منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - من مواقف علماء الجزائر
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-05-26, 10:53   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
ابو مريم الجزائري
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي في سبيل الوفاق والتفاهم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فتح الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس مجلاته وصحفه أمام العلماء والكتاب والأدباء ليبرزوا الإسلام الصحيح لقرائهم، وينشروا فيهم الوعي والثقافة النابعة من أصالتهم الإسلامية، بأسلوب صريح مدعم بالحجج التي لا تقبل النقض، مبينين لهم ضلالات وخرافات الطرقية الضالة، وقد تزعم الشيخ العقبي وبعض الكتاب هذه الحملات التي كان وقعها شديدا على مشايخ الطرق ومريديهم وأذنابهم، مما دعاهم إلى أن يفزعوا إلى الشيخ ابن باديس وإلى والده محمد المصطفى ابن باديس ليطلبا منهما توقيف هذا السيل الجارف من المقالات التي لم تميز بين جميع شيوخ الطرقية، ودعمهم في مطالبهم الشيخ أبو يعلى الزواوي، وكذا الشيخ المولود الحافظي الأزهري، كما كتب عبد الحفيظ بن الهاشمي مدير جريدة " النجاح " مقالات يحث فيها ابن باديس على توقيف تلك الحملات، فاستجابت لهم إدارة الشهاب، وكتبت مقالا تحت عنوان: " في سبيل الوفاق والتفاهم" تؤيد هذا المسعى وتطلب من كتابها التوقف مؤقتا عن هذه المقالات، ومما جاء فيه:

((... كانت مسألة إصلاح الزوايا أثارت حربا قلمية بين كتاب "حزب الإصلاح" والكتاب "المحافظين" وكثيرا ما بلغ الأمر ببعض الكتاب الى مشادة عنيفة، وان كانت هذه الصحيفة نشرته للفريقين وان كان اكثر ما نشرته لانصارها الاولين
...قد وقف السادة الكتاب "المحافظون" بإيقاف رصيفتنا " النجاح" الغراء لهم ، وها نحن نوافقها على ذلك ونرجو من حضرات كتاب "حزب الإصلاح" أن يقفوا مشكورين على ما أبدوه من الصراحة في الرأي والمقارعة بالحجة والقوة في الحق فهم ولا فخر أول من ظهر من الأمة الجزائرية مستكملا لهذه الصفات، يقفوا لتنتهي المعركة فتصفوا الصدور، وعساها حينئذ أن تسعى للوفاق والتفاهم)).
العدد 19 ، الخميس 11 رمضان 1344هـ / 25 مارس 1926م

تلاه في العدد 20 مقال آخر جاء فيه: ((... لنا مجتنيات مما تنتجه عقول الكتاب في الكتب والصحف والمجلات نريد أن نفيد الأمة بها، لنا شؤون عالمية نريد أن نطلع الأمة عليها ، وهذه اليوم أهم من مسألة إصلاح الزوايا التي أخذت حقها فوجب تركها والاشتغال بما هو أهم منها)).
ولما اطلع الكتاب على هذين المقالين، منهم من اقتنع ووافق، فتوقف عن الكتابة في هذا الموضوع، ومنهم من عارض الفكرة وثارت ثائرته، كالشيخ الطيب العقبي الذي أعتبر هذا الموقف من إدارة الجريدة ضعف من أهل الحق يؤدي إلى ضعف الحق أمام جحافل الباطل، و أعلن صراحة مقاطعته للجريدة وعدم الكتابة فيها، وكذا محمد العزوزي حوحو العقبي الذي نشرت له الشهاب مقالة بعنوان : " كم هي أبواب الإصلاح وانتم عنها غافلون" يلوم فيها الإدارة على هذا الموقف، ويحمل عليها واصفا إياها بالمستبدة، ورغم شدة كلامه وقوة معارضته، إلا أن الإمام عبد الحميد بن باديس نشر له هذه المقالة مما يدل على سعة باله وتقبله للنقد، وها هو المقال أنقله بنصه لما فيه من روح إصلاحية وثورية، وكذا لما احتواه من فوائد وعبر:

(( لقد أسكتنا الشهاب وكّم أفواهنا واستبد استبدادا دون استبداد القوم وتحكم تحكما ما كنا لنقبله لو وجدنا عنه مندوحة أو استطعنا إرجاعه عن عزمه.
حافظ على وعده ولا محافظة السموأل على أمانته، وأبى أن يسمع منا أي كلمة في الموضوع ، علما منه انه الوحيد.
تِهْ دلال يا شهاب انك وحدك الذي نيطت بك الآمال، وجعلتك ميدانها الرجال ، تظهر فيك ما لها من جلائل الأعمال، تِهْ دلال يا شهاب، انك الوحيد فينا ولولا وحدتك ما رضينا، انك القوي وإلا لما حسن منك الاستبداد، كل فرد محبوب، وكل عديم نظير مرغوب، فأنت انت المحبوب وأنت يا شهاب المرغوب!
ولئن ضربت على استرحاماتنا صفحا، وطويت عن احتجاجاتنا كشحا، فقد اهتدينا بنجومك، وسلمنا من رجومك، فالحمد لله على السلامة!
أعربت النخبة التي تصدر الشهاب بمنشورها الأخير على أنها لا تريد أن تكون صحيفتها لسان الحزب الإصلاحي الديني وإلا لما رأينا مقالها " في سبيل الوفاق " مدعية أن المسألة أخذت حقها!
مسألة أسست من اجلها الجمعيات، وتفرغت لمحاربتها المجلات، وكرس الأئمة الأعلام لنقدها الحياة، يقول لنا الشهاب أنها أخذت حقها، واستوفت من البحث قسطها، في أقل من ستة أشهر، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر...
آمنت بالله ورسله، وكفرت بما للشهاب من مقال غير مقبول !
ولكننا بظلمكم رضينا، لأن جريدتكم هي الوحيدة فينا.
للنخبة تمام الحرية في اختيار الطريقة التي تريد انتهاجها كما ان لها كل التصرف فيما يرد عليها، تقبل ما يوافق مشربها وترفض ما يخالفه، فيا ليت شعري من أي الفريقين يكون مقالي هذا؟
أحجمنا عن الكتابة وامتنعنا من التحرير وقلنا الشهاب مستبد، عاودنا قولنا وكررناه مرارا ولكن!! ولكن!
ولكن ماذا ؟ ها إني رجعت إليه خافضا جناح الذل صاغرا، عله ينشر مقالي
لا أكذبك أيها القارئ إني ما كنت لأنشر سطرا واحدا بالشهاب مع اعترافي بإخلاصه لوطنه واستقامة سيرته لو وجدت إلى ذلك سبيلا إما ولم أجد، فها أنا ارجع إليه مكرها ذليلا - وما أذلني إلا قومي – عله لا يحكم على مقالي وما سيليه بالإعدام، وينسى رفقتنا التي كنا عليها في أول العام...!
دع المزاح جانبا وعالى اكلمك جادا!
إذا أوصد الشهاب باب الإصلاح الديني أو بالأحرى الطرقي فقد فتح أبوبا أخر لا تقل فائدتها عن الأول فلنبادر للكتابة فيها.
علام نهجر السياسة ؟ ما لنا نخاف شبحها ونذعر عند سماع اسمها؟ هل تظنون أن الحكومة تعرف وحدها حاجياتكم ؟
نعم يكون ذلك لو أن الجرائد الفرنسوية وممثلي فرنسا بالجزائر يهتمون بشؤون الأهلي ويدرسون حاله درسا متقنا، أما والحالة على طرفي نقيض، فمن واجبنا الدفاع على أنفسنا، معربين عن حاجياتنا، متشبثين بحقوقنا – وما ضاع حق وراءه طالبه – جاعلين قول الحكيم نصب أعيننا:
إنما رجل الدنيا وواحدها ... من لا يعول في الدنيا على أحد
وقديما قيل : ما حك جلدك مثل ظفرك.
وعلى فرض علمها هل يدور يوما بخلدكم أنها تمنحكم طلبكم، وتعطيكم بغيتكم من غير أن تفتحوا شفاهكم، وتسمعوا صوتكم ؟.
طبع " أشعبي " وحماقة " ربيعية" ورب الكعبة !
كفى وعظا للمرء أيام دهره ... تروح له بالواعظات وتغتدي
...
لقد استيقظ النوم، وتنبه الغافلون، فالاحسان! وإلا ساء المآل وخابت الآمال!
كلمة مألوفة وعبارة غير غربية، وما أخرها إلا تقاعسكم، ولله در أعمى المعرة حين يقول:
إن المعاشر يعميها تغافيها
أفيقوا يا أبناء الجزائر، عار عليكم هذا الخمول في عصر النشاط، مخجل والله جهلكم في قرن المعارف، هبوا من رقدتكم ، وافتحوا أعينكم لا تفتروا بكل بارق ، إن الأيام حبلى يلدن ما تجهلون!
يا راقد الليل مسرورا بأوله ... إن الحوادث قد يطرقن أسحارا
يطول بي المقال إن انأ استمررت في تنبيهكم على ما لا يحسن بكل جزائري جهله، بله الذين نصبوا أنفسهم للإرشاد ورأوا أهليتهم للإصلاح !
هل من مجيب ؟ هل من مبرهن؟ هل من رجال؟ أم نحن كما قال الإمام علي " يا أشباه الرجال ولا رجال" !.؟
محمد العزوزي حوحو العقبي
العدد 28 الخميس 14 ذو القعدة 1344 هـ/ 28 ماي 1926م. ص 9-10.

------------
وقد كتب الإمام عبد الحميد بن باديس التعليق التالي تحت هذه المقالة:
(( للأديب العزوزي وغيره من رفاقنا أن يعتبوا أو يغضبوا ، فنحن لهم عاذرون، شاكرون ما داموا لا يسيئون الظن بإخوانهم المباشرين للادارة.
وإذا تمادوا في العتاب فاننا ننشدهم قول الشاعر:
ومستعجب مما يرى من أناتنا ... ولو زبنته الحرب لم يترمرم . ))









رد مع اقتباس