منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - اثبات النسب
الموضوع: اثبات النسب
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-02-25, 16:01   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 اثبات النسب

إثبات النسب و تأثير التعديل الجديد بالطرق العلمية الحديثة.doc

مقــــــــــــــــــــدمة
إن علاقة الزواج تعتبر من أنبل و أقدس الروابط ، مجدتها الشريعة الإسلامية و إحاطتها بعناية
بالغة ،فهي السبيل الشرعي الوحيد لتكوين أسرة أساسها المودة و الرحمة و المحافظة على الأنساب.
و لان النسب حقيقة كبرى في هدا الوجود جعل الله البشر دوي نسب و دوي مصاهرة ، فذووا النسب هم الآباء و الأمهات و الأبناء و الأعمام و الأخوال ، و دوا المصاهرة هم أقرباء دوي الأنساب، فجعلت له الشريعة السمحاء ضوابط و أحكام ثابتة .

و النسب في اللغة هو القرابة و الالتحاق فنقول مثلا: " انتسب الولد إلى أبيه أي التحق
وفلان يناسب فلان فهو نسيبه أي قريبه"
أما في الشرع فالنسب هو علاقة الدم أو رباط السلالة أو النوع الذي يربط الإنسان بأصوله و فروعه و حواشيه و رباط السلالة هو السبب في تكوين الأسرة ثم العشائر و القبائل و الشعوب و الأمم .
إذا السبب الشرعي هو إلحاق الولد بابيه دينا و قانونا و حضارة ، و يبنى عليه الميراث و ينتج عنه موانع الزواج و يترتب عليه حقوق و واجبات أبوية و بنوية ، أما النسب الغير شرعي فلا يترتب عليه من ذلك شيء إطلاقا .

فالنسب طريقة يبعد العار الذي هو شعور بالذنب بمخالفة الفرد قواعد الحياة التي فطر عليها الإنسان ، و إقرار بنعم الله و جحودها خسران يوم القيامة حيث اوجب الشارع سبحانه و تعالى نسبة الشخص الى أصله و منع المغالطة و الجحود بهدف مخالفة ما قضى الله به و جعله سنة في خلقه و من ثم كان اهتمام الإسلام بإثبات النسب و تبيان حكمه أتم بيان.

حيث حرص على أن ينسب الولد لأبيه لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: "الولد للفراش
و للعاهر للحجر " و لذلك يجعل النسب يتبلور في دائرة الأسرة التي تقوم على النكاح المشروع ، فتحفظ الأنساب و تقوم على العفة ، و بالتالي يكون الشارع قد شدد الخناق على كل ما يعكر صفو النسب و تخليصه مما يلتصق به من لصائق و لواحق ، و كذا إبطال الطرق الغير مشروعة التي كانت شائعة في الجاهلية من تبني و إلحاق الأولاد عن طريق الفاحشة ففي قوله تعالى فيما يخص التبني: "وما جعل ادعياكم أبناءكم ذلك قولكم بأفواهكم، و الله يقول الحق و يهدي السبيل ، ادعوهم لآبائهم هو اقسط عند الله فان لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين و مواليكم " .(1)
(1) سورة الأحزاب الآية 4 و5 .




و الأساس في النسب هو إثباته ، فان كان الميلاد واقعة فان النسب إثبات ، و إذا كان المولود
وجودا فان النسب انتماء.
وقد سارت على هذا الدرب جل التشريعات العربية عامة و التشريع الجزائري خاصة ، و نضمه
المشرع في المواد من 40 إلى 46 من قانون الأسرة ، وقد نصت المادة 40 من قانون الأسرة الجزائري على طرق إثبات النسب و حددتها بكل من الزواج الصحيح، و الفاسد و الدخول بالشبهة و الإقرار و البينة ، ومع اصطدام إحكام إثبات النسب التي نضمها المشرع ثم القانون تنظيما دقيقا و محكما بالتطورات و الاكتشافات العلمية خاصة منها في المجال الطبي و البيولوجي كان على المشرع أن يتماشى و هذا التطور العلمي فكانت هذه المادة محل تعديل بموجب الأمر 05-02 المؤرخ في 27 فبراير 2005 حيث تم استبدال في نص المادة "حرف الواو " ب-أو- في الفقرة الأولى حتى لا يفهم أن إثبات النسب يقتضي مجموع أدلة الإثبات مجتمعة فكان حرف الواو حرف عطف يفيد الربط و التثبيت و "أو" تفيد التخيير، كما هو مقتضاها اللغوي ثم جاءت الفقرة الثانية و هي الجانب الجديد في التعديل (1) ، أين تم إضافة الطرق العلمية الحديثة كوسيلة لإثبات النسب متى كانت العلاقة شرعية ، وهو ما اعتبره البعض قفزة نوعية تبناها المشروع الجزائري مواكبة للتطور الذي شهده هذا المجال .

إلا أن هذا الأمر لم يخلو أبدا من التعقيدات و الترسبات التي طفت بسبب الفقهاء الذي يرجع إلى
عدم تحديد تفسير جامع مانع بمعاني هذه النصوص القانونية من جهة ، و إطلاق العنان للاجتهاد في هذا المجال رغم الخطورة التي تعتريه فنتج عن هذه القفزة التشريعية فتح أبواب التناقض بدلا من حسم النزاع فلا هو حدد مفهوما لمعنى الطرق العلمية طبقا لأحكام المادة 40 من الأمر 05/02 المعدل و المتمم لقانون الأسرة ، كون أن هذه الطرق
تخضع إلى عدة تصنيفات تجمع بين الظنية منها و القطعية ، و لا هو حدد أنواع هذه الطرق حتى لا تفتح المجال للقاضي للتناقض فيما يترتب عنها من حجية قد تخضع لها سلطته التقديرية .
و أمام هذا التكتل فقد توصل البعض إلى القول بضرورة تدخل المشرع بحصرها و تقنينها
عن طريق التنظيم كحل أولي يقيد القاضي في عدم التوسع فيها ، و ما قد يقف أمامه كعائق نظرا لحجية الخبرة الطبية المبنية على أسس علمية، و المحررة من طرف أطباء مختصين لهم باع كبير في مجال إثبات النسب بهذه الطرق .


(1) بن داود عبد القادر الوجيز في شرح قانون الأسرة الجديد ص 109




لذلك كان لازما علينا الإجابة على مجموعة من الإشكالات التي بلورت فكرة إثبات النسب
بصفة عامة و تأثير الطرق العلمية الحديثة بالمفهوم الذي جاء به المشرع و لو كان قاصرا من حيث المفهوم من خلال الإشكاليات التالية :

1- ما هي القواعد المحددة لثبوت النسب في القانون الجزائري ?

2- ما هي الجوانب الايجابية و السلبية التي تطرحها فكرة الطرق العلمية الحديثة التي أضافها المشرع

بموجب الأمر 05/02 ?

3- هل يمكن تحديد تفسير لمعنى الطرق العلمية الحديثة من خلال الحجية و سلطات القاضي في تقديرها?

و إجابة لهذه الإشكالات عالجنا هذا الموضوع من خلال الخطة التالية :

















خــــــــــــطة البحـــــــــــث

مقدمة
الفصل الأول : ثبوت النسب بالفراش.

المبحث الأول : ثبوت النسب بالزواج الصحيح و ثبوته بعد فرقة الزوجين
المطلب الأول : ثبوت النسب بالزواج الصحيح.
المطلب الثاني : ثبوت النسب بعد الطلاق أو وفاة الزوج .
المبحث الثاني : ثبوت النسب بالزواج الفاسد و بنكاح الشبهة .
المطلب الأول : ثبوت النسب بالزواج الفاسد.
المطلب الثاني : ثبوت النسب بنكاح الشبهة.

الفصل الثاني : ثبوت النسب بالإقرار و البينة و بالطرق العلمية الحديثة.

المبحث الأول : ثبوت النسب بالإقرار و البينة .
المطلب الأول : ثبوت النسب بالإقرار .
المطلب الثاني : ثبوت النسب بالبينة .
المبحث الثاني : ثبوت النسب بالطرق العلمية الحديثة.
المطلب الأول : تكريس الطرق العلمية لإثبات النسب .
المطلب الثاني : القيمة القانونية للطرق العلمية.

خاتمة :
المراجع:


الفصل الأول : ثبوت النسب بالفراش :

يثبت النسب بالزواج سواء كان رسميا أو عرفيا ، و بالتالي يخضع الزواج العرفي لنفس قواعد
الزواج الرسمي عند إثبات النسب ، أي أن النسب يثبت بأربعة طرق هي : الفراش ، الإقرار البينة و الطرق العلمية و يجوز إثباته بكافة طرق الإثبات دون اشتراط تواجد الوثيقة الرسمية فالزواج العرفي إذا استوفى أركانه الشرعية و لا ينقصه إلا إثباته في وثيقة رسمية يثبت به النسب (1) هذا يعني أن المشرع الجزائري لا يزال يعترف بالزواج العرفي استنادا للمادة 22 من قانون الأسرة الجزائري "يثبت الزواج بمستخرج من سجل الحالة المدنية، و في حالة عدم تسجيله يثبت بحكم قضائي .

يجب تسجيل حكم تثبيت الزواج في الحالة المدنية بسعي من النيابة العامة " فالإقرار بالزواج
العرفي و الحكم بثبوته يعتبر كل منهما كاشفا للنسب لا منشأ له .
فالزوجية إذا السبب الأساسي في ثبوت النسب من جهة الأبوة لقول رسول الله (ص):
" الولد للفراش و للعاهر الحجر" و العاهر هو الزاني و له الحجر أي له عقوبة الرجم .
ثبوت النسب من الآثار المهمة التي تترتب عن الزواج لذلك من حق الأولاد يثبتوا نسبهم
إلى والدهم ،فالمولود يتمتع منذ ولادته بنسب أبيه و لا يهم مطلاقا إثبات هذا النسب وقت الميلاد أو
بعده (2).
فإذا كان نسب الولد إلى أمه ثابت في كل الأحوال سواء كانت الولادة شرعية أو غير شرعية ،
فان نسب الولد إلى أبيه ليس دائما سهلا كسهولة نسبه إلى أمه ذلك أن الشريعة الإسلامية و القانون لم يجعل من طريقة إثبات نسب الولد لأبيه إلا ما نصت عليه المادة 40 من قانون الأسرة الجزائري .
يثبت النسب بالزواج الصحيح أو بالإقرار أو بالبينة أو بنكاح الشبهة أو بكل زواج تم فسخه بعد الدخول طبقا للمواد 32 و33و34 من هذا القانون و يجوز للقاضي اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات النسب "
كما تضيف المادة 41 منه على انه: "ينسب الولد لأبيه متى كان الزواج شرعيا و أمكن الاتصال و لم ينفه بالطرق الشرعية"
ومن استقراء نص المادتين 40 و 41 يتبين لنا أن المشرع نظم ثبوت النسب بناء على وجود

(1) د/ هلال يوسف إبراهيم أحكام الزواج العرفي للمسلمين و غير المسلمين من الناحية الشرعية و القانونية سنة 1995 ص 82 .
(2) في حالة الزواج الرسمي هناك المادة 61 من قانون الحالة المدنية تنص "يصرح بالمواليد خلال 5 أيام من الولادة إلى ضابط الحالة المدنية للمكان و .........."



الزوجية سواء بالزواج الصحيح أو الفاسد أو بنكاح الشبهة و بالإقرار و البينة و بالطرق العلمية متى
التفت أسباب النشوء مع إمكانية الاتصال بين الزوجين و عدم نفي الولد بالطرق المشروعة .

أما المادة 43 من نفس القانون نصت على حالة ثبوت النسب من الأب بعد الفرقة من طلاق
أو وفاة :"ينسب الولد لأبيه إذا وضع الحمل خلال 10 أشهر من تاريخ الانفصال أو الوفاة ".
و تفصيلا لكل هذا قسمنا هذا الفصل إلى مبحثين : نتعرض في الأول إلى ثبوت النسب بالزواج الصحيح و بعد فرقة الزوجين وفي الثاني إلى ثبوته بالزواج الفاسد و بنكاح الشبهة .

المبحث الأول : ثبوت النسب بالزواج الصحيح و ثبوته بعد فرقة الزوجين :

ما الزواج في حقيقته إلا تنظيم لصلات الرجال و النساء على شكل معين وفق نظام خاص و
الذي ينتج عنه الإنجاب الشرعي الذي يؤدي إلى تكاثر النوع البشري و استمرار الوجود الإنساني لذا شرع الله العلاقة الزوجية وسيلة للاستقرار و التناسل ، و هذه العلاقة لا تتم إلا في إطار عقد حددت الشريعة و القانون أركانه و شروطه ، و العقد الصحيح هو السبب الشرعي لثبوت نسب الولد ،أثاء قيام الزوجية أو بعد الفرقة بين الزوجين سواء من طلاق أو وفاة.

المطلب الأول : ثبوت النسب بالزواج الصحيح
الفرع الأول : ثبوت نسب المولود عند قيام الزوجية :
لقد عرف المشرع الجزائري الزواج في المادة 4 من قانون الأسرة الجزائري بأنه "عقد رضائي
يتم بين رجل و امرأة على الوجه الشرعي ، من أهدافه تكوين أسرة أساسها المودة و الرحمة و التعاون و إحصان الزوجين و المحافظة على الأنساب "أما المادة 09 و 09 مكرر منه فقد نصتا على التوالي :
"ينعقد الزواج بتبادل رضا الزوجين"
" يجب أن تتوفر في عقد الزواج الشروط الآتية :
-أهلية الزواج
-الصداق
-الولي
-شاهدان


-انعدام الموانع الشرعية للزواج "
كما ونصت المادة 40 من نفس القانون على انه : "يثبت النسب بالزواج الصحيح......" و الزواج
الصحيح هو الذي تتوافر فيه أركان الانعقاد و شروط الصحة .
إذن إثبات نسب الولد بالفراش لا يحتاج إلى إقرار أو بينة ،لان الزوجية و هي مع زوجها بعقد صحيح يملك وحده حق الاستمتاع بها و حرام عليها أن تمكن غيره من هذا الاستمتاع و الأصل في الإنسان الأمانة و الاستقامة(1).
و ذلك يستخلص من المادة 36 من قانون الآسرة الجزائري التي تنص
" يجب على الزوجين : المحافظة على الروابط الزوجية و واجبات الحياة المشتركة......."

لكن في الميدان العملي فان الاستمتاع الذي شرع لأغراض معينة بينها الشرع و التشريع ،قد
يعترضه ما يحول دون تحقيق أهدافه الشرعية فقد تكون الزوجة كرهة لزوجها الأمر الذي يؤدي بها إلى إقامة علاقة غير شرعية ،المشكلة الأساسية تتمثل في ثبوت النسب عند حمل المرأة هل هو من زوجها ? أم انه ابن زنا أي من رجل آخر ? خاصة و إن الاكتشافات الحديثة للعلوم الطبية و البيولوجية أصبحت تلعب دورا مهما في تحديد نسب الطفل (2) الأمر الذي جعل المشرع الجزائري يدرج الطرق العلمية الحديثة كوسيلة لإثبات النسب متى كانت العلاقة شرعية ضمن نص المادة 40 من قانون الأسرة وهذا تماشيا مع التطور العلمي لوسائل الإثبات.
فمن زاوية القانون يعتبر النسب من أهم الحقوق التي تثبت للمولود لهذا حرمت الشريعة
الإسلامية و بعدها المشرع الجزائري الزنا و ابن الزنا يعد ولدا غير شرعيا لا يكتسب نسب
والده ،و المشرع حفاظا على كرامة الطفل ،أكد إلحاق الولد بابيه كل ما أمكن ذلك لان الأصل عنده نسبة الولد إلى فراش الزوجية و سار القضاء في نفس الاتجاه حيث جاء في قرار للمحكمة العليا انه "من المقرر قانونا ان يثبت النسب بالزواج الصحيح و ينسب الولد لأبيه متى كان الزواج شرعيا و أمكنه الاتصال....." (3) لكن و بالرغم من الوسائل المتعددة لإثبات النسب فالمشرع أجاز للزوج نفي النسب بالطرق المشروعة(المادة41) و لهذا فان ثبوت النسب بالزواج الصحيح يتطلب مجموعة من الشروط نتطرق لها بالتفصيل في الفرع الموالي.


(1) احمد محمود الشافعي الطلاق و حقوق الأولاد و الأقارب طبعة 1987 ص 141
(2) د/تشوار الجيلالي الزواج و الطلاق تجاه الاكتشافات الحديثة للعلوم الطبية و البيولوجية طبعة 20001 ص
163
(3) المحكمة العليا غ ا ش قرار في 20-10-98 رقم الملف 204821 المجلة القضائية عدد خاص 2001 ص



الفرع الثاني : شروط ثبوت النسب بالزواج الصحيح :

أولا: إمكانية الاتصال بين الزوجين :

وفقا لأحكام المادة 41 من قانون الأسرة الجزائري فانه من ضمن ما يشترط لإثبات نسب المولود
من أبيه أن يمكن الاتصال بين الزوجين ،فالمادة صريحة بالأخذ بما ذهب و استقر عليه جمهور الفقهاء من ان النسب يثبت بالعقد مع إمكان الدخول ، إلا أن الأحناف لم يشترطونه في الزوجين و يكفي عندهم العقد لإثبات نسب من يأتي بعده في المدة المشروعة و قد وضع كل من الفريقين رايه فيما يلى :
1- جمهور الفقهاء :
ذهبوا إلى أن الفراش يحدث بالعقد فالعقد الصحيح هو السبب في ثبوت النسب بشرط إمكان
الدخول، و يضيف المالكية الإشهاد على ذلك إذا وقع الفراق قبل الدخول و كان عدم الدخول ثابتا بالطرق الشرعية و لا يثبت النسب مثلا :إذا عقد رجل بالمشرق على امرأة بالمغرب ، ولم يكن قد حصل بين الزوجين تلاقي ظاهر و أكد الزوج انه لم يصل إليها،فلا نسب بين الزوج و الولد الذي أتت به الزوجة لكون الحمل ليس منه قطعا و هذا الحكم يوافق المالكية و الشافعية و يخالفهم في ذلك مذهب الحنيفة(1).
2- المذهب الحنفي :
يرى أن العقد الصحيح فراشا و لا حاجة لإمكان الاتصال ، و وجوده يكفي لان الاتصال لا
يطلع عليه بخلاف العقد ، و الواقع أن إثبات النسب من تاريخ العقد عند الحنفية و أن لم يتحقق الدخول أو الوطء ،إنما يقصد به حماية الولد من الضياع و ستر العرض و منع مشكلة اللقطاء، فالولد يلحق بمن له زوجية صحيحة ،مثلا عندهم لو أن رجل تزوج بامرأة و لم يلتقي بها لمدة سنة ، فولدت بعد 6 أشهر من تاريخ الزواج ثبت النسب لاحتمال تلاقيها لان الإمكان المطلوب عندهم الإمكان العقلي(2)
3- وقد ذهب ابن تيمية : إلى أكثر من ذلك فقد اشترط الدخول المحقق أي لا يثبت الفراش الا بمعرفة الدخول الحقيقي مستند إلى ما قاله الإمام احمد و حجته في ذلك إن العرف و أهل اللغة لا يعدون المرأة
فراشا إلا بعد البناء بها(3).


(1) د/ سعد فضيل الشرح قانون الأسرة الجزائري في الزواج و الطلاق طبعة 1986 ص 213
(2) عبد العزيز عامر الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية فقها و قضاءا سنة 1976 ص 16
(3) احمد عمراني أحكام النسب بين الإنجاب الطبيعي و التلقيح الاصطناعي رسالة الماجستير في القانون الخاص سنة 2000 ص 24

ثانيا : ولادة الولد بين اقل و أقصى مدة الحمل :
يحتاج الجنين إلى البقاء في بطن أمه مدة يتكون فيها بناؤه و يكمل خلقه وتتم أعضاءه حتى
يخرج إلى الحياة بشرا سويا ،و من المعلوم أن النساء يلدن ل(09) أشهر و غالبا ما تنقص امرأة عن ذلك و نادرا ما تزيد . و ما استقر عليه المشرع الجزائري أن أدنى مدة الحمل هي ستة أشهر و أقصاها عشرة أشهر،و هذا ما جاء به في قانون الأسرة، حيث نصت المادة 42 منه على أن: "اقل مدة حمل ستة أشهر و أقصاها عشرة أشهر" و هذا ما استقرت عليه المحكمة العليا في قرارتها حيث جاء قرار صادر عن غرفة الأحوال الشخصية في 19/05/98 ملف رقم 193825 انه : " من المقرر شرعا أن الزواج في العدة باطل و من المقرر قانونا ان اقل مدة الحمل ستة أشهر و أقصاها عشرة أشهر....".
و بالتالي علينا تفصيل مسألتي أدنى مدة للحمل و أقصاها.

- اقل مدة الحمل 06 أشهر دليل ذلك آيتين كريمتين من القران الكريم ففي سورة الاحقاف (الاية 15) قال الله تعالى "و وصينا الإنسان بوالديه إحسانا ،حملته أمه كرها،ووضعته كرها و حمله و فصاله ثلاثون شهرا....."
و في سورة لقمان الآية(14) قال تعالى : "ووصينا الإنسان بوالديه،حملته أمه وهنا على وهن،
و فصاله في عامين....." فمن هاتين الآيتين الكريمتين يثبت أن مدة الحمل و الرضاع ثلاثون شهرا فإذا أسقطنا منها مدة الرضاع عامين أي أربعة و عشرين شهرا بقيت مدة ستة أشهر، و هي اقل مدة الحمل و هذه المدة الأقل جاءت الأبحاث الطبية الحديثة تؤيدها و تؤكد إن المولود الذي تضعه أمه بعد حمل ستة أشهر قابل للحياة شانه شان أي مولود آخر يولد بعد حمل ستة أشهر(1).

- أقصى مدة الحمل : أما هذه الأخيرة فقد اختلف فيها الأئمة و لهم في ذلك قولان (2)

القول الأول : هو لابو حنيفة ، وحاصله أن أكثر مدة الحمل سنتان ، و سنده في ذلك حديث روي عن عائشة رضي الله عنها "ما تزيد المرأة في الحمل على سنتين قدر ما يتحول ظل عمود المغزل"
القول الثاني : وهو قول الأئمة الثلاثة مالك و الشافعي و ابن حنبل و حاصله في ذلك ما رواه الدار القطني عن مالك بن انس انه كان يقول: "هذه جارتنا امرأة محمد ابن عجلان امرأة صدق و زوجها رجل صدق


(1) سميح عاطف الزين العقود طبعة 1994 ص 184
(2) محمد محي الدين عبد الحميد الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية الطبعة الأولى 1984 ص 358


حملت 3 أبطن في اثنتي عشر سنة ، كل بطن في أربعة سنين".
لكن كلها أقوال متباينة و متباعدة لم يرد عليها نص لا في القران الكريم و لا في السنة
النبوية ، بينما المشرع الجزائري حددها بعشرة أشهر كما جاء به في المادة 42 المذكورة سابقا.
أما عن بداية حساب اقل و أقصى مدتي الحمل تكون من تاريخ توافر عقد الزواج الصحيح و إمكانية الاتصال بين الزوجين فلا يمكن الاعتداد بتاريخ إبرام عقد الزواج فقط.

* و بعد الحمل: تأتي الولادة كإثبات لواقع اللقاء الجنسي بين أنثى و ذكر كانا سببا في نتاج طفل، و السبب لا ينظر في ثبوته إلا بعد تحقق الولادة و تعيين المولود ،لكن الحمل بهذا المفهوم (الإنجاب الطبيعي) أي الناتج عن الاتصال الجنسي الطبيعي بين الزوجين اخذ أبعادا أخرى في وقتنا المعاصر،فلما كانت الأمومة و الأبوة أمر فطري في الإنسان واجه العلم مشكل العقم حيث توصل إلى إيجاد حل بديل عن الإنجاب الطبيعي فظهرت تقنية التلقيح الاصطناعي إلا أن هذا الأخير قد احدث تساؤلات و استفسارات عن سبب الأطفال المولودين بهذه الكيفية بالنظر إلى أحكام النسب المحددة شرعا و قانونا.
مما جعل المشرع ينص في قانون الأسرة الجديد إلى جوازية اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي
بموجب المادة 45 مكرر و لكنه اعتمد شروطا ضرورية أولها انه لا يمكن اللجوء للتلقيح الاصطناعي إلا في إطار عقد زواج شرعي و الذي يعطي العملية أساسها القانوني.
- لهذا ارتأينا ضرورة التطرق تحت هذا العنوان إلى مسالة الإنجاب بواسطة التلقيح الاصطناعي و شروطه كونها من المستجدات التي أدرجها المشرع ضمن قانون الأسرة الجديد.

ثالثا: ثبوت النسب بواسطة التلقيح الإصطناعي :

أمام تعدد طرق حمل المرأة بعدما كان الإنجاب ينحصر في مفهومه الطبيعي فقط ظهر
الإنجاب الاصطناعي و حمل المرأة بواسطة التلقيح الاصطناعي،هذا بالإظافة الى إرتفاع عدد الراغبين في عملية التلقيح خاصة التلقيح خارج الرحم و نذكر على سبيل المثال ما تشهده عيادة" الفرابي بعنابة" حيث يوجد على مستواها 200 ملف لنساء يعانون من العقم ينتظرون دورهن لإجراء هذه العملية التي تعتبر بالنسبة لهن الأمل الوحيد في تحقيق حلم الأمومة ، فمع هذا الانقلاب العلمي و الاجتماعي وضع المشرع الجزائري ايطار قانوني و ضوابط من شانها تنظيم اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي بشكل يجعلها تتماشى و أحكام الشريعة الإسلامية و تحريم أية علمية تستدعي تدخل طرف أجنبي عن العلاقة الشرعية ، هذا و قد كرس المشرع الجزائري في نص المادة 45 مكرر من قانون الأسرة الجديد حق اللجوء إلى


التلقيح الاصطناعي باعتباره احدث الوسائل العلمية للإنجاب مؤكدا على انه لا يمكن اللجوء إليه إلا في ايطار وجود عقد زواج الذي يعطي الأساس القانوني للعملية و منع اللجوء للأمم البديلة ، هذا كله باعتبار أن هذه الحالة هي من مستجدات العصر و من أمهات مسائل الفقه الجديدة و قد اعتمدت معايير و حددت شروط لا تتعارض مع أحكام الشرع و لا الطب.

أولا : شروط اللجوء إلى عملية التلقيح الاصطناعي :
عملية التلقيح الاصطناعي هي إدخال البذور الذكرية في الجهاز التناسلي للمرأة بغير الطريق الطبيعي ، وهذه العملية الحساسة تتم بكيفيتين هما التلقيح الداخلي و التلقيح الخارجي إلا انه و تنظيما لكل هذا ضبط المشرع هذه العملية بشروط وردت في نص المادة 45 مكرر من قانون الأسرة و هي :

1-أن يكون الزواج شرعيا :
أي أن يثبت الزواج الصحيح بين الزوجين و وجود عقد زواج يعطي العملية أساسها القانوني وقد سبق التطرق إلى هذه النقطة أي الزواج الشرعي في الفرع الأول.
2- أن يكون التلقيح برضى الزوجين و أثناء حياتهما :
و قد وضع هذا الشرط حتى يلجأ الناس الى استعمال بنوك النطاف المجمدة و ما قد ينجر عنها
من فساد و اختلاط في الأنساب و تحايل من جهة , و نظرا لكون العلاقة الزوجية تنقضي بالوفاة من جهة أخرى ,و بالتالي لا يجوز أن تلقح المرأة بنطاف زوجها تلقيحا اصطناعيا و يلحق به النسب و العلاقة الزوجية تكون قد انتفت أو انتهت كما أنه لا نسب بعد الوفاة أو أقصى مدة الحمل و التي هي عشرة شهور وفقا لأحكام قانون الأسرة لا سيما المادة 43 من قانون الأسرة(1).
3- أن يتم بمني الزوج وبويضة رحم الزوجة دون غيرهما :
أجاز المشرع التلقيح الصناعي بالوسائل العلمية الحديثة باستعمال ماء الزوجين فقط حفاظا
على حرمة النسب و شرعيته و الذي كان قد أفتى بجوازه الشيخ أحمد حماني عليه رحمة الله منذ 1973 ,ولم يكن منفردا برأيه ولا بفتواه إذا اعتمدت توصيات اللجنة الوطنية لمراجعة قانون الأسرة على مبادئ الاجتهاد الجماعي سيما اجتهاد مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان الأردن أيام :11-16 أكتوبر 1986 بموجب قرار رقم 16 (04/03) الذي قرر جواز التلقيح الاصطناعي شرعا بطريقتين و حرمت ما عداها بعد الاستماع لشرح الخبراء و الأطباء و الطريقتان اللتين لا حرج من


(1) بن داود عبد القادر ،الوجيز في شرح قانون الأسرة الجديد ، ص 113



اللجوء إليهما هما وفقا لمنطوق قرار مجمع الفقه الإسلامي (1).
1- أن تأخذ نطفة من الزوج و بويضة من زوجته و يتم التلقيح خارجيا ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة.
2- أن تأخذ بذرة الزوج و تحقن في الموضع المناسب من مهبل زوجته أو رحمها تلقيحا داخليا.

ثانيا : مسألة تخلف إحدى شروط عملية التلقيح الإصطناعي :
عندما أباح المشرع الجزائري اللجوء إلى عملية التلقيح الإصطناعي بموجب الأمر 05/02 المعدل والمتمم لقانون الأسرة ،وضع شروطا سبق تبيانها على الوجهالذي ذكرناه ،إلا أنه لم يوضح الجزاء المترتب على تخلف إحدى هذه الشروط الواردة في المادة 45 مكرر ،نضرا لإعتبارها شروطا في غاية الأهمية تجعل التفكير عن الاثار المترتبة على تخلفها في غاية الدقة ،ومن تمة كان لا بد من التساؤل عن هذه المسألة.
فلو تصورنا مثلا أن عملية التلقيح الإصطناعي قد تمت من غير مني الزوج أو من دون عقد زواج شرعي أو بتخلف شرط موافقة الزوج الصريحة فما أثر ذلك ? وما موقف المشرع الجزائري في هذه المسألة?
في حقيقة الأمر أن المشرع الجزائري قد وضع إيطارا قانونيا لميألة التلقيح الإصطناعي دون أن
يفكر فيما يرتبه تخلف إحدى شروطه من اثار على العلاقة الزوجية من جهة أولى وبالنسبة لثبوت ونفي
النسب في هذه الحالة لهذا ذهب الدكتور أحمد الجودي إلى القول أن النسب في حالة التلقيح الإصطناعي بغير ماء الزوج يأخذ حكم الولد الذي ينشأمن الزنا وهو ما يجعل نفيه واجبا طبقا للأحكام الشرعية(اللعان) كما أن بعض التشريعات سلكت مسلكا مخالفا لما ذهب إليه المشرع الجزائري، بحيث رتبت جزاء على كل عملية إستدعت تدخل طرف أجنبي عن العلاقة الشرعية كما هو الشأن بالنسبة للمشرع الليبي الذي دعى إلى تجريم التلقيح الإصطناعي في حالة ما إذا كانت الحيوانات المنوية من غير زوج المرأة ،في المادتين 403 مكرر (أ) و403 مكرر(ب) من قانون العقوبات الليبي (2) .



(1) قرارات و توصيات مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة ،للدورات 1-10 القرارات 1-97 عن منشورات دار القلم بدمشق و مجمع الفقه الإسلامي بجدة ،الطبعة 02 سنة 1998.
(2) د/إدوار غالي الذهبي ،دراسات في قانون العقوبات المقارن،جريمة التلقيح الإصطناعي في قانون العقوبات الليبي ، ص131
المادة 403 مكرر(أ) و 403 مكرر (ب) ،نشر هذا القانون،رقم 175 الصادر عن مجلس قيادة الثورة في الجريدة الرسمية، عدد 61 بتاريخ 23/12/1972 .


النسب في هذه الحالة لهذا ذهب الدكتور أحمد الجودي إلى القول أن النسب في حالة التلقيح الإصطناعي بغير ماء الزوج يأخذ حكم الولد الذي ينشأمن الزنا وهو ما يجعل نفيه واجبا طبقا للأحكام الشرعية(اللعان) كما أن بعض التشريعات سلكت مسلكا مخالفا لما ذهب إليه المشرع الجزائري، بحيث رتبت جزاء على كل عملية إستدعت تدخل طرف أجنبي عن العلاقة الشرعية كما هو الشأن بالنسبة للمشرع الليبي الذي دعى إلى تجريم التلقيح الإصطناعي في حالة ما إذا كانت الحيوانات المنوية من غير زوج المرأة ،في المادتين 403 مكرر (أ) و403 مكرر(ب) من قانون العقوبات الليبي (1) .
فقد جاء في نص المادة 403 مكرر (أ) أنه :"كل من لقح إمرأة تلقيحا صناعيا بالقوة أو التهديد أو الخداع يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات..... وتكون العقوبة السجن لمدة لا تزيد على خمسة سنوات إذا كان التلقيح برضاها ،وتزاد العقوبة بمقدار النصف إذا وقعت الجريمة من طبيب أو صيدلي أو قابلة أو أحد معاونيهم "

أما المادة 403 مكرر (ب) فتنص على أنه :" تعاقب المرأة التي تقبل تلقيحها صناعيا أو تقوم بتلقيح نفسها صناعيا بالسجن مدة لا تزيد عن خمس سنوات، و يعاقب الزوج بذات العقوبة المنصوص عليها في الفقرة السابقة إذا كان التلقيح بعلمه ورضاه وسواء وقع التلقيح من الزوجة أو من الغير"
لذلك كان على المشرع التفكير في وضع إيطار جزائي لمثل هذه المخالفات كأثر يترتب على تخلف هذه الشروط التي تكتسي أهمية بالغة مثلما ذهبت إليه باقي التشريعات .

4- لا يجوز استعمال الأم البديلة :

رأي المشرع منع استعمال الأم البديلة ، حتى لا تتحول الأمومة إلى سلعة تؤجر و تستأجر ،
لأن الأمومة ليست فقط علاقة بيولوجية بل معنى الأمومة إنما يكمن في الحمل أساسا ، لذلك قال تعالى :ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن "(1) وقال "حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله و فصاله ثلاثون شهرا" (2).فربط القران الكريم بين الحمل و الأمومة فالتي تحمل هي الأم و ليست من تمنح البيضة لغيرها لقاء أجر معين ،فتعين من باب سد الذرائع و درأ المفسدة بمنع الأم البديلة مهما كان في هذه الطريقة من مصلحة آتية لان المفسدة فيها أكبر (3).


(1) الآية 14 من سورة لقمان.
(2) الآية 15 من سورة الأحقاف.
(3) بن داود عبد القادر،الوجيز في شرح قانون الأسرة الجديد ص113.

رابعا :عدم نفي الولد بالطرق المشروعة :

المشرع الجزائري لم يورد عبارة اللعان صراحة في المادة 41 من قانون الأسرة غير أن
عبارة اللعان وردت في المادة 138 من نفس القانون :"يمنع من الإرث اللعان و الرد".
فيستخلص من عموم عبارة "لم ينفه بالطرق المشروعة" انه رغم الحالات التي ذكرت في
المادة 40 من قانون الأسرة الجزائري لثبوت النسب إلا أن المشرع أجاز للزوج نفيه بالطرق المشروعة فطبقا للقواعد و الأحكام الشرعية العامة ،حين يظهر حمل الزوجة و تبين للزوج أنه زنى زوجته ،يحق له
أن يدعي أن هذا الحمل ليس منه ،أما إذا مضى وقت طويل نسبيا بعد الحمل أوالوضع فانه لا يقبل منه نفي نسبه،وعلى هذه المبادئ سار القضاء الجزائري في أحكامه ،وقد جاء في قرار للمحكمة العليا:"اللعان لا يتم أمام المحاكم بل مكانه المسجد العتيق ولا يصبح من غيره ولا يصبح في غيره من المساجد ،وفي أجل محدد لا يتجاوز 08 أيام من يوم العلم بالحمل الذي يراد نفيه"
هذا ما استقر عليه اجتهاد المحكمة العليا ،مع أن الإمام مالك رضي الله عنه ،فقد حدد بيوم
واحد من يوم العلم و الإسقاط الحق في المطالبة باللعان سواء لرؤية أو لنفي الحمل (1)
أما عن كيفية إجراء الملاعنة بين الزوجين فانه إذا تبين للزوج احتمال خيانة زوجته له و يريد نفي المولود الذي أتت به بين أدنى و أقصى مدة الحمل أثناء قيام الزوجية فليس له إلا أن يرفع دعوى اللعان أمام المحكمة وبعد تعيين جلسة سرية يحضرها الزوج و الزوجة ويعرض كل منهما حججه و ادعاءاته وإذا أصر الزوج على اتهام الزوجة بالزنا فان القاضي يأمره بالملاعنة وهي أن يحلف ويقول أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميتها به ويكرر هذا أربع وفي الخامسة يقول أن لعنة عليه أن كان من الكاذبين ،ثم يأمر الزوجة بعد ذلك أن تحلف و تقول أشهد بالله أنه لمن الكاذبين وتكررها أربع مرات وفي المرة الخامسة تقول :"أنه غضب الله عليها إن كان من الصادقين" و بعد الانتهاء من هذه الصيغة الشرعية يثبت القاضي ذلك في حكمه ويقرر التفريق بينهما حالا بطلقة بائنة.(2)

أما حكم الامتناع عن اللعان من الناحية القانونية :
فان امتناع الزوج عن اللعان يعرضه للمتابعة بتهمة القذف تطبيقا لأحكام المادة 296
من قانون العقوبات،أما المادة 298 فتحدد العقوبة بالحبس من 5 أيام إلى 6 أشهر وبغرامة من 150 إلى 1500دج أو بإحداها.
أما إذا كان الامتناع عن اللعان من الزوجة فان أحكام المادة 341 من قانون العقوبات نصت على
1) رسالة قانونية ،سنة 2002 ، ص15 ،قرار المحكمة العليا ،غ أ ش مؤرخ في 28/10/97
(2) أحمد عمراني ،أحكام النسب بين الإنجاب الطبيعي والتلقيح الإصطناعي ، رسالة ماجستير في القانون الخاص ،سنة 2000 ص 80 .

أن تهمة الزنا لا تثبت إلا بثلاث وسائل ،بموجب محضر يحرره أحد رجال الضبط القضائي في حالة تلبس أو بإقرار وارد في رسائل أو مستندات صادرة عن المتهم أو إقرار قضائي ،ومن تم فانه بعدم توفر أحد هذه الأمور الثلاثة لا يمكن متابعة الزوجة بتهمة الزنا ،أو تفسير نكولها عن اللعان بأنه اعتراف ضمني منها بالزنا.
وعليه فإذا استطاع الزوج تقديم الدليل المذكور أعلاه فلا لعان حيث أن الزنا ثابت و اللعان
ما شرع إلا عندما لا يمكن للزوج أن يثبت الزنا بالدليل المطلوب ’لذا يمكنه قانونا رفع دعوى
اللعان أمام القضاء وقد حكم بأنه عند انعدام البينة على جريمة الزنا ،يستوجب اللعان بين الطرفين.

وتجدر الملاحظة في هذا المجال أن نفي الولد بالطرق المشروعة قد فتح أمام التعديل الذي
طرأ على المادة 40 بموجب الأمر 05/02 ،فيما يخص الطرق العلمية كوسيلة من وسائل هذا النفي ،باعتبارها من الطرق العلمية المشروعة لنفي النسب ،ذلك أن مفهوم المخالفة في ذلك أن استعمال هذه الوسائل لإثبات النسب يقتضي بالضرورة ،ومن باب أولي استعمل كذلك للنفي ،ما دامت تؤدي إلى نفس النتيجة الأكثر حتمية مقارنة باللعان الذي يبقى مجرد تصريح للزوجين يحتمل الصدق و الكذب معا .
إلا أنه و نظرا إلى كون الطرق العلمية هي الأمر الجديد في البحث و الذي خصصنا له مبحثا
كاملا في الفصل الثاني نتعرض فيه وبصورة أدق إلى دور هذه الطرق العلمية الحديثة سواء في مجال إثبات النسب أو الصورة العكسية أي نفيه نتناول هذه المسألة في العنوان المخصص لها.
المطلب الثاني: ثبوت النسب بعد الطلاق أو وفاة الزوج:
قد تكون الفرقة بين الزوجين بالطلاق أو الوفاة ، والسؤال الذي يمكن طرحه فيما يخص هذا
الموضوع هو إذا جاءت الزوجة بولد بعد الطلاق أو وفاة زوجها ،فهل ينسب إلى زوجها دون قيد أو شرط أم أنه هناك شروط لا بد من توفرها لإمكانية نسب الولد لأبيه ??
وهل أن نسب الولد لأبيه من طلاق يخضع لنفس الشروط لنسبه لأبيه من وفاة ?
لقد جددت المادة 43 من قانون الأسرة حكم المطلقة أو المتوفى عنها زوجها على أنه يثبت نسب
ولدها إذا ولدته خلال عشرة أشهر من تاريخ الانفصال أو الوفاة لكن كما هو معلوم فالطلاق رجعي و بائن إلا أن المشرع الجزائري لم يميز بين المطلقة رجعيا و المطلقة بائنا مع أن الفقهاء فرقوا بينهما ، والفرق أن الطلاق الرجعي لا يرفع قيد الزواج إلا بعد انقضاء العدة و يمكن للزوج مراجعة زوجته و مجامعتها خلال فترة العدة وقد تحمل خلال ذلك وتمضي 10 أشهر على وقوع الطلاق ،ولم يمضي بعد عشرة أشهر على المراجعة الفعلية بوقوع زوجته (1) ،أما الطلاق البائن مثل الموت يرفع قيد الزواج على الحال (2).
لذلك لا بد من التمييز بين الطلاق الرجعي و البائن.
(1) د/ العربي بلحاج ، الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري ،الزواج و الطلاق ، ص 193
(2) أحمد إبراهيم بك / واصل علاء الدين أحمد إبراهيم ،أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة و القانون سنة 1994،ص501



الفرع الأول: ثبوت نسب الولد بعد الطلاق:
أولا : نسب المولود بعد طلاق رجعي :

تنص المادة 43 من قانون الأسرة على أن الولد ينسب لأبيه إذا وضع الحمل خلال عشرة أشهر
من تاريخ الانفصال أو الوفاة.
* لكن وقبل التوسع أكثر في هذه النقطة لا بد من التعرض للغموض الذي تثيره كلمة" الانفصال" الواردة في نص المادة 43 من قانون الأسرة فالمادة 43 نصت على كلمة انفصال و التي يقابلها بالنص
.séparationالفرنسي
في حين تنص المادة 60 من نفس القانون على الطلاق الذي تقابله في النص الفرنسي كلمة .divorce
فهل المشرع قصد بالانفصال، الطلاق بمعنى الانفصال الجسدي (عدم الاتصال الجسدي) بين الزوجين مع بقائهما متزوجين أم يقصد به الطلاق بحكم من القاضي ??
فالقول أن الانفصال هو الطلاق كما هو وارد في نص المادة 60 من قانون الأسرة قد يضعنا
أمام مشكل في الواقع العملي فالطلاق في ظل القانون الجزائري لا يكون إلا بحكم وفقا للمادة 49 من قانون الأسرة ،لذلك فإننا نبدأ في حساب مدة العشرة أشهر من يوم صدور حكم الطلاق من القاضي ،لكن فهذه الوضعية تضعنا أمام صورة شاذة صورتها أنه يمكن للزوجة المطلقة أن تلد ولدا خلال مدة عشرة أشهر من تاريخ صدور حكم الطلاق وعلى هذا الأساس يثبت النسب للمطلق ويسجل في سجلات الحالة المدنية على اسمه ،إلا أن واقع الأمر أن الطفل قد أنجب خلال مدة أكبر من عشرة أشهر و هذا ما يتناقض و المبادئ الأساسية للنسب سواء شرعا أم قانونا لذلك فالمعنى الأصح للانفصال و الذي يتماشى مع أحكام النسب الشرعية هو الانفصال الفعلي بين الزوجين بغض النظر عن الطلاق بحكم القاضي الذي قد يتأخر صدوره عن تاريخ الانفصال الحقيقي للزوجين أي من يوم تلفظ الزوج للطلاق و فراقه لزوجته.
لكن و بما أن القانون لم يعطينا الحل هل حساب المدة المرجوة (العشرة أشهر) تحسب من تاريخ
الانفصال أو من تاريخ الطلاق بحكم القاضي ?
لهذا فالحل والى أن يكون النص القانوني غاية في الوضوح الأمر يعود إلى القاضي وتفسيره لكلمة "الانفصال"
أي يفسرها قياسا على القواعد العامة للنسب.
وكما قلنا سابقا أن المشرع لم يميز بين الطلاقين الرجعي والبائن ،إلا أن الطلاق الرجعي يمكن

فيه للزوج مراجعة زوجته خلال فترة العدة فيجامعها لذلك فانه إذا جاء الولد خلال فترة العدة دون إقرار الزوجة بانقضاء مدتها ففي هذه الحالة يثبت النسب من الزوج المطلق هذا سواء أتت به الزوجة لأقل مدة الحمل أو لأقصاها أو حتى لأكثر من عشرة أشهر من تاريخ الطلاق أما إذا جاء الولد بعد انقضاء العدة وهذا بإقرار الزوجة شخصيا بانتهاء المدة ففي هذه الحالة علينا التمييز بين :
- ما إذا أتت الزوجة بالطفل لأكثر من ستة أشهر من إقرارها فبذلك لا ينسب للمطلق لأنه يحتمل أن تلده الزوجة لرجل أخر.
- أما إذا جاءت بالطفل لأقل من ستة أشهر من إقرارها يثبت النسب للأب المطلق على أن المدة بين الطلاق (الفرقة) ووضع الحمل لا تتجاوز أقصى مدة الحمل وهنا يثبت أن إقرارها غير صحيح بمعنى كاذب هذا لحملها في فترة العدة التي كانت تدعي انتهائها .

إلا أننا نلاحظ من خلال نص 43 من قانون الأسرة أنها وضعت شرطا واحدا لإمكانية إلحاق الولد
بالزواج المطلق أو المتوفى عن زوجته ، وهو ولادة خلال 10 أشهر من تاريخ الانفصال أو الوفاة ،وعليه فإذا كانت الزوجة المد خول بها الحامل قد جاءت بمولود بعد يوم أو أسبوع أو شهر من وفاة زوجها أو طلاقها منه فان هذا المولود ينسب إلى الزوج دون ريب أو خلاف ،وإذا لم يكن حملها ظاهرا قبل الطلاق أو الوفاة فان هذا الولد يلحق بأبيه إذا وقعت الولادة خلال 10 أشهر من تاريخ الانفصال ،ويسجل في سجل الحالة المدنية على لقب الزوج أو اسمه ، ولكن إذا وقعت ولادته بعد مرور أكثر من 10 أشهر بعد الطلاق أو مرت فلا يثبت نسبه إلى أبيه ، إلا إذا نسبته الزوجة دون علم الزوج المطلق أو المتوفى أورثته ومن هنا من حق أي شخص له مصلحة أن يطعن في هذا النسب ويرفع دعوى أمام القضاء تتعلق بإسناد نسب
المولود إلى الزوج زورا (1).

ثانيا : نسب الولد بعد طلاق بائن :
هنا لا يمكن للزوجة أن يمسها أو يطأها أي رجل سواء زوجها أو غيره خلال فترة العدة فيثبت نسب
الولد للزوج المطلق يشترط أن يولد في مدة عشرة أشهر من تاريخ الطلاق (المادة 43 من قانون الأسرة) ،لكن إذا أقرت بانقضاء عدتها في مدة يحتمل تصديقها وجاءت بالطفل لأكثر من ستة أشهر من تاريخ الإقرار لا يثبت للمطلق.



(1) عبد العزيز سعد ،ص219.



الفرع الثاني: نسب المولود بعد وفاة الزوج:

هنا أيضا يجب التمييز بين حالة إقرار الزوجة بانقضاء عدتها أين ينسب الطفل للزوج المتوفى
إذا وضعته الزوجة في أقل مدة للحمل أي أقل من ستة أشهر هنا يثبت النسب من الزوج المتوفى لاحتمال أن يكون الحمل من غيره لكون أن العدة قد انقضت و يفترض بذلك صحة إقرارها ،أما في حالة عدم إقرار الزوجة بانقضاء عدتها فان نسب المولود يثبت للمتوفى إذا وضعته ما بين تاريخ الوفاة و أقصى مدة الحمل أي عشرة أشهر أما أكثر من ذلك فلا يثبت النسب لأنه من غير المعقول أن تكون قد حملت بعد وفاة الزوج.

- هذا عن رأي المشرع فيما يخص ثبوت النسب بعد الطلاق أو الوفاة لكن نظرة الأئمة الأربعة مختلفة ،فرأي الإمام أبو حنيفة أنه يثبت نسب المطلقة رجعيا إذا جاءت به لسنتين أو أكثر ما لم تقر بانقضاء عدتها ، ثم جاءت بولد لا يثبت نسبه إلا إذا جاءت به أقل من ستة أشهر من وقت الإقرار فانه يثبت نسبه لتيقن بقيام الحمل وقت الإقرار وهذا كذلك في المطلقة بائنا و المتوفى عنها زوجها إذا ادعت بعد أربعة عشر وعشرا انقضاء عدتها ثم جاءت بولد لتمام 06 أشهر لا يثبت نسبه من الميت وان جاءت به لأقل منها ثبت نسبه منه (1).
أما رأي المالكية و هي أربع سنين ،فعنِِِدهم إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا أو طلاقا يملك فيه
الرجعة،فإن الولد يلزم الزوج إذا جاءت به في أربع سنين،فالمعتدة إذا أقرت بانقضاء عدتها بالقروء ثم أتت بولد بستة أشهر فصاعدا من بعد انقضاء عدتها يلحق بالزوج ما لم تتزوج أو يبلغ أربعين سنة.








(1) د/أحمد أحمد موضوع النسب في الشريعة و القانون الطبعة الأولى 1983ص 133 .


المبحث الثاني :ثبوت النسب بالزواج الفاسد و نكاح الشبهة :

تنص المادة 40 من قانون الأسرة أنه يثبت النسب بنكاح الشبهة أو بكل زواج تم فسخه بعد
الدخول طبقا للمواد 32و33و34 من هذا القانون ومنه :
المطلب الأول:ثبوت النسب بالزواج الفاسد:

الفرع الأول:الزواج الفاسد و أسبابه:

الزواج الفاسد هو كل عقد وجد فيه الإيجاب و القبول ولكنه فقد شرطا من شروطه الأساسية (1)
الواردة في المادة 9 مكرر من قانون الأسرة كأن يكون العقد من دون ولي في حالة وجوبه أو صداق أو كأن يشتمل على مانع من موانع الزواج الشرعية أو عدم توافر أهلية الزوجين ،فهو الزواج الذي يختل فيه شرط من شروط الصحة ،ويتوفر فيه سببا من أسباب الفسخ ، فالفسخ هو الجزاء الذي قرره المشرع الجزائري على العقد الفاسد و الفسخ يكون وفقا للمواد 33و34 من قانون الأسرة :
- إذا تم الزواج بدون شاهدين أو صداق أو ولي في حالة وجوبه هذا قبل الدخول أما بعد الدخول فثبت الزواج بصداق المثل.
- إذا اشتمل الزواج على مانع قانوني أو شرعي سواء المؤبدة أو المؤقتة فانه يفسخ قبل الدخول وبعده ويترتب عليه ثبوت النسب و وجوب العدة.
وهذا ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قراراتها حيث قضت في إحدى قراراتها
: "المحصنة أو المتزوجة تحرم على الزواج الثاني ،وأن هذا الزواج يفسخ قبل الدخول وبعده ويترتب عليه ثبوت النسب"
وتجدر الإشارة إلى أن المادة 32 من قانون الأسرة كانت قبل التعديل تقرر الفسخ إذا اشتمل
العقد على مانع أو شرط يتنافى مع مقتضيات العقد أو إذا ثبتت ردة الزوج ،إلا أنه وبموجب الأمر 05/02 المؤرخ في 27 فبراير 2005 المعدل و المتمم لقانون الأسرة الجزائري قد تم تعديل المادة 32 منه والتي أصبحت تقرر بطلان الزواج في حالة اشتماله على شرط أو مانع يتنافى ومقتضيات العقد ،هذا مع الحذف بصفة كلية ردة الزوج كسبب من أسباب فسخ الزواج .فأصبحت المادة 32 من قانون الأسرة
تنص على الزواج الباطل ، إظافة إلى الفقرة الأولى من المادة 33 من قانون الأسرة التي أصبحت تقرر

(1) : د/العربي بلحاج ،الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري’الزواج و الطلاق طبعة 1999 ص 148.


بطلان الزواج اذا اختل ركن الرضا ففي ماعدا ذلك يعتبر الزواج فاسدا أي اذا اختل شرط من الشروط الواردة في المادة9 مكرر من لتقرير المشرع جزاء الفسخ .
ومنه فقد قرر المشرع الجزائري البطلان في حالتين هما:
- استمال العقد على مانع أو شرط يتنافى ومقتضياته.
- اختلال ركن الرضا فيه.
عدا هذا يعتبر العقد فاسدا رتب عليه بعض الأحكام بعد الدخول ،والزواج الفاسد والباطل بمعنى
واحد عند جمهور الفقهاء إلا الحنفية ،وعند المالكية فان الزواج الباطل أو الفاسد هو ما حصل خلل في ركن من أركانه أو شرط من شروط صحته.

الفرع الثاني : شروط ثبوت النسب من الزواج الفاسد:

المشرع لا يعترف بثبوت النسب في الزواج الفاسد قبل الدخول،بل يعتبره زنا و يتعرف به
بعد الدخول وتترتب عليه بعض الآثار القانونية ومنها ثبوت النسب ،الإرث ،النفقة،ذلك لمصلحة الولد خشية من ضياع نسبه.
كما حرص الدين كذلك على أن يثبت النسب في الزواج الفاسد كما يثبت في الزواج الصحيح
،إعمالا لمبدأ "وجوب الاحتياط لثبوت النسب حفاظا للولد من الضياع " لكنه يشترط في ذلك شروطا (1):
1- أن يكون الزوج قد دخل بالزوجة التي عقد عليها عقدا فاسدا ،فلو لم يكن هناك دخولا فلا محل للقول بالنسب ،لأن الفراش في النكاح الفاسد يثبت من حين الدخول الحقيقي.
2- أن يدعيه الأب بكيفية لا يرفضها العقل ولا العادة.
3- أن تأتي المرأة بالولد في أقل مدة للحمل وهي 6 أشهر.
إذن الشريعة الإسلامية توجب الاحتياط في الأنساب وتثبت النسب و تورث به في
النكاح ولو فاسد.
ويرى علماء الفقه بأنه ليس هناك فرق بين الزواج الفاسد و الصحيح من حيث ثبوت النسب
، إلا أنهم اختلفوا في حساب مدة الحمل أتكون من وقت العقد أم من وقت الدخول?
- فأبو حنيفة و أبو يوسف يحسبانها من وقت العقد.
- ومحمد بن الحسن يحسبها من وقت الدخول ،و رأيه هو الرجح و عليه الفتوى(2).
(1) أحمد محمود الشافعي ،المرجع السابق،ص149.
(2) أحمد محمود الشافعي، المرجع السابق،ص149



وبناءا على ما سبق يثبت نسب الولد الذي أتت به أمه لستة أشهر فأكثر من وقت الدخول بها،
وعلى ذلك يثبت النسب لكل ولد تأتي به بعد هذه المدة ما دام يعاشرها معاشرة الزواج،وذلك على الراجح بالنسبة لاعتبار وقت الدخول لا وقت العقد عليها ،أما إذا أتت به لأقل من ستة أشهر من وقت الدخول فان النسب لا يثبت (1).
أما أقصى فترة الحمل بالنسبة للزواج الفاسد، فإنها تحتسب من تاريخ التفريق بين الزوجين
،فان جاءت الزوجة بولد فبل مضي عشرة أشهر اعتبارا من يوم التفريق ثبت نسبه من أبويه(2).
و خلاصة القول أنه إذا كان العقد الفاسد يعتبر كالصحيح ،فيما يخص إثبات النسب فان المنطق
يقتضي أن يعامل كالعقد الصحيح من حيث احتساب مدة الحمل وهي من تاريخ إبرام العقد مع إمكان الدخول أو الاتصال على حد تعبير المشرع الجزائري.

المطلب الثاني:ثبوت النسب بنكاح الشبهة:

الفرع الأول:الدخول بشبهة و أنواعه:

تعرف الشبهة بأنها ما يشبه الثابت وليس بثابت، ونكاح الشبهة هو نكاح يقع خطأ بسبب غلط
يقع فيه الشخص وهو من الأحداث القليلة الوقوع في أيامنا هذه.والدخول بشبهة على ثلاثة أنواع،لأن الشبهة إما أن تكون شبهة الملك أو شبهة العقد أو شبهة الفعل
أولا : شبهة الملك :
وتسمى أيضا شبهة الحكم أو شبهة في المحل،حاصلها أن يشتبه الدليل الشرعي على الرجل
،فيفهم منه إباحة وقاع المرأة في حين أنه غير مباح له ومن أمثلتها: أن يواقع الرجل امرأته التي طلقها طلاقا بائنا وهي في عدتها منه ظنا أن وقاعها يكون مراجعة لها كما في المطلقة طلاقا رجعيا اعتمادا على قول الرسول (ص) :"الكنايات رواجع".(3)





(1) عبد العزيز عامر ،المرجع السابق،ص 77.
(2) د/ بلحاج العربي،الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري،الزواج و الطلاق،طبعة1999 ،ص195.
(3) محمد محي الدين عبد الحميد ،الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية ،طبعة أولى 1984 ص 362


ثانيا : شبهة العقد :
حاصله أن يتزوج رجل امرأة زواجا صحيحا في البداية على اعتقاد أنها حل له وهو حل لها،
ثم يتضح بعد الدخول أنها أخته من الرضاع ،مثلا،وهو بذلك يشبه إلى حد بعيد الزواج الفاسد من حيث أحكامه و أثاره.(1)
ثالثا: شبهة الفعل:
وفيها يعتقد الشخص حل الفعل و يظن في نفسه أن الحرام حلال من غير دليل قوي أو ضعيف،
أو خبر من الناس،ومن أمثلة ذلك :أن يأتي الزوج زوجته التي طلقها ثلاثا في العدة ،أو أن يواقع الرجل امرأة على أنها زوجته ثم يتبين له من بعد أنها ليست زوجته .(2)

الفرع الثاني:حكم النسب عند الوطء بشبهة:

للفقهاء أراء كثيرة حول ثبوت النسب بالدخول بالشبهة ففي بعضها أثبتوا النسب وفي الآخر
لم يثبتوه:
1- ففي شبهة الفعل: يرى البعض أن النسب لا يثبت للولد الحاصل من وطء ،في أية حالة من حالاتها ،وذلك لأن النسب لكي يثبت يجب أن يكون ملك أو حق في المحل،إذ هو لا يثبت بغير الفراش.
ولبعض الفقهاء اعتراض في شبهة الفعل ،اذ يقولون في من زفت له غير امرأته،وقيل له هذه امرأتك فوطئها،فهي ليست زوجته حقيقة،بل أجنبية عنه ،ومع أن هذا عندهم شبهة في الفعل فان النسب يثبت للولد الحاصل من وطء فيه.(3)
2- وفي شبهة العقد : فيها يسقط الحد عن الفاعل ،وان قال علمت أنها حرام ،ويثبت النسب ،لأن الوطء تعلقت به شبهة ،أما عند أبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة فان الحد لازم وكذلك لا يثبت النسب إن كان يعلم بالحرمة ،وعند الإمام مالك في نكاح المحارم أن من يعقد على أمه أو أخته أو عمته أو ذات رحم محرم منه ويطأها فانه يحد لذلك حد الزنا ،ما دام أنه عامد عالم بالتحريم ولا يثبت به نسب ،أما إذا لم يكن عالما بالحرمة ،فان الحكم منه عندهما هو الحكم عند أبى حنيفة فيسقط الحد ويثبت النسب (4)

(1) د/عبد العزيز سعد ،الزواج والطلاق في قانون الأسرة الجزائري ، طبعة 1989 ص214
(2) عبد العزيز عامر ،المرجع السابق ،ص81 .
(3) محمد محي الدين عبد الحميد ،المرجع السابق ،ص362
(4) د/عبد العزيز سعد ،الزواج و الطلاق في قانون الأسرة الجزائري طبعة ثانية 1989 ص 214.



3- أما في شبهة الملك : فان النسب يثبت للولد الحاصل في الوطء بناء عليها إن ادعاه الواطئ ،وذلك لأن الفعل ليس يزنى لوجود الشبهة في المحل ،لأن النسب يحتاط في إثباته وجاء في الجوهرة أن كل موضع كانت الشبهة في المحل يثبت النسب منه إذا ادعاه .
تجدر الإشارة إلى أن فقهاء الشريعة الإسلامية أجمعوا على أن الاتصال الجنسي المبني
على الشبهة يمحو وصف الزنا والدليل على ذلك إثباتهم النسب في حال نكاح الشبهة ،وفي هذا الموضوع يقول الإمام أبو زهرة : "أن الزنا لا يثبت نسبا ،لقول النبي (ص) :الولد للفراش وللعاهر الحجر" ولأن ثبوت النسب نعمة ،والجريمة لا تثبت النعمة ،يستحق صاحبها النقمة ،والزنا الذي لا يثبت نسبا هو الفعل الخالي من أي شبهة مسقطة للحد ،فإذا كان ثمة شبهة تمحو وصف الجريمة أو تسقط الحد فقط ،فان النسب يثبت على الراجح في الحال الثانية ،و بالإجماع في الأولى "(1).
والواقع أنه مهما يكن ،فان أصول التشريع عند جميع الأئمة تستدعي عدم جواز الحكم على إنسان
تولد من ماء إنسان أنه ابن زنا متى أمكن حمله على أنه ابن شبهة ،فإذا توفر للقاضي تسعة وتسعون حيثية على أنه ابن زنا ،وتوفرت له حيثية واحدة على أنه ابن شبهة ،وجب عليه الأخذ بهذه الحيثية ، وطرح ما عداها ترجيحا للحلال على الحرام وللصحيح على الفاسد لقوله تعالى :"وقولوا للناس حسنا."(2)
وقد ثبت عن رسول الله (ص) عند جميع الأمة قوله "الحدود تدرأ بالشبهات" مما يعني أن الأحاديث و الآية القرآنية تحتم على كل إنسان أن لا يشهد ولا يحكم على أحد أنه تولد من حرام إلا بعد الجزم و اليقين أنه ليس في واقع الأمر أي نوع من أنواع الشبهة.(3)
ثبوت النسب بنكاح الشبهة هو واحد من الطرق التي تضمنتها المادة 40 من قانون الأسرة
الجزائري في مجال إثبات النسب وبالتالي فان المشرع قد أقر مطلقا ثبوت النسب في نكاح الشبهة إذا جاءت به المرأة ما بين أقل مدة الحمل و أقصاها .
ومن جهة صرح الأستاذ الفرنسي "بوسكي" أن نظام الشبهة وجد في الفقه الإسلامي كباب
مفتوحة للهروب من العقاب عن طريق محو وصف الجريمة و إسقاط الحد الشرعي ،فهو يرى أن الجريمة يستحق صاحبها العقاب الشرعي بدون تردد أو تهرب ،وردا على ذلك يرى الأستاذ "العربي
بلحاج" أن هذا الرأي بعيد عن الفكر العلمي الصارم وعن حقيقة التشريع الإسلامي الذي ينص بأن الشبهة لا تمحو وصف الجريمة ولا تسقط الحد إلا إذا ثبت الخطأ أو الغلط أو الجهل الذي وقع فيه الشخص بحسن نية ،"والأمر موكول لتقدير القاضي" (4).
(1) الإمام محمد أبو زهرة ،الأحوال الشخصية ،طبعة 1957 ،ص 388.
(2) سورة البقرة ،الآية 83.
(3) د/ سميح عاطف الزين ،العقود مجمع البيان الحديث ، موسوعة الأحكام الشرعية ،موسوعة الأحكام الشرعية المسيرة في الكتاب و السنة ،دار الكتاب المصري ، طبعة1994 ص186
(4) د/بالحاج العربي ،الوجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري ، الزواج و الطلاق ،طبعة 1999 ،ص 197

الفصل الثاني : ثبوت النسب بالإقرار و البينة و بالطرق العلمية الحديثة :

الإقرار و البينة يعتبران من الأدلة العامة في النسب وفي غيره ،وهي الأدلة التي تستعمل قضاء
لإثبات حقوق ما ومنها النسب .فقد أباح القانون للشخص أن يثبت نسب شخص اخر منه ،كأم تدعي بنوة طفل معين أو أب يدعيها أو يقوم الإبن بادعاء أمومة امرأة معينة أو أبوة أب معينة ،كما أجاز له أن يدعي أخوة أو عمومة شخص اخر،وسمي ذلك اقرارا أو دعوى النسب في الفقه ،ويمكن أيضا إثبات النسب عن طريق البينة وهذا ما يجعل النسب يكشف بعد أن كان ناشئا .

هذا وقد تمت إظافة فقرة ثانية للمادة 40 من قانون الأسرة فهذا بموجب الأمر 05-02 المؤرخ
في 27 فبراير 2005 المعدل و المتمم لقانون الأسرة وهذا التعديل يفيد أنع يمكن إثبات النسب بالطرق العلمية الحديثة حيث تنص المادة 40 في الفقرة 02 على أنه :
"ويجوز للقاضي اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات النسب " ومنه أصبح يجوز للقاضي من اللجوء للطرق العلمية لإثبات النسب أو نفيه الأمر يصلح في كلتا الحالتين .وهذا يعتبر قفزة هامة قام بها المشرع الجزائري في هذا المجال تماشيا مع التطورات العلمية خاصة تلك المتعلقة بالمجال البيولوجي ،لكن هذه القفزة وهذا الإدماج ورغم أهميته لا يخلو من العيوب و السلبيات والتعقيدات التي اثارت جدالات عدة في الوسط الفقهي القانوني.
وأيضا تثير عدة مشاكل عند التطبيق في الواقع العملي وهو الأمر الذي سنتناوله بتفصيل أكثر
في المبحث المخصص لشرحها.

لكن يشترط للإقرار بالنسب أو إقامة البينة أو اللجوء للإثبات بواسطة الطرق العلمية أن تكون
المعاشرة بين الرجل و المرأة تستند إلى علاقة شرعية حيث إذا كانت المعاشرة غير شرعية وخارج إيطار عقد الزواج فإن الأقرار أو البينة والإثبات با لطرق العلمية لا قيمة له ولا يمكن إعتبارها كأدلة لإثبات النسب.
وتفصيلا لكل هذا ،نتعرض لكل من الإقرار والبينة في مبحث واحد ،ثم إلى الطرق العلمية الحديثة في مبحث مستقل ،كونه المسألة الأهم و الأمر المستجد في قانون الأسرة.






المبحث الأول : ثبوت النسب بالإقرار والبينة :
تنص المادة 40 من قانون الأسرة أنه :"يثبت النسب بالزواج الصحيح أو بالإقرار أوبالبينة..."

المطلب الأول : ثبوت النسب بالإقرار :
الإقرار يعني الإعتراف ،فإعترف بالشيئ أي أقر به وهو إعلان الشخص صراحة أن شخصا معينا إبنه أو إبنته سواء كان المقر رجلا أو امرأة وسواء كان المقر له ذكر أو أنثى.
ثبوت النسب بالإقرار تضمنته المادتان 44 و 45 من قانون الأسرة الجزائري فقد نصت الأولى
على أن : "يثبت النسب بالإقرار بالبنوة أو الأمومة ،لمجهول النسب ولو في مرض الموت متى صدقه العقل أو العادة."
ونصت الثانية على أن :" الإقرار بالنسب في غير البنوة و الأبوة ،والأمومة لا يسري على غير المقر إلا بتصديقه "
و من تحليل هذين النصين نستخلص أنه يوجد نوعين من الإقرار وهما :
- الإقرار بالبنوة أو الابوة أو الأمومة.
- الإقرار في غير البنوة والأبوة والأمومة.
نتناولها في الفرع الأول :

الفرع الأول : أنواع الإقرار :
أولا : الإقرار بالبنوة أو الأمومة أو الأبوة :

و هو ما يعرف عند الفقهاء بالإقرار بنسب محمول على المقر نفسه ، هذا النوع من الإقرار يثبت به النسب متى توفر شرطين مهمين طبقا للمادة 44 المذكورة أعلاه :
-أ- أن يكون المقر له بالبنوة مجهول النسب من جهة الأب إذا كان الذي يدعيه رجلا ومن جهة الأم إذا كانت التي تقر به امرأة ، لأنه إذا كان المقر له معلوم النسب إلى أب معين لم يصح الإقرار ويصبح تبني،وتنطبق عليه أحكام المادة 46 من هذا القانون.
ويعتبر إبن الملاعن في حكم معلوم النسب فلا يجوز ادعاؤه أو الإقرار ببنوته لإحتمال تكذيب الملاعن نفسه أما الإقرار بالأبوة و الأمومة أن يكون المقر مجهول النسب من جهة الأب إن كان

يقر بالأبوة ومن جهة الام إن كانت تقر بالأمومة (1).
-ب- أن يصدقه العقل و العادة وهو ما يعرف عند الفقهاء أن يولد مثل المقر له بالنسب من مثل المقر ،يعني أن يكون من الممكن أن يولد مثل هذا الولد للمقر،فإذا لم يكن بينهما فارق في السن يسمح بأن يلد المقر مثل المقر له، بطل هذا الإقرار لإستحالة هذه الولادة ،فلا يثبت نسب(2).
مثلا : لا يعقل أن يكون سن المقر بالأبوة عشرين سنة بينما المقر له بالبنوة في العشر سنوات.
بالإضافة إلى الشروط التالية :
-ج- أن لا يصرح المقر أثناء إقراره بأن إبنه من زنا ،كون الزنا جريمة لا تصلح للنسب.
وبهذا جاء قرار المحكمة العليا :"إن العلاقة التي كانت تربط بين الطرفين علاقة غير شرعية إذ
كلاهما اعترف ،بأنه كان يعاشرها حبه جنسيا فإن قضاة الإستئناف بإعطائهم إشهادا للمستأنف على إعترافه بالزواج وتصحيحه وإلحاق الولد بأبيه (...) خرقو بذلك أحكام الشريعة الإسلامية."(3)

-د- لا حاجة لتصديق المقر له بالبنوة سواء كان مميزا أو غير مميز لعدم إشتراط القانون ذلك وهذا ما نصت عليه المادة 45 من قانون الأسرة على أن الإقرار بالنسب في غير البنوة والأبوة والأمومة لا يسري على غير المقر إلا بتصديقه ،فيكون قد إستثنى الإقرار بالبنوة من
التصديق (4).
أما فيما يخص الإقرار بالبنوة والأمومة أن يصدق الرجل الذي أقر له الأبوة أو المرأة التي أقر
لها بالأمومة وهو شرط لا يمكن تخلفه لإمكان التصديق من المقر له.
المشرع الجزائري في عدم إشتراطه هذا الشرط ،يكون قد اقتضى بما عليه فقهاء المذهب المالكي فهم لا يأخذون بهذا الشرط إذ يعتبرون أن النسب حق للولد على الأب ،فيثبت بإقرار الولد دون أن يتوقف ذلك على تصديق من الولد ،ما لم يثبت كذبه و أخيرا الإثبات بالبنوة أو الأبوة أو الأمومة ،فإنها متى حصلت وفقا للشرطين السابقين قامت العلاقة النسبية بين الشخصين وتترتب عليها الاثار القانونية من توارث و نفقة ....إلخ.






(1) د/ سعد فضيل ،المرجع السابق ،ص 219-220.
(2) أحمد محمود الشافعي ،المرجع السابق،ص 155.
(3) أحمد عمراني ،أحكام النسب بين الإنجاب الطبيعي و التلقيح الإصطناعي رسالة ماجيستسر في القانون الخاص سنة 2000 ص 57.
(4) د/ فضيل سعد ، المرجع السابق ،نفس الصفحة.


ثانيا- الإقرار في غير البنوة أو الأبوة أو الأمومة :

وهو ما يعرف عند الفقهاء بالإقرار نسب المحمول على الغير ،هذا النوع من الإقرار يتم بين
شخصين كلاهما ليس أهلا للاخر ولا فرع له وإنماقريبه قرابة الحواشي ،أي لهما أصل مشترك هو أبوهما ، إن كان الإقرار بالأخوة ،وجد المقر و أب المقر له إن كان الإقرار بالعمومة .
لصحة هذا الإقرار فإن الشروط السالفة الذكر وهي شرطين أن يكون الشخص الاخر مجهول النسب و أن يصدقه العقل و العادة ،المشرع الجزائري أضاف شرطا ثالثا إليهما وهو أن يوافق المحمول عليه بالنسب على هذا الإقرار.

ففي حالة الأخوة إن قال هذا أخي نشأت بينه وبين ذلك الشخص قرابة أخوة ولكن نسب الشخص
من أبيه لا ينشأ إلا إذا إعترف بها الأب نفسه وقال "صحيح قوله" أو "صدق".
فثبوت الإقرار بالأخوة معلق على تصديق المحمول عليه ( أي الأب ) على هذا الإقرار ،وبالتالي إن لم يصادق المحمول عليه فيبقى للمقر ،إن أصر على إقراره أن يرفع دعوى أمام القضاء يدعمها بالبينة لتثبيت النسب ،وباللجوء للخبرة بواسطة الطرق العلمية المستحدثة كطريقة من طرق إثبات النسب في المادة 40 من قانون الأسرة وهذا بموجب الأمر 05-02 المؤرخ في 25 فبراير 2005 وتسمى هنا بإثبات النسب بالدعوى.
وفي حالة العمومة إن قال هذا عمي فإن العمومة تنشأ بينه كمقر بها وبين المقر له ،ولكن لا تلزم الجد إلا إذا وافق على هذا الإدعاء ولم يكذبه ،وأن يقيم المقر البينة على إقراره ، وهذا ما نصت عليه المادة45 من قانون الأسرة "الإقرار بالنسب في غير البنوة والأبوة والأمومة ،لا يسري على غي المقر إلا بتصديقه".فاثار ثبوت النسب بالإقرار بالبنوة وبالأخوة والعمومة فيهاحالتين :

الحالة الأولى :عندما يقع التصديق من الأب أو الجد تنتج اثار قانونية من توارث ونفقة...إلخ.

الحالة الثانية :عندما لا يقع التصديق من الأب أو الجد في إقراره فالنسب من الأب عند الأخوة ومن الجد عند العمومة لا يلزم من أنكر منهما وكذبه وإنما يلزم فقط من أقر بالأخوة والعمومة ،وهو أيضا موقف الفقه الإسلامي بلا خلاف وعليه فلو مات أب المقر عن طفلين مثلا أخذ أحدهما وهو الذي لم يقر نصف التركة ويأخذ الإبن المقر ثلث التركة ويأخذ المقر بالأخوة سدس التركة وهذا رأي الإمام مالك وأحمد في


حين أن الإمام الحنفي قال أنه يقاسمه نصيبه (1). وهنا الإقرار حجة قاصرة لا تتعدى اثارها المقر والمقر له ،أما المقر عليه وهو الأب أو الجد فلا تلزمه إلا بالتصديق على الإقرار .
وفي مجال إثبات النسب بواسطة الإقرار جاء عن المحكمة العليا :"من المقرر شرعا أنه يثبت
النسب بالإقرار لقول خليل في باب بيان أحكام الإقرار ،ولزم الإقرار لحمل في بطن امرأة..."
كما أن إثبات النسب يقع التسامح فيه ما أمكن لأنه من حقوق الله فيثبت حتى مع الشك وفي الأنكحة الفاسدة طبقا لقاعدة إحياء الولد.

ومتى تبين في قضية الحال- أن المطعون ضده أقر بحمل الطاعنة بشهادة جماعة أمام الموثق
بتاريخ 06/04/1997 فإن هذه الشهادة لا تعتبر صلحا بل هي توثيق لشهادة جماعة عن إقرار المطعون ضده بحمل الطاعنة ،كما أن المادتين 341 و 461 من القانون المدني لا تنطبق على قضية الحال التي هي من قضايا الحالة التي يحكمها قانون الأسرة.
كما أنه لا يمكن الجمع بين الإقرار بالحمل وبالدفع بالمادة 41 من ق.أ التي تحدد مدة الحمل ،لأن الإقرار في حالة ثبوته يغنى عن أي دليل اخر ولا يحق للمقر أن يثير أي دفع لإبطال مفعول هذا القرار" (2)

الفرع الثاني : دعاوي النسب الثابتة من الإقرار :
هي نوعان : - دعاوى ليس فيها النسب على الغير.
- دعاوى فيها تحميل النسب على الغير.
أولا- دعاوى النسب التي ليس فيها النسب على الغير :
مثالها : أن يرفع الإبن دعوى ضد الأب طالبا الحكم بثبوت نسبه منه مجردا عن طلب اخر ،هذه الدعوى مقبولة أن المدعى عليه في الدعوى حي وهو الملزم مباشرة بها.
فدعاوى النسب تقبل مجردة إذا كان كلاهما على قيد الحياة أي في حالة البنوة أو الأخوة فهي






(1) د/ سعد فضيل ،المرجع السابق ،ص 221،222.
(2) المحكمة العليا غ أ ش 15/12/1998 ،رقم الملف 202430 المحلية القضائية عدد خاص 2001 ص77

تقبل مباشرة إذا رفعت من الأب لإثبات بنوة الإبن أو العكس الإبن لإثبات أبوته بأن يقر الولد
بأن فلانا أبوه لأنها تخصه شخصيا،ولكن في حالة وفاة المدعي عليه أي الأب أو الأم أو الإبن ، حسب الحالات ،فهذه الدعوى لا تقبل إلا إذا اقترنت بعقد اخر ،كون المدعي منه النسب غائب ،والدعوى على الغائب لا تقبل إلى ضمن دعوى أخر على حاضر....(1).

ثانيا- دعاوى النسب التي فيها تحميل على الغير :

مثالها :أن يرفع المدعي دعوى بطلب الميراث ،فينكر المدعى عليه صفته التي يستند عليها في الميراث ،فعلى المدعي أن يثبت دعواه و لأن يثبت نسبه من المتوفي الذي يريد حصته في تركته ، هذا كون المقصود الأصلي من الدعوى هو الحق المترتب على ثبوت النسب إذا أن الأنتساب إلى الميت ليس هو الهدف ،بل يبقى مجرد وسيلة لإثبات الحق المتنازع فيه والخصم ليس من حمل عليه النسب وإنما هو كل من له أو عليه حق في التركة كالورثة أو قد يكون الوصي أو الموصي له ،وقد يكون الدائن.
فبوفاة من يدعي الإنتساب إليه لا تسمع الدعوى،إلا إذا كانت ضمن حق اخر على شخص حاضر.(2)

الفرع الثالث : تمييز نظامي التبني واللقيط عن النسب الثابت بالإقرار
لقد أبطل الإسلام نظام التبني وأمر من تبنى أحدا ألا ينسبه إلى نفسه ،وإنما ينسبه إلى أبيه إن كان له أب معروف ،فإن جهل أبوه دعي أخا في الدين ،وفي ذات الوقت فتح الإسلام للناس باب الإحسان والمعروف على مصراعيه ،فللإنسان مطلق الحرية في أن يربي وأن يعلم من يشاء من
الأطفال اليتامى ،ويدخل في اليتامى اللقطاء وأبناء الزنا، وعلى دربه سار المشرع الجزائري في
في أحكامه لكن مانلاحظه أن الكثيرين لا يميزون بين كل من نظام التبني ونظام الإقرار بالنسب

،ويجعلانهما نظاما واحدا ،إلا أن الأمر خلاف ذلك تماما فالإقرار بالنسب هو إقرار نسب

صحيح شاءت ظروف خاصة بالأبوين عدم تثبيته في وقته، فالإقرار عبارة عن كشف واقعة






(1) د/ سعد فضيل ،المرجع السابق ،ص 221،222.
(2) المحكمة العليا غ أ ش 15/12/1998 ،رقم الملف 202430 المحلية القضائية عدد خاص 2001 ص77



شرعية صحيحة وليست إثبات واقعة جديدة ويشترط فيه أساسا :- أن يكون المقر له مجهول النسب وألا يكون من نتاج علاقة زنا ،وبالتالي فالنسب الثابت بالدعوة نسب حقيقي ،وهو يختلف عن التبني الذي يشجعه البعض لحل أزمة اللقطاء و الأولاد غير الشرعيين في البلاد.
أما التبني فهو عقد ينشئ بين شخصين علاقات صورية ومدنية محضة لأبوة أو بنوة مفترضة،
وقد ورد في الايتين الكريمتين 4و5 من سورة الأحزاب قوله تعالى :"وما جعل أدعيائكم أبناءكم ذلك قولكم بأفواهكم ،والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ،أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ،فإن لم تعلموا آبائهم ،فإخوانكم في الدين ومواليكم."

وتأييدا لهذا المعنى ورد النص في المادة 46 من قانون الأسرة على أنه "يمنع التبني شرعا
و قانونا".
وهذا ما جاء في قرار للمحكمة العليا الصادر في 21/11/2000 ملف رقم 246924 (1) ،حيث
جاء فيه أنه "يمنع التبني شرعا وقانونا..." فمن خلال هذا القرار قرر قضاة المحكمة العليا كل ما ذكر انفا وميزوا بين التبني والنسب الصحيح سواء قد تم إثباته بالإقرار ،أو بأية وسيلة من الوسائل المنصوص عليها في المادة 40 من قانون الأسرة ،فيثبت من الآيتين السالفتين الذكر والنص القانوني أنها إتفاقا على أن التبني الذي يهدف إلى إدعاء البنوة ولو معروف النسب أو مجهول النسب أمر محرم شرعا وقانونا فنجد في قرار للمحكمة العليا :
"من المقرر أنه يمنع التبني شرعا وقانونا ،ومتى تبين في قضية الحال أن المطعون ضده لم يكن إبنا شرعيا للمتبني ، فإن للمدعية الحق في إخراجه من الميراث لأن التبني ممنوع شرعا وقانونا...."(2)

ومنه لا يجوز لأي مسلم جزائري أن ينسب فلانا إليه ويسجله تحت لقبه وإسمه في سجلات الحالة المدنية، لا مباشرة أمام ضابط الحالة المدنية ،ولا بموجب حكم قضائي ،وكل تصرف مخالف لذلك يمكن أن يعرض فاعله إلى إتهامه بالتزوير ومعاقبته بمقتضى قانون العقوبات.(3) ،ومن هنا أصبح التبني لا يثبت به نسب من المتبني ولا يترتب عليه أي حق من الحقوق الثابتة بين الآباء والأبناء.



(1) مجلة قضائية، العدد الثاني سنة 2001 - ص 297
(2). المحكمة العليا غ أ ش قرار في 28/06/94 ملف رقم 129761 المجلة القضائية عدد خاص 2001 ص 155.
(3) د/عبد العزيز سعد ،المرجع السابق ،ص220

لكن المشرع الجزائري منع نظام التبني ،إلا أنه أقر نظام الكفالة والذي نص عليه في قانون الأسرة من المادة 116 إلى المادة 125، والكفالة إلتزام على وجه التبرع بالقيام بولد قاصر من نفقة وتربية و رعاية قيام الأب بإبنه وتتم بعقد شرعي (المادة116 ).
نصت المادة 119 : "الولد المكفول إما أن يكون مجهول النسب أو معلوم النسب " أما المادة 120 :"يجب أن يحتفظ الولد المكفول بنسبه الأصلي إن كان معلوم النسب ،و إن كان مجهول النسب تطبق عليه المادة 64 من قانون الحالة المدنية." (1)
وبالرغم من هذه النصوص التشريعية الصريحة في منع التبني ، فإن المرسوم التنفيذي رقم
92-24 الصادر في 13 جانفي 1992 والمتعلق بتغيير اللقب ،يجيز التبني بطريقة غير مباشرة حيث أنه يمكن قانونا للشخص الذي كفل في إيطار كفالة ولدا قاصرا مجهول النسب أن يتقدم بطلب بتغيير اللقب بإسم الولد ولفائدته ،وذلك قصد مطابقة لقب الولد المكفول بلقب الوصي (2) وبهذا يكون قد أجاز الشيء الممنوع قانونا و المحرم شرعا ??
كما تضيف المادة 121 معلى أنه تحول الكفالة الكافل الولاية القانونية وجميع المنح العائلية و
الدراسية التي يتمتع بها الولد الأصلي ، كما أنه يجوز للكافل أن يتبرع للمكفول بماله في حدود الثلث وإن أوصى أو تبرع بأكثر من ذلك بطل ما زاد عن الثلث إلا إذا أجازه الورثة (المادة 123).
- أما عن اللقيط :
هو المنبود ، سواء كان مازال رضيعا أن تجاوز هذه الفترة إلا أنه لا يستطيع الإستقلال بنفسه ،
المشرع الجزائري لم ينظم هذه الحالة –اللقيط- في أية مادة من مواد القانون ، ولكنه منع التبني ليدخل تحت حكم التبني إلتقاط اللقيط طالما أن إدعاء نسبه غير متوفر لمن يريد ذلك (3).
والنظام المتبع في الجزائر هو أنه من وجد لقيطا يسلمه إلى رجال الشرطة الذين بدورهم يسلمونه إلى إحدى دور الرعاية الإجتماعية المعدة لإستقبال اللقطاء.



.
(1) المادة 64 من قانون الحالة المدنية ،الصادر بأمر رقم 70-20 تنص على أنه :"يعطي ضابط الحالة المدنية نفسه الأسماء إلى الأطفال اللقطاء و الأطفال المولودين من أبوين مجهولين و الذين لم ينسب لهم المصرح أية أسماء بعين الطفل بمجموعة من الأسماء تأخذ اخرها كلقب عائلي"
(2) د/ بلحاج العربي ،المجيز في شرح قانون الأسرة الجزائري ،الزواج والطلاق ،ص 203
(3) د/ سعد فضيل ،المرجع السابق ،ص 277




جاء في نص المادة 67/1 من قانون الحالة المدنية "يتعين على كل شخص وجد مولودا حديثا أن يصرح به إلى ضابط الحالة المدنية التابع لمكان العثور عليه " أما المادة442/3 من قانون العقوبات الجزائري يعاقب بالحبس من عشرة أيام إلى شهرين و بغرامة من 100 إلى 1000 دج أو بإحداهما على عدم الإبلاغ عن طفل حديث الولادة لم يجده ولا يسلمه لضابط الحالة المدنية.
كما وتنص المادة 07 من قانون الجنسية أن يعتبر من الجنسية بالولادة في الجزائر : - الولد المولود في الجزائرمن أبوين مجهولين ويلاحظ أخيرا أن التبني و الإلتقاط لا أثر لهما على الإطلاق في إثبات النسب وما يترتب عليه من اثار قانونية ،كالتوريث و التحريم إلا أنه يمكن حل قضية تبني و الإلتقاط بالإقرار و بالبنوة أو البينة والتي ستكون موضوع مطلبنا الموالي.























المطلب الثاني:ثبوت النسب بالبينة :
البينة مأخوذة من البيان و الوضوح، و استبان الصبح وضح، و هو على بينة من أمره أي على
وضوح و عدم خفاء، و كأن صاحب الحق إذا قدم بينة يثبت بها حقها إنما يزيل ما كان حوله من لبس و خفاء ليتضح أمام الجميع.
و لقد جاء في نص المادة 40 من قانون الأسرة على أنه:" يثبت النسب بالزواج الصحيح أو
بالأقرار أو بالبينة ...." فالمراد بالبينة هي الدلائل و الحجج التي تؤكد وجود واقعة مادية وجودا حقيقيا بواسطة السمع أو البصر أو غيرهما من وسائل الاثبات الواردة في قوانين الإجراءات(1). و لكلمة البينة معنيان(2) :
- معنى عام : وهو الدليل أيا كان نوعه ، كتابة، قرائن،اعتراف، شهود.
- معنى خاص: و هو شهادة الشهود دون غيرها .
لذلك علينا أن نوضح أولا مفهوم البينة الوارد في نص المادة 40 من قانون الأسرة نظرا
للتساؤلات التي طرحها هذا الممصطلح عند العمل به قضائيا .

الفرع الأول : تحديد مدلول البينة الوارد في نص المادة 40 من قانون الأسرة :
إن المشرع الجزائري في المادة 40 من قانون الأسرة استعمل في النص العربي مصطلح "البينة" وفي النص الفرنسي مصطلح :
" فهذا المصطلح بشموله يفهم منه أن مقصود البينة هو المعنى العام (3)PREUVE "
لكن المقصود من البينة في مجال اثبات النسب هو الشهادة دون غيرها من الأدلة و دليلنا في
ذالك هما مسألتين اثنتين :




(1) د/بلحاج العربي ،الوجيز في شرح قانون الأسرة ،الزواج و الطلاق ،ص199.
(2) أحمد عمراني ،أحكام النسب بين الإنجاب الطبيعي والتلقيح الاصطناعي ،رسالة ماجستير في القانون الخاص ،سنة 2000 ،ص63.
(3) مجلة المحاماة ،التعليق على قرار المحكمة العليا الصادر في 15/06/99. من إعداد :د/لحلو غنيمة،ص51.



أولا : ما هو معمول به قضائيا : حيث نجد قرار المحكمة العليا الصادر في 15/ 06/ 1999، أين أثارت فيه المحكمة العليا تلقائيا الوجه المأخوذ من تجاوز السلطة و الذي جاء فيه فالقرار المنتقذ القاضي بتاييد الحكم المستأنف القاضي بتعيين خبير طبي قصد تحليل الدم للوصول الى تحديد نسب الولدين بأن ينسبا للطاعن أم لا
وحيث أن اثبات النسب قد حددته المادة40 و ما بعدها من قانون الأسرة الذي جعل له قواعد اثبات
مسطرة و ضوابط محددة تفي بكل الحالات التي يمكن أن تحدث و لم يكن من بين هذه القواعد تحليل الدم الذي ذهب اليه قضاة الموضوع قد دل ذالك على أنهم تجاوزوا سلطتهم الحاكمية الى التشريعية الذي يتعين معه نقض القرار المطعون فيه و احالته لنفس المجلس (1).
فالمحكمة العليا في هذا القرار رفضت فحص الدم من طرف خبير طبي و اعتماده كدليل مثبت
للنسب مؤسسة قولها هذا على أن اثبات النسب حددت له المادة40 من قانون الأسرة قواعد اثبات مسطرة و ضوابط محددة و بالتالي فلو كان المقصود بالبينة المعنى العام لما تم رفض في هذا القرار استعمال البينة العلمية لاثبات النسب .

ثانيا: الأمر 05- 02 المؤرخ في 27 فبراير2005 المعدل و المتمم لقانون الأسرة الذي استحدث الطرق العلمية كوسيلة من وسائل اثبات النسب بصورة تنزع أي اشكال في تأويل معنى البينة الوارد في نص المادة 40 .
و بالتالي نتطرق الى البينة في معناها الوارد في نص المادة و هي شهادة الشهود.









(1) قرار صادر في 15/06/1999 ملف رقم 222674 ، الاجتهاد القضائي لغرفة الأحوال الشخصية-عدد خاص-ص 88.



الفرع الثاني : البينة الشرعية لأثبات النسب ( شهادة الشهود) :

ان النصاب القانوني للشهادة يكون عن طريق رجلين عدلين أو رجل وا مرأتين (1).
البينة هي أقوى من الأقرار من حيث ثبوت النسب لذلك لو كان هناك ولد نبذه أهله ولم يعرف له أب
فأخذه رجل وأقر بنسبه ثبت النسب بناء على ما يدعيه كان أدق نسبه من الأول ،لأن النسب وإن كان قد ثبت بالإقرار فهو غير مؤكد يحتمل البطلان بالبينة لأنها أقوى منه (2).

وتمتاز البينة عن الإقرار بأنها حجة متعدية لا يقتصر الحكم الثابت بها على المدعي عليه وحده
،بل قد تثبت في حقه وحق غيره ،أما الإقرار وهو حجة قاصرة على المقر لا تتعداه إلى غيره.
وعليه إذا ادعى إنسان على الآخر بنوة أو أبوة أو أخوة أو عمومة أو أي نوع من القرابة ،وأنكر
المدعي عليه دعواه فللمدعي أن يثبت دعواه بالبينة ،وحينئذ يثبت النسب ملزما لكل من الطرفين بما عليه من حقوق للطرف الآخر.
قد تكون دعوى البنوة أو الأبوة في حياة المدعي عليه دعواه فتسمع مجردة ،ويرد الإثبات فيها على .
النسب قصدا ،وإذا كان المدعي عليه ميتا وجب سماع الدعوى مصحوبة بحق آخر كالميراث أو الدين أو النفقة ،لأن الدعوى على الميت هي دعوى على غائب فلا تسمع (3). (المادة 85 من قانون الإجراءات المدنية) ،إذن الدعوى لا تسمع مجردة على أن تكون في ضمن حق أخر ،بل لا بد أن تدعي حقا وتأتي الدعوى في ضمنه ،كالمطالبة بحق في الميراث ،سواء كان المقر عليه حيا أو ميتا ،فيجب على المدعي أن يعيد إلى الحق الذي يقصده من أول الأمر ،تجيء دعوى النسب ضمنا.

كما أنه إذا ادعت امرأة أنها حملت من زوجها وولدت في غيابه أو في حضوره وأنكر الزوج واقعة
الولادة في ذاتها أو اعترف بالولادة كواقعة مادية وأنكر أن يكون الولد الذي بين يديها هو نفسه الذي ولدته ،فإنه بالإمكان شرعا وقانونا إثبات واقعة الولادة عن طريق شهادة النساء اللاتي حضرن عملية الولادة،أو طبيب أو ممرضات إذا وضعت حملها في المستشفى.
- وهنا محل الخلاف فهل شهادة النساء تكفي لإثبات النسب فيما لا يطلع عليه الرجال عادة كالولادة?

(1) د/ سعدة فضيل المرجع السابق ، ص222
(2) د/ أحمد محمود الشافعي ،المرجع السابق ، ص 157-158.
(3) د/ بلحاج العربي ،الوجيز في شرح قانون الأسرة ،الزواج و الطلاق، ص 199.


وفي هذا الخصوص (1) : فإن الله تعالى لما ذكر الشهادة في الحقوق قال:
"رجل و إمارتان" وكذلك "ممن ترضون من الشهداء" (الآية 282 سورة البقرة)،فجمع في هذه الآية رد شهادة غير العدول وشهادة النساء وإن كثرت.
وقال الرسول (ص) في حديث :"وشهادة امرأتين بعدل شهادة رجل" وقوله (ص) أيضا :"شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه" .
يرى علماء المالكية أن البينة تكون شهادة امرأتين ،غير أن الأحناف يشترطون في إثبات النسب بالبينة شهادة رجلين عدلين أو رجل و امرأتين .
وبالنظر إلى اتساع المجتمعات أصبح القاضي لا يعرف أشخاص الشهود ولا يعلم شيئا عن مقدار اتصافهم بالصدق والأمانة لذا فقد اشترطت القوانين شروط يجب توفرها لقبول الشهادة (2).
كما أحاط المشرع الجزائري البينة بكثير من الضمانات ومنها فرض عقوبات مشددة لجريمة شهادة الزور(3).
وما يمكن ملاحظته هو أن إثبات النسب بالبينة لا يمكن تصوره إلا بناءا على زواج صحيح أو فاسد ،فلا يمكن إثبات نسب ولد نتج عن علاقة غير شرعية ولا قانونية بأية بينة باستثناء نسبه إلى والدته.


المبحث الثاني : ثبوت النسب بالطرق العلمية الحديثة :

لقد اتضح تأثر المشرع الجزائري إثر التعديل الذي طرأ على قانون الأسرة بموجب الأمر 05-02
المؤرخ في 07/02/2005 بالثورة الهائلة التي كان سببها التطور البيولوجي مسايرا في ذلك التطور التكنولوجي الذي نتج عنه استحداث تقنيات في المعرفة العلمية في السنوات الأخيرة ،حيث فتح المجال واسعا لقضايا لم تشهدها البشرية من قبل ذات صلة مباشرة بحياتنا اليومية والشخصية ،ويتعلق الأمر بالطرق العلمية لإثبات النسب التي نصت عليها الفقرة الثانية من المادة 40 (ويجوز للقاضي اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات النسب).



(1) أحمد أحمد/المرجع السابق ص 148 إلى 154.
(2) المواد من 61 إلى 75 من قانون الإجراءات المدنية.
(3) المادة 235 من قانون العقوبات نصت على أنه :" كل من شهد زورا في المواد المدنية أو الإيدارية يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة منم 500 إلى 2000 دج "



إلا أن ذلك لا يفهم على إطلاقه بأن النص لا يطرح أي إشكال يذكر ،لأن إطلاق العنان للقاضي في
إثبات النسب بهذه الطرق دون حصرها أو توضيح لمجال تطبيقها وحجيتها ،فتح الباب على مصراعيه لاختلاف فقهي حول هذه الطبيعة وتحديدا مسألة سلطة القاضي في تقدير هذه الطرق العلمية ،فعلى سبيل المثال استند الباحثون أنه لا مانع شرعي في اعتماد البصمة الوراثية في إثبات النسب نظرا لقيمتها القانونية الحتمية.

وهو ما جعل من الضرورة بما كان التساؤل عن هذه الإشكالية التي سيتم الإجابة عنها في مطلبين :
المطلب الأول : تكريس الطرق العلمية لإثبات النسب.
المطلب الثاني :حجية الطرق العلمية وسلطة القاضي في تقديرها.

المطلب الأول : تكريس الطرق العلمية لإثبات النسب :

لقد كان المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي سباقا للاعتداد بالطرق العلمية
كوسيلة لإثبات النسب في دورته السادسة عشر المنعقدة بمكة المكرمة (1).
إلا أن هذا الطرح لم يجد صداه لدى المشرع الجزائري في القانون رقم 84-11 المؤرخ في 09 يونيو 1984 المتضمن قانون الأسرة الذي لم ينص على الطرق العلمية كوسيلة من وسائل إثبات النسب مكتفيا في ذلك بالطرق المقررة شرعا والمنظمة في المادة 40 الفقرة الأولى من قانون الأسرة ، بالإضافة إلى الجدل القائم حول قيمة الأخذ بهذه الطرق وعدم حصر المشرع لها ،مع العلم بأنها تختلف بين التي يمكن نفي النسب بها فقط دون أن تكون وسيلة للإثبات وهو ما سيتم معالجته في الفروع التالية:

الفرع الأول : إشكالية إدماج الطرق العلمية لإثبات النسب.
الفرع الثاني : أنواع الطرق العلمية لإثبات النسب .
الفرع الثالث : عوائق تطبيق الطرق العلمية الحديثة لإثبات النسب.





(1) المشار إليه في "البصمة الوراثية ومدى حجيتها في الإثبات " ،مذكرة تخرج نيل إجازة المدرسة العليا للقضاء ،الدفعة 13 لسنة 2005،ص 82

الفرع الأول : إشكالية إدماج الطرق العلمية لإثبات النسب :

لقد كانت مسألة إثبات النسب بالطرق العلمية في البداية محل جدل فقهي ،وقف فيه بعض جمهور
الفقه موقف المرتاب والرافض للطرق العلمية كوسيلة لإثبات النسب فنظروا على أن اللعان مثلا يعتبر الوسيلة الوحيدة لنفي النسب اعتمادا على قوله تعالى :"والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربعة شهادات بالله..."(1) ، فالآية ذكرت إذ أن الزوج لا يملك لا يملك إلا شهادة نفسه فيلجأ للعان و أي اعتماد على طرق علمية دون ذلك فهو تزيد على كتاب الله وأن الرسول (ص) قال : "الولد للفراش وللعاهر الحجر" ،فأهدر بذلك الشبه البين وهو الذي يعتمد على البصمات الوراثية ،كما أن الأستاذ الفقيه الجزائري محمد شريف قاهر عضو المجلس الإسلامي الأعلى ،ذكر أن العلم حقيقة نسبية بينما القران الكريم كلام إلاهي لخلق الكون لأنه حقيقة مطلقة صالحة لكل زمان و مكان وهو الذي فصل في مسألة إثبات أو نفي النسب معللا رأيه أن النص القراني صريح وواضح وبالتالي يقتضي العمل
بالقاعدة الفقهية "لا إجتهاد مع وجود النص"..(2) .
وإنطلاقا من كل ذلك تبنى المجلس الإسلامي الأعلى موقفا صريحا في مسألة النسب بالطرق العلمية
رغم عدم إصداره لأي فتوى توضيحية لذلك مستظهرا وضوح القواعد الفقهية التي لمة تسمح بإستعمال أي طريقة غير شرعية قد تثبت أو تنفي النسب (3).
واعتمادا على كل ذلك قرر هذا الاتجاه عدم جواز الطرق العلمية في مسألة إثبات النسب لما في
ذلك من خروج عن القواعد الفقهية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية بأغراضها الأساسية في حفظ الكليات الخمس من عقل ونفس ،ونسل ودين ومال. كما أنه لا لم تسمح بإستعمال هذه الطرق حماية لحياة الإنسان وحفاظا لتعريض النسل وإنتمائه لأي خطر كان فيه قد يكثر عديمي النسب واللقطاء.
ولقد كان المشرع الجزائري متأثرا فيما سبق ذكره أثناء سنه لقانون الأسرة في 1984 ، إذ لم يعتمد سوى بالطرق الشرعية لإثبات النسب الواردة في المادة 40 فقرة 01 من نفس القانون رافضا إستعمال الطرق العلمية كوسيلة لذلك ،وهو ما كان قد كرسه القضاء الجزائري فعلا مكتفيا بجمود النص القانوني الذي لا يقبل أي تأويل أو إجتهاد.




(1) الآية من 6 إلى 8 من سورة النور
(2) محاضرات ألقيت على الطلبة القضاة الدفعة 14 لسنة 2003-2004 للدكتور محمد شريف قاهر،أستاذ بالمدرسة العليا للقضاء.
(3) محاضرات ألقيت على الطلبة القضاة الدفعة 14 لسنة 2003-2004 للدكتور الغوتي بالملحة أستاذ بالمدرسة العليا للقضاء.


ومن ذلك قرار المحكمة العليا الصادر في 15 جوان 1999 الذي جاء فيه " حيث أن إثبات النسب
قد حددته المادة 40 وما بعدها من قانون الأسرة الذي جعلت له قواعد إثبات مسطرة وضوابط محددة تفي بكل الحالات التي يمكن أن تحدث ولم يكن من بين هذه القواعد تحليل الدم كطريقة علمية التي ذهب إليها قضاة الموضوع ،مما دل ذلك على أنهم قد تجاوزوا سلطتهم الحكمية إلى التشريعية ،الأمر الذي يتعين معه نقص القرار المطعون فيه وإحالته لنفس المجلس"(1).

وقد أضاف قضاة المحكمة العليا في قرارهم الصادر في 14/02/94 : "من المقرر قانونا أيضا أنه
يثبت النسب بالزواج الصحيح وبالإقرار والبينة وبنكاح الشبهة وبكا نكاح تم فسخه بعد الدخول طبقا للمواد 32-33-34 من قانون الأسرة".
يتضح من كل ما سبق أن قضاة المحكمة العليا بصفتهم قضاة قانون طبقوا النص الحرفي للمادة 40
لقانون الأسرة التي تحدد طرق إثبات النسب قبل تعديلها وكانت تعتبر لجوء القاضي لأي خبرة علمية تستهدف إثبات أو نفي النسب بأي طريقة من الطرق العلمية تجاوزا للسلطة لأنها كانت تعتبر ذلك تشريعا في حد ذاته.
لم يكن الرأي المذكور أعلاه والرافض للطرق العلمية لإثبات النسب جامعا بين فقهاء القانون ،
ذلك أن اتجاها اخرا رأى في إستعمال هذه الطرق وسيلة علمية حتمية بنتائج ملموسة .فرأو أن الاية التي استدل بها الفريق الأول، إنما تتعلق بالعذاب الذي يوقع على المرأة أو درأه عنها.(2)
و إعتبارا لكل ذلك ومحاولة من المشرع الجزائري الإستجابة للتطورات العلمية الحديثة فإنه قد أدرج الطرق العلمية ضمن وسائل إثبات النسب أثناء تعديل قانون الأسرة بموجب الأمر 05-02 في الفقرة الثانية من المادة 40 السالفة الذكر.
غير أن هذه المادة إكتفت بالإشارة إلى هذه الطرق العلمية دون تحديد المقصود منها أو حصر لصورها علما ان البحوث العلمية والتوصيات المقدمة في هذا المجال أثبتت وجود نوعين من الطرق العلمية يتصف الأول منها بكونه قطعي الإثبات و الثاني لا يرقى إلى ذلك على أساس أنه ضني الثبوت يعطينا مجرد إحتمالات بل و أحيانا نتائج يتحدد مجالها في نفي النسب فقط .


(1) المحكمة العليا غ أ ش ، ملف رقم 22267 ،قرار بتاريخ 15-06-199 مجلة الإجتهاد القضائي لغرفة الأحوال الشخصية عدد خاص ص 2002 ص 88.
(2) من بين هؤلاء الفقهاء المعاصرين ،الدكتور يوسف القرضاوي ومحمد المختار السلامي ،وعبد الله محمد عبد الله و إبن القيم الجوزية.


الفرع الثاني : أنواع الطرق العلمية لإثبات النسب :

من بين الإشكاليات التي أثارتها المادة 40 فقرة 02 من الأمر 05-02 أنها فتحت المجال للقاضي في إستنباط إستعمال الطرق العلمية في مسألة إثبات النسب نتيجة عدم تحديد وحصر المشرع لهل ،لذلك تطلب الأمر الإستعانة إلى ما توصلت إليه البحوث الطبية و الدراسات العلمية من خلال التقسيم الذي تبنته هذه الأخيرة من طرق علمية قطعية الدلالة و أخرى لا ترقى بالشك إلى اليقين كونها ظنية .
لهذا ستكون دراستنا علمية بحتة .

أولا : الطرق العلمية القطعية :

والذي يتصلHLA ونظام الوراثية توصل العلماء إلى إعتبار كل من البصمة
بالمناعة طرقا علمية لإثبات النسب بصفة قطعية لأن دقة ثبوتها تصل حسب الخبراء و الأطباء إلى نسبة الخطأ فيها :
01/ 2.000.000 مرة (1).

: ADN أولا- نظام البصمة الوراثية

لقد رأى العديد من العلماء و الباحثين قياس البصمة الوراثية على ما يسمى بالقيافة التي كانت تعتبر
قرينة قوية أخذ بها جمهور الفقهاء في غير قضايا الحدود ، والتي تعني في مصدرها اللغوي مصطلح قافة بمعنى تتبع أثره ليعرفه فالقائف هو الذي يتبع الاثار ويعرفها ، و يعرف شبه الرجل بأبيه و أخيه ، بمعنى الذي يعرف النسب بفراسته و نظره إلى أعضاء المولود رغما أن الحنفية ذهبوا إلى إعتبار أن القيافة لا يلحق بها النسب لأنها ضرب من الظن على عكس جمهور العلماء اللذين استدلوا بحجيتها بحديث عائشة رضي الله عنها حيث قالت : " دخل علي رسول الله( ص) ذات يوم مسرورا تبرق أسارير وجهه ، فقال : ألم تري أن مجززا المدلجي نظر إلى زيد بن الحارث و أسامة إبن زيد و عليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما و بدت أقدامهما فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض ."




(1) بن داود عبد القادر المرجع السابق ، ص 109.


فرأوا في سرور الرسول (ص) دلالة على إقراره بالقيافة .
إلا أن البعض الاخر رأوا في عدم قياسها على القيافة نظرا لإختلاف موضوعهما و الأسس التي تبنى عليها فالقيافة تعتمد على الشبه الظاهر بينما تعتمد البصمة الوراثية على بنية الخلية الجسمية أي على الحس و الواقع ، لذلك فالقيافة باب و البصمة الوراثية باب اخر (1).
و سواء كانت البصمة الوراثية أخذت مرجعيتها من القيافة أو من غير ذلك ، فإنها تعد وسيلة قاطعة لا تكاد تخطئ في التحقق من إثبات أو نفي نسب الولد لأبيه هذا لظهورها بسبب التطور البيولوجي
العنصر المكون للخصائص الوراثية للإنسان ، عندما ADNالذي شهده عالمنا المعاصر و يعتبر ال

لكل من الأب و الأم بكونه متحدا و يتشكل من لفائف ADN تلتقي البويضة مع الحيوان المنوي ،إذا
مزدوجة الجانب على هيئة رقائق تسمى ( رقائق الحمض النووي الحلزونية يبلغ سمك جدارها من 50 مليون ملم وقطر هذا الحلزون 1/50 مليون متر مكعب).

وتساهم البصمة الوراثية في إثبات أو نفي النسب بإعتبارها تقنية ذات قوة تدليلية قطعية في ذلك فهي موجودة على صيغة واحدة في جميع مكوناتن الجسم سواء الدم ، المني ، الشعر أو في أي عضو من أعضاء الجسم وهو عبارة عن بروتين يحمل مورثات أو جينات تحمل مواصفات تختلف من شخص لاخر ، وتبقى ثابتة مدى الحياة إلى أن تتحلل الجثة بعد الموت مما يسمح للطب الشرعي من معرفة نسب ا له ،ومكوناتADN للأب لإثبات الأبوة وADNالأم لإجراء المطابقة بين ADN الطفل (2) ،بتحليل

الطفل و الأم و الأب إذا تمت المطابقة ثبت نسب الطفل للأب أو للأم أو كلاهما معا إذا لم تتم المطابقة فهذا يدل على نفي نسب الطفل إليهما .
و اللجوء للبصمة الوراثية يتم عن طريق الخبرة العلمية التي يتم فيها تحديد ضرورة فحص الحمض
النووي للبصمة الوراثية على أساس أن دقة ثبوت النسب أو نفيه بهاته الطريقة العلمية تصل حسب
الخبراء والأطباء إلى نسبة وتقول التقارير أن تطور العلوم بشأن الحمض النووي كفيلة بالوصول به في ضرف زمن قريب إلى نسبة 100 ٪ لهذا يرى الأستاذ بن داود عبد القادر ضرورة تقنين جواز اللجوء للطرق العلمية القاطعة التي قد يقع تحديدها عن طريق التنظيم تمييزا لها عن الطرق

(1) "البصمة الوراثية و مدى حجيتها في الإثبات" مذكرة التخرج لنيل إجازة المدرسة العليا للقضاء ، دفعة 13 /2002-2005 ص 83.
(2) د/ حسين علي شحزور ، كتاب " الطب الشرعي ، مبادئ و حقائق " ص 262
و الدكتور إبراهيم صادق الجندي ،تقنية البصمة الوراثية و إمكانية التحايل عليها ص 48

العلمية الظنية ما دام أنه لا مانع شرعي في ذلك .

كما أن الباحثين استندوا في إعتماد البصمة الوراثية طبقا لمل جاءت به المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية الصادرة بتاريخ 21 رجب 1422 ه الموافق ل 08 أكتوبر 2001 توصل إلى أن الإسلام يقر الأخذ بالبصمة الوراثية في حال تنازع أكثر من شخص في أبوة مجهول النسب ،فقد ذكر الأمين العام للمنظمة في جريدة البيان بتاريخ 09/10/2001 الدكتور أحمد الجندي أن 26 باحثا شاركوا في إعداد بحث البصمة الوراثية و ذلك من الناحية الطبية والشرعية و توصلوا من خلاله إلى حجية البصمة الوراثية في إثبات النسب ، وضرورة الإحتكام إليها في حالة تنازع إثنين في مجهول النسب أو عدول الأب عن إستلحاق مجهول النسب أو إنكار أبنائه و توريث مجهول النسب و إذا أقر بعض الإخوة بأخوته و نفاها ناخرون و في حالة إدعاء إمرأة بأمومتها بشخص ما دون دون دليل على ولادتها له ، كما أنه ذكر أن كل إنسان ينفرد بنمط خاص في التركيب الوراثي ضمن كل خلية من خلايا جسده ، ولا يشاركه فيها أي شخص اخر و هو ما يعرف كما سبق الذكر ب (1).
ثانيا : نظام (مرتبط بالمناعة ) :

يعتبر نظام إلى جانب البصمة الوراثية إحدى الطرق العلمية القطيعة في إثبات أو نفي النسب ، فهي من الناحية العلمية تمتاز بخصائص تجعله نظام أكثر فعالية في مجال النسب نفيا و إثباتا ، فنظام مهم جدا بإعتباره نظاما ( ) أي رغم أنه جد متغيرو متعدد المظهر البيولوجي (س شخص إلى اخر) إلا أنه جد ثابت و متوازن في انتقاله من الآباء و الأبناء( ( ) مما يعطيه خاصية ثالثة تتمثل في قدرته العليا في تصنيف و تعريف التشخيص البيولوجي للأشخاص.



فهو الأهم في أنظمة التمييز البيولوجي المعروفة حاليا.
المركب يتشكل في الحقيقة من خمس أنظمة متشابكة فيما بينها




(1) –أ- بن داود عبد القادر ،المرجع السابق ، ص 109 ،110


مما يسمح بتمييز بيولوجي جيني منفرد

يجب معرفة أن كل إنسان يحصل على مركبين مختلفين عن بعضهما واحدة من الأب و الأخرى من الأم تسمح بالتمييز بين الأفراد بصورة أكبر مما تمنحه كل الأنظمة الأخرى مجتمعة .
إن قطعية إثبات النسب بواسطة نظام قد يقف عائقا أمام حالة الزواج العائلي أو المتكرر فإن الطفل هنا يحصل من والديه على مركبين متشابهين يصعب الإستنتاجات و التحاليل المجترية ، مما يستدعي اللجوء إلى الإثبات عن طريق نظام البصمة الوراثية


ثانيا : الطرق العلمية الظنية :

تعتبر من الناحية العلمية بعض الطرق وسيلة من وسائل إثبات النسب رغم أن قيمتها العلمية تختلف عن تلك القطعية التي تم الإشارة إليها سابقا ، لذلك فإنها تعرف العديد من الأنظمة التي تتمثل في :


أولا : نظام ال / فحص الدم :

يعتبر نظام فحص الدم إحدى الطرق العلمية الشائع إستعمالها في مجال نفي النسب ، ذلك أن فصيلة دم كل من الطفل و الأم و الأب تحدد عن طريق تحاليل فحص الدم ، فكل طفل له خاصية جينية إما مع الأم و إما مع الأب ، و بما أن الأم معروفة دائما بواقعة الولادة فإذا كانت له خاصية لم تكن موجودة لدى الأم ، فهي بالضرورة موجودة عند الأب ، فإذا ثبت غياب هذه الخاصية عند الأب المفترض فإن أبوته لهذا الطفل غير ممكنة ، و يتم على أساسها نفي النسب و يتضح من الجدول التالي هذه الفصائل و ما يقابلها من مواد مولدة و أجسام مضادة و تراكيب جينية :





الفصيلة المادة المولدة الأجسام المضادة التراكيب الجينية



نقي

هجين




نقي

هجين











و لتوضيح أكثر نذكر الأمثلة الآتية :
- الأم و الابن ففي هذه الحالة إذا كان الرجل فيستحيل أن يكون هو اب الطفل ، لأنه بالضرورة قد حصل على الخاصية من أبيه الحقيقي
- الأب و الأم إذا الأب أو و الأم أو
فحتما الأطفال إما أو أو ،يستحيل أن يكون للأولاد في هذه الحالة أخا أو .

ثانيا : نظام ال :

يعتبر هذا النظام ذو خاصية تتمثل في أنه يحتوي على عدة خصائص وراثية نادرة جدا ، يستخدم بنفس الطريقة كنظام ال ، فعلى سبيل المثال :
الأم الأب المفترض
الإبن




ففي هذه الحالة يستحيل ثبوت النسب لأن الإبن حصل على من أمه وبالتالي من أبيه لكن الأب المفترض و ليس ، إذا فالنسب منفي بطريقة علمية.
و تجدر الإشارة إلى وجود حالة خاصة تتمثل في حالة وجود( )
- الأب المفترض
- الأم

- الإبن

ففي هذه الحالة لا يمكن نفي نسب الإبن للأب المفترض لأن الإبن حصل على من أمه و قد يكون قد حصل على من الرجل ولكن نظرا لأن خاصية نظام نادرة جدا فإنه يمكن القول أن هناك إحتمال كبير أن يكون الرجل هو أب فعلي للطفل .

ثالثا : نظام مجموعة البروتينات :
هو نظام متعدد و متغيلر نظرا لتعدد و تغير هيئات مظهر البروتينات المجودة في المصل و أنزيمات الكريات الحمراء ، و هو نظام حديث جدا يمكن من إستعمال هذه العلامات و يعطي نتائج أكثر دقة من فصائل الدم العادية ، لأنه مع البروتينات لدينا قدرة عالية للتمييز البيولوجي بين الأشخاص ، ويستعمل في التحاليل و الدراسات نفس المبادئ كالأنظمة الدموية ، يبقى التمييز مقتصرا فقط على بعض الخاصيات الكيميائية و البيولوجية .
كما تجدر الإشارة إلى أن ما تم ذكره في مجال الطرق العلمية ذات الحجية الظنية كان على سبيل المثال لا الحصر و التي يقتاد إليها في مجال النفي و تعطينا مجرد إحتمالات في الإثبات حيث يوجد إلى جانبها أكثر من 30 نظام علمي يستعمل في هذا المجال نتج عن التطورات البيولوجية الحديثة منها :

- نظام المفرزات اللعابية
- نظام
- نظام
نظام



الفرع الثالث : عوائق تطبيق الطرق العلمية الحديثة لإثبات النسب :

رغم التكريس القانوني ل‘مكانية إثبات النسب بالطرق العلمية الحديثة فإن إعمال القضاء لتلك الظروف لا يحول دون وجود عقبات و عوائق قد تؤدي إلى عدم تكريسها عمليا و هي إما أن تكون عوائق قانونية أو مادية .

أولا : العوائق القانونية :
فمن هذه العوائق حرمة الحياة الخاصة ، و إحترام السلامة الجسدية و عدم إجبار الشخص على تقديم دليل ضد نفسه .
1 /- حرمة الحياة الخاصة :
تنص المادة 34 من دستور 1996 على أنه" تضمن الدولة عدم إنتهاك حرمة الإنسان و يحظر أي عنف بدني أو مساس بالكرامة "
فهذه المادة تشكا إحدى أهم العقبات الأساسية أمام تطبيق الطرق العلمية الحديثة في النسب ، و خصوصا فحص الحمض النووي الذي يشكل تدخلا في الحياة الخاصة للفرد ، لأنها تفتح المجال للبحث عن الخصائص الوراثية من خلال الإستعداد الوراثي للشخص ، مما قد يمد الغير بمعلومات خاصة بالزوج و الزوجة و تكون ذات طابع شخصي خاص .

2 /- إنتهاك السلامة الجسدية :
تنص المادة 35 من دستور 1996 عل أنه " يعاقب القانون على المخالفات المرتكبة ضد الحقوق و الحريات و على كل ما يمس سلامة الإنسان" و قد تنطوى الطرق العلمية على مساس هذه السلامة الجسدية ، ذلك أنها تعتمد على العتاد المأخود من جسم الإنسان و الذي قد يؤخذ منه بطريق الإكراه ، و هو ما يعد مساسا بسلامته الجسدية .

3 /- عدم جواز إجبار الشخص على تقديم دليل ضد نفسه :
لقد كرست مختلف الأنظمة الإجرائية مبدئا عاما لا يجوز بموجبه اللجوء لإجبار الشخص على تقديم دليل ضد نفسه ، و هو ما سوف يتم إنتهاكه إذا تم الأخذ بالطرق العلمية ، إذ انها تقوم على إجبار الشخص المعني على أخذ العتاد الخلوي من أجل فحص الحمض النووي مثلا ، و هو ما يعد إجبارا للشخص على تقديم دليل ضد نفسه و هو ما قد يجعله دليلا باطلا ، طبقا لقانون الإجراءات .

ثانيا : العوائق المادية :
1/- وجود مخبر علمي واحد و وحيد :
لقد خصص قسم البيولوجيا الشرعية من خلال تدشين مخبر ال بمناسبة عيد الشرطة بتاريخ 22/07/2004 بالرغم من أنه يعد خطوة هامة في تكريس و تشجيع العمل بالبصمة الوراثية لمسايرة التطور البيولوجي في هذا المجال ، حيث يشرف عليه تقنيين و باحثين مختصين في علم البيولوجيا و الوراثة ، تتجلى أهميته في البحث عن الأدلة بواسطة التحاليل المخبرية سواء كانت في المجال الجنائي أو في إثبات و نفي النسب بإعتبار الطرق العلمية وسيلة مستحدثة في المادة 40 للفقرة الثانية من قانون الأسرة المعدل و المتمم ، إلا ان إستحداث مخبر علمي واحد على المستوى الوطني مقارنة بإستحداث الطرق العلمية من طرف المشرع وقف عائقا ماديا حال أمام صعوبة إستصاغة الأمر من خلال الأوجه التالية :
أ- يتطلب اللجوء إلى الطرق العلمية توافر مخابر ذو جودة عالية و تقنية محظة نظرا لصعوبة إستعمال الوسائل المستخدمة في هذا المجال .
ب- يتطلب اللجوء إلى الطرق العلمية الإلمام الشامل و المعرفة الدقيقة بعلم الجينات و كل الأنظمة المستعملة في هذا المجال ، الذي يرتكز على الفرضيات و الحالات النادرة و إستعمال بعض المفاعلات صعبة و معقدة يجب مراقبتها بصورة دقيقة فمثلا أثبت الخبراء بأنه يتطلب إستعمال على الأقل 20 نظام في هذا المجال للوصول إلى النتيجة الحتمية في الإثبات أو النفي .
ج- يتطلب إعتماد نظام ال دون سواه إمكانيات ضخمة سواء بالإعتماد على مخبر عالي الجودة و على خبراء تقنيين أخصائيين رفيعي المستوى من بينهم أخصائيين في الإحصائيات و الإحتمالات ، نظرا لأنه يشكل إحدى الأنظمة المعقدة و الشائكة.

2/- مسألة مصاريف الخبرة :
إذا كان اللجوء إلى الطرق العلمية يرتكز في أساس على ضرورة توافر البات و هياكل مادية ضخمة للوصول إلى نتائج فعالة ، فإن ذلك يتطلب بالمقابل مصاريف باهظة تفتقر لآلية قانونية يتم بموجبها تحميل الخزينة العامة أعبائها ، و بالتالي يتحملها أطراف الدعوى ، فهل يمكن تصور ذلك بالنظر إلى الأوضاع المعيشية و الإقتصادية للمواطن الجزائري ، مما يستدعي القول بأن مجال لجوء المواطن إلى هذه الخبرة يبقى ضيقا جدا .





المطلب الثاني : القيمة القانونية للطرق العلمية :

لم يشر المشرع إلى القيمة القانونية للطرق العلمية لإثبات النسب ، مما يثير التساؤل عن مدى حجيتها و سلطة القاضي المكلف بشؤون الأسرة في تقديرها ، فيما إذا كان الأمر يبقى خاضعا للقواعد المنوطة بالخبرة العلمية ، أم أن الأمر يتطلب إخضاع هذه الطرق إلى قواعد خاصة نظرا للطبيعة العلمية و الحتمية لهذه الطرق ، و هو ما سيتم الإجابة عنه فيما يلي :
الفرع الأول : حجية الطرق العلمية في إثبات النسب

الفرع الثاني : سلطة القاضي في تقدير الطرق العلمية

الفرع الاول : حجية الطرق العلمية في إثبات النسب :

نظرا لعدم تحديد المشرع الجزائري لحجية الطرق العلمية في إثبات النسب فإن التساؤل حول هذه الحجية قد يثار بالنسبة لقيمتها القانونية فيما إذا كانت قطعية الدلالة و بأنها قابلة للخطأ أي ذات حجية نسبية و من تمة يجدر بنا التساؤل عن مدى تأثير تقرير الخبرة العلمية في هذا المجال على الحكم وجودا أو عدما و هو ما سيتم مناقشته فيما يلي :

أولا : الحجية المطلقة للطرق العلمية لإثبات النسب :
لقد تبنى معظم رجال القانون إنطلاقا من القيمة التي تعتري مجال الطرق العلمية فكرة أن لهذه الأخيرة حجية مطلقة ذلك أن الخبراء اللذين يقومون بإجراء هذه الخبرة مختصون في هذا المجال و بالتالي فإن لآرائهم تأثير على قرارت القضاة في تبني إتجاههم ، فعلى سبيل المثال يعتبر العلماء أن البصمة الوراثية ذات دلالة تقنية قطعية تتجلى بإنفراد كل شخص بنمط وراثي معين ،لا يوجد عند أي كائن اخر في العالم ، إذ لا يمكن أن يتشابه ال لشخصين إلا مرة واحدة كل 86 بليون حالة أي أن نسبه التشابه يتساوى من 1 إلى 86 بليون شخص فمن تمة يمكن القول أن نسبة التشابه منعدمة تماما .(1)



(1) د/ نبيل سليم ( البصمة الوراثية و تحديد الهوية ، مجلة حماية الوطن عدد256 ، 2004 ، الكويت)



لذلك كانت من الناحية العلمية وسيلة لا تكاد تخطأ في التحقيق لإلحاق أو نفي نسب الأولاد للاباء لأن الحمض النووي و أيضا ال يعد دليل إثبات و نفي قاطع بنسبة 100 بشرط أن يتم تحليله بطريقة علمية سليمة ما دام أن إحتمال التشابه بين البشر غير وارد .
و تجدر الإشارة هنا إلى أن الطرق العلمية المتمثلة حسبما توصل إليه العلماء في نظامي البصمة الوراثية و نظام هي الوحيدة التي تكتسي الحجية القطعية ، و ما ياكد هذه الحجية المطلقة إمكانية أخذها منأي مخلفات ادمية سائلة( دم،مني) أو أنسجة (لحم ، عظم،جلد،شعر) كما أنها تقاوم عوامل التحلل والتعفن و العوامل المناخية المختلفة من حرارة و برودة و جفاف ، ليس ذلك فقط بل أنه يمكن الحصول عليها حتى من الاثار القديمة و الحديثة كما حصل في القضاء الفرنسي في قضية الفنان" إيف مونتان" حيث ادعت امرأة أن لها إبنة منه تدعى" أنياس " و ما أضفى على الأمرنوعا من المصداقية أن تلك السيدة كانت تشبه الفنان في ملامح وجهه و قد أمر القاضي الفاصل في هذه القضية بواسطة الخبرة بحفر قبر الفنان و أخذ عينة من جسمه فحص عينة من حمضه النووي و مقارنتها بالحمض النووي للبنت التي تدعي أنه اباها و بعد مدة سارت القضية و ظهرت النتائج و أثبتت الخبرة أنه لا يربط الفنان و السيدة أي علاقة أبوة أو بنوة ،و لعل أن أكبر مثال على فعالية فحص الحمض النووي كوسيلة من وسائل إثبات النسب ما ذكرته إحدى الصحف السعودية بخصوص إنسان (النايدات) الذي وجدت جثته محفوظة في الثلج منذ حوالي 9000 سنة و علم ذلك عن طريق تحليل البصمة الوراثية فكيف لا يكون لها بذلك حجية مطلقة في إثبات أو نفي النسب .(1)

لذلك لا يمكن في كل الاحوال الشك مطلقا في مستوى نجاعة الإعتماد على هذه الطرق العلمية سواءا القطعية منها و التي تعطينا نتائج حتمية في مجال إثبات النسب أو الظنية التي تعطينا نتائج حتمية في مجال النفي و احتمالات في مجال الإثبات و الذي يمكن القاضي دائما من الإستعانة إليها لحل الكثير من المسائل العالقة في إلحاق الأبناء بآبائهم أولا .(2)






جريدة الوطن السعودية ، السبب 01/05/2004 عدد 1380 السنة 4 . (1)
(2) البصمة الوراثية و مدى حجيتها في الإثبات ، المرجع السابق ، ص 112





ثانيا :الحجية النسبية للطرق العلمية :

إذا كان معظم علماء الطب و القانون قد توصلوا إلى إعتبار بعض الطرق العلمية كالبصمة الوراثية و نظام ال ذات حجية قطعية الدلالة نظرا للخصائص التي تم التطرق إليها في هذا الباب ، فإن فري اخر تبنى فكرة الحجية النسبية لهذه الطرق العلمية إعتمادا على ما هو جار العمل به في القواعد العامة بالنسبة للخبرة القضائية و لو كانت علمية مبنية على أسس تقنية محضة .
فالطرق العلمية الظنية كنظام ال (تحليل فصائل الدم ) أو نظام المفرزات اللعابية تعتبر وسيلة إثبات نسبية لا يرقى الشك فيها إلى درجة اليقين ، كون أن النتائج التي تصل إليها تبقى محتملة الوقوع لا ترقى أن تكون دليل إثبات حتمي ما دام أن نسبة التشابه فيها بين البشر يبقى واردا بدرجة كبيرة ، و من تم فإن الخبرة العلمية التي تتضمن هاته الطرق تبقي خاضعة للقواعد العامة للخبرة القضائية العادية .
ليس ذلك فقط بل أن البعض رأى في الطرق العلمية القطعية التي تم تفصيل بيانها سابقا حجية نسبية كذلك ، فتقنية ال لا يمكنها بأي حال من الأحوال منحنا الدليل القاطع على إتهام شخص معين أو إلحاق نسب ولد ما أو نفيه ، لذلك فإن القاضي و إن إعتمد عليها عند دراسته لملف معين فهي لا ترقى لدليل قطعي غير قابل لإثبات العكس ، كما إعتبر علماء الطب أن التحاليل الجينية لا تشكل كذلك بأي حال من الأحوال سلاحا مطلقا لاول وهلة لأن هذه التقنية رغم حساسيتها تقتضي من القضاء إحاطتها بشروط صارمة للأخذ بها ، و هو ما يجرنا إلى التساؤل عن مدى تقارب المعنيان معا ، فكيف يمكن إعتبارها طرقا علمية قطعية الدلالة من جهة ، وبقاء إحتمال الشك واردا من الجهة الثانية ؟؟

وهو ما يجرنا إلى الحديث عن السلطة التقديرية للقاضي في تقدير الخبرة في مجال الطرق العلمية لإثبات أو نفي النسب.







الفرع الثاني : سلطات القاضي في تقدير الطرق العلمية لإثبات النسب :

تعتبر الخبرة القضائية طبقا للقواعد العامة بالنسبة للقاضي من المسائل التي تخضع لسلطته التقديرية بإعتبارها سلطة مطلقة له فيها أن يصادق على تقرير الخبراء كليا أو جزئيا ، كما له الحكم من دونها ، فهل تخضع ميألة تقدير الخبرة العلمية في مسألة النسب إثباتا و نفيا للقواعد العامة من جهة ؟
و ما مدى سلطة القاضي في تقدير قيمتها القانونية فيما يخص مسألة نفي النسب عن طريق اللعان كما هو جار العمل به .

أولا : لجوء القاضي إلى الخبرة العلمية و سلطاته اتجاهها :

لا يمكن بأي حال من الأحوال لقاضي شؤون الأسرة الفصل في مسألة إثبات النسب بالطرق العلمية إلا باللجوء إلى إستشارة اراء الخبراء و العلماء المتخصصين في مجال البيولوجيا للتوصل إلى نتائج علمية دقيقة بإعتبارها من المسائل التقنية التي لا يمكن للقاضي الفصل فبها إلا بالإستعانة إليهم و الإسترشاد بارائهم (1).
و من تم فإن القاضي في هذه الحالة يلجأ طبقا للقواعد العامة للفصل في مثل هذه المسائل التقنية
إلى الخبرة القضائية التي سيستصدر من خلالها حكما تحضيريا قبل الفصل في الموضوع بتعيين خبير مختص يوكل له مهام اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات نسب الولد لابيه أو نفيه بتحديد المهام المنوطة إليه بدقة متناهية ، والقول بان الحكم تحضيري مفاده عدم إتضاح نية القاضي في الفصل في مسالة النسب ثبوتا ام نفيا بطبيعة الحال طبقا لما يعرف في ذلك عن الأحكام التحضيرية و التمهيدية كذلك .

إلا أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد ، بل تطرح مسألة تقدير القاضي لهذه الخبرة العلمية ومدى حجيتها بإعتبارها خبرة علمية اعتمدت على رأي خبراء مختصين في مجال البيولوجيا من جهة ، واستنادا إلى القيمة العلمية بالطرق الحديثة القطعية منها خاصة كالبصمة الوراثية ، و نظام ال وهو ما رأى فيه البعض خروجا عن القواعد العامة في الخبرة القضائية التي تخضع إلى سلطة القاضي التقديرية
في الإعتماد عليها رغم أن هذالا الطرح قد لا يكون بنفس هذا الوضوح في التطبيق ، ذلك أن هاته الطرق

(1) أ/ محمود توفيق إسكندر ، الخبرة القضائية ، دار هومة ، طبعة 2002 ، ص 37 و ما يليها .


قد لا يتيح للقاضي فهمها و بالتالي يمتنع حتى عن مناقشتها بإعتبارها مسألة تقنية و علمية بحثة و دقيقة ، و من تمة فإن جهل القاضي بهذه الطرق و مصطلحاتها قد يقف عائقا أمام مناقشته لها فيلجأ إلى قبولها و الإستناد عليها ثبوتا للنسب أو نفيا له .

ثانيا : تقدير القاضي لنفي النسب بين اللعان و الطرق العلمية :

يعتبر اللعان احدى الطرق المشروعة الذي يفيد نفي النسب به طبقا لأحكام المادة41 من قانون الأسرة ، باعتباره الوسيلة الوحيدة التي جاء بها فقهاء الشريعة الإسلامية في مسالة النسب ، لهذا طرحت هذه المسألة ، إشكالا كبيرا من حيث سلطات القاضي في تقديرها إلى جانب الطرق العلمية الواسعة في مجال نفي النسب فإذا كان اللعان الطريقة الشرعية التي جاءت بها النصوص الشرعية لنفي النسب فهل يصح نفيه بالطرق العلمية سواءا منها القطعية و الظنية التي تعد وسائل نفي ناجعة من خلال النتائج
المتوخاة منها فيكتفي بها ام لا بد من اللعان أيضا و هل يجوز تقديم الطرق العلمية كوسيلة للنفي على اللعان ؟
الحقيقة أن هذا الأمر كان محل خلاف فقهي كبير ،فذهب البعض إلى عدم جواز تقديم البصمة الوراثية مثلا على اللعان في نفي النسب ، وعلى هذا الأساس جاء قرار المجمع الإسلامي بالرابطة " لا يجوز شرعا الإعتماد على البصمة الوراثية في إثبات النسب و لا يجوز تقديمها على اللعان "
كما ذهب البعض الاخر إلى ترجيح الطرق العلمية في هذاالنفي ما دامت نتيجتها قطعية على عكس دعوى اللعان التي ترتكز على أسس و شروط تعجيزية أحيانا كالمدة التي يتطلبها اللعان (8 أيام) أو عدم حصول الزوج على شهود في ذلك .
إلا أن التساؤل الذي يبقى مطروحا في هذا المجال يتعلق بمدى تطابق الاثار المترتبة على نفي النسب عن طريق اللعان من تفريق للزوجين و غيرها على نفيه عن طريق الطرق العلمية خاصة أمام عدم تدخل المشرع الجزائري في تحديد هذه المسألة .
و تجدر في الأخير الإشارة إلى أنه وإضافة إلى القواعد الموضوعية لإثبات النسب ، توجد قواعد و أحكام إجرائية تتمثل أساسا في وسائل ممارسة دعوى الإثبات هاته التي تخضع للقواعد العامة شأنها شأن باقي الدعاوي المدنية الأخرى ، فإما أن تكون دعوى أصلية تهدف إلى إثبات النسب دون أي نزاع صريح حول موضوع محدد ، وإما دعوى تبعية تهدف لإثبات النسب كحق من الحقوق الشرية إلى جانب إثبات الزواج مثلا.


الخــــــــــاتمة


لقد حاولنا من خلال عرضنا المتواضع كشف العديد من المشاكل التي تثيرها مسألة إثبات النسب عموما ، و دور الطرق العلمية في ذلك نظرا لما يكتسي هذا المجال من أهمية بالغة فقها و تشريعا و كذلك قضاءا ، مبرزين من خلال ذلك نطاق تطبيق هاته الطرق و دورها البيولوجي و العلمي في الإثبات و النفي من خلال درجات قيمتها و حجيتها .

إلا ان ذلك لا يخلو من التعقيدات و الإشكاليات التي يثيرها هذا الموضوع ، والتي تتطلب حصرها من الجانب القانوني من خلال وضع إيطار قانوني للطرق العلمية أولا سواء القطعية منها التي ترقى إلى درجة اليقين كما تم تفصيله بالنسبة إلى البصمة الوراثية أو نظام من جهة أولى أو الضنية كذلك التي لا ترقى فيها درجة الشك إلى اليقين ، و إلا فلا جدوى من وضع هذه الطرق كوسيلة لإثبات النسب بمقابل الطرق الشرعية أو لنفيه بمقابل اللعان كوسيلة شرعية كذلك .

كما أن الضرورة تستدعي تحديد قيمتها القانونية و حجيتها من خلال بسط سلطات القاضي المكلف بشؤون الأسرة في مجال تطبيق الطرق العلمية لخلق نوع من المرونة القانونية كذلك و إلا فما الجدوى من وضع المشرع لهذه الطرق دون حصر لمجالها و حجيتها بما يفيد القضاة في سهولة اللجوء إليها كلما إستعصى عليهم الإثبات بالطرق الشرعية ،كذا و في شأن مسألة التلقيح الإصطناعي التي أسالت الكثير من الحبر من خلال التساؤل عن إتبات أو نسب الولد عن طريق هذه العملية و أساسها كطريقة علمية جديدة للإنجاب وجودا و عدما تماشيا مع وجود أو غياب إحدى شروطها الواردة في المادة 45 مكرر من قانون الأسرة .

كل هذه المسائل وغيرها قد تقف عائقا أمام القاضي المكلف بشؤون الأسرة لإيجاد حل قانوني بالنسبة للطرق العلمية المضافة بموجب الأمر 05 -02 السالف الذكر ،مما يستوجب تدخل المشرع الجزائري من أجل وضع إيطار قانونيا لا يدع مجالا للتأويل و التفسير أمام موضوع كان ولا يزال يشكل إهتمام القضاة و الخبراء في نفس الوقت.