حكم الاحتفال بـــ (اليوم الثقافي) الذي تقيمه إحدى الجامعات بشكل سنوي
السؤال:
هل يجوز الاحتفال باليوم الثقافي الذي تقيمه الجامعة بشكل سنوي حيث يقوم الطلاب فيه من مختلف الدول بعرض ثقافات بلدانهم والتعريف بها؟
الجواب :
الحمد لله :
المناسبات والاحتفالات الزمانية التي تتكرر في كل عام ، لها حالان :
الأولى : أن يكون اليوم الذي تم تحديده للاحتفال به مقصوداً لذاته ، تعظيماً وتخصيصاً له عن سائر الأيام ، فمثل هذا يدخل في مضاهاة الأعياد الشرعية
سواء خصه بشيء من العبادات أم من العادات ؛ لأن المقصود منه تعظيم هذا اليوم ، فيدخل في معنى العيد ؛ لأن " الْعِيد اسْمٌ لِيَوْمٍ يَعُودُ كُلَّ سَنَةٍ، ذِكْرَى لِنِعْمَةٍ ، أَوْ حَادِثَةٍ وَقَعَتْ فِيهِ ، لِلشُّكْرِ ، أَوْ لِلِاعْتِبَارِ".
انتهى من "التحرير والتنوير" (7/108) .
ويدخل في هذا: الاحتفال بيوم المولد النبوي ، والإسراء والمعراج ، والهجرة النبوية... الخ
والأعياد شريعة من الشرائع يجب فيها الاتباع ، ويحرم الابتداع ، وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم وقائع وفتوح في أيام متعددة ، كبدر والخندق وحنين والفتح والهجرة
ولم يشرع اتخاذ شيء من هذه الوقائع عيداً ، مما يدل على أنه لا يُعظَّم يوم يعتاد إلا ما كان مشروعاً .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
: " فأما اتخاذ اجتماع راتب يتكرر بتكرر الأسابيع أو الشهور أو الأعوام ، غير الاجتماعات المشروعة ، فإن ذلك يضاهي الاجتماع للصلوات الخمس ، وللجمعة ، وللعيدين وللحج ، وذلك هو المبتدَع المحدث"
انتهى من " اقتضاء الصراط المستقيم" (2/140).
وفي "الدرر السنية" (5/63) :
" فلو ساغ تعظيم زمان من الأزمنة التي لم يدل على تعظيمها الشرع ، وجعلُه عيداً ؛ لساغ تعظيم ليلة الإسراء ، ويوم بدر ، ويوم الفتح ، وجعلها أعياداً ؛ لما حصل في تلك الأزمنة من الخير الكثير
وإعلاء كلمة الله تعالى ، وتشريف رسول الله صلى الله عليه وسلم". انتهى
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة" (3/88) :
" ما كان من ذلك مقصوداً به التنسك والتقرب ، أو التعظيم كسباً للأجر ، أو كان فيه تشبه بأهل الجاهلية ، أو نحوهم من طوائف الكفار : فهو بدعة محدثة ممنوعة
داخلة في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري ومسلم.
مثال ذلك : الاحتفال بعيد المولد ، وعيد الأم ، والعيد الوطني ؛ لما في الأول من إحداث عبادة لم يأذن بها الله ، ولما في ذلك من التشبه بالنصارى ونحوهم من الكفرة ، ولما في الثاني والثالث من التشبه بالكفار". انتهى
الثانية : أن لا يكون اليوم الذي تم تخصيصه مقصودا بالتعظيم والتمييز لذاته ، وإنما تم اختياره لأمر تنسيقي وتنظيمي ، لا يقصد بالاجتماع فيه التقرب إلى الله
وإنما المقصود العمل المباح الذي يتم فيه ، كالتوعية بأهمية أمر ما ، كأسبوع المرور ، والشجرة ، ويوم الصحة ، واللغة ، ونحو ذلك
أو التحذير من مخاطر أمر ما ، كالتدخين والمخدرات ونحوها؛ فمثل هذه لا تعد من الأعياد المبتدعة .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/89) :
" وما كان المقصود منه تنظيم الأعمال مثلاً ، لمصلحة الأمة ، وضبط أمورها ؛ كأسبوع المرور، وتنظيم مواعيد الدراسة ، والاجتماع بالموظفين للعمل ، ونحو ذلك مما لا يفضي به إلى التقرب والعبادة والتعظيم بالأصالة
فهو من البدع العادية التي لا يشملها قوله صلى الله عليه وسلم : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ، فلا حرج فيه، بل يكون مشروعا ". انتهى
وقال الشيخ ابن عثيمين : " وأما أسبوع الشجرة : فلا بأس به"
انتهى من "الكنز الثمين" (ص: 172).
وقال الدكتور عبد الله بن سليمان آل مهنا : " يُفَرَّق بين اليوم الذي يُحدد لعمل معين ، ولو تكرر ، وبين اليوم الذي يحدد ويتكرر لذات اليوم ، فيكون مقصوداً لذاته ، تعظيماً له وتمييزاً له عن غيره.
فالأول ليس تمييز اليوم وتخصيصه مقصوداً ، وإنما المقصود منه جعله ظرف زمانٍ لعملٍ معيَّنٍ ، كبداية دراسة أو اختبار أو اجتماع ونحو ذلك ، ولا يلتفت إليه لمعنىً آخر .
أما اليوم الثاني ، فإنه مقصود لذاته ، لحدث قد حصل فيه ، أو لأي سبب آخر ، يعظم ذلك اليوم ويميزه عن الأيام الأخرى ، فانتظاره كل عام ، والاهتمام به بما يقام فيه من أعمال : يدل على أنه المقصود لذاته .
ومن المعلوم أنه لا يجوز هذا التخصيص إلا بدليل شرعي ، فالأعياد التي تنتظر ويكون فيها اجتماع وأعمال هي الأعياد المشروعة : الفطر والأضحى ، وأيام التشريق ، ويوم الجمعة في الأسبوع.
فإذا أضفنا أياما أخرى ... ضارعنا بذلك الأعياد الشرعية ، وزاحمناها ، وخصصنا أزمنة بتعظيم دون مخصص شرعي "
انتهى من " الأعياد المحدثة وموقف الإسلام منها " صـ: 239.
وبناء على ما سبق : فلا حرج من الاحتفال بـ"اليوم الثقافي" الذي تقيمه الجامعات ، وليس هذا من الأعياد المحدثة التي لا يجوز إحداثها ؛ لأنه لا يتضمن تعظيماً لليوم
ولا تخصيصاً له ، وإنما هو من باب التنظيم والترتيب
. والله أعلم