منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الأحكام العامة لعقد التأمين
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-12-28, 10:10   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 الفصل الأول

الفصل الأول: إبرام عقد التأمين

من الأهمية بما كان -قبل الخوض في الموضوع- الإحاطة بمفهوم عقد التأمين، ماهيتة والتعريف به وبمختلف أنواعه، والتعرض إلى خصائصه المميزة له والمبادئ العامة التي يخضع لها، ثم إلقاء إطلالة على تطوره التاريخي والتشريعي والمراحل التي مر بها ثم استعراض موقف الشريعة الإسلامية منه، وهذا ما سنتناوله تباعا:

المبحث الأول: مفهوم عقد التأمين

المطلب الأول: تعريف عقد التأمين وأنواعه
أولا: تعريف عقد التأمين
اجتهد الفقه والتشريع لإعطاء تعريف جامع ومانع للتأمين يشمل جوانبه المختلفة، فكانت هذه التعاريف:
1- تعريف الفقه:
لقد تناول بعض الفقهاء الفرنسيين تعريف التأمين دون اتحاد في الرأي حول الموضوع، فقد عرفه بلانيول Planiol على أنه "عقد بمقتضاه يتحصل المؤمن له على تعهد من المؤمن بأن يقدم له مبلغا من المال في حالة وقوع خطر معين مقابل دفع قسط أو اشتراك مسبق".
وعرفه سوميان Soumien بأنه "عقد يلتزم بمقتضاه شخص يسمى المؤمن بالتبادل مع شخص آخر يسمى المؤمن له بأن يقدم لهذا الأخير تعويض الخسارة المحتملة نتيجة حدوث خطر معين مقابل مبلغ معين من المال يدفعه المؤمن له إلى المؤمن ليضيفه إلى رصيد الاشتراك المخصص لتعويض الأخطار"(1).
وقد أيد الفقه في مجموعه التعريف الذي اقترحه الفقيه الفرنسي هيمار Hemard الذي عرف التأمين بأنه "عملية يتحصل بمقتضاها أحد الأطراف وهو المؤمن له، نظير دفع قسط، على التعهد لصالحه أو لصالح الغير من الطرف الآخر وهو المؤمن، تعهد يدفع بمقتضاه هذا الأخير أداء معينا عند تحقق خطر معين بأن يأخذ على عاتقه مهمة تجميع مجموعة من المخاطر وإجراء المقاصة بينها وفقا لقوانين الإحصاء".
وهو تعريف يؤكد على أهمية كون التأمين عملية فنية تزاولها هيئات منظمة، وعلى ضرورة تجميع أكبر عدد ممكن من المخاطر المتشابهة(2)، وقد حضي بتأييد الفقه بالنظر إلى أنه ينطبق على نوعي التأمين (التأمين على الأشخاص والتأمين على الأضرار)، وأنه حلل التأمين إلى عناصره الفنية والقانونية مبرزا كيفية وشروط نشوء العلاقة القانونية ووضع أسس هذه العملية التي تركز على تنظيم التعاون بين مجموعة من الأفراد في مواجهة أخطار محتملة الوقوع بإجراء المقاصة بينها تبعا لقوانين الإحصاء.
أما الفقهاء العرب فقد انقسموا في تعريفهم للتأمين إلى فريقين(3):



(1): جديدي معراج، مدخل لدراسة قانون التأمين الجزائري، د م ج، ص 10؛
(2): أحمد شرف الدين، أحكام عقد التأمين، توزيع دار الكتاب الحديث، الطبعة الثالثة، 1991، ص 15؛
(3):د. إبراهيم أبو النجا، التأمين في القانون الجزائري (الأحكام العامة)، د.م.ج، الجزائر، طبعة 1993، ص43.
الفريق الأول: وهو فريق متأثر بالفقه الفرنسي، ويعرف التأمين على أنه "عقد يأخذ فيه المؤمن على عاتقه طائفة معينة من الأخطار محتملة الوقوع يرغب المؤمن له أن لا يتحملها منفردا مقابل أن يدفع هذا الأخير قسطا أو اشتراكا محددا".

الفريق الثاني: ويعرف التأمين بأنه "عملية فنية تزاولها هيئات منظمة مهمتها جمع أكبر عدد ممكن من المخاطر المتشابهة ويتحمل المؤمن عن طريق المقاصة أعباء هذه المخاطر وفقا لقوانين الإحصاء وبذلك يتحصل المؤمن له أو من يعينه في حالة تحقق الخطر على تعويض مالي"(1).

2- تعريف التشريع:
تعرف المادة 619 من القانون المدني الجزائري التأمين بأنه: "عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغا من المال أو إيرادا أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين بالعقد وذلك مقابل قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن".
وذهبت المادة 02 من الأمر 95-07 الصادر في 25\01\1995 المتعلق بالتأمينات في نفس السياق حيث تنص على: "إن التأمين في مفهوم المادة 619 من القانون المدني: عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه بأن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى الغير المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغا من المال أو إيرادا أو أي أداء مالي آخر في حالة تحقق الخطر المعين في العقد وذلك مقابل أقساط أو أية دفعة مالية أخرى".
وقد استمد المشرع الجزائري هذا التعريف من التقنين المدني المصري الذي نص في المادة 747 منه على أن "التأمين عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغا من المال أو إيرادا أو مرتبا أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين بالعقد وذلك في نظير قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن".
وتحمل القوانين المدنية العربية نفس التعريف، نذكر منها المواد 713 القانون المدني السوري و 747 القانون المدني الليبي، المادة 983 القانون المدني العراقي، فيما يسميه القانون المدني اللبناني في مادته 950 "الضمان".
وكل هذه التعاريف تبرز العلاقة القانونية والتعاقدية التي ينشئها التأمين بين المؤمن والمؤمن له، كما تبرز عناصر التأمين المتمثلة في الخطر، القسط ومبلغ التأمين أو التعويض.

3- المفهوم الفني لعقد التأمين(2):
إن التأمين عملية تقوم على أسس فنية تنظم التعاون بين المؤمن لهم من طرف المؤمن الذي يعتمد في ذلك على الأسس الفنية التالية:
أ- تنظيم التعاون بين المؤمن لهم:
ويقوم أساسا على التضامن بين مجموعة من الأفراد، ومن شأن هذا التعاون أن يوزع نتائج الكوارث والخسائر بينهم، فيخفف ذلك من حدتها، والمؤمن هو الذي ينظم هذا التعاون ويدير الاحتياط للمستقبل بتفريق الأخطار معتمدا على وسائل فنية للتأمين.

(1): د. إبراهيم أبو النجا ص43؛
(2): مختار محمود الهانسي،مقدمة في مبادئ التأمين، الدار الجامعية، 1990، ص98 / شرف الدين أحكام ص43 وما يليها / عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء السابع، المجلد الثاني: عقد التأمين والمقامرة والرهان والمرتب مدى الحياة، طبعة 2004، دار النهضة العربية، ص 1027.
ب- قانون الأعداد الكبيرة وحساب الاحتمالات:
يفترض التعاون تعدد المؤمن لهم، ووجود أكبر عدد ممكن لتكوين أكبر رصيد مشترك ليتمكن المؤمن من تنفيذ التزاماته نحوهم كلهم، وهو يلجأ في ذلك إلى حساب الاحتمالات أي حساب عدد الفرص التي يمكن أن تحقق فيها الأخطار، وقانون الأعداد الكبيرة يقتضي أن حساب الاحتمالات يكون أقرب للدقة كلما زاد عدد الأخطار المؤمن عليها لأنه عندما يكون محل الإحصاء كبيرا يؤدي إلى نتيجة أقرب للواقع لتبتعد بذلك عملية التأمين عن عامل الصدفة والحظ، الرهان والمقامرة، كما يمكنه على أساسه تحديد الأقساط التي يلتزم المؤمن لهم بدفعها ومبالغ التأمين والتعويضات التي تستوجبها تغطية الأخطار المؤمن عليها.

ج- الجمع بين أخطار قابلة للتأمين:
يجب أن تكون الأخطار التي يجمع بينها المؤمن مستوفية لشروط تجعلها قابلة للتأمين وهي شرط التجانس وشرط التفرق و التواتر، إذ يجب كونها متجانسة في الطبيعة ومتقاربة القيمة حتى لا تخل بالتوازن المالي لشركة التأمين، ويجب كونها متفرقة أي أن لا يجتمع وقوعها في وقت واحد لجميع المؤمن لهم أو لأغلبهم، أي يجب أن يكون تحققها متباعدا وإلا استحال على المؤمن تغطيتها لأن الخطر يستغرق كل مجموع الأقساط، لذا غالبا ما يرفض المؤمن تنظيم الأضرار كثيرة الوقوع كالكوارث الطبيعية أو يطلب قسطا إضافيا لتغطيتها(*)، وأخيرا يشترط كون هذه الأخطار متواترة أي منتظمة الوقوع وليست نادرة، ومن شأن هذا كله تمكين المؤمن من استنتاج جدول الإحصائيات وتقدير الأقساط المطابقة لاحتمال تحقق الأخطار ليتسنى له القيام بالتزاماته تجاه المؤمن لهم على أصوب وجه.

د- إجراء المقاصة بين الأخطار:
لنجاح عملية التأمين يجب توزيع عبء الأخطار والخسائر على المؤمن لهم بجمع الأقساط التي يدفعونها والتي تكون الرصيد المشترك وإجراء المقاصة بين الأخطار التي تحققت والتي لم تتحقق وهذا لا يمكن إلا إذا كانت الأخطار متجانسة –فلا يمكن إجراء المقاصة بين التأمين على الأضرار والتأمين على الأشخاص لأنها مختلفة من حيث الطبيعة- وإجراء المقاصة يفترض وضع أصناف للأخطار وإجراء تقسيم داخل كل صنف وتقسيمه إلى فروع(1) حتى يسهل إجراءها، ففي التأمين على الأشخاص مثلا نفرق بين التأمين على الحياة والتأمين على الإصابات، وداخل التأمين على الحياة نفرق بين التأمين لحالة الوفاة والتأمين لحالة البقاء مع وجوب مراعاة تقاربها من حيث قيمتها ومدتها.

ثانيا: أنواع التأمينات
إن حاجة الإنسان في العصر الحديث ولدت أنواع كثيرة من التأمين، لذا سنحاول تقسيم هذه الأنواع كما يلي(2):



(*): المواد 40، 41 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(1): يحدد المرسوم التنفيذي رقم 95-338 عمليات التأمين وحصرها، الجريدة الرسمية عدد 65، والمادة 02 منه صنفت عمليات التأمين إلى أصناف وفروع وفروع فرعية، وتحصر عمليات التأمين في 06 أصناف هي: 1-التأمينات البرية، 2-التأمينات الزراعية، 3-الأمينات النقل، 4-تأمينات الأشخاص، 5-تأمينات القرض وتأمين الكفالة، 6-إعادة التأمين؛
(2): www.algeriedroit.fr.dz، تاريخ الإطلاع 14/10/2008، ساعة الاطلاع: 09:30.
1- التقسيم حسب موضوع التأمين:
أ- تأمين الأشخاص:
ويشمل التأمين ضد الأخطار التي تصيب الأشخاص مباشرة في حياتهم أو صحتهم، مثل التأمين على الحياة، التأمين ضد المرض... باستثناء ضمان المصاريف الطبية والصيدلانية التي تندرج تحت التأمين من الأضرار التي تبقى خاضعة للمبدأ التعويضي.
ب- تأمين الممتلكات:
ويشمل التأمين ضد الأخطار التي تصيب ممتلكات الشخص كالتأمين على السرقة، التأمين على الماشية...، وغالبا ما ينطبق على أشياء محددة كالتأمين ضد الحريق لعقار موجود في مكان معين وموصوف في وثيقة التأمين، كما توجد تأمينات تتعلق بأشياء قابلة للتعيين عند تحقق الخطر كأقصى تاريخ مثل التأمين على السرقة.
ج- تأمين المسؤولية المدنية:
ويتعلق الأمر بالأضرار التي تصيب الغير ويكون الشخص مسؤولا عنها مثل تأمين المسؤولية المدنية للمالك عن الأضرار التي تصيب جيرانه بسبب الحريق الذي نشب في ممتلكاته، وتأمين مسؤولية أصحاب السيارات والسفن والطائرات,

2- التقسيم حسب عنصر التعاقد:
أ- التأمين الاختياري:
ويشمل كل أنواع التأمين التي يبرمها المؤمن له بمحض إرادته، أي لابد من توفر حرية الاختيار كأساس للتعاقد، مثل تأمين حوادث شخصية وتأمين الحريق.
ب- التأمين الإجباري:
ويشمل كل أنواع التأمين التي تلزم الدولة الأفراد أو المنشآت بإبرامها بهدف اجتماعي أو لمصلحة طبقة ضعيفة في المجتمع، ويشمل كافة فروع التأمينات الاجتماعية (العجز، الوفاة، الشيخوخة، البطالة، المرض، إصابات العمل...) وكذا التأمين الإجباري على السيارات مثلا.

3- التقسيم حسب الغرض من التأمين:
أ- التأمين الخاص أو التجاري:
الذي يقوم على أساس تجاري بهدف الربح، وتقوم به شركات المساهمة وهيئات التأمين بالاكتتاب، أين يتم حساب قسط التأمين بحيث يغطي الخطر المؤمن منه إلى جانب نسبة إضافية أخرى لتغطية الأعباء الإدارية ونسبة الربح التي تهدف إليها هذه الهيئات.
ب- التأمين التعارفي أو التبادلي:
ويقوم على أساس تعاوني لا يهدف إلى الربح حيث يضمن توفير تغطية تأمينية للأعضاء بأقل تكلفة ممكنة، إذ تتفق جماعة من الأشخاص على صرف مبالغ محددة لمن يقع له خطر معين يتعرضون له جميعا، ويتم دفع هذه المبالغ من الأقساط التي يلتزم كل عضو بدفعها(1).


(1): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 21.
4- التقسيم حسب مجال الخطر:
وهو التقسيم الذي اعتمده المشرع الجزائري(1)، وقد انفرد التشريع الجزائري عن غيره من التشريعات (المصري والفرنسي مثلا) بضمه المجالات الكبرى للتأمين في تقنين واحد، بينما تتبع التشريعات الأخرى التأمين البحري خاصة بالقانون التجاري.
أ- التأمينات البحرية:
وهو النوع الذي سبق كل التأمينات الأخرى في النشوء، ويخص الأخطار التي تهدد السفينة وحمولتها خلال رحلاتها أو عند رسوها بالميناء وعند كل عملية بحرية.
ب- التأمينات الجوية:
وهي أحدث عصرا من التأمينات البحرية والبرية معا، ظهرت مع ظهور الطائرات وتهدف إلى تغطية الأخطار التي تتعرض لها أو تحدثها المركبات الهوائية أثناء رحلاتها أو عند توقفها في المطار، وجميع الأخطار التي تتعلق بعملية النقل الجوي.
ج- التأمينات البرية:
وتشمل غالبا التأمينات التي لا تدخل في نطاق التأمين البحري أو الجوي، وتنقسم بدورها إلى تأمين على الأشخاص والتأمين من الأضرار(2).

المطلب الثاني: التطور التاريخي والتشريعي لعقد التأمين
أولا: التطور التاريخي
لم يكن مصطلح "التأمين" معروفا في أي وثيقة قبل العصر الحديث، بل عبر عنه بأفكار أخرى مثل: التعاون، التبادل، التضامن، التخطيط للمخاطر المحتملة، ومساهمة الأسر والمجتمعات في التكفل بإصلاح الضرر.
ومن الباحثين من يرجع ظهور الأفكار الأولى للتأمين إلى العصور القديمة، فخلال الحضارة الفرعونية جسدتها رؤية سيدنا يوسف عليه السلام في تخزين القمح في سنوات الخصب لمواجهة خطر الجفاف المقبل، وخلال الحضارة الصينية كان التجار يوزعون المخاطر المحتملة أثناء نقل البضائع على السفن عبر الأنهار، فإذا غرقت السفينة ونجت أخرى تقاسموا الأضرار فيما بينهم، أما خلال الحضارة البابلية فكان سكان الخليج العربي يعوضون من يفقد سفينته من دون إهمال بسفينة أخرى، كما جسد العرب القدامى ذات الفكرة باعتمادهم على ضمان مخاطر الطريق التي تعترض قوافلهم التجارية.
ومنهم من ينكر الفكرة السابقة على أساس أن الفرد قديما كان يركز نشاطه على الأسرة التي كانت تكفل القدر الكافي من الأمان، أو أن المجتمعات القديمة كانت مقسمة إلى طبقات اقتصادية واجتماعية وسياسية مغلقة مما يؤثر في مسألة احتمالات الخسارة لأنها تتغير من حيث الشدة ودرجة الاحتمال بتغير الطبقات التي يعيش فيها الفرد(3).
غير أن البوادر الأولى لعقود التأمين ظهرت في العهد الروماني كما يرى الفقيهان جروتيوس وبافندورف، وأول تطبيقاتها كانت أثناء حرب الإمبراطورية الرومانية مع اسبانيا أين تعاقد الرومان مع أشخاص يقومون بتوريد المعدات


(1): جديدي، مدخل لدراسة قانون التأمين ص 32 و89؛
(2) : السنهوري ص 1088؛
(3): جديدي، محاضرات في قانون التأمين الجزائري، د م ج، ص6.
البحرية والمؤونة إلى ميدان القتال مقابل أن تأخذ الإمبراطورية الرومانية على عاتقها الخسائر والأضرار التي تنشأ عن الأعمال العدوانية (لكنها عقود تحمل صفة عقود التوريد والنقل البحري).
لذا يعتقد الفقهاء أن أول تطبيق لعقود التأمين يعود إلى عام 1347م أين أبرم عقد في "جنوا" الايطالية في مجال تأمين حمولة سفينة "سنتا كلارا" المتوجهة من جنوا إلى مايوركا الاسبانية(1).
مما يجعل أول مجال تجسدت فيه فكرة التأمين هو مجال المخاطر البحرية بسبب تكثيف التبادل التجاري بين الدول الواقعة على ضفتي المتوسط، وبدأ هذا النظام في شكل "قرض بحري" يقدم فيه شخص ميسور لمالك السفينة أو الشاحن ما يحتاجه مقابل فائدة مرتفعة مع استرداد مبلغ القرض بشرط وصول السفينة بحمولتها سالمة(*).
ثم تطور نظام القرض إلى استعمال صيغ أخرى حولت مبلغ القرض إلى مبلغ التأمين يدفع عند تحقق الخطر وتحويل الالتزام باسترداد مبلغ القرض إلى قسط يدفع عند إبرام العقد(2).
أما التأمين البري فقد ظهر في القرن 17 في صورة تأمين على الحريق، وسبب ظهوره الحريق الهائل الذي شب في لندن عام 1666م وأتى على 85% من مباني المدينة، لينتشر بعدها في مدن عدة خاصة مع بداية الثورة الصناعية، كفرنسا ابتداء من القرن الـ18 أين حضر مرسوم 1981م التأمين على الحياة باعتباره مضاربة على حياة الإنسان(3).
واستمر التأمين في التطور، وظهرت صور جديدة له كالتأمين من المسؤولية ضد الحوادث تزامنا مع تطور وسائل المواصلات إلى حد جعل التأمين من المسؤولية ضد حوادث السيارات تأمينا إجباريا.
وعرف أوج تطوره خلال القرن الـ20، فازدادت عمليات التأمين وظهرت أنواع جديدة له، كالتأمين ضد السرقة، ضد الإصابات البدنية، ضد مخاطر الحروب والتأمين الجوي...الخ.
إلى جانب ظهور صور جديدة للتأمين من المسؤولية، مثل التأمين من مسؤولية الأطباء والجراحين، وتأمين مسؤولية الأشخاص المكلفين برقابة الغير، وتأمين الدين (تأمين التأمين).
كما برزت صور جديدة للتأمين على الأشياء، كتأمين المحاصيل وتأمين البترول، ومع ازدياد اللجوء إلى الطاقة النووية في الاستعمالات السلمية ظهر التأمين ضد مخاطرها، وظهرت أيضا صور متنوعة من التأمينات الاجتماعية التي تتولاها الدولة دون الشركات الخاصة والنشاط الحر، كتأمين العمال من إصابات العمل ومن المرض والعجز والشيخوخة والوفاة.
وزادت الدولة من تدخلها في التأمين وأحكمت الرقابة عليه والسيطرة على شركاته، فأممت الكثير من شركات التأمين الهامة كما هو الأمر في فرنسا، بل إلى حد أن أممت جميع شركات التأمين كما هو الأمر في مصر(4).






(1): جديدي، محاضرات في قانون التأمين الجزائري، ص9؛
(*): ويشبه هذا النظام إلى حد بعيد التأمين، خاصة بالنسبة للمقترض (المؤمن له) حيث توفر له العملية الأمان المطلوب، إلا أنه يختلف عن نظام التأمين بالنسبة للمؤمن حيث أنه لا يستلم قسط التأمين -وهو عنصر أساسي في التأمين- ولا القرض إلا إذا تحقق الخطر.
(2): جديدي، مدخل لدراسة قانون التأمين، ص 07؛
(3): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 17؛
(4): السنهوري ص1033.
ثانيا: التطور التشريعي للتأمين في الجزائر
في مرحلة الاحتلال الفرنسي كان التشريع الفرنسي هو التشريع القائم والمطبق في الجزائر، خاصة قانون 13/07/1930 المنظم لعقد التأمين، وكان قطاع التأمين في الجزائر مستغلا من طرف شركات أجنبية(1)، وبعده عمل المشرع الجزائري على سن قواعد قانونية جزائرية، ويمكن أن نميز في هذا الصدد بين 3 مراحل أساسية(2):
1- المرحلة الأولى:
عرفت بفرض رقابة الدولة على الشركات الأجنبية العاملة في هذا المجال، المقدر عددها بحوالي 270 شركة(3) تعمل في مختلف مجالات التأمين وأغلبها فرنسية، حيث اتخذت السلطات حينها تدابير بمقتضى القانون 08/06/1963 المنظم لطرق رقابة الدولة على هذا القطاع(4).

2- المرحلة الثانية:
وتجسدت فيها فكرة احتكار الدولة لعمليات التأمين وإعادة التأمين، بمقتضى الأمر الصادر في 27/05/1966(5)، الذي ورد في مادته الأولى "من الآن فصاعدا يرجع استغلال كل عمليات التأمين للدولة" ولهذا الغرض أنشأت الدولة مؤسسات تأمين جزائرية تحتكر النشاط أهمها:
- الشركة الجزائرية للتأمين (SAA ): وهي شركة جزائرية مصرية أنشأت بعد الاستقلال؛
- الشركة الجزائرية للتأمين وإعادة التأمين (CAAR)؛
- الشركة المركزية لإعادة التأمين (CCR): وينحصر دورها في إعادة التأمين من المخاطر التي تتخلى عنها الشركات الوطنية، لدى شركات أجنبية قادرة على ضمان هذه المخاطر؛
- الشركة الجزائرية لتأمينات النقل (CAAT)؛
وكلها شركات ذات طابع تجاري، إضافة إلى شركات مدنية مثل:
- التأمين التبادلي الجزائري لعمال التربية والثقافة؛
- الصندوق المركزي لإعادة التأمين التبادلي في المجال الفلاحي؛

3- المرحلة الثالثة:
تميزت بصدور قانون التأمين المؤرخ في 09 أوت 1980 وقانون 1974 المتعلق بالتأمين الإجباري على السيارات وتعويض الأضرار الجسمانية الناجمة عن حوادث المرور,
وفي سنة 1995 عرف قطاع التأمين نظاما جديدا بصدور الأمر رقم 95-07 المؤرخ في 25/01/1995 الـذي




(1): د. عبد الرزاق بن خروف، التأمينات الخاصة في التشريع الجزائري، الجزء الأول: التأمينات البرية، طبعة 2002، ص 32؛
(2): جديدي، مدخل لدراسة قانون التأمين، ص 08؛
(3): بوعلام طيفاني، التأمينات في الجزائر، د م ج، ص69؛
(4): قانون 63-201 المؤرخ في 08/06/1963 المتعلق بفرض التزامات وضمانات عن شركات التأمين العاملة بالجزائر وإخضاعها إلى طلب الاعتماد من وزارة المالية مع دفع كفالة مسبقة، الجريدة الرسمية عدد 39 لسنة 1963؛
(5): الأمر 66-127 المتعلق باحتكار الدولة لجميع عمليات التأمين، الجريدة الرسمية عدد 43، لسنة 1966.
ألغى في مادته 278 جميع الأحكام المخالفة له خاصة القانون رقم 63-201(1) والأمر 66-127(2) والقانون 80-07(3)، مما ميز الاتجاه الجديد بالقضاء على احتكار الدولة لقطاع التأمين واعتماد لنظام جديد يفتح المجال للقطاع الخاص.
ليصدر في 20/02/2006 القانون رقم 06-04 المعدل والمتمم للأمر رقم 95-07 المتعلق بالتأمينات والذي تضمن بعض التغييرات من أهمها تنظيم تأمين الكفالة وكذا التأمينات على الأشخاص والرسملة، وكذا إنشاء لجنة الإشراف على التأمينات كإدارة رقابة تنشأ بواسطة الهيكل المكلف بالتأمينات لدى وزارة المالية، ومنحها صلاحيات عديدة في فرض رقابتها على نشاط التأمين بمساعدة مفتشي التأمين ومحافظي الحسابات مع تحديد تنظيمها ووظيفتها.
إلى جانب تأسيس مركزية الأخطار، وصندوق ضمان المؤمن لهم الذي يكلف بتحمل كل الدين أو بعضه عند عجز شركات التأمين عن أدائه، كما نظم إفلاس شركات التأمين وأبرز دور كل من الوكيل المتصرف القضائي والقاضي المحافظ في إجراءات الإفلاس الخاصة بالمؤمن، وتناول بالتعديل كذلك دور وسطاء التأمين والخبراء ومحافظي العواريات والإكتواريين.
ولعل أهم ما ميز هذا التعديل هو توزيع رقابة الدولة على نشاط التأمين وإحاطته بإجراءات صارمة من خلال تقصير الآجال المتعلقة به ومثلا توقيف كل تعيين أو فتح مكاتب أو نحوها بمنح اعتماد من الدولة أو موافقة لجنة الإشراف على التأمينات أو الوزير المكلف بالمالية، كما كرس دور القضاء في مجال التأمين وهذا يضفي على نشاط التأمين جدية أكثر ويوفر حماية للمؤمن له أو المستفيدين ويضمن وفاء المؤمن بالتزاماته نحوهم.

المطلب الثالث: خصائص عقد التأمين ومبادئه العامة
أولا: المبادئ التي يقوم عليها عقد التأمين
1- عقد رضائي:
الأصل في عقد التأمين أنه ينعقد بمجرد توافق إرادتي المؤمن والمؤمن له وتطابق الإيجاب والقبول(3)، لكن المشرع اشترط أن يدون في وثيقة تسمى "وثيقة التأمين"، وقد اختلف الفقه حول كونها للإثبات فقط أو للانعقاد مما يجعل العقد شكليا(4).
2- عقد ملزم للجانبين:
ينشئ عقد التأمين التزامات متقابلة على كاهل الطرفين(5)، وهذا ما تؤكده المادة 619 من القانون المدني، فالالتزام الرئيسي الذي يلتزم به المؤمن له هو دفع أقساط التأمين في آجال معينة سداسيا أو سنويا، وبالمقابل، يلتزم المؤمن أساسا بتغطية الخطر عند تحققه بدفع المبلغ للمؤمن له، وهذا ما يستشف من المادة 12 وما يليها من الأمر 95-07.
3- عقد معاوضة:
لأن كلا من المؤمن والمؤمن له يعطي مقابلا لما يأخذ، فالمؤمن يأخذ الأقساط التي يدفعها والمؤمن له يدفع مقابل


(1): القانون63-201 المؤرخ في 08/06/1963 المتعلق بالالتزامات والضمانات المطلوبة من مؤسسات التأمين التي تمارس نشاطها بالجزائر؛
(2): الأمر 66-127 المؤرخ في 27/05/1966 المتضمن إنشاء احتكار الدولة لعمليات التأمين؛
(3): القانون 80-07 المؤرخ في 09/08/1980 المتعلق بالتأمينات؛
(4): السنهوري ص 1125؛
(5): جديدي، محاضرات في قانون التأمين الجزائري، ص 35.
ذلك مبلغ التأمين(1)، وفي صورة عدم وقوع الخطر المؤمن منه تصبح الأقساط التي دفعها المؤمن له مقابلا لمـا يوفره المؤمن من ضمانات وحماية للمؤمن له، كما يحصل كل من الطرفين على فائدة أو مصلحة، ففائدة المؤمن له هي ما يوفره له العقد من أمان من الخطر، أما فائدة المؤمن فهي ما يتحصل عليه من أقساط(2).
4- عقد احتمالي:
بمعنى أنه ينصب على موضوع أو محل ما لم يكن موجودا وقت إبرام العقد، بحيث لا يكون بإمكان المتعاقدين معرفة مقدار ما سيؤديه كل منهما ومقدار ما سيأخذه من هذه العملية، لأن ذلك متوقف على وقوع المخاطر المؤمن منها، لذا عندما وضع القانون المدني أحكام التأمين صنفه ضمن عقود الغرر الاحتمالية والتي عرفتها المادة 57 من القانون المدني، وتظهر هذه الخاصية في المادة 43 من الأمر 95-07، فإذا هلك الشيء أو أصبح غير معرض للخطر انتفى عنصر الاحتمال ولم يعد يصلح محلا للتأمين(3).
5- عقد زمني:
لأن الزمن عنصر جوهري فيه، إذ يلتزم المؤمن لمدة معينة، فيتحمل تبعة الخطر المؤمن منه ابتداء من تاريخ معين إلى تاريخ معين، كما أن المؤمن له يلتزم للمدة التي يلتزم المؤمن لها ويوفي أقساطه على مداها، ومن نتائج ذلك أن العقد لا يفسخ بأثر رجعي فما تفد قبل ذلك يبقى قائما، كما لا يسترد المؤمن له من المؤمن الأقساط المقابلة للمدة التي انقضت قبل حل العقد.
6- عقد إذعان:
وعقود الإذعان هي التي يكون قبول أحد الطرفين فيها مجرد خضوع للشروط التي يمليها عليه الطرف الآخر، فالقابل لا يصدر قبوله بعد مفاوضة بل يكون مضطرا للقبول لأنه لا يمكنه الاستغناء عن التعاقد، فيكون المؤمن في مركز القوي و المؤمن له في مركز الضعيف، وما عليه إن أراد التعاقد سوى الخضوع للشروط التي يمليها عليه المؤمن، وهي شروط مطبوعة عادة ومؤشر ومصادق عليها من السلطات المختصة، وحتى لا يتعرض المؤمن له إلى شروط تعسفية من المؤمن، جعل المشرع في المادة 622 من القانون المدني هذه الشروط باطلة(4).
7- من عقود حسن النية:
لأن المؤمن له يلتزم أساسا أن يدلي بجميع البيانات المتعلقة بالخطر المؤمن منه لذا يجب أن يجيب إجابة صحيحة عن كل الأسئلة الكتابية أو الشفوية التي يطرحها عليه المؤمن، وأن يقدم له تصريحا دقيقا في حالة تغير الخطر المؤمن منه أو تفاقمه حتى يتمكن المؤمن من تقدير الخطر.

ثانيا: المبادئ التي يقوم عليها عقد التأمين
1- مبدأ حسن النية:
يلتزم المتعاقدان بالإدلاء بجميع البيانات في عقد التأمين، فيصرح المؤمن له بكل ما لديه من معلومات حول عملية التأمين، وبالمقابل يبين المؤمن بوضوح شروط العقد واستثناءاته، مما يجعل حسن النية بين المتعاملين جوهر العملية التأمينية والإخلال بهذا المبدأ يستلزم مباشرة بطلان العقد.



(1)و(3)، (4): د. عبد الرزاق بن خروف ص 43 و44 على التوالي؛
(2): جديدي، محاضرات في قانون التأمين الجزائري، ص 37.
2- مبدأ المصلحة التأمينية:
ومفاده أن تقوم المصلحة التأمينية للمؤمن والمؤمن له باستبعاد عنصر المغامرة من عملية التأمين، فيكون العنصر المؤمن واضحا قابلا للتضرر وهذا ما يحافظ على المصلحة المتبادلة بين طرفي العقد.
3- مبدأ التعويض:
والذي يستلزم أن يوفي المؤمن بالتزاماته تجاه المؤمن له في حالة وقوع الخطر المؤمن منه وذلك بدفع مبلغ التعويض، ويطبق هذا المبدأ على كافة عقود التأمين باستثناء التأمين على الأشخاص.
4- مبدأ المشاركة:
حسب هذا المبدأ يقوم المؤمن له بإبرام عقد أو عقود التأمين، تخص موضوع تأمين واحد وفي نفس الفترة لدى عدة شركات تأمين، بحيث تشترك هذه الأخيرة عند تحقق الخطر المؤمن منه في دفع التعويض المستحق للمؤمن له وفقا لنسبة تأمينه أو بما يعادل القسط المتحصل عليه,

المطلب الرابع: موقف الشريعة الإسلامية من التأمين
ورد فيما سبق أن التأمين نظام حديث النشأة، لذا لم يعرفه السلف الأول من فقهاء الإسلام، فلم يعرف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء الراشدين ولا الأئمة المجتهدين، كما لم يرد ذكره في القرآن الكريم ولا السنة النبوية.
لكن من أدركه من الفقهاء المسلمين أبدوا رأيهم بشأنه فكانوا بين محلل ومحرم(1)، فأول من تحدث عنه هو الإمام محمد بن عابدين من فقهاء الحنفية، فأورد بشأن التأمين البحري: "إذا استأجر التجار مركبا من حربي يدفعون له أجرته ويدفعون أيضا مالا معلوما لرجل حربي مقيم في بلادنا، يسمى ذلك المال سوكرة ... والذي يظهر لي أنه لا يحل للتاجر أخذ بدل الهالك من ماله لأن هذا التزام ما لا يلزم"(*).
وفيما يلي عرض لمختلف هذه الاتجاهات:
1- الاتجاه المعارض(**):
وهم يرفضون فكرة عقد التأمين بجميع صورها، دون وضع تعريف لها، وحججهم:
- التأمين لا يدخل في نطاق العقود المعروفة في الصدر الأول للإسلام، ولم يرد بشأنه حكم في الكتاب ولا في السنة؛
- ينطوي التأمين على المغامرة التي تعتمد على الحظ والصدفة فيشبه بذلك القمار والرهان؛



(1): د. عبد الرزاق بن خروف ص 24؛
(*): كتاب رد المختار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار/ للاستزادة من آراء الأئمة والفقهاء في هذا الصدد أنظر: الدكتور أحمد شرف الدين، عقود التأمين وعقود ضمان الاستثمار (واقعها الحالي وحكمها الشرعي)، ص80 وما يليها/ الدكتور أحمد شرف الدين، أحكام التأمين ص 34 وما يليها/ السنهوري، ص 1380 وما يليها/ الأستاذ عيسى عبده، التأمين بين الحل والحرم ص 159 وما يليها والباب الثالث منه/ الحكيم عبد الهادي السيد، عقد التأمين حقيقته ومشروعيته، بيروت منشورات دار الحلي الحقوقية 2003؛
(**): المجمع الفقهي بمكة، المجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء، الشيخ جاد الحق علي شيخ الأزهر السابق، الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، الشيخ الدكتور عبد الفتاح إدريس، أنظر: الموقع الالكتروني إسلام أون لاين، الموضوع: الإسلام وقضايا العصر -الاقتصاد والتنمية-.
- هو عقد غرر لأن المؤمن له يدفع أقساطا دون أن يتحصل على مبلغ التأمين إذا لم يتحقق الخطر، كما يعد من العقود الاحتمالية التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم على الأخذ بها؛
- تنطوي عملية التأمين على نوع من الربا لطرفي العقد؛
- يحتوي التأمين على معنى تحدي القدر وعدم التوكل على الله.

2- الاتجاه المؤيد(*):
وهم متفقون على التعريف التقليدي لعقد التأمين الذي يلتزم بمقتضاه شخص بتغطية مخاطر معينة يخشى المؤمن له من وقوعها مقابل تعويض عن حدوث الخطر، وحججهم:
- لم يحصر الإسلام الناس في أنواع معينة من العقود بل ترك الباب مفتوحا لأنواع جديدة التي تدعو إليها الحاجة متى توفرت فيها الشروط الإسلامية؛
- الأصل في الأمور الإباحة إلا ما ورد أثر على منعها، ولم يرد في القرآن أو السنة أو الاجتهاد ما يحرمه؛
- ينطوي التأمين على فكرة التعاون والتضامن الذي يحث عليه الإسلام، ولا تعاون أشد من التعاون على تحمل المصيبة عندما تحل؛
- التأمين ليس مقامرة لأن المقامرة لعب بالحظوظ، بينما المؤمن يأخذ الأقساط من المؤمن لهم ثم يعيد توزيعها عليهم ولا يعرض نفسه لاحتمال الخسارة أكثر مما يعرض نفسه أي شخص آخر في تجارة مشروعة؛
- ليس في التأمين رهان لأن المراهن يعتمد على الصدفة والحظ، ولا فيه غرر مثل الرهان لأن فيه معاوضة محققة النتيجة، وعنصر الاحتمال يوجه للمؤمن فقط الذي لا يؤدي التعويض إلا إذا وقع الخطر فعلا؛
- ليس التأمين ربا ولو وردت في العقد شروط ربوية تبطل فيه كما تبطل في أي عقد آخر.

3- الاتجاه التوفيقي(**):
ويجيز بعض أنواع التأمين ويحرم البعض الآخر، وتلخص اتجاهات هذا الفريق فيما توصلت إليه توصيات ولوائح عدة دراسات وملتقيات أهمها: المؤتمر الثاني لمجتمع البحوث الإسلامية المنعقد بالقاهرة سنة 1965م الذي أجاز:
التأمين الذي تقوم به جمعيات تعاونية، نظام المعاشات الحكومي ونظام التأمينات الاجتماعية والإجبارية، فيما حرم التأمينات الأخرى المتبقية التي تقوم بها الشركات، مثل التأمين على الحياة والتأمين من المسؤولية.









(*): الدكتور مصطفى الزرقا، فضيلة الشيخ علي الخفيف، الدكتور نصر الدين فريد واصل مفتي مصر السابق، الدكتور علي جمعة مفتي مصر الحالي، أنظر: الموقع الالكتروني إسلام أون لاين، الموضوع: الإسلام وقضايا العصر (الاقتصاد والتنمية)؛
(**): وسمي في التأمين بين الحل والحرم للدكتور عيسى عبده في الباب الثالث بالاتجاه المعتدل.
المبحث الثاني: أركان عقد التأمين
يخضع التأمين في انعقاده للقواعد العامة، فيشترط توافر التراضي والمحل والسبب، وهو في كل ركن من أركانه يخضع أيضا للقواعد العامة للعقود، ومع ذلك فإن العمل جرى على ظهور التراضي فيه بصورة معينة وعلى مراحل متعددة، كما أن محل عقد التأمين وسببه يخضعان لشروط خاصة تستمد من طبيعة عقد التأمين، وعلى هذا الأساس ستعنى دراسة أركان عقد التأمين بإيضاح شروط ومحل التراضي فيه من ناحية، ومن ناحية أخرى بحث عناصر ومحله وسببه.

المطلب الأول: التراضي في عقد التأمين
يتعين في هذا الصدد دراسة عناصر التراضي باعتباره الركن الأول لعقد التأمين، ثم دراسة كيفية التراضي فيه.

أولا:عناصر التراضي
عملا بالقواعد العامة وحسبما تقضيه المادة 59 من القانون المدني، ينعقد العقد بمجرد أن يتبادل طرفاه التعبير عن إرادتين متطابقتين دون الإخلال بالنصوص القانونية والإرادة التي يعتد بها هي تلك التي تصدر من طرف في العقد يتمتع بالأهلية اللازمة للانعقاد بشرط أن تكون خالية من عيوب الرضا(1).
والأصل أنه يكفي لانعقاد عقد التأمين أن يتوافق الإيجاب والقبول الذي عبر عنهما أحد أطراف العقد، لكن الإجراءات العملية تعلق وجود العقد على توقيع وثيقة التأمين من قبل كلا المتعاقدين أو على دفع القسط الأول، كما قد يتعلق تنفيذ العقد لا وجوده على إحدى هذه الأمور(2).
وهذا ما سنتعرض له فيما يلي بعد تحديد أشخاص التأمين ودراسة شروط صحة التراضي في التأمين:

1- أطراف عقد التأمين:
طرفا عقد التأمين هما المؤمن والمؤمن له، وهذه هي الصورة البسيطة لانعقاد العقد لكن عمليا يبرم عقد التأمين بتدخل شخصيات أخرى إلى جانب طرفيه الأصليين يدعون وسطاء التأمين:

أ- المؤمن (شركة التأمين)
التأمين -كما سبق ذكره- يقوم أساسا على فكرة تبادل المساهمة في الخسائر بين عدد من الأشخاص، والمؤمن يتدخل لتنظيم هذه المساهمة، ويتطلب هذا التنظيم تقنيات وفنيات خاصة لا يمكن أن يقوم بها شخص طبيعي(*)، لذلك فإنه لا يمكن أن يكون إلا شركة تتخذ أحد الأشكال المنصوص عليها قانونا، ومهما كان شكلها فإن المشرع ألزمها لممارسة التأمين أن تحصل على اعتماد، وأن تكون قادرة على تكوين احتياطات وأرصدة تقنية، كما تخضع ككل شركة أخرى إلى أحكام الإفلاس والتسوية القضائية(3).

(1): السنهوري ص 1103؛
(2): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص81؛
(*): ماعدا جماعة "اللويدز" التي لا تقوم بعملية التأمين في ذاتها، لكن كل عضو فيها يقوم بدور المؤمن تحت مسؤوليته وحسب طاقته المادية وسمعته في المجال التأميني، فيتحمل كل عضو ما تعهد به وعلى أساس فردي دون أن تكون للجماعة مسؤولية عن التزامات الأعضاء؛
(3): د. عبد الرزاق بن خروف ص 47.
أ-1/ شكل شركة التأمين:
تنص المادة 215 الأمر المتعلق بالتأمينات على أنه "تخضع شركة التأمين و/أو إعادة التأمين في تكوينها إلى القانون الجزائري، وتأخذ أحد الشكلين الآتيين: شركة ذات أسهم، شركة ذات شكل تعاضدي، غير أنه عند صدور هذا الأمر يمكن للهيئات التي تمارس عمليات التأمين دون أن يكون غرضها الربح أن تكتسب شكل الشركة التعاضدية"، ويتبين من هذا النص أن شركة التأمين تكون أصلا شركة أسهم أو شركة ذات شكل تعاضدي، ونكون استثناء شركة تعاضدية:

أ-1-1/ شركة التأمين المتخذة شكل شركة ذات أسهم:
وتخضع للأحكام العامة المنصوص عليها في القانون التجاري يالاضافة إلى الأحكام الخاصة بها المنصوص عليها في الأمر المتعلق بالتأمينات، حيث تنص المادة 592 من القانون التجاري على أن: "شركة المساهمة هي شركة ينقسم رأسمالها إلى حصص ولا يقل عدد شركائها عن سبعة ما لم يكن رأسمالها عموميا".
ويحدد رأسمال شركة التأمين التي تأخذ شكل شركة المساهمة كما يلي(1):
* 200 مليون دينار جزائري بالنسبة لشركة المساهمة التي تنفرد بممارسة عمليات تأمين الأشخاص ولا تمارس تنازلات عن إعادة التأمين في الخارج.
* 300 مليون دينار جزائري بالنسبة لشركات المساهمة التي تمارس جميع أنواع التأمين ولا تمارس تنازلات عن إعادة التأمين في الخارج.
* 450 مليون دينار جزائري بالنسبة لشركات المساهمة التي تمارس جميع أنواع التأمين وإعادة التأمين، ومن ذلك التنازل عن إعادة التأمين في الخارج.
ولشركة التأمين التي تتخذ شكل شركة مساهمة جمعيات مساهمين وهي الجمعية التي تجتمع مرة في السنة على الأقل، خلال الستة أشهر التي تسبق قفل السنة المالية.

أ-1-2/ شركة التأمين ذات الشكل التعاضدي:
وهي شركة ذات خصائص تدور بين شركة المساهمة -وهي شركة تجارية رأسمالية -والشركة التعاضدية المحضة وهي شركة مدنية تضمن الأمان لأعضائها دون البحث عن الربح كما تنص عليه المادة 03/1 من المرسوم 95/ 07 المتعلق بصناديق التعاضدية الفلاحية: "...شركات مدنية لأشخاص ذات طابع تعاضدي ورأسمال متغير وليس لها غرض مربح"(2) وتنفي عنها المادة 215 من القانون 06-04 المعدل والمتمم للأمر 95-07 الصفة التجارية.
وتسير هذه الشركات بدون أسهم، لذلك تتكون أموالها التأسيسية من جمع الاشتراكات التي يقدمها أعضاؤها أو عن طريق الاقتراض، الذي يسدد تدريجيا عن طريق الاقتطاع من التحصيلات,
وهذه الأموال مخصصة للمصاريف الاستثنائية وليس لدفع التعويضات عند وقوع الكوارث إذ تدفع التعويضات من الاشتراكات، سواء كانت ثابتة أو متغيرة حسبما تواجهه الشركة من التزامات نحو أعضائها.


(1): المادة 03 من المرسوم التنفيذي رقم 95-344؛
(2): المرسوم التنفيذي رقم 95-97 المؤرخ في 01/04/1995 المحدد للقانون الأساسي النموذجي لصناديق التعاضدية الفلاحية والضابط للروابط القانونية والتنظيمية فيما بينها، الجريدة الرسمية عدد 19.
وعموما يجب كون الاشتراكات كافية للوفاء بالالتزامات، فإذا كانت تفوق الأضرار الحاصلة وجب على الشركة رد الزيادات للأعضاء، أما إذا كانت غير كافية لدفع التعويضات وتغطية الأضرار فعلى الشركة إما طلب اشتراكات إضافية أو تخفيض التعويضات، وقد نصت المادة 03 من المرسوم التنفيذي رقم 95-344 السالف الذكر على أن الأموال التأسيسية للشركة ذات الشكل التعاضدي لا تقل عن المبالغ التالية:
* 50 مليون دينار جزائري بالنسبة للشركات التي تنفرد بممارسة عمليات تأمين الأشخاص
* 100 مليون دينار جزائري بالنسبة للشركات التي تمارس جميع أنواع التأمين
ولا يمكن للشركة ذات الشكل التعاضدي أن تسير إلا بعدد كبير من الأعضاء، لكونهم الركيزة التقنية القانونية الضرورية لكل تعاضدية.
كما تسير بهيئات مداولة تتكون من جمعيات الأعضاء، ومن هيئات تسيير وإدارة وهي:
- مجلس الإرادة؛
- الرئيس ونائب الرئيس؛
- المدير أو المدراء؛
- هيئات المراقبة وهم مندوبو الحسابات,

أ-1-3/ شركات التأمين المتخذة شكل الشركة التعاضدية:
حسب المادة 215 من الأمر المتعلق بالتأمينات، يمكن بصفة استثنائية للهيئات التي كانت تمارس عمليات التأمين عند صدور هذا الأمر أن تأخذ شكل شركة تعاضدية.
ووجه الاختلاف بينها وبين الشركة ذات الشكل التعاضدي هو أنها لا يمكن أن تمارس إلا التأمينات التوزيعية دون التأمينات الادخارية، كما أن المشرع لم يحدد حدا أدنى لأموالها التأسيسية تاركا هذه المهمة لقانونها الأساسي، والأموال التأسيسية للشركة التعاضدية تتكون من الاشتراكات(*)، كما أنها لا تلجأ إلى الاقتراض إلا في حالات استثنائية.
ويجب أن تتضمن وثيقة التأمين اشتراكا عاديا مطابقا للاحتمالات الإحصائية، فإذا كانت الاشتراكات العادية غير كافية لتغطية الأضرار عند تحقق الأخطار، فإنه يمكن للشركة أن تلجأ إلى طلب اشتراكات إضافية(1)، وهي شركة لا تسيير إلا بعدد كبير من الأعضاء ينتمون عادة إلى مهنة أو جهة معينة شأنها في ذلك شأن الشركة ذات الشكل التعاضدي.

أ-2/ مراقبة الدولة لشركات التأمين:
بموجب المادة 204 من الأمر المتعلق بالتأمينات اشترط المشرع الجزائري على كل شركة تأمين و/أو إعادة تأمين الحصول على اعتماد لممارسة نشاطها(**)، يمنح الاعتماد بقرار من الوزير المكلف بالمالية بعد أن يبدي المجلس الوطني للتأمينات رأيه بشأنه حسبما تقضيه المادة 218 من الأمر المتعلق بالتأمينات المعدل والمتمم.


(*): وتكون اشتراكاتها متغيرة دائما على خلاف ما هو الحال في الشركة ذات الأصل التعاضدي؛
(1): د. عبد الرزاق بن خروف ص 54؛
(**): أنظر المرسوم التنفيذي 96-297 المؤرخ في 03/08/1996 الذي يحدد شروط منح الاعتماد لشركات التأمين و/أو إعادة التأمين، الجريدة الرسمية عدد 47 الصادرة بتاريخ 07/08/1996.
ويمنح لشركة التأمين إذا توافرت فيها شروط تتعلق خاصة بإمكانية إنشاء الشركة وقدرتها على ممارسة نشاط التأمين مع الأخذ بعين الاعتبار المخطط التقديري للنشاط والوسائل المالية اللازمة والمؤهلات المهنية لمسيري الشركة ونزاهتهم.
فإذا لم تتوفر هذه الشروط إلى جانب تلك المذكورة في المادة 217 من ذات الأمر، يمكن للجهة المختصة رفض الاعتماد، بقرار رفض مبرر قانونا يبلغ لطالب الاعتماد وهو قرار قابل للطعن أمام مجلس الدولة حسب التعديل.
وفي حالة منح الاعتماد ينشر القرار المتضمن الاعتماد في الجريدة الرسمية، ويوضح عمليات التأمين التي تؤهل شركة التأمين و/أو إعادة التأمين لممارستها والتي يحددها المرسوم التنفيذي 95-338 السالف الذكر.
كما يمكن تعديل الاعتماد بناء على طلب شركة التأمين وبعد إبداء المجلس الوطني للتأمينات رأيه بشأنه ويتم التعديل بقرار من وزير المالية.
وإذا حصلت شركة التأمين على الاعتماد لممارسة نشاطها فيجب أن تستمر فيه مستوفية الشروط اللازمة لممارسة التأمين، لذا يمكن للجهة التي منحت الاعتماد أن تسحبه كليا أو جزئيا متى توفر المبرر لذلك(*)، وهذا بقرار من وزير المالية واستطلاع رأي المجلس الوطني للتأمينات، ويجب لسحب الاعتماد اعذار الشركة، وتضمين الاعذار أسباب اتخاذ قرار السحب وللشركة أن تبرر موقفها ضمن ملاحظات مكتوبة توجهها إلى إدارة الرقابة في أجل شهر من استلام الاعذار، هذا ويبقى قرار سحب الاعتماد قابلا للطعن أمام أمام مجلس الدولة حسب التعديل.
كما تفرض الدولة رقابتها التقنية على شركات التأمين من خلال فرض التزامات خاصة توجب عليها الخضوع إليها(1)، وتتمثل هذه الالتزامات في:
- الاحتياطات والأرصدة التقنية والديون التقنية:
توجب المادة 224 من الأمر المتعلق بالتأمينات على شركات التأمين و/أو إعادة التأمين أن تكون قادرة في أي وقت على تبرير التقديرات المتعلقة بالالتزامات النظامية التي يتعين عليها تأسيسها وهي: الاحتياطات، الأرصدة التقنية، الديون التقنية.
ويجب أن تقابل هذه الالتزامات أصول معادلة لها وهي: سندات وودائع وقروض، قيم منقولة وسندات مماثلة، أصول عقارية، وأصول أخرى أضافها التعديل.
وقد حدد المرسوم رقم 95-342 المؤرخ في 30 أكتوبر 1995 شروط تكوين الاحتياطات والأرصدة والديون التقنية.

ب- المؤمن له:
المؤمن له أو المستأمن، هو الشخص الطبيعي أو المعنوي المهدد بالخطر في شخصه أو في ماله:
- فيكون مكتب التأمين أو طالب التأمين إذا تعاقد مع المؤمن، وترتبت عنه كل الالتزامات التي يرتبها عقد التأمين؛
- ويكون هو المستفيد إذا آل إليه مبلغ التأمين أو التعويض عند تحقق الخطر؛
- وقد تجتمع هذه الصفات الثلاثة في ذات الشخص(**) كأن يؤمن شخص على سيارته من السرقة: فيكون مؤمنا له لأنه مهدد بالخطر في ماله، ومكتتب تأمين لأنه يتعاقد باسمه مع شركة التأمين ويتحمل بذلك جميع الالتزامات، ومستفيدا لأنه


(*): وهي الأسباب المذكورة في المادة 220 من الأمر المتعلق بالتأمينات؛
(1): د. عبد الرزاق بن خروف ص 58؛
(**): أنظر في تفصيل هذه الافتراضات السنهوري ص 1101 وما يليها.
يتقاضى التعويض من المؤمن إن سرقت سيارته؛
- كما قد تتفرق هذه الصفات الثلاثة على شخصين أو ثلاثة أشخاص(1):
فيمكن أن يكون المؤمن له ومكتتب التأمين شخصا واحدا والمستفيد شخصا آخر: كأن يؤمن شخص على حياته في حالة الوفاة لمصلحة أولاده، فيكون هذا الشخص مكتتب تأمين لأنه يتعاقد باسمه مع المؤمن، ويكون مؤمنا له لأنه مهدد بخطر الموت، ويكون الأولاد مستفيدين لأنهم يتقاضون مبلغ التأمين إذا توفي الأب؛
ويمكن أن يكون المؤمن له والمستفيد شخصا واحدا ومكتتب التأمين شخصا آخر، وهذا ما يقع لحساب من يثبت له الحق أو "التأمين لحساب ذي المصلحة"، وصورته أن يؤمن صاحب المخزن العام على البضاعة التي يودعها الغير في المخزن من خطر التلف: فيكون صاحب المخزن مكتتب التأمين لأنه يتعاقد مع المؤمن ويلتزم بدفع الأقساط، ويكون صاحب البضاعة -وهو غير معروف وقت اكتتاب التأمين- مؤمنا له لأن الخطر يهدده في ماله، ومستفيدا لأنه يتقاضى التعويض إذا تحقق الخطر المؤمن منه وهو تلف البضاعة.
وفي كلا الحالتين السابقتين، ينشأ عن عقد التأمين حق للغير وهو المستفيد، يستطيع بموجبه أن يطالب مباشرة المؤمن بمبلغ التأمين، ويستمد هذا الحق أحكامه من قواعد الاشتراط لمصلحة الغير.
وقد تتوفر هذه الصفات الثلاث في أشخاص ثلاثة: مثل أن يؤمن الزوج على حياة زوجته في حالة الوفاة لمصلحة أبنائه، فيكون الزوج مكتتب التأمين لأنه هو الذي تعاقد مع شركة التأمين ويلتزم بدفع الأقساط، وتكون الزوجة مؤمنا لها لأن حياتها هي المؤمن عليها من الوفاة، ويكون الأولاد مستفيدين لأنهم يتقاضون مبلغ التأمين إذا توفيت الأم(2).

ج- وسطاء التأمين:
الأصل أن يتعاقد المؤمن مباشرة مع المؤمن له، لكن يجوز لشركة التأمين أن تنيب عنها أشخاصا مؤهلين لإبرام العقود يعرفون بوسطاء التأمين، تصل بواسطتهم إلى الجمهور بغرض جلب أكبر عدد ممكن من العملاء والحصول على طلبات التأمين.
وقد أنشئت مهنة "وسيط التأمين" بموجب الأمر رقم 95-07 المتعلق بالتأمينات الذي خصص لها الفصل الأول من الباب الثالث من الكتاب الثالث، تاركا المجال للتنظيم في عدة جوانب، فصدر في هذا الإطار المرسوم التنفيذي رقم 95-340 المؤرخ في 30/10/1995 المحدد لشروط منح وسطاء التأمين الاعتماد والأهلية المهنية وسحبها منهم ومكافأتهم ومراقبتهم, وكذا المرسوم التنفيذي رقم 95-341 المتضمن القانون الأساسي للوكيل العام للتأمين، وتعرف المادة 02 من المرسوم التنفيذي رقم 95-340 وسيط التأمين بأنه: "كل شخص له وضع وكيل عام أو وضع سمسار تأمين"، فيما توضح المواد التي تليها شروط الالتحاق بمهنة الوكيل العام للتأمين وأجره ومسؤولية شركة التأمين عن أخطائه وكيفية انتهاء مهامه.
وفي جانب مواز يوضح المرسوم التنفيذي رقم 95-341 شروط الالتحاق بمهنة سمسار التأمين ويوضح طبيعة العلاقة بين سمسار التأمين والمؤمن له، والتزاماته ومكافآته.




(1) و(2): د. عبد الرزاق بن خروف ص 68 و69 على التوالي.
2- شروط صحة التراضي في عقد التأمين:
لكي ينعقد عقد التأمين صحيحا يجب أن يكون التراضي فيه سليما، بأن يكون الرضا صادرا عن ذي أهلية وخاليا من العيوب ولم يرد نص خاص يتعلق بأهلية أطراف التأمين وعيوب الرضا فيه:

أ- الأهلية:
لا يطرح إشكال فيما تعلق بالأهلية بالنسبة للمتعاقد البالغ سن الرشد، ولا بالنسبة لشركات التأمين لأنها تتمتع بالشخصية القانونية، أي لا تعرض مسألة تحديد الأهلية اللازمة لإبرام عقد التأمين إلا بالنسبة للمؤمن(1).
غير أن الإشكال يثار بالنسبة للشخص غير البالغ سن الرشد، لأن الأهلية المطلوبة لإبرام عقود التأمين هي أهلية الإدارة، ومن ثم جاز حتى للقاصر إبرام عقد التأمين، ويجب في هذه الحالة أن يكون مأذونا بإدارة أمواله، أما القاصر غير المأذون له بإدارة أمواله، فهو غير أهل لإبرام عقد التأمين، وإذا أبرمه كان قابلا للإبطال لمصلحته، إلا أنه يجوز لوليه أو وصيه أو وكيله أن يبرم عقد التأمين لصالحه ولحسابه(*)، بمعنى أنه يجوز للبالغ الراشد أن يبرم عقد التأمين، كما يجوز ذلك للقاصر أو المحجوز عليه إذا كان مأذونا له في إدارة أمواله(2).

ب- عيوب الإرادة:
تخضع عيوب الإرادة في عقد التأمين للأحكام العامة الواردة في القانون المدني، ويشترط لكي يكون الرضا صحيحا ومنتجا لآثاره القانونية أن تكون إرادة الطرفين خالية من جميع عيوب الرضا من إكراه وغلط وتدليس واستغلال(3)، وقل أن يشوب إرادة المؤمن له إكراه أو تدليس، فهو يتعاقد عادة مع شركة التأمين بإرادته الحرة، ولا يتعرض لتدليس من جانب الشركة بقدر ما يتعرض لشروط تعسفية تفرضها عليه، وقد عالج المشرع هذه المسألة فأبطل الشروط التعسفية. وإنما قد يقع المؤمن في غلط جوهري فيكون عقد التأمين قابلا للإبطال لمصلحته(**).
والغالب بالنسبة له أن يكون العيب الذي شاب رضاه هو التدليس، عندما يدلي المؤمن له ببيانات غير صحيحة عن الخطر المؤمن منه، وكان وقوع المؤمن في ذلك التدليس هو الذي دفعه إلى التعاقد بحيث أنه لو كان يعلم الحقيقة لما لأقدم على التعاقد، ويترتب على ذلك أن يكون من حق المؤمن طلب البطلان.





(1): أحمد شرف الدين، أحكام التأمين، ص 86؛
(*): كان المشرع الجزائري يحظر الوساطة في التأمين إلى غاية صدور قانون سنة 1995 الذي نظم الوساطة في بابه الثالث والتي تشمل الوكيل العام للتأمين وسمسار التأمين؛
(2): السنهوري ص 1104؛
(3): جديدي، محاضرات في قانون التأمين الجزائري 61؛
(**):وقد قضت محكمة الاستئناف المصرية بإبطال عقد التأمين بسبب وقوع المؤمن له في غلط جوهري فقد كان مرتهنا رهن حيازة للسيارة التي أمن عليها وكان يجهل ورود شرط بوثيقة التأمين يقضي أن يكون المؤمن له هو المالك الوحيد للسيارة المؤمن عليها وإلا أعفيت الشركة من المسؤولية، ولم يكن المالك الوحيد للسيارة بل دائنا مرتهنا، وتمسكت الشركة بالشروط وتمسك هو بالغلط فقضت المحكمة بإبطال عقد التأمين وألزمت الشركة برد الأقساط التي دفعها المؤمن له.

ثانيا: كيفية التراضي في عقد التأمين
الأصل أن ينعقد التأمين بمجرد تبادل التعبير عن إرادة المؤمن والمؤمن له وحدوث التوافق والتطابق بينهما بشأن العناصر الأساسية للعقد. ومع ذلك أدخل عرف التأمين تشريعات جوهرية على هذه الصورة المعتادة للتراضي -وفي هذا تطبيق لمبدأ حرية المتعاقدين في اختيار طرق تبادل الرضا-(1)، فمن جهة يمر تمام التراضي بمراحل عديدة، ومن جهة أخرى قد يعلق القانون أو أطراف العقد تمامه أو بدء سريانه على إجراء معين، ولذلك سنتعرض أولا لمراحل التراضي، ثم وقت انعقاد عقد التأمين وبدء سريانه.

1- مراحل التراضي:
رغم أن عقد التأمين عقد رضائي، إلا أن تطابق إرادتي المؤمن والمؤمن له لا يتم إلا بعد موافقة المؤمن بالتوقيع على وثيقة التأمين -وهي العقد ذاته- ولكن قبل ذلك يجب على المؤمن له أن يقدم طلبا يسمى "طلب التأمين"، وعند موافقة المؤمن مبدئيا على تغطية الخطر يسلم المؤمن له "مذكرة تغطية التأمين"(2)، ثم إنه يجوز للمتعاقدين تعديل اتفاقهما الأصلي عن طريق "ملحق وثيقة التأمين"(*).










رد مع اقتباس