منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - كلمة ( شيخ ) وتطور دلالتها في اللسان العربي
عرض مشاركة واحدة
قديم 2019-02-27, 15:46   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










Flower2 كلمة ( شيخ ) وتطور دلالتها في اللسان العربي


اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



كلمة ( شيخ ) وتطور دلالتها في اللسان العربي

السؤال

سؤالي متعلق ببعض المصطلحات الإسلامية ، وأريد أن أفهم ما إذا كانت بعض الكلمات التي استخدمت في القرآن قد استخدمت خارجه بطريقة مغايرة ، وفي سياق مختلف ، فمثلاً كلمة

: " شيخ " تعني لغوياً الرجل الكبير في السن ، وقد استخدمت في القرآن والسنة بهذا المعنى ، وبما أنه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك حاجة إلى تصنيفات ومسميات لم يُستخدم – حسب فهمي

- هذا المصطلح بطريقة مغايرة إلا فيما بعد ، استخدمه العلماء في سياق علمي محدد مخالف لما هو عليه في السياق اللغوي ، فمثلاً نجد أن هذه الكلمة عند جماهير العلماء تشير إلى شخص بلغ من العلم الشرعي مبلغاً محدداً

ولم يقصد بها الشخص الكبير في السن ، أليس كذلك ؟

ثم ما السياقات الأخرى التي يمكن أن تستخدم هذه الكلمات فيها ؟ كذلك عندما يقول العلماء : " رواه الشيخان " ويقصدون بذلك الإمامين البخاري ومسلم

فهل يقصدون هنا أنهما كانا كبيرين في السن ، أم أنهما بلغا من العلم مبلغا ؟


الجواب

الحمد لله


أولا :

المصطلحات القرآنية ذات أصول لغوية واضحة

ومعلومة لدى العرب في استعمالهم وخطابهم

وغاية ما هنالك أن المصطلح القرآني قد يخصص في بعض الصور ،

أو قد يشكل عرفا جديدا لدلالة تلك الكلمة

بحسب التعريف الشرعي الجديد لها

وإن كان هذا التعريف مشتملا على الأصل اللغوي المعلوم نفسه .

فمثلا كلمة ( الصلاة ) تعني في اللغة " الدعاء "

وهي تطلق في القرآن الكريم على الدعاء وعلى العبادة المعلومة ذات الركوع والسجود والأذكار وبقية الأركان ، وهكذا تشكَّل عهد جديد شرعي لهذه الكلمة

ومع ذلك لم تفقد دلالتها على أصل الدعاء الذي لم تخل منه الصلاة المعروفة .

ثانيا :

وأما كلمة ( الشيخ ) فليس للقرآن الكريم عرف شرعي خاص بها

بل جاءت فيه بالمعنى اللغوي المعروف فيها

والذي ذكره ابن السكيت رحمه الله (ت244هـ) بقوله:

" إذا ظهر به الشيب واستبانت فيه السن فهو شيخ "

انتهى من " الكنز اللغوي " (161)

ينظر : " لسان العرب " (3/31-33)

" تاج العروس " (7/286-289) .

وقد وردت كلمة شيخ في القرآن الكريم في أربعة مواضع بهذا المعنى ، وهي :

قوله تعالى على لسان زوجة إبراهيم عليه السلام : ( قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) هود/72 .

وقوله عز وجل على لسان إخوة يوسف : ( قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) يوسف/78.

وقوله تعالى على لسان الجاريتين اللتين سقى لهما موسى عليه السلام : ( قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ) القصص/23.

وأخيرا قول الله سبحانه : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ) غافر/67 .

جاءت في هذه المواضع جميعها بالمعنى اللغوي الدال على كبر السن .

ثالثا :

ومع ذلك يجوز إطلاق كلمة ( شيخ ) لغةً وعُرفا على مَن يكثر علمه ، ويشتهر بالمعرفة بين الناس

لأن هذا المعنى له علاقة بالمعنى السابق ؛ إذ المشيخة - التي هي كبر السن وتقدمه -

يفترض أن تكون سببا في زيادة العلم ودقة المعرفة ، ولهذا أطلقوا على من حاز المعرفة وصف ( الشيخ )، كما يقول الراغب الأصفهاني رحمه الله : " يقال لمن طعن في السن : ( الشيخ )

وقد يعبّر به فيما بيننا عمن يكثر علمه ، لمَّا كان مِن شأن ( الشيخ ) أن يكثر تجاربه ومعارفه

" انتهى من " المفردات في غريب القرآن " (ص/469) .

وقد أدى إلى هذا الاستعمال الجديد – نسبيا - دخولُ الحراك العلمي على البيئة العربية التي كانت أمة أمية لا تكتب ولا تحسب ، فجاء الإسلام بالعلم والمعرفة

وبدأت النهضة تتمثل بالمعلمين من الصحابة الكرام ، الذين انتشروا في البلاد ، فتتلمذ التابعون عليهم ، وبدأ لقب ( الشيخ ) يتمحور حينئذ في وقت مبكر من التاريخ

بل في عصر الاحتجاج اللغوي ، خاصة بين المحدثين ، إذ لم يتردد أحد منهم في إطلاق وصف ( الشيخ ) على من يؤخذ عنه الحديث ، في مقابلة التلميذ الذي يتلقى الحديث .

رابعا :

هذا وقد أطلق المحدثون كلمة ( الشيخ ) إطلاقات أخرى عدة :

منها : إطلاق عام للتعريف بالراوي بذكر بلده أو عائلته ، ووصفه بالمشيخة إنما يعني انتساب هذا الشخص إلى العلم والرواية ، وإن لم يكن له كبير شهرة فيه

كما قال ابن معين في داود بن علي بن عبدالله : " شيخ هاشمي ، إنما يحدث بحديث واحد "

ينظر " تاريخ ابن معين – رواية الدارمي " (1/108) .

ومنها : الدلالة على التلميذ والمعلم ، كقول الناقد في الراوي : شيخ لفلان ، أو شيخٌ يروي عن فلان ، وخاصة فيما إذا كان التلميذ معروفاً مشهوراً ، وشيخه ليس كذلك

فيعرف الشيخ بأن فلاناً الراوي المشهور من الرواة عنه .

ومنها : إطلاق المحدثين هذا الوصف بقصد الدلالة على عبادة الراوي وصلاحه ، وإن لم يكن له في العلم أي مشاركة ، كما جاء في ترجمة حجاج بن فرافصة الباهلي

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : " سمعت أبي يقول : حجاج بن فرافصة : شيخ صالح متعبد "

كما في " الجرح والتعديل " (3/164) .

ومن أشهر إطلاقات المحدثين لكلمة ( شيخ ) يريدون بها مصطلحا نقديا خاصا يتعرض فيه لذكر مرتبة الراوي ، وتكون فيه كلمة " شيخ " مقرونة مع مصطلح آخر من مصطلحات النقد الحديثي

قد يكون من ألفاظ التعديل ، وقد يكون من ألفاظ الجرح

. وهذا الإطلاق من دقيق ألفاظ الجرح والتعديل التي كتبت فيها الأبحاث المتخصصة في دراستها وتحرير مراد المحدثين بها

. ينظر رسالة دكتوراة بعنوان : " مصطلح شيخ عند المحدثين ، دراسة نظرية تطبيقية في الكتب الستة " ، للدكتور عبدالرحمن مشاقبة ، الجامعة الأردنية ، 2011م.

وهكذا تشكلت أعراف خاصة لكلمة شيخ لدى قطاعات علمية متنوعة ، فالمحدثون إذا قالوا ( رواه الشيخان ) أرادوا بهما البخاري ومسلما

وفقهاء الشافعية إذا قالوا : ( الشيخان ) أرادوا بهما الإمامين الرافعي والنووي ، والحنفية يطلقون ( الشيخين )

على أبي حنيفة وأبي يوسف ، وعند الحنابلة هما الموفق ابن قدامة والمجد بن تيمية .

ينظر كتاب " المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية ".

وهكذا يتفاوت الإطلاق ويتشكل العرف الخاص ، وكلها اصطلاحات تحتملها اللغة ، ولا مشاحة في الاصطلاح .

والله أعلم .

الشيخ محمد صالح المنجد








 


رد مع اقتباس