منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - باب قول الله تعالى { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُه
عرض مشاركة واحدة
قديم 2024-01-21, 07:57   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عبدالله الأحد
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

توحيد الحاكمية



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فقد تنوعت عبارات علماء أهل السنة في التعبير عن أنواع التوحيد، ولكنها مع ذلك التنوع متفقة في المضمون، ولعل السبب في ذلك هو أن تلك التقسيمات لم يرد بها نص صريح، وإنما هي مأخوذة من استقراء النصوص؛ ولذلك فمن العلماء - كابن أبي العز في (شرح الطحاوية) (ص: 76) - من قسَّم التوحيد إلى ثلاثة أقسام، وهي:

1 - توحيد الربوبية.

2 - توحيد الأسماء والصفات.

3 - توحيد الألوهية.



ومن المتأخرين من زاد قسمًا رابعًا على الأقسام الثلاثة السابقة، وسماه:

4 - توحيد الحاكمية؛ (أي: التحاكم إلى الكتاب والسنة).



وقد رد كثير من العلماء جعل (الحاكمية) من أقسام التوحيد، وأنه في الحقيقة داخل ضمن توحيد الألوهية؛ لأن العبادة لا تقبل شرعًا إلا بشرطين، هما:

1 - الإخلاص.

2 - الاتباع.



كما قال تعالى: ï´؟ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ï´¾ [الكهف: 110].



وبناءً على هذين الشرطين لقبول العمل، لا حاجة بنا إلى إضافة (توحيد الاتباع) إلى أقسام التوحيد؛ لأن الاتباع شرط في قبول العمل، وليس قسمًا خاصًّا من أقسام التوحيد.



ومن العلماء من قسم التوحيد إلى قسمين، وهذا هو الأغلب في كلام أهل العلم المتقدمين؛ لأنهم يَجمعون بين توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وذلك بالنظر إلى أنهما يشكلان بمجموعهما جانب العلم بالله ومعرفته عز وجل، فجمعوا بينهما لذلك، بينما توحيد الألوهية يشكل جانب العمل لله.



ومن العلماء من يقول: التوحيد قسمان، كما ذكره ابن القيم في كتابه (مدارج السالكين) (3/ 449):

القسم الأول: توحيد المعرفة والإثبات: ويريد به توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وسُمِّي بتوحيد المعرفة؛ لأن معرفة الله عز وجل إنما تكون بمعرفة أسمائه، وصفاته، وأفعاله.



والإثبات: أي إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات والأفعال.



القسم الثاني: توحيد القصد والطلب: ويراد به الألوهية، وسُمِّي بتوحيد القصد والطلب؛ لأن العبد يتوجَّه بقلبه ولسانه وجوارحه بالعبادة لله وحده، رغبة ورهبة، ويقصد بذلك وجه الله، وابتغاء مرضاته.



ولا يكمُلُ لأحد توحيده إلا باجتماع أنواع التوحيد بتقسيماته المختلفة، فهي متكافلة متلازمة يكمل بعضها بعضًا، ولا يمكن الاستغناء ببعضها عن الآخر، فلا ينفع توحيد الربوبية بدون توحيد الألوهية، وكذلك لا يصح ولا يقوم توحيد الألوهية بدون توحيد الربوبية، وكذلك توحيد الله في ربوبيته وألوهيته لا يستقيم بدون توحيد الله في أسمائه وصفاته؛ فالخلَل والانحراف في أيِّ نوع منها هو خَلَل في التوحيد كلِّه.



فمعرفة الله لا تكون بدون عبادته، والعبادة لا تكون بدون معرفة الله؛ فهما متلازمان.



فمن أقر بتوحيد الربوبية وعلم أن الله سبحانه هو الرب وحده لا شريك له في ربوبيته - لزمه من ذلك أن يُفرِدَ الله بالعبادة وحده سبحانه وتعالى؛ لأنه لا يصلُحُ أن يُعبَد إلا من كان ربًّا خالقًا، مالكًا مدبرًا، وما دام كله لله وحده وجب أن يكون هو المعبودَ وحده.



ولهذا جرت سنة القرآن الكريم على سَوْقِ آيات الربوبية مقرونةً بآيات الدعوة إلى توحيد الألوهية، ومن أمثلة ذلك:

قوله تعالى: ï´؟ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ï´¾ [البقرة: 21، 22].



وأما توحيد الألوهية فهو متضمن لتوحيد الربوبية؛ لأن من عبَد الله ولم يشرك به شيئًا فهذا يدل ضمنًا على أنه قد اعتقد بأن الله هو ربه ومالكه الذي لا رب غيره.



وهذا أمر يشاهده الموحد من نفسه؛ فكونه قد أفرد الله بالعبادة ولم يصرف شيئًا منها لغير الله، ما هو إلا لمعرفته وتحققه بتوحيد الربوبية، وأنه لا رب ولا مالك ولا متصرف إلا الله وحده.



وأما توحيد الأسماء والصفات فهو شامل للنوعين معًا؛ وذلك لأنه يقوم على إفراد التوجه والاعتراف لله تعالى بكل ما له من الأسماء الحسنى والصفات العلى التي لا تنبغي إلا له سبحانه وتعالى، والتي من جملتها: الرب - الخالق - الرازق - الملك، وهذا هو توحيد الربوبية، والعمل بمقتضى هذه الأسماء هو توحيد الألوهية.



هذه هي طرق العلماء في تقسيم التوحيد بوجه عام، ولا خلاف بين العلماء في مضمونها، وإن اختلفوا في تقسيمها، والتقسيم مجرد اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح؛ كما يقول الأصوليون.



فلا ينبغي أن يكون الخلاف في هذه المسألة من دواعي التكفير والتفسيق والتبديع؛ لأنها مسألة تعليمية، ولو قسم التوحيد باحث أو عالم إلى أي تقسيم آخر، شريطة أن يلتزم المعاني التي دل عليها تقسيم السلف - فلا إشكال في ذلك؛ لأنه لا يُقصَد بالتقسيم التعبُّدُ به في ذاته، وإنما يقصد بالتقسيم التفهيم.



وخلاصة الكلام: أن تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام أفضل تقسيم، وأوضحه، وأجمعه، لكن لو قسم بغير هذا التقسيم لما كان فيه بأس، وشأن التوحيد في ذلك شأن جميع العلوم التي وضعوا لها اصطلاحات حادثة بحسب معانيها.



وممن نص على أن أقسام التوحيد ثلاثة: ابن تيمية - رحمه الله - وليس هو من ابتدأ هذا التقسيم كما يزعم البعض، بل سبقه إليه عدد من العلماء؛ فقد ورد في كلام ابن جرير الطبري، وفي كلام ابن بطة العكبري، وغيرهما من السابقين على شيخ الإسلام ابن تيمية، وحتى لو سلمنا جدلًا أنه أول من قال به لم يضر ذلك إذا كان المضمون صحيحًا موافقًا للكتاب والسنة.



وذكر الشيخ العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد حفظه الله، في كتابه "التحذير من مختصرات الصابوني" (ص30) أن: "هذا التقسيم الاستقرائي لدى متقدمي علماء السلف، أشار إليه ابن منده، وابن جرير الطبري، وغيرهما، وقرره شيخا الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وقرره الزبيدي في "تاج العروس"، وشيخنا الشنقيطي في "أضواء البيان"، في آخرين رحم الله الجميع، وهو استقراء تام لنصوص الشرع، وهو مطرد لدى أهل كل فن، كما في استقراء النحاة كلام العرب إلى اسم وفعل وحرف، والعرب لم تَفُهْ بهذا، ولم يعتب على النحاة في ذلك عاتب، وهكذا من أنواع الاستقراء"؛ انتهى.



وجاء هذا التقسيم عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة - رحمهما الله، كما في "كتاب التوحيد"؛ لابن منده (3/ 304 - 306)، و"الحجة"؛ للأصبهاني (1/ 111 - 113).



قال الإمام ابن بطة في كتابه "الإبانة الكبرى" (6 / 173): "وذلك أن أصل الإيمان بالله الذي يجب على الخلق اعتقاده في إثبات الإيمان به ثلاثة أشياء:

أحدها: أن يعتقد العبد إنِّيَّته؛ ليكون بذلك مباينًا لمذهب أهل التعطيل الذين لا يثبتون صانعًا.



الثاني: أن يعتقد وحدانيته؛ ليكون مباينًا بذلك مذاهب أهل الشرك الذين أقروا بالصانع وأشركوا معه في العبادة غيره.



والثالث: أن يعتقده موصوفًا بالصفات التي لا يجوز إلا أن يكون موصوفًا بها؛ من العلم والقدرة والحكمة، وسائر ما وصف به نفسه في كتابه؛ إذ قد علمنا أن كثيرًا ممن يقرِّ به ويوحده بالقول المطلق قد يلحد في صفاته، فيكون إلحاده في صفاته قادحًا في توحيده، ولأنا نجد الله تعالى قد خاطب عباده بدعائهم إلى اعتقاد كل واحدةٍ في هذه الثلاث والإيمان بها".



تفصيل القول في توحيد الحاكمية:

يُعَدُّ مفهوم الحاكمية من أهم المفاهيم المتداولة في الفكر الإسلامي المعاصر التي لقِيَت رواجًا وتداولًا على مستوى الفكر والعمل، مما جعل لهذا المفهوم والمصطلح الدال عليه موقعًا خاصًّا في الخطاب الإسلامي المعاصر، وأدار حوله الكثير من الجدل المعرفي والخلاف الفكري، وغَدَا محورًا للممارسات الدعوية والحركية، ولبنة في بناء الفكر السياسي الإسلامي المعاصر،وقد تعاملت مع هذا المفهوم جهات عديدة بوصفه مفتاحًا سحريًّا يوظفه العالِم والجاهل بقصد تقرير أحكام محددة، أو ترويج أفكار معينة،وقد استقطب الموضوع أنظار الباحثين المسلمين وغير المسلمين، واستخدمت في دراسته أساليب متنوعة في البحث والنظر.



الحاكمية لغة: حاكمية [مفرد]: مصدر صناعي[1] من حاكَم: وهو منصب الحاكم، أو وظيفته، أو لقبه الوظيفي، ويطلق عليها المعاصرون: "قضية الحاكمية"[2].



فالحاكمية مصدرٌ صناعي، لكنه يؤدي المعنى الذي يؤديه المصدر القياسي (الحكم).



ولفظ (الحاكمية) من الألفاظ المولدة، وأول من استخدمها في خطابه السياسي والديني هو العلامة الهندي الشهير أبو الأعلى المودودي، ثم أخذت عنه بعد ذلك وانتشرت وذاعت.



فقد بحث المودودي فكرة الحاكمية في إطار المسائل الأساسية للدستور الإسلامي، وتعرَّض للحاكمية في أول المسائل التي أثارها، باعتبارها مفتاح المشكلة في المنظومة الدستورية في نظره،وقد صاغ المودودي فكره السياسي - ومنه ما كتبه عن الحاكمية - ما بين 1937 - 1941م، عندما كانت الحاكمية في الهند للاستعمار الإنجليزي، وهي سلطة بشرية جاهلية كافرة، وكانت تلوح في أفق الهند المستعمرة يومئذ صورة الهند المستقلة كما تصورها "حزب المؤتمر" دولة قومية ديمقراطية علمانية ـ على النمط الغربي ـ وفيها ستكون الحاكمية للجاهلية الهندوكية الكافرة، وأمام هذه الحقيقة أعلن المودودي بأعلى صوته عن كفره بهذه الحاكمية البشرية، وركز على الجانب الإلهي من الحاكمية.



وقد نالت فكرة الحاكمية نصيبًا أوفى في كتابه "تدوين الدستور الإسلامي"، وحقيقة هذا المؤلف رد على صرخة تحدٍّ خرجت من أفواه العلمانيين وقتها؛ حيث قام المحامي أ.ك،روهي متحديًا بأن من استطاع أن يثبت لي أن القرآن يشتمل على مبادئ دستورية فله جائزة خمسة آلاف روبية، وقام المودودي بالتصدي لهذا التحدي والرد عليه؛ فألف "أسس الدستور الإسلامي في القرآن"، وألقى محاضرة في كراتشي بعنوان "تدوين الدستور الإسلامي"، وهذا ما جعل المحامي بوهي يقتنع بالأفكار التي طرحها المودودي، وساهم بعد ذلك في تقديم مشروع دستوري في المجلس التأسيسي موافقًا للدستور الإسلامي.



ومعنى الحاكمية عند المودودي: يبين المودودي الحاكمية بقوله: تطلق هذه الكلمة على السلطة العليا، والسلطة المطلقة، على حسب ما يصطلح عليه اليوم في علم السياسة.



فالحاكمية بهذا المعنى هي السلطة العليا المهيمنة على غيرها من السلطات، وهذا التعريف الذي أورده المودودي قريب من تعاريف المفكرين الغربيين لمفهوم السيادة[3].



ومعنى توحيد الحاكمية: إفراد الله سبحانه بالحكم والتشريع، وأنه سبحانه هو الحكم والمشرع، وأنه لا يُشرِك في حكمه أحدًا.



وقد اختلف العلماء المعاصرون في هذا القسم، فمنهم من جعله من أقسام التوحيد، ومنهم من جعله داخلًا ضمن توحيد الألوهية أو الربوبية، أو هما معًا.



ومما استدل به المثبتون له كقسم من أقسام التوحيد: أن الله تعالى وصف المشرع من دونه بأنه ندٌّ وشريك له تعالى؛ كما قال تعالى: ï´؟ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ï´¾ [الشورى: 21]، وقال تعالى: ï´؟ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ï´¾ [الكهف: 26].



فالله عز وجل لم يشرك أحدًا في حُكمه، ولم يجعل لأحدٍ أن يُعبَد من دونه، وفي قراءة ثابتة: ï´؟ وَلَا تُشْرِكْ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ï´¾ [الكهف: 26]؛ فهو نهي للمسلم أن يُشرِكَ في الحكم أحدًا مع الله عز وجل، أو أن يعبُدَ في الحُكم أحدًا من دون الله تعالى.



ï´؟ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ï´¾ [التوبة: 31].











رد مع اقتباس