حتى قالوا في الجنة والنار: إنَّ أهل النار يتنعَّمون كما يتنعَّم أهل الجنة، يعني: لم تكن النار عذابًا ولا عقوبةً، وسوُّوا بينَ الكفَّار وبين أهل الإسلام والمسلمين، والله -جلَّ وَعَلَا- يقول: ï´؟أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَï´¾، هؤلاء يقولون: إنهم سواء وكلهم يتنعَّمون، فهذا من كفريَّات هؤلاء.
ومن يُروِّج لهذا المجرم ابن عربي وكتبه فهو من أصحاب هذه العقائد الفاسدة، ونشهد الله أنَّنا برآء ممن يقول به وممَّن يدعو إليه، ونحذر إخواننا المسلمين من عقيدة ابن عربي، ومن عقيدة الصُّوفيَّة الملاحدة الفلاسفة، ومن كل بدعة، ونبرأ إلى الله من هذا ، ونثبت على الدين والإسلام، ونثبت على ما كان عليه الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الشيخ: (وَلِهَذَا عَامَّةُ كَلَامِهِمْ إنَّمَا هُوَ فِي التَّخيُّلات الشَّيْطَانِيَّةِ وَيَقُولُونَ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْفُتُوحَاتِ)، الشَّيخ يرجع مرة أخرى وينقض كلام ابن عربي صاحب الفتوحات، كتاب اسمه "الفتوحات المكيَّة" يقول: إنَّه كان في مكَّة ويُفتَح عليه، أي بخواطر تأتيه فيكتبها، فهذه النُّصوص التي قرأناها عن فرعون؛ هذه من الفتوحات!!
فالشيخ يقول إنَّ هذه تخيُّلات شيطانيَّة وليست فتوحات، فنقل عنه الشيخ في: (بَابُ أَرْضِ الْحَقِيقَةِ وَيَقُولُونَ هِيَ أَرْضُ الْخَيَالِ)، فليس عندهم حقيقة؛ بل كلها خيالات.
ثم يقول: (فَيعْترف بِأَنَّ الْحَقِيقَةَ الَّتِي يَتَكَلَّمُ فِيهَا هِيَ خَيَالٌ وَمَحَلُّ تَصَرُّفِ الشَّيْطَانِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُخَيِّلُ لِلْإِنْسَانِ الْأُمُورَ بِخِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهِ).
الشيخ يؤكِّد أن كلام ابن عربي في هذه الكتب ما هو إلا من الشَّيطان وليس من الرحمن، وأنَّها، أي: كتبه تحوي ضلالات وتخيُّلات وليست حقائق.
وأورد الشَّيخ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- مجموعة من الآيات القرآنية تدلُّ على أنَّ الشَّياطين تضل الناس.
نأخذ الآية الأولى: قَالَ تَعَالَى: ï´؟وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَï´¾.
قوله: ï´؟وَمَنْ يَعْشُï´¾، أي: من يغفُل.
قوله: ï´؟عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِï´¾، أي: عن القرآن.
قوله: ï´؟نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًاï´¾، أي: نُسلِّط عليه شيطان.
قوله: ï´؟فَهُوَ لَهُ قَرِينٌï´¾، أي مصاحب له، يُملي عليه ويُضلَّه ويُفسده، ويجعله ضالًّا -نسأل الله العافية والسَّلامة- وهذه عقوبة من الله لأنَّه أعرض عن ذكر الرحمن، فما سلَّطَ الله عليه القرين إلَّا لإعراضه عن ذكر الله.
قوله: ï´؟وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِï´¾، الشياطين يصدُّون هؤلاء الذين أعرضوا عن ذكر الرَّحمن، ولهذا فإنَّ المؤمن إذا أعرض عن القرآن وأقبل على مزامير الشَّيطان تسلَّطت عليه الشَّياطين، وإذا أعرض عن الوحي -الكتاب والسُّنَّة- وأقبل على كلام الفلاسفة وأقبل على كلام ضُلَّال الصُّوفيَّة تسلَّطت عليه الشَّياطين وقلبت عنده الموازين، فأصبح يرى الحقَّ باطلًا والباطل حقًّا، والمعروف منكرًا والمنكر معروفًا، ويرى السُّنَّة بدعة والبدعة سنَّة، ويرى الشِّركَ توحيدًا والتَّوحيد شركًا، قال تعالى: ï´؟وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَï´¾.
قال: ï´؟حَتَّى إذَا جَاءَنَاï´¾، أي: يوم القيامة.
قوله: ï´؟قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُï´¾، يلعنه ويذمُّه ويدعو عليه ويسبُّه ويشتمه، ويتمنَّى أنَّه كانَ بينه وبينه بُعدَ المشرقين، يتمنَّى أنَّ ما كان حوله هذا الشيطان -نسأل الله العافية والسَّلامة.
وقوله: ï´؟وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَï´¾، الاشتراك في العذاب في الدنيا يُخفف قليلًا، يعني لو واحد ضُربَ ضربًا شديدًا ولكن لوحده؛ فإنَّ ألم هذا الضَّرب شديد جدًّا عليه، ولكن إذا جُمعت المجموعة كلها وضُرِبُوا بنفس المقدار من الضَّرب، ويرى بعضهم بعضًا أنَّهم يُضربون بنفس المقدار، ويُعذَّبون بنفس التَّعذيب؛ فإنَّهم إذا رأوا بعضهم هان عليهم ما هم فيه، إلَّا في الآخرة فلن ينفعهم أنَّهم مشتركون في العذاب؛ بل يشتد عليهم، قال تعالى: ï´؟وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَï´¾.
قال تعالى: ï´؟إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًاï´¾.
إذن؛ ما حصل لابن عربي وأمثاله وما يحصل لكلِّ مَن أعرض عن الدِّين هو من أمنيات الشيطان ومن تلاعب الشيطان بهؤلاء ومن تضليلاته، والحمد لله أنَّ الله -جلَّ وَعَلَا- منَّ علينا بكتابه وبسنَّة رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنعرف الفرق بين الحق والباطل، أمَّا هؤلاء فإنَّ الشيطان يعدهم ويمنِّيهم، فكل ما عندهم أماني ووعود وظنون، حتى إذا مات الواحد منه رأى الحقائق، وراى ملائكة العذاب، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله، نسأل الله حسن الخاتمة، ونسأل الله أن يعافينا من هذه الضَّلالات.
قال: ï´؟وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًاï´¾، تركوا القرآن والسُّنَّة، وأعرضوا عن الوحي؛ فلما ماتوا رأوا الحقائق، فذهبت أفكارهم وزُبالات عقولهم، تولَّاهم الشَّيطان وسيتبرَّأ منهم ويهرب، فمآلهم هذا قبيح -نسال الله العافية والسلامة.
قال تعالى: ï´؟وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْï´¾، هذا تأكيد لالآية السابقة ï´؟يعدهمï´¾ وهنا قال: ï´؟وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْï´¾، فكيف تمشي مع هواك ومع الشيطان، ومع هذه الخيالات وهذه الوساوس التي يُلقيها.
قال: ï´؟وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِيï´¾، ليس هذا بسلطةٍ منه وضرب وتشديد عليهم؛ بل هم الذين أقبلوا عليه ورضوا بالشيطان، وأعرضوا عن الرحمن، وأعرضوا عن القرآن، ولهذا كل أئمَّة الإلحاد وأئمة الكفر سيتبرؤون من متبوعيهم، المتبوع سيتبرَّأ من الأتباع ويقول: اذهبوا، أنا ما قلت لكم كذا وكذا...
وهذا فيه دعوى لكل إنسان يغتر بدعاة الضَّلالة، هذا الشَّخص الذي له تأثير -وكاريزما- وله شخصيَّة تؤثر فيك سيتبرَّأ منك يوم القيامة، فلا تتبع إلَّا الرسول محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ تَعَالَى: ï´؟وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِï´¾.
هذا يوم بدر، فما بالك بما يكون يوم القيامة، فهذا هو موقف الشيطان من أصحابه وأتباعه -نسأل الله العافية والسَّلامة.
قال: (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ)، يعني أنَّه يسوقهم ويصفُّهم للقتال، وهذا جاء في الحديث عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّه قال: «ما رُئِيَ الشيطان يوماً هو فيهِ أصغرُ، ولا أَدْحَر، ولا أَحْقَر، ولا أَغْيَظْ منه في يومِ عَرَفَةَ وما ذلكَ إلا لمَا يرَى من تنزُّلِ الرّحمةِ وتجَاوزِ اللهِ تعالى عن الذنوبِ العظامِ، إلا ما أُري يوم بدر»، قيل: وما رأى يوم بدر يا رسول الله؟ قال: «أما إنه قد رأى جبريل يزع الملائكة»، يعني يصفهم ويسوقهم إلى القتال، فأخزاه الله خزيًا عظيمًا، وكانت معركة بدر هي الغزوة الكبرى، وهي الفتح الأعظم، وهي بوابة قوَّة الإسلام، ونُصرَة الإسلام إلى يوم القيامة، وسمَّاه الله -جلَّ وَعَلَا- "يوم الفرقان"، فانتصر فيه أهل الإسلام على أهل الكفر، وظهر الحق ولله الحمد، وهذا من أفضل أيام الله -جلَّ وَعَلَا- ولهذا كان الشيطان في ذلك اليوم ذليلًا حقيرًا متغيِّظًا، لأنَّه رأى عزَّة الإسلام وثبات الإسلام وبقائه من خلال انتصار المسلمين في هذه الغزوة.
قال الشيخ: (وَالشَّيَاطِينُ إذَا رَأَتْ مَلَائِكَةَ اللَّهِ الَّتِي يُؤَيِّدُ بِهَا عِبَادَهُ هَرَبَتْ مِنْهُمْ وَاَللَّهُ يُؤَيِّدُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَلَائِكَتِهِ.
قَالَ تَعَالَى: ï´؟إذْ يُوحِي رَبُّكَ إلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُواï´¾).
الله أكبر! الله -جلَّ وَعَلَا- يؤيِّد المؤمنين بالملائكة، أمَّا الشياطين فإنَّها لا تصل للمؤمنين، فالله -جلَّ وَعَلَا- يُعيذهم من الشَّيطان، فتأييد الله -جلَّ وَعَلَا- لعباده المؤمنين بالملائكة في قوله: ï´؟إذْ يُوحِي رَبُّكَ إلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْï´¾، فالملائكة تنزل لتثبيت المؤمنين وتأييدهم وإعانتهم وتطمينهم وإنزال السَّكينة عليهم.
قال تعالى: ï´؟إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُï´¾، فالحمد لله على نصرة الله -جلَّ وَعَلَا- وهذا من آيات الله الكبرى، فعدد المسلمين كانوا ثلاثمائة وأربعة عشر، وكان عدد الكفَّار قرابة ألف، ومع ذلك نصر الله الفئة القليلة على الفئة الكافرة الكثيرة.
ومِن أدلَّة كون الملائكة تكون مع المؤمنين لا الشَّياطين: قوله تَعَالَى: ï´؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَاï´¾، الجنود هم الملائكة، وهذا في غزوة الأحزاب، والتي تسمى غزوة "الخندق"، لأنَّ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حفر حول المدينة خندقًا يمنع وصول الكفَّار.
وَقَالَ تَعَالَى: ï´؟إذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَاï´¾، أي: الملائكة، فالملائكة تنزل لتأييد الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومن حفظ الله لنبيه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّ الكفَّار أرسلوا عددًا لطلب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقتله فلم يروا النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحماه الله منهم، حتى قال أبو بكر الصِّديق: "يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى قدميه لرآنا" فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا» ، وقال: «لا تحزن إن الله معنا»، فهذا فيه فضل أبي بكر الصِّديق -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لأنَّ الله تعالى قال: ï´؟إذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِï´¾، فأثبت الصُّحبَة، وهذا يدلُّ على أنَّه أفضل الصَّحابة، فأنزل الله -عزَّ وجلَّ- ما أنزل من الجنود والنُّصرة والتأييد، وردَّ الله الكفَّار خائبين، والحمد لله رب العالمين.
قَالَ تَعَالَى: ï´؟إذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَï´¾.
هذا في غزوة أحد، وقيل إنها في بدر، فأنزل الله -عزَّ وجلَّ- ملائكة.
قوله: ï´؟مُسَوِّمِينَï´¾، يعني مُعلَّمين بعلامات ليست من علامات البشر، وهذا من إمداد الله ونُصرَة الله لأوليائه.
وأما الكفَّار والمشركون والملاحدة فإنَّ الملائكة لا تأتيهم؛ بل تأتيهم الشَّياطين، فلا تنزل عليهم الملائكة، ولا تعينهم ولا تحفظهم؛ بل هؤلاء تصاحبهم الشياطين، قال تعالى: ï´؟وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌï´¾.
وهذا من أعظم الفُرقان، أن نقول: مَن رأينا منه علامات الإيمان وأعمال الإيمان وأقوال الإيمان وعقائد الإيمان؛ فهذا يكون من أهل الإيمان، ومن رأينا منه علامات الكفر والشِّرك والضَّلال والرِّدَّة فإنَّه لا يكون وليًّا للرحمن أبدًا.
قال الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَهَؤُلَاءِ تَأْتِيهِمْ أَرْوَاحٌ تُخَاطِبُهُمْ وَتَتَمَثَّلُ لَهُمْ وَهِيَ جِنٌّ وَشَيَاطِينُ فَيَظُنُّونَهَا مَلَائِكَةً، كَالْأَرْوَاحِ الَّتِي تُخَاطِبُ مَنْ يَعْبُدُ الْكَوَاكِبَ وَالْأَصْنَامَ، وَكَانَ مِنْ أَوَّلِ مَا ظَهَرَ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي الْإِسْلَامِ: الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ «سَيَكُونُ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ»، وَكَانَ الْكَذَّابُ: الْمُخْتَارَ بْنَ أَبِي عُبَيْدٍ وَالْمُبِيرُ: الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ).
قول الشيخ: (وَهَؤُلَاءِ تَأْتِيهِمْ أَرْوَاحٌ تُخَاطِبُهُمْ وَتَتَمَثَّلُ لَهُمْ وَهِيَ جِنٌّ وَشَيَاطِينُ فَيَظُنُّونَهَا مَلَائِكَةً)، المقصود ملاحدة الصُّوفية الذين سبق ذكرهم كابن عربي وأمثاله، فيسمع أصواتًا ويرى أشياءً؛ فيظن أنَّها ملائكة لجهله ولبدعته ولتزيين الشيطان له، وإنَّما هي جن وشياطين، وهذا من الضَّلالات التي تنزل عليهم.
وضرب الشيخ مثالًا ليستدل به: ( كَالْأَرْوَاحِ الَّتِي تُخَاطِبُ مَنْ يَعْبُدُ الْكَوَاكِبَ وَالْأَصْنَامَ)، وهذا موجود قديمًا حتى في زمن نبي الله إبراهيم، وقبل بعثة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فكانت بعض الأصنام وبعض الكواكب وبعض المعبودات التي تُعبَد من دون الله يصدر منها أصواتًا، وهي أرواح شيطانيَّة تتكلَّم، فيظنُّونها أنَّها معبودات.
وكان أوَّل مَا ظهر من هؤلاء في الإسلام المختار بن أبي عبيد الثقفي، هذا الشَّخص كان مسلمًا وأبوه صحابي، لكن المختار هذا أخباره سيئة جدًّا، وأول أمره كان مذكورًا بما يُذكَر به الناس من الإسلام ولم يُعرَف عنه غير ذلك، ثمَّ بدأ يرى أشياء ويكتم الفسق، ويُظهر بعض الكلمات الغريبة، ثم صار يدَّعي أنَّه يُوحى إليه، وبعد ذلك ادَّعى النبوة في آخر أمره، وصار يُلقي أسجاعًا وأشعارًا كأنَّها إلهامًا، فجلسَ على ادِّعاء النُّبوَّة سنةً وأربعةَ أشهر، فطلبه وقاتله مصعب بن الزبير فقتله سنة سبع وستين من الهجرة، يعني فترة ادِّعائه للنبوَّة حتى مات سنة وأربعة أشهر، وكان قد تغلَّب على العراق في ذلك الوقت، انظر كيف تحصل الفتن!
والحمد الله أنَّ جميع مدَّعي النبوَّة يُهلكهم الله -عزَّ وجلَّ- فهذا كان يرى أشياءً ويسمع أصواتًا، وسيأتي الكلام لابن عباس.
ونجزم ونقطع أن المختار هذا كذَّاب، وأنَّ الحجَّاج بن يوسف الثقفي مبيرٌ، للحديث...
قال الشَّيخ: (الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ «سَيَكُونُ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ»، وَكَانَ الْكَذَّابُ: الْمُخْتَارَ بْنَ أَبِي عُبَيْدٍ، وَالْمُبِيرُ: الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ).
كذَّاب: أي يدَّعي النُّبوَّة ويكذب.
والمبير: هو الحجَّاج بن يوسف الثَّقفي، وكلهم في ثقيف، ومن علامات نبوة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إخباره بالمغيَّبات التي يُخبره الله عنها، فأخبر أنَّه سيخرج في قبيلة ثقيف رجلان، أحدهما كذَّاب والآخر مبير -يعني مفسد، يقتل الناس ويظلمهم.
فالكذاب هو المختار بن أبي عُبيد، فكان أوَّل أمره -كما سبق- ثم ادَّعى النُّبوَّة وأنَّه يُوحَى إليه، فصار كذَّابًا، فتخدعه الشَّياطين، وهلك سنة سبع وستين للهجرة.
وأمَّا المبير: فهو الحجَّاج بن يوسف الثقفي، وكان أميرًا لبني أميَّة، وكان شجاعًا قويًّا فاتكًا، وبحث عن قتَلَةِ عثمان وتتبعهم وقتلهم، وكان فيه ظلمٌ وإيذاءٌ للمؤمنين، فقتل أناسًا كثيرًا جدًّا، واشتهر بالظُّلم، وعنده بعض الأشياء مثل حفظ القرآن، وبعض الأشياء التي يُمدَح على مثلها ولكنَّها قليلة، وأكثر حاله هو الظُّلم والإفساد والقتل -نسأل الله العافية والسَّلامة.
قال الشيخ: (فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّ الْمُخْتَارَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَنْزِلُ إلَيْهِ فَقَالَا: صَدَقَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ï´؟هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍï´¾. وَقَالَ الْآخَرُ: وَقِيلَ لَهُ إنَّ الْمُخْتَارَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُوحَى إلَيْهِ فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ï´؟وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْï´¾).
احتجَّ عبد الله بن عمر واحتجَّ عبد الهُ بن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- أنَّ دعوى بعض الناس أنَّه يتكلَّم بكلام ويزعم أنَّه وحي؛ فقال: صدقَ، ولكنه وحي شيطان وليس وحي الرحمن.
وهذا من أعظم الفرقان الذي أعطيه الصَّحابة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُم- فالصَّحابة لم يكن يلتبس عليهم أمثال هؤلاء، ولكن في القرون المتأخِّرة لمَّا كثُرَ الجهل وكثُرَت البدع وكثُرَ دعاة الفتنة والضَّلالة صار هناك التباس، فيلتبس على بعض الناس أمر هؤلاء فيصدِّقونهم، أو ربَّما يسكتون عنهم أو يحتارون فيهم، والواجب على المؤمن ألَّا يحتار في أمر هؤلاء، مَن يدَّعي النُّبوَّة أو يكذب على الله فإنَّه كذَّاب، وإذا قيل إنَّه تنزل عليه أشياء فهو لا يكذب، صحيح أنَّه يحس بأشياء تنزل عليه، ويحس بكلمات تصل إليه ليست من نفسه ويسمعها، فهو لا يكذب في هذا، ولكن هذا من الشياطين وليست من الملائكة.
فاحتج ابن عباس بقوله تعالى: ï´؟هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍï´¾، وسبقت هذه الآية في أنَّ الشياطين تنزل على بعض النَّاس.
واحتجَّ ابن عمر بقوله: ï´؟وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْï´¾، إذن هناك شياطين توحي، جاءت معلومة لهذا الإنسان البشري من شيطان، سمَّاه الله وحيًا، ولكنَّه وحي شيطاني.
قال: ï´؟وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أَوْلِيَائِهِمْï´¾، الوحي هنا: هو الإخبار بخفيةٍ. فالوحي في اللغة العربية: هو الإعلام السَّريع بخفيةٍ.
فهناك وحيٌ للرحمن، تأتي به الملائكة، أو يأتي به جبريل إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا يُوحَى إلى غير النبي أبدًا، وهناك وحي للشيطان يُوحي به إلى هؤلاء، فوحي الشيطان إعلام سريع خفي وإخبار بخُفيةٍ، قال تعالى: ï´؟وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْï´¾، وهذا يحصل للكُهَّان، كما حصل للمختار هذا وأمثاله.
{أحسن الله إليكم..
هل يُمكن أن تكون هذه الحالات الشَّيطانيَّة امتحانٌ لبعضِ النَّاس حتى ولو كان مؤمنًا صادقًا؟}.
المؤمن الصَّادق إذا وجدَ في نفسه كلامًا أُلقِيَ على قلبه أو أحسَّ بشيءٍ، أو خطرت له خاطرة، أو سمع صوتًا يهتف؛ فيزن هذا بالكتاب والسُّنَّة، فإذا وافق الكتاب والسُّنَّة قَبِلَه ولا يعتمد على هذه الأشياء، فالمعيار عند المسلم والمسلمة هو كلام الله وكلام رسوله، والوحي قد انقطعَ، ولا يستقيم الإسلام ولا الدِّين إذا صارَ يتلقَّى من هذه المصادر الخفيَّة الباطلة، فإذا وجدَ الإنسان المسلم في نفسه صوتًا، أو وجدَ كلامًا أُلقيَ في قلبه؛ فلا يتلفت إليه ولا يركن إليه ولا يعتمد عليه.
وإذا سأل: ما الموقف من هذا الكلام الذي سمعه؟
نقول: اعرضه على القرآن والسُّنَّة، فما وافق الحق قُبِلَ، وما خالفَه رُدَّ.
قال الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَهَذِهِ الْأَرْوَاحُ الشَّيْطَانِيَّةُ هِيَ الرُّوحُ الَّذِي يَزْعُمُ صَاحِبُ "الْفُتُوحَاتِ" أَنَّهُ أُلْقِيَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْكِتَابُ؛ وَلِهَذَا يَذْكُرُ أَنْوَاعًا مِنْ الْخَلَوَاتِ بِطَعَامِ مُعَيَّنٍ وَشَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَهَذِهِ مِمَّا تَفْتَحُ لِصَاحِبِهَا اتِّصَالًا بِالْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ، فَيَظُنُّونَ ذَلِكَ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ، وَأَعْرِفُ مِنْ هَؤُلَاءِ عَدَدًا، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَحْمِلُ فِي الْهَوَاءِ إلَى مَكَانٍ بَعِيدٍ وَيَعُودُ).
هذا كلام مهم حتى يعرف المسلمون ما اشتمل عليه كتاب "الفتوحات" و"فصوص الحِكَم" وما هي عقيدة ابن عربي، لأن هذه كلمات نتمنَّى أن تصل إلى كل مَن اغترَّ بهذا الرَّجل من حاكمٍ أو شخص يدَّعي العلم، أو مسؤول في قناة إعلاميَّة، أو عموم المسلمين، فنتكلَّم معهم بهذا الكلام؛ نقول: اعرفوا هذا الشخص الذي تدافعون عنه، إنه زنديق ضال، واسمعوا كلامه بنفسه:
يقول الشيخ ابن تيمية عنه: (وَهَذِهِ الْأَرْوَاحُ الشَّيْطَانِيَّةُ هِيَ الرُّوحُ الَّذِي يَزْعُمُ صَاحِبُ "الْفُتُوحَاتِ" أَنَّهُ أُلْقِيَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْكِتَابُ، وَلِهَذَا يَذْكُرُ أَنْوَاعًا مِنْ الْخَلَوَاتِ بِطَعَامِ مُعَيَّنٍ وَشَيْءٍ مُعَيَّنٍ).
نقرأ مقدمة كتاب ابن عربي: "أما بعد فإني رأيت رسول الله في مبشرة أريتها في العشر الأواخر من محرم سنة ستمائة وسبع وعشرين من الهجرة بدمشق، وبيده كتاب، فقال لي: هذا كتاب فصوص الحكم، خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به. فقلت: السَّمع والطاعة".
هنا يزعم هذا الضَّال أنَّه جاءته روح يظن أنها الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنَّه أمره بنشر هذا الكتاب.
يقول: "فتحققت الأمنية وأُخلصت النية، وجرَّدتُّ القصد والهمَّة إلى إبراز هذا الكتاب، فمن الله فاسمعوا، وإلى الله فارجعوا".
صار كتابه من الله! وصار أعظم من القرآن! لأنَّ القرآن في زعمه هو سمعه المسلمون عن رسول الله عن جبريل عن الله، أما ابن عربي فهو عن الله مباشرة، فقال: "فمن الله فاسمعوا"!!
فأيُّ ضلالٍ أعظم من هذا الضَّلال! وأيُّ كفرٍ أعظم من هذا الكفر! وهذا في مقدِّمة كتابه.
قال الشيخ: (وَهَذِهِ الْأَرْوَاحُ الشَّيْطَانِيَّةُ هِيَ الرُّوحُ الَّذِي يَزْعُمُ صَاحِبُ "الْفُتُوحَاتِ" أَنَّهُ أُلْقِيَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْكِتَابُ، وَلِهَذَا يَذْكُرُ أَنْوَاعًا مِنْ الْخَلَوَاتِ بِطَعَامِ مُعَيَّنٍ وَشَيْءٍ مُعَيَّنٍ)، يقول: إنَّه يخلو دائمًا ويترك الجماعة والجُمُعة ومعه طعام معيَّن! فإذا رأيت الرجل يخلو عن الناس ويبتعد عن الجماعة فهذا دليل على تلبُّس الشياطين به وأنَّها تضلِّه، فالانعزال عن المساجد وعن المسلمين سبب للضلال.
قال الشيخ: (وَهَذِهِ مِمَّا تَفْتَحُ لِصَاحِبِهَا اتِّصَالًا بِالْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ)، فإذا خلا وخفَّفَ الأكلَ وترك الشُّرب يأتيه الشَّيطان فيُغرِّر به ويظن أنَّه ملك، وهو من الشيطان، فلا يُستغرَب أنَّه يتمثَّل له الشيطان ويقول له: أنا رسول الله!
ومن المعلوم أنَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يتمثل به الشَّيطان في المنام، ولكن الشَّأن أن يُرَى كما هو -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لكن هذا الشَّخص تنقطع يقينًا أنَّه لم يرَ الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو إمَّا يكذب ويفتري، وإمَّا أنَّه شيئًا وظنَّ أنَّه الرسول وهو ليس بالرَّسول، ولا شكَّ أنَّ هذا وأمثاله من أجهل الناس بصفة الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الشيخ: (فَيَظُنُّونَ ذَلِكَ مِنْ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْأَحْوَالِ الشَّيْطَانِيَّةِ، وَأَعْرِفُ مِنْ هَؤُلَاءِ عَدَدًا)، أي: يعرف ناسًا أخر -وليس فقط ابن عربي- تحملهم الشَّياطين وتساعدهم؛ كل هذا لأنَّهم انقطعوا عن المسلمين وصاروا في هذه الخلوات، ويخدمون الشَّياطين وتخدمهم -نسأل الله العافية والسَّلامة.
لعلنا نقف عند هذا الموضع، وسيذكر الشيخ أمثلة لمن تتصل بهم الشَّياطين وتخدمهم، والحقيقة أنَّ هذا الفصل فصل مهم كما ترون، لأنَّه نقض لعقيدة كفرية ضلالية صوفيَّة تعتقد وتقول إنَّ هناك وحي غير القرآن والسنَّة، ويُعظِّمون هذه الضَّلالات الت يروجها ابن عربي وأمثاله -نسأل الله العافية والسَّلامة- وسيأتي مزيد لنقض كلامهم في الحلقة القادمة -إن شاء الله تعالى.
نسأل الله -جلَّ وعلا- أن يُعزَّ دينه، وأن يُعزَّ سنَّة نبيه، وأن يجعلنا من أنصار دينه وسنَّة نبيه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأن يُصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد.
{وفي الختام نشكركم فضيلة الشيخ على ما تقدمونه، أسأل الله أن يجعل ذلك في موازين حسناتكم.
هذه تحيَّةٌ عطرةٌ من فريق البرنامج ومنِّي أنا محدثكم عبد الله بن أحمد العمر، إلى ذلكم الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته}.










رد مع اقتباس