منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - نسب عائلة ( خضراوي ) !
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-04-26, 08:40   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
آل خضراوي
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي آل خضراوي


الدولة الأخيضرية في اليمامة

الدكتور فهد بن عبد العزيز الدامغ
كلية الشريعة واللغة العربية - رأس الخيمة

عانت أقاليم الجزيرة العربية بعامة من الإهمال والعزلة منذ أن انتقل مركز الخلافة من هذه البلاد. وقد اختلفت درجة هذه المعاناة من إقليم لآخر. وكانت بلاد نجد أو ما يعرف في تنظيمات الدولة الإسلامية في عصري الدولتين الأموية والعباسية بـ»ولاية اليمامة«، أكثر أقاليم الجزيرة العربية معاناة من الإهمال والعزلة.
وما أن حلّ القرن الثالث الهجري حتى بدأت بوادر الضعف تظهر على الخلافة العباسية. وسرعان ما اشتد هذا الضعف وبلغ ذروته حين تسلط القادة الأتراك على الخلفاء، وبدأ ما عرف في تاريخ الدولة العباسية بعصر نفوذ الأتراك (232 - 334 هـ/ 847 - 946 م). وفي هذا العصر، شغلت الخلافة بكثير من المشكلات الداخلية، من أبرزها المنافسات بين قادة الأتراك وما نتج عنها، وكثرة الفتن والتمردات والثورات التي تغذيها دوافع سياسية أو دينية«. وقد أتاح ذلك كله فرصة لاستشراء ما عرف بظاهرة »الدول الإقليمية«، بحيث استغلت بعض القوى تضعضع أوضاع الخلافة، وارتخاء قبضتها على أقاليم الدولة المترامية الأطراف، وبخاصة في بعض المناطق النائية، ونجحت في اقتطاع بعضها والاستقلال به استقلالاً تامّاً، أو استقلالاً ذاتياً لم يبق للخلافة فيه سوى نفوذ اسميّ يتمثل في إعلان التبعية من خلال الخطبة والسكة فقط.
وكانت بلاد اليمامة التي تعدّ من أكثر أقاليم الدولة الإسلامية معاناة من العزلة والإهمال، من المناطق التي تأثرت بهذه الظاهرة. فظهرت فيها في منتصف القرن الثالث الهجري دولة علوية مستقلة استقلالاً تامّاً عن الخلافة العباسية، عرفت بالدولة الأخيضرية.
وقبل أن نتعرف الأسباب التي أدت إلى قيام هذه الدولة، والعوامل التي ساعدت على استمرارها، وطبيعة سياستها تجاه أهالي المناطق التي حكمتها، وعلاقاتها الخارجية بالقوى المجاورة، وحدود المنطقة التي حكمتها، ومعالم تاريخ الإقليم خلال فترة حكمها، وتاريخ سقوطها، نرى أن نشير بإيجاز - بادئ ذي بدء - إلى الأوضاع السياسية ببلاد اليمامة قبيل قيام الدولة الأخيضرية، ونمط الحياة الاجتماعية لسكانها، وطبيعة صلاتهم بمركز الخلافة العباسية في بغداد ونظرة كل من الطرفين للآخر.
وذلك، لما لهذه الأمور من أثر في مسار مجريات الأحداث فيما بعد، ولأن الإلمام بها يساعد في تفسير الأحداث التي وقعت في المنطقة والربط بينها. وهذا أمر مهم في ظل الشحّ الشديد في المعلومات عن تاريخ المنطقة في هذه الفترة التي يحيط الغموض بكثير من معالمها.

الأوضاع السياسية ببلاد اليمامة قبيل قيام الدولة الأخيضرية
كان يسكن بلاد اليمامة قبيل قيام الدولة الأخيضرية عدة قبائل، أهمها قبيلة تميم التي كانت تحتل الأجزاء الشمالية من بلاد اليمامة، وتمتد منازلها إلى أطرافها الشرقية([1][1])، ثم قبيلة حنيفة التي كانت تقطن قلب بلاد اليمامة([2][2])، يليها جنوباً بنو هزَّان من عنزة، وبنو النمر بن قاسط بن ربيعة، وبنو جرم من قحطان([3][3]). أما عن جنوبي اليمامة، فأغلب سكانه آنذاك كانوا من قبائل بني كعب بن عامر بن صعصعة المضرية. وفي أقصى غربي اليمامة كانت منازل قبيلة باهلة. هذا، إضافة إلى قبائل أخرى ذات صبغة بدوية تجوب فيافي اليمامة ومراعيها، وتتحرك إلى أقاليم مجاورة، مثل بني نمير، وبني كلاب، وبني عُقَيل([4][4]).
أما عن نمط الحياة الاجتماعية لسكان اليمامة آنذاك، فقد كان يقوم على أساس قبلي، سواء منهم من كانوا يسكنون المستوطنات الزراعية أم من كانوا يعيشون حياة البداوة الخالصة في الصحراء. ومعلوم أن سمات من تغلب عليهم صفة البداوة الرغبة في عدم الانضباط والنزوع إلى التمرد على الأنظمة([5][5]).
ولو أردنا إعطاء صورة لطبيعة النظرة المتبادلة بين السلطة المركزية المتمثلة في الخلافة، وأهل هذه المنطقة، لوجدنا أن الخلافة تنظر إلى هذه البلاد على أنها بلاد فقيرة قليلة الموارد لا تفي مواردها باليسير مما يتطلبه أمر الحفاظ على الأمن والاستقرار في ربوعها الواسعة وإصلاح أحوالها، وتنظر إلى أهلها بأنهم أهل جفاء وتمرّد. ومن هنا كان ينظر إليها على أنها ولاية ثانوية([6][6]).
لهذا لم يكن يراعى - في كثير من الأحيان - في من يسند إليه أمرها أن يكون على قدر كبير من الكفاءة والمقدرة وحسن التصرف، بل يختار لها في أحيان كثير من يتصف بالشدة، بغرض إخضاع أهلها لنفوذ الحكم المركزي، مهما صاحب ذلك من عنت وقسوة وشدة في التعامل من قبل بعض الوُلاة، أو بعض من كانوا يتولّون جباية الزكاة من القبائل البدوية([7][7]).
ويضاف إلى ما سبق أن الدولة لم تُول عناية واهتماماً لأمور هذه البلاد ومصالح أهلها بما من شأنه أن يحدث تغييراً في حياتهم، وبالتالي يزرع في قلوبهم الولاء، كل ذلك كان له أثره في نظرتهم السياسية للسلطة المركزية وطبيعة علاقتهم بها.
فإذا كانوا قد خضعوا لسلطة الدولة في فترات قوتها واستقرارها، فإن الأمر يختلف تماماً في فترات الضعف والاضطراب، إذ سرعان ما يظهر عند بعض سكان هذه البلاد، وبخاصة من تغلب عليهم صفة البداوة، ميلٌ إلى التمرد والإخلال بالأمن والجنوح إلى الفوضى، كلما وجدوا فرصة لذلك.
كما يلاحظ وجود ميل لديهم إلى مساندة الثائـرين على السلطة المركزية - سواءٌ كانوا من العلويين أو غيرهم - تعبيراً عن سخطهم من ناحية، ورغبة في الحصول على المكاسب المادية من ناحية أخرى.
ولعل قرار الخليفة العباسيّ المعتصم (218 - 227 هـ/ 833 - 842 م) إسقاط كثير من العرب من ديوان الجند، وإحلال الأتراك محلهم، كان له أيضاً أثر سلبي على علاقة القبائل البدوية بالسلطة المركزية. فقد عاد بعض أفراد هذه القبائل إلى مواطنهم الأصلية في بلاد نجد، بعد أن فقدوا مصدر رزقهم، وهم يحملون ضغناً على تلك السلطة([8][8]).
وإذا كانت علاقة بعض أهل هذه البلاد بالسلطة المركزية في مطلع القرن الثالث الهجري يشوبها التوتر في بعض الأحيان، وينعكس هذا الأمر سلباً على الأوضاع السياسية والأمنية فيها، فإن العلاقات بين السكان أنفسهم لم تكن جيدة هي أيضاً، مما زاد الأمر سوءاً.
لقد كان التنافس على المراعي وموارد المياه وغيرها، يؤدي إلى التنافر والعداء، ويتطور أحياناً إلى مناوشات وحروب، ليس بين قبيلة وأخرى مجاورة فقط، بل أحياناً بين فروع القبيلة نفسها([9][9]).
ثم هناك أمر آخر يدركه من يمعن النظر في طبيعة العلاقات بين سكان المنطقة في النصف الأول من القرن الثالث الهجري، هذا الأمر هو وجود توتر في العلاقات بين القبائل التي يغلب عليها طابع التحضّر والاستقرار، والقبائل التي يغلب عليها طابع البداوة. فقد كانت الأولى - وهي الأكثر ميلاً إلى حبّ الاستقرار والهدوء، والأكثر قبولاً للخضوع للسلطة المركزية - تعاني من الثانية التي تجنح إلى الفوضى والتمرد كلما وجدت ظروفاً مناسبة.
ولعل تمرد القبائل البدوية في الحجاز وعالية نجد وأطراف اليمامة، خلال الفترة من سنة 230 هـ/ 845 م حتى 232 هـ/ 847 م، يُعد أبلغ دليل على سوء الأوضاع السياسية والأمنية واضطرابها في هذه البلاد، خلال النصف الأول من القرن الثالث الهجري.
وقد أفاض المؤرخون في ذكر أخبار هذا التمرد، وكيف تم التصدي له والقضاء عليه. وخلاصة ما ذكروه أن قبائل بني سُليم، وبني هلال، وفزارة التي كانت تقطن حول المدينة المنورة، وفي الجزء الشمالي من عالية نجد، تطاولوا على الناس، وعاثوا في الأرض فساداً، فأصبحوا يتعدّون على أسواق بعض البلاد، ويمارسون السلب والنهب وقطع الطريق، وبخاصة بعد أن تمكنوا من إلحاق الهزيمة بوالي المدينة والقوة التي أرسلت من بغداد لمساندته([10][10]). ثم ما لبث هذا التمرد أن امتد إلى قبائل بني كلاب في وسط عالية نجد، وقبائل بني نمير في شرقي العالية وأطراف اليمامة([11][11]). وبهذا أصبح جزء كبير من وسط الجزيرة العربية يعاني من هذا التمرد.
حينئذ أدرك الخليفة العباسي الواثق (227 - 232 هـ/ 842 - 847 م) خطورة الأمر، ورأى ضرورة التصدي له بحزم وقوة، وأسند هذه المهمة إلى أحد أبرز قادته، وهو بغا الكبير أبو موسى.
توجه بغا على رأس جيش قوي إلى المدينة المنورة في سنة 230 هـ/ 745 م، وتمكن من إلحاق الهزيمة ببني سُليم وأسْرِ أعداد كبيرة منهم ومن المتعاونين معهم من بني هلال وفزارة([12][12]). وبعد نجاحه في إخضاع القبائل التي حول المدينة، توجه إلى بني كلاب في وسط عالية نجد ووصل إلى ضريّة([13][13]). فأعلن بنو كلاب الخضوع والعودة إلى الطاعة. فقبض بغا على نحو ثلاثمئة وألف رجل منهم ممن نُسب إليهم المشاركة في الفساد، وعاد بهم إلى المدينة حيث أودعهم السجن([14][14]).
وفي تلك الأثناء، كان بنو نمير يعيثون فساداً في شرقي عالية نجد وما يليه من بلاد اليمامة. وكان الشاعر اليمامي عمارة بن عقيل بن جرير (الشاعر) التميمي قد توجه إلى الخليفة الواثق. فلما دخل عليه، أنشده قصيدة مدحه بها، ثم أخبره بأوضاع بلاده وما تعانيه من قبيلة بني نمير المتمردة([15][15]).
فكتب الخليفة على أثر ذلك إلى قائده بغا يأمره بالتوجه لإخضاع بني نمير. وسار بغا بقواته من المدينة نحو اليمامة في مطلع سنة 232 هـ/ 846 م، وكانت أول مواجهة له مع جماعة من بني نمير في موضع يدعى الشُّريف بعالية نجد، حيث تمكن من هزيمتهم، وقتل منهم أكثر من خمسين رجلاً وأسر آخرين، ثم واصل سيره حتى نزل ببلدة مرأة (مرات) المعروفة بإقليم الوشم، وكان أهلها آنذاك من بني تميم([16][16]).
ومن هناك أخذ بغا يرسل الرسل إلى بني نمير يطلب منهم العودة إلى طاعة الخلافة، ويعرض عليهم الأمان مقابل ذلك. لكنهم كانوا يرفضون عروض بغا ويسيؤون إلى رسله، حتى بلغ الأمر حدَّ قتل أحد رسله وجرح الآخر. حينئذ قرّر بغا مواجهتهم، وتوجه لقتالهم([17][17]).
وفي الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة 232 هـ/ 847 م، دارت بين الطرفين معركة كبيرة في موضع يدعى »روضة الأمان«، قرب بلدة أُضاخ([18][18]). وكادت أن تحل الهزيمة ببغا وقواته في أول الأمر، إلا أن الدائرة دارت على بني نمير، فهزموا هزيمة ساحقة، وقتل منهم زهاء خمسمئة وألف رجل، وفرّ من نجا منهم([19][19]).
بعد هذه الهزيمة أعلن بعض بني نمير الطاعة، وأرسلوا إلى بغا يطلبون الأمان، فأعطاهم الأمان. أما من استمر في تمرده، فقد بعث سرايا تتعقبهم، وساعده في ذلك وصول مدد إليه من العراق يبلغ نحو سبعمئة رجل. ويلاحظ أن بغا نزل في هذه الفترة بحصن باهلة واتخذه مركزاً تنطلق منه سراياه لتعقّبِ المتمردين([20][20]).
ونزوله أولاً في بلدة مرأة (مرات) وهي من ديار بني تميم، ثم في حصن باهلة، وقبل ذلك استنجاد الشاعر اليمامي عمارة بن عقيل بالخليفة الواثق - كل ذلك يدل على أن القبائل المتحضرة في اليمامة مثل تميم وباهلة، كانت ملتزمة بالطاعة للخلافة، بل كانت تقدم العون لقوات الخلافة في مواجهة المتمردين.
أقام بغا في بلاد نجد نحو سنة، نجح خلالها في القضاء على تمرد الأعراب. وأسفرت عملياته خلال تلك الفترة عن أسر نحو ثمانمئة رجل جُلُّهم من بني نمير. وبعد أن اطمأن على استقرار الأوضاع، توجه نحو البصرة في طريقه إلى سامراء، عاصمة الخلافة آنذاك، وبصحبته من وقع في يده من الأسرى، وكتب إلى والي المدينة أن يتوجه بمن عنده من الأسرى من بني سُليم وكلاب وغيرهم إلى العراق، فالتقيا في بغداد. وكان جملة عدد الأسرى الذين وصلوا إلى العراق نحو مئتين وألفين، سوى من مات منهم في الطريق أو هرب([21][21]).
ويبدو ان ثورة الأعراب هذه أدت إلى نوع من الاهتمام بهذه البلاد في تلك الفترة. فقد أسندت ولاية اليمامة في سنة 231 هـ/ 846 م إلى إسحاق بن أبي خميصة([22][22])، وهو من أهل أُضاخ. ولم تشر المصادر إلى مشاركة للوالي الجديد في قمع التمرد، لكنها أوردت إشارات تدل على أنه كان يقيم في اليمامة، وأنه قام ببعض الأعمال العمرانية، ومنها إنشاء جامع في عقرباء([23][23]).
ولا شك في أن نجاح حملة بغا مهّد السبيل لإسحاق بن أبي خميصة، وساعده في السيطرة على مقاليد الأمور في أرجاء البلاد الواسعة، ونشْر الأمن فيها. وهذا ما كانت تفتقده منذ أزمان طويلة. وقد عبر أحد الشعراء عن هذا الأمر في قصيدة مدح بها ابن أبي خميصة، وجاء فيها:

أمنا - بحمد الله - من بعد خوفنا




وزدنا، فمنّا معزب ومريح



ونمنا وما كنّا ننام، وأطلقت




حمائل من أعناقنا وصفيح



فإن ترتحل يحنّ نجدٌ وأهله




وإلاّ فنجدٌ ما أقمت مليح



وحقّ لِنَجْدٍ أن تحنَّ ولم يبت





يئنّ بنجدٍ مُذ وليت جريح([24][24])













رد مع اقتباس