منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - فهرس القرآن وعلومة وتفسير القرآن الكريم
عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-03-09, 16:57   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال :

لماذا ذكر الله المجادله بالفعل بقوله (وجادلهم)، وعن الحكمه والموعظة (بالاسم) ؟

الجواب :

الحمد لله

أولًا:

فإن معنى الآية الكريمة: " أي: ليكن دعاؤك للخلق مسلمهم وكافرهم إلى سبيل ربك المستقيم المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح (بِالْحِكْمَةِ) أي: كل أحد على حسب حاله وفهمه وقوله وانقياده.

ومن الحكمة الدعوة بالعلم لا بالجهل والبداءة بالأهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم، وبالرفق واللين، فإن انقاد بالحكمة، وإلا فينتقل معه بالدعوة بالموعظة الحسنة، وهو الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب.

إما بما تشتمل عليه الأوامر من المصالح وتعدادها، والنواهي من المضار وتعدادها، وإما بذكر إكرام من قام بدين الله وإهانة من لم يقم به.

وإما بذكر ما أعد الله للطائعين من الثواب العاجل والآجل ، وما أعد للعاصين من العقاب العاجل والآجل .

فإن كان المدعو يرى أن ما هو عليه حق. أو كان داعيه إلى الباطل، فيجادل بالتي هي أحسن، وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلا ونقلا.

ومن ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها، فإنه أقرب إلى حصول المقصود، وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها، ولا تحصل الفائدة منها بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها.

وقوله: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) علم السبب الذي أداه إلى الضلال، وعلم أعماله المترتبة على ضلالته وسيجازيه عليها.

(وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) علم أنهم يصلحون للهداية ، فهداهم ، ثم منَّ عليهم فاجتباهم "

انتهى من "تفسير السعدي" (452.

وقال ابن القيم رحمه الله : " والعظة يراد بها أمران: الأمر والنهي المقرونان بالرغبة والرهبة .

ونفس الرغبة والرهبة.

فالمنيب المتذكر : شديد الحاجة إلى الأمر والنهي .

والمعرض الغافل : شديد الحاجة إلى الترغيب والترهيب .

والمعارض المتكبر : شديد الحاجة إلى المجادلة .

فجاءت هذه الثلاثة ، في حق هؤلاء الثلاثة ، في قوله: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) [النحل: 125] .

أطلق الحكمة ، ولم يقيدها بوصف الحسنة، إذ كلها حسنة، ووصف الحسن لها ذاتي.

وأما الموعظة : فقيدها بوصف الإحسان، إذ ليس كل موعظة حسنة.

وكذلك الجدل : قد يكون بالتي هي أحسن، وقد يكون بغير ذلك . وهذا يحتمل أن يرجع إلى حال المجادل وغلظته، ولينه وحدته ورفقه، فيكون مأمورا بمجادلتهم بالحال التي هي أحسن.

ويحتمل أن يكون صفة لما يجادل به من الحجج والبراهين، والكلمات التي هي أحسن شيء وأبينه، وأدله على المقصود، وأوصله إلى المطلوب.

والتحقيق: أن الآية تتناول النوعين.

وأما ما ذكره بعض المتأخرين : أن هذا إشارة إلى أنواع القياسات ؛ فالحكمة هي طريقة البرهان، والموعظة الحسنة هي طريقة الخطابة، والمجادلة بالتي هي أحسن طريقة الجدل . فالأول: بذكر المقدمات البرهانية لمن لا يرضى إلا بالبرهان، ولا ينقاد إلا له، وهم خواص الناس. والثاني: بذكر المقدمات الخطابية التي تثير رغبة ورهبة لمن يقنع بالخطابة ، وهم الجمهور. والثالث: بذكر المقدمات الجدلية للمعارض الذي يندفع بالجدل، وهم المخالفون =

فتنزيل القرآن على قوانين أهل المنطق اليوناني واصطلاحهم، وذلك باطل قطعا من وجوه عديدة ليس هذا موضع ذكرها "

انتهى من "مدارج السالكين" (1/444)

ثانيًا:

عبر بالفعل في قوله " وجادلهم " ولم يعبر بالمصدر، لينبه على أن المجادلة مقيدة بأن تكون بالتي هي أحسن .

قال ابن عاشور: " لم يعطف مصدر المجادلة على الحكمة والموعظة بأن يقال: والمجادلة بالتي هي أحسن، بل جيء بفعلها، تنبيها على أن المقصود تقييد الإذن فيها ، بأن تكون بالتي هي أحسن، كما قال: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) [سورة العنكبوت: 46].

والمجادلة: الاحتجاج لتصويب رأي وإبطال ما يخالفه أو عمل كذلك.

ولما كان ما لقيه النبيء صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين قد يبعثه على الغلظة عليهم في المجادلة ، أمره الله بأن يجادلهم بالتي هي أحسن "

انتهى من "التحرير والتنوير" (14/ 328(.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فالقرآن ليس فيه أنه قال: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة والجدل !!

وذلك لأن الإنسان له ثلاثة أحوال: إما أن يعرف الحق ويعمل به ، وأما أن يعرفه ولا يعمل به ، وإما أن يجحده .

فأفضلها : أن يعرف الحق ويعمل به .

والثاني: أن يعرفه ، لكن نفسه تخالفه ؛ فلا توافقه على العمل به .

والثالث: من لا يعرفه ، بل يعارضه .

فصاحب الحال الأول : هو الذي يدعى بالحكمة ؛ فإن الحكمة هي العلم بالحق ، والعمل به ؛ فالنوع الأكمل من الناس : من يعرف الحق ، ويعمل به ؛ فيدعون بالحكمة .

والثاني: من يعرف الحق ، لكن تخالفه نفسه ؛ فهذا يوعظ الموعظة الحسنة .

فهاتان هما الطريقان : الحكمة ، والموعظة .

وعامة الناس يحتاجون إلى هذا وهذا ؛ فإن النفس لها أهواء تدعوها إلى خلاف الحق وإن عرفته؛ فالناس يحتاجون إلى الموعظة الحسنة ، وإلى الحكمة ؛ فلا بد من الدعوة بهذا وهذا.

وأما الجدل : فلا يدعى به ، بل هو من باب دفع الصائل ؛ فإذا عارض الحق معارض : جودل بالتي هي أحسن .

ولهذا قال : ( وجادلهم ) ؛ فجعله "فعلا" مأمورا به ، مع قوله : ( ادعهم ) .

فأمره : بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، وأمره : أن يجادل بالتي هي أحسن ؛ وقال ، في الجدال : ( بالتي هي أحسن ) ، ولم يقل بالحسنة ، كما قال في الموعظة ؛ لأن الجدال فيه مدافعة ، ومغاضبة ؛ فيحتاج أن يكون بالتي هي أحسن ، حتى يُصلح ما فيه من الممانعة والمدافعة . والموعظةُ : لا تُدَافَع ، كما يُدافَع المجادِل .

فما دام الرجل قابلا للحكمة ، أو الموعظة الحسنة ، أو لهما جميعا : لم يحتج إلى مجادلة ؛ فإذا مانع جودل بالتي هي أحسن.

والمجادلة بعلم ، كما أن الحكمة بعلم .

وقد ذم الله من يجادل بغير علم ، فقال تعالى: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) .

والله لا يأمر المؤمنين أن يجادلوا بمقدمة يسلمها الخصم ، إن لم تكن علما . فلو قدر أنه قال باطلا ، لم يأمر الله أن يحتج عليهم بالباطل "

انتهى من "الرد على المنطقيين"(468) .

والله أعلم .