منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - شبهات حــول الإســلام
عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-01-15, 11:36   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
أم سمية الأثرية
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية أم سمية الأثرية
 

 

 
الأوسمة
وسام التقدير 
إحصائية العضو










افتراضي

الشبهة الثالثة عشرة: الزواج المبكر:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله صحبه أجمعين، وبعد:
فهذه هي "الحلقة الثالثة عشرة" من: (شبهات حول الإسلام) نتكلم فيها عن (الزواج المبكر) أقدمها بين يدي المنصفين ليعلموا أن القول بمحاربة الزواج المبكر على الإطلاق قول فاسد شرعاً وعرفاً، والذين يدعون إلى المنع من الزواج المبكر على الإطلاق لا نعرفهم إلا بالدعوة إلى تدمير المرأة باسم: (تحرير المرأة) ومحاربة (العنف ضد المرأة) ونحو هذه الشعارات إلا القليل من هؤلاء ممن يصيح بمحاربة الزواج المبكر وهو لا يدري ما وراء الأكمة.
وينبغي التنبيه على أمر مهم جداً وهو أن الفتيات يختلفن من فتاة إلى أخرى، فرب فتاة لا تكون صالحة للزواج المبكر لمرض في بدنها، أو لضعف في بنيتها، أو لضعف في عقلها، أو لقلة معرفتها بتدبير شئون المنزل ونحو ذلك، فمثل هذه الفتاة المشار إليها ربما ينتهي زواجها إلى الفشل مع ما فيه من إضرار بها أو بالزوج، وقد أشار النووي في "شرح صحيح مسلم" إلى ذلك حيث نقل عن بعض الأئمة: (حدُّ ذلك أن تطيق الجماع، ويختلف ذلك باختلافهن، ولا يضبط بسنٍّ وهذا هو الصحيح، وليس في حديث عائشة تحديد ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع ولا الإذن فيمن لم تطقه وقد بلغت تسعاً، قال الداودي: وكانت عائشة قد شبَّت شباباً حسناً رضي الله عنها) أ.هـ
والفتيات غير المتأهلات للزواج المبكر حالاتهم قليلة في المجتمع، وهؤلاء الفتيات لا ينبغي أن يجعلن كقاعدة مطردة لنمنع من الزواج المبكر ولو كانت الفتاة متأهلة للزواج بدنياً ونفسياً كما هو حال الكثير من الفتيات، ومن هنا نعلم أن سن قوانين تمنع من هذا الزواج على الإطلاق وبدون مراعاة للفتاة وحالها باطل شرعاً وظلم للناس كما صنعت بعض الدول العربية والإسلامية فمنعت من الزواج المبكر مطلقاً لوجود بعض الحالات الفاشلة والتي تعود أسباب فشلها إلى شيء خارج عن التبكير في الزواج، وإنما إلى أشياء أخرى منفصلة عن الزواج المبكر مثل عدم فهم الفتاة للمطلوب منها من الحياة الزوجية ونحو ذلك.
وقد استغل هؤلاء الحاقدون مثل هذه الأخطاء الحادثة في المجتمع - وهي قليلة - فأقاموا الدنيا وأقعدوها، وشنوا حرباً على الزواج المبكر في جميع وسائل الإعلام انتهت إلى قرار وقانون يمنع من الزواج المبكر، وأعرضوا عن مئات الحالات بل آلاف الحالات التي كان الزواج المبكر فيها موفقاً وناجحاً له آثاره العظيمة على المجتمع بأسره، فالشريعة بريئة من مثل هذه الجهالات.
وفي الأخير الشيء الذي يستوقفنا جميعاً ويستوقف العقلاء كلهم هو أن أعداء الإسلام من اليهود والنصارى والمنافقين وغيرهم لم يثيروا هذه القضية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد عهده، فلماذا لم ينكروا ذلك على رسول الله ولم يشوشوا بهذه القضية عليه، وهم قد استخدموا كل وسيلة للطعن في المقام النبوي العظيم ؟!
فإن كانوا لا يزالون مصرين على أن هذا لا يصح أصلاً إلى رسول الله، ولم يثبت عنه !!
فنقول لهم: ولو سلمنا لكم بهذا: فلماذا لم يطعن هؤلاء المذكورون في حديث "البخاري" المذكور، مع العلم أن هؤلاء المستشرقين عندهم إلمام بعلوم السنة أكثر من كثير المسلمين، وأيضاً قد استخدموا كل وسيلة لحرب الإسلام والمسلمين؟!.
الجواب: هؤلاء المنافقون وغيرهم من الحاقدين لم يطعنوا في الحديث لأنهم يعرفون أن هذا ليس مطعناً، ولم يخطر في بالهم يوم من الأيام أن يثيروا مثل هذا الشيء لعلمهم أن هذا ليس مما يثار به على الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن العرب تعارفت عليه، وهو معروف حتى من الناحية الواقعية، فكثير من النساء يتزوجن في هذا السن وينجبن ولم يحدث لهن شيء مكروه، وهذا أمر معروف ولاسيما في المجتمعات العربية.
وهذه الحلقة تتكون من عدة فصول:
الفصل الأول: حقيقة الزواج المبكر، وحكمه: ويتكون من عدة مباحث:
الأول: حقيقته.
الثاني: حكمه.
الفصل الثاني: دراسة حديث عائشة: ويتكون من عدة مباحث:
الأول: مكانة "الصحيحين" ولاسيما "صحيح البخاري".
الثاني: تخريج حديث عائشة.
الثالث: المطاعن في حديث عائشة إجمالاً وردها.
الرابع: الشبهة الأولى والجواب عنها.
الخامس: الشبهة الثانية والجواب عنها.
الفصل الثالث: محاسن تعجيل الزواج، ومفاسد تأخيره:
ويتكون من عدة مباحث:
الأول: مصالح الزواج المبكر.
الثاني: مفاسد تأخير الزواج.
الفصل الرابع: قيود الزواج المبكر:
الفصل الخامس: شبهات الداعين إلى تأخيره: ويتكون من عدة مباحث:
الأول: شبه القوم والجواب عنها.
الثاني: بيان مهم.
الفصل السادس: مناقشة قانون تحديد سن الزواج.
الفصل السابع: ماذا يريدون ؟! ويتكون من عدة مباحث:
الأول: خطط الأعداء.
الثاني: لنا عبرة فيما مضى.
الثالث: هلا كتبتم عن هذه المواضيع ؟!
والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه وسبباً لمرضاته، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله

الفصل الأول: حقيقة الزواج المبكر، وحكمه:
المبحث الأول: حقيقته:
1- تعريف التبكير:
الزواج المبكر: هو الزواج قبل أوانه، أو المتقدم على وقته، فهذا ما تحمله كلمة "مبكر" من المعنى، وفي "لسان العرب": (وقال ابن جني أصل "ب ك ر" إنما هو التقدم أي وقت كان من ليل أو نهار).
وقد تأتي بكّر بمعنى فعل الشيء في أول وقته وليس قبل وقته كما لو قيل: بكرنا بصلاة الفجر أو الظهر أي: صليناها في أول وقتها.
والذين يحاربون الزواج المبكر مرادهم هو المعنى الأول، لأنهم يرون هذا الزواج زواجاً قبل وقته، ونحن إذا ذكرنا الزواج المبكر فنعني به الزواج بالمعنى الثاني وهو الزواج في أول وقته، فلنا مقصد آخر غير مقصدهم.
2- أوان الزواج ووقته:
وهناك خلاف في تحديد أوان الزواج عند الناس:
1- فالمحاربون للزواج المبكر يرون أن سن الزواج عندهم هو سن ثمانية عشر سنة - أو نحو هذا السن على اختلاف فيما بينهم - فإذا تزوجت الفتاة قبل هذا السن فقد تزوجت مبكراً.
2- والذين ينهون عن التحديد بهذا السن- وهم الطرف الثاني - يقولون: إن أوان الزواج هو كون الفتاة جاهزة بدنياً ونفسياً للزواج، فإذا كانت جاهزة لذلك ورأى الزوج والأهل أنها صالحة للزواج - ولو قبل السن المذكور - جاز الزواج بها.
والحق أن تحديد سن الزواج بهذا السن المذكور في القول الأول تحكم لا دليل عليه كما سيأتي، والقول بأن من تزوج قبل ذلك السن فقد بكّر في الزواج دعوى لا دليل عليها، لأنه لا يرجع إلى قاعدة شرعية، والميزان هو ما إذا كانت الفتاة تطيق الجماع، وإنما يعد الزواج مبكراً إذا كانت الفتاة لا تطيق الجماع، حتى زواج عائشة ليس مقياساً عاماً لكل فتاة، وإنما المقياس تحملها وقوتها، فالفتاة التي تطيق الجماع تزوج وإن كانت تحت التاسعة، ولا تزوج إن كانت لا تطيقه لضعف أو مرض وإن كانت ذات ثمانية عشر سنة، فهو يختلف من امرأة إلى أخرى.
قال النووي في "شرح مسلم" (9/ 206): (وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بها، فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة عُمل به، وإن اختلفا فقال أحمد وأبو عبيد: تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: حدُّ ذلك أن تطيق الجماع، ويختلف ذلك باختلافهن، ولا يضبط بسنٍّ وهذا هو الصحيح، وليس في حديث عائشة تحديد ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع ولا الإذن فيمن لم تطقه وقد بلغت تسعاً، قال الداودي: وكانت عائشة قد شبَّت شباباً حسناً رضي الله عنها) أ.هـ
المبحث الثاني: حكمه:
1- حكمه في الشريعة:
الزواج المشروع على ما ذكرنا - والذي يسميه هؤلاء بالزواج المبكر – جائز شرعاً وطباً كما سيأتينا، وإليك الأدلة على ذلك.
الأدلة القرآنية:
1- قال الله تعالى: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاث أشهر واللائي لم يحضن).
ففي هذه الآية جعل الله سبحانه وتعالى عدة الفتاة الصغيرة ثلاثة أشهر بعد دخول زوجها بها، فدل على جواز العقد بها وهي صغيرة بل ودخول زوجها بها، وذلك لأن هناك فرقاً بين البلوغ وكون الفتاة مهيأة للجماع، فإن الفتاة تخرج عن طور الطفولة فتكون جاهزة للجماع قبل الحيض بما يقارب السنتين، فتكون مهيأة للجماع ولو لم تحض، والحيض يأتي بعد نضوج هذه الفتاة، فالميزان إذاً هو اكتمال بنيتها لا حيضها وبلوغها.
وقال الجصاص في كتابه " أحكام القرآن": (فتضمنت الآية جواز تزويج الصغيرة).
وقال ابن قدامة في "المغني": (وقد دل على جواز تزويج الصغيرة قول الله تعالى: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن) فجعل للائي لم يحضن عدة ثلاثة أشهر ولا تكون العدة ثلاثة أشهر إلا من الطلاق في نكاح أو فسخ فدل ذلك على أنها تزوج وتطلق).
2- ويقول الله تعالى: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع).
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في تفسير هذه الآية عندما سألها عنها ابن أختها عروة بن الزبير: (يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها، تشاركه في ماله، فيعجبه مالها وجمالها، فيريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهنَّ إلا أن يقسطوا لهنَّ، ويبلغوا بهنَّ أعلى سنتهنَّ في الصداق) متفق عليه.
فقولها رضي الله عنها: فيريد أن يتزوجها فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا يدل على مشروعية زواج الصغيرة التي لم تبلغ، لأن اليتم إنما يكون قبل البلوغ، فلا يتم بعد البلوغ.
3- ويقول الله تعالى: (ويستفتونَك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللآتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن).
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (هي اليتيمة تكون في حجر الرجل قد شركته في ماله فيرغب عنها أن يتزوجها ويكره أن يزوجها غيره، فيدخل عليه في ماله فيحبسها، فنهاهم الله عن ذلك). متفق عليه.
الأدلة من الأحاديث:
من أدلتنا هنا حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، وبنى [أي: ودخل بي] وأنا بنت تسع سنين) متفق عليه.
وحديث عائشة المذكور قد تطاول عليه رجل هو أشبه ما يكون بالصحفي، وستأتي مناقشته بإذن الله تعالى.
إجماع العلماء على مشروعية زواج الفتاة قبل البلوغ:
إنعقد الإجماع على جواز تزويج الصغيرة بشرط أن الذي يتولى تزويجها أبوها، وزاد الشافعي وآخرون الجد من جهة الأب أيضاً.
1- قال ابن المنذر: (أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن نكاح الأب ابنته البكر الصغيرة جائز إذا زوجها من كفءٍ، ويجوز له تزويجها مع كراهيتها وامتناعها) أ.هـ
2- قال ابن قدامة في "المغني": (أما البكر الصغيرة فلا خلاف فيها) أ.هـ
3- ونقل الحافظ في "فتح الباري" عن البغوي أنه قال: (أجمع العلماء أنه يجوز للآباء تزويج الصغار من بناتهم وإن كُنَّ في المهد، إلا أنه لا يجوز لأزواجهن البناء بهنَّ إلا إذا صلحن للوطء واحتملن الرجال).
4- قال الحافظ في "فتح الباري": (وقال ابن بطال: يجوز تزويج الصغيرة بالكبير إجماعاً ولو كانت في المهد، لكن لا يمكّن منها حتى تصلح للوطء).
5- قال النووي "شرح مسلم" (9/ 206): (وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بها، فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة عُمل به، وإن اختلفا فقال أحمد وأبو عبيد: تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: حدُّ ذلك أن تطيق الجماع، ويختلف ذلك باختلافهن، ولا يضبط بسنٍّ، وهذا هو الصحيح، وليس في حديث عائشة تحديد ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع ولا الإذن فيمن لم تطقه وقد بلغت تسعاً، قال الداودي: وكانت عائشة قد شبَّت شباباً حسناً رضي الله عنها).
2- معرفة صدر هذه الأمة بالنكاح المبكر:
الآثار الدالة على اشتهار الزواج المبكر بين الصحابة من غير نكير كثيرة، فلم يكن ذلك خاصًا بالنبي صلى الله عليه وسلم كما يتوهمه بعض الناس، بل هو عام له ولأمته.
قال عروة بن الزبير: (زوج الزبير رضي الله عنه ابنة له صغيرة حين ولدت) رواه سعيد بن منصور في "سننه" وابن أبي شيبة في "المصنف" بإسناد صحيح، وله لفظ آخر رواه ابن أبي شيبة عن عروة بن الزبير أنه زوج ابنا له ابنة لمصعب صغيرة وسنده صحيح كذلك.
قال الشافعي في "كتاب الأم": (وزوج غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته صغيرة) أ.هـ قلت: وهذه هي العادة في كثير من بلاد العرب، وهي إلى اليوم لا تزال في أرياف المسلمين.
3- وجوده عند سائر الأمم:
الزواج المبكر عند الغربيين في هذا العصر:
الزواج المبكر عرفه الناس ممن هم من غير المسلمين، ففي القانون الروماني جعل سن زواج الرجل الرابعة عشرة للرجل والمرأة الثانية عشرة، وشريعة اليهود جعلت سن زواج الرجل الثالثة عشرة والمرأة الثانية عشرة، والنصارى قريبون من ذلك، بل يذكرون أن مريم حملت بعيسى وهي ذات ثلاث عشرة سنة أو أقل.
وفي عصرنا كذلك حددت الكنيسة الكاثوليكية في أسبانيا أن من شروط صحة الزواج أن يبلغ الزوج من العمر 14 سنة، والزوجة 12 سنة.
فإذا كانت البنت في أسبانيا تعد صالحة للزواج في سن 12 سنة، فما بالكم بالبنت في الجزيرة العربية أوفي جنوب أفريقيا ؟
وفي الأرجنتين يشترط أن يكون الزوج قد بلغ من العمر 14، والزوجة 12.
وفي ولاية فلوريدا وولاية أيداهو يشترط أن يكون الزوج قد بلغ من العمر 14 ، والزوجة 12.
وفي ولاية كلورادو الأمريكية يشترط أن يكون الزوج قد بلغ من العمر 21 والزوجة 12
وفي يوغسلافيا (في الصرب ومونتيجرو يشترط أن يكون الزوج قد بلغ من العمر 15، والزوجة 13.
وفي إيطاليا يجب أن يكون الزوج قد بلغ 16 سنة، والزوجة 14.
وفي ولاية ألاباما الأمريكية يجب أن يكون الزوج قد بلغ 17 سنة والزوجة 14.
وفي اليونان يشترط أن يكون الزوج قد بلغ من العمر 18 سنة، والزوجة 14.
وفي بلجيكا يشترط أن يكون الزوج قد بلغ من العمر 18، والزوجة 15.
وفي اليابان يشترط أن يكون الزوج قد بلغ من العمر 17 سنة ، والزوجة 15 سنة.
وفي النمسا يشترط أن يكون الزوج قد بلغ من العمر 21سنة ، والزوجة 16 سنة.
وفي الدنمارك يجب أن يبلغ الرجل من العمر 20 سنة، والزوجة 16 سنة على الأقل.
وفي المجر وهولندا يشترط أن يبلغ الرجل من العمر 18 سنة ، والزوجة 16 سنة.
وفي السويد وسويسرا يجب أن يبلغ الرجل من العمر 21، والزوجة 18 سنة على الأقل.
نقلا ًعن الزواج والطلاق في "جميع الأديان"( ص 383 ، 418).
وجاء في "الموسوعة العربية العالمية": (ليست عادة الزواج المبكر وقفًا على القبائل في الشرق فحسب، بل إن كثيرًا من قبائل الهنود الحمر في الأمريكتين يتزوجون في عمر مبكر، فتتزوج الفتيات في عمر بين 11 و15 عامًا، أما الفتيان فيتزوجون فيما بين 15 و20 من العمر. ويقوم الوالدان باختيار زوجة ابنهما في قبائل الهنود الجنوبية، أما في أمريكا الشمالية فيسمح للابن باختيار زوجته، ويقوم في سبيل إقناع والدي زوجة المستقبل، بتقديم كثير من الهدايا القيمة لينال قبولهما. وبينما يسكن ابن القبائل في الشرق مع أسرته، يسكن الفتى الهندي مع أهل زوجته ويعمل لهم إلى أن ينجبا الطفل الأول).
الزواج المبكر في أعراف العرب قبل الإسلام:
الزواج المبكر كان معروفاً عند العرب توارثه المتأخرون عن المتقدمين، واللاحقون عن السابقين، وهو إلى يومنا هذا موجود ومنتشر بين القبائل والقرى العربية، ولم يستنكر إلا في المدن التي تأثرت بنظام الغرب في التعليم، ذلك النظام الذي أخر الزواج إلى ما بعد التخرج من الجامعة والحصول على وظيفة.
وما زالت أجيال كبيرة في أرياف المسلمين تزوج أبناءها وبناتها إلى اليوم وهم في أول مراحل المراهقة بل قبل ذلك ولا تجد في ذلك أدنى حرج ولا عيب، بل تعده من محاسن الأرياف التي تميزت به عن المدينة، قبل أن تأتي هذه الغيرة المزعومة من هؤلاء المثقفين العصريين الذين استوردوا مبدأ إنكار هذا الزواج من الغرب.
5- أقوال الأطباء:
زواج الفتاة في سن مبكرة شيء لا غبار عليه طبياً، وقد قال الإمام الشافعي كما في "سير أعلام النبلاء" (10/91) -: (رأيت باليمن بنات تسع يحضن كثيراً).
قال البيهقي في "الكبرى" (1/319): (فيما أجاز لي أبو عبد الله الحافظ روايته عنه عن أبي العباس الأصم عن الربيع عن الشافعي قال: (أعجل من سمعت من النساء يحضن نساء بتهامة يحضن لتسع سنين).
وتهامة: اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز، ومكة من تهامة، قال ابن فارس: "سميت من التَّهَم: وهو شدة الحر، وركود الريح، وقيل: لتغير هوائها، وتجمع على تهائم "تهذيب الأسماء واللغات".
وقال الشافعي كذلك: (رأيت بصنعاء جَدَّةً بنت إحدى وعشرين سنة! حاضت ابنة تسع، وولدت ابنة عشر، وحاضت البنت ابنة تسع، وولدت ابنة عشر).
قال العمراني في "البيان في مذهب الشافعي"(1/344): (قال أصحابنا: ويجيء على أصله أن تكون جدة لها تسع عشرة سنة، لأنها تحبل لتسع سنين، وتضع لستة أشهر، ثم تحبل ابنتها لتسع سنين، وتضع لستة أشهر، فذلك تسع عشرة سنة).
ويذكر مثل هذه الأخبار عن الحسن بن صالح وعن عباد بن عباد المهلبي وعن ابن عقيل وغيرهم.
انظر "التحقيق في أحاديث الخلاف" (2|267) لابن الجوزي و"السنن الكبرى"(1/320) للبيهقي.
والثابت طبياً أن الحيض يتأخر قرابة سنتين عن الوقت التي تجهز فيه الفتاة للجماع، ولذلك فإن العلماء عندما يذكرون وطء الصغيرة، يريدون الفتاة التي أصبحت جاهزة، وإن كانت لم تحض، مع التنبيه على أن تغير الفتاة من بيئة إلى أخرى أمر مساعد على تهيئة الفتاة بدنياً للزواج، فالمناطق الباردة تختلف عن المناطق الحارة، فالبلوغ عند نساء المناطق الحارة أسرع من غيرهن، ومدة الحيض أطول من غيرهن، وهذا على سبيل الغالب ، ومن هنا أمر النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة بالوضوء لكل صلاة، واستحب لها الاغتسال لكل صلاة لأن الماء يكسب جسمها برودة فيضعف النـزيف عندها، لأن الحرارة لها أثر على نزول النزيف كما لا يخفى.
وهؤلاء ينكرون حتى تأثير البيئة على الفتاة من جهة سرعة البلوغ وتأخره، ومن جهة كثرة عدد أيام الحيض وقلتها، وهذا أمر معروف في الطب والفقه والعرف لا ينكره إلا جاهل من أمثال الكاتب المتخبط إسلام بحيري الذي يستهزئ بمثل هذا الأمر وينكر تأثير البيئة على سرعة البلوغ، فأبان عن جهل ووقاحة في وقت واحد، وخالف هو وغيره بذلك الشرع والعقل والعرف.
وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل.
وقد ذكرت الطبيبة الأمريكية د. دوشني: أن الفتاة البيضاء في أمريكا قد تبدأ في البلوغ عند السابعة أو الثامنة، والفتاة الأمريكية ذات الأصل الأفريقي عند السادسة.
الفصل الثاني: دراسة حديث عائشة:
والذي دفعني إلى بيان طرق هذا الحديث أن هناك من تكلم في سنده وهو ليس من أهل هذا الشأن وهو الكاتب العقلاني إسلام بحيري الذي ما فتئ يشوشر على الأحاديث بترهات وحماقات يظنها من العلم وليس من العلم في شيء، ولقد نشرت له صحيفة يمنية – ومن المؤسف أنها حكومية – مقالاً هاجم فيه حديث عائشة، فكتبت مقالاً وأرسلته إلى هذه الجريدة ولكن لم يكتب الرد، وقال لي الأخ الذي أرسلته: ( إن القائمين على الصحيفة لا تريد نشر الرد) !!
فمرحباً بالرأي والرأي الآخر وحرية العقيدة وحق الرد !!
1- مكانة "الصحيحين" ولاسيما "صحيح البخاري":
أولاً: مكانة الصحيحين:

وقال ابن الصلاح في "مقدمته": ( أول من صنف في الصحيح ، البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري ومسلم مع أنه أخذ عن البخاري واستفاد منه فإنه يشارك البخاري في كثير من شيوخه وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز).
ونقل بعضهم عن إمام الحرمين أنه قال: لو حلف بطلاق زوجته أن ما في "الصحيحين" من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لما ألزمته بالطلاق.
قال النووي في "مقدمة شرح البخاري" (ص18): (ثم إن أصح مصنف في الحديث بل في العلم مطلقاً الصحيحان للإمامين القدوتين أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري وأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري رضي الله عنهما فليس لهما نظير في المصنفات) أ.هـ
وقال رحمه الله هناك (ص40): (واعلم أن الأمة اجتمعت على صحة هذين الكتابين) أ.هـ
وقال في "شرح مسلم": ( اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصحَّ الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم وتلقتهما الأمة بالقبول).
وقال في "رياض الصالحين" عند حديث: (الأعمال بالنيات): (رواه إماما المحدثين ... أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة الجعفي البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري رضي الله عنهما في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة ).
والأمة قد اجتمعت على صحة هذين الكتابين كما قال النووي رحمه الله، ولكن لم يجتمعوا على أنهما أصح الكتب بعد كتاب الله، فهناك من يقول: بأنه موطأ مالك أصح منهما، ومنهم من سوّاه بهما ومنهم من أخره عنهما وهو الصحيح وهو الذي ذكره النووي كما تقدم كلامه في "شرح البخاري".
وقال الحافظ في "النكت على ابن الصلاح": (وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز، قال النووي باتفاق العلماء).
وقد نقل السخاوي في" فتح المغيث" حكاية الجزم بكل خبر متلقى بالقبول عن جمهور المحدِّثين وعامة السلف، وذكر الإسفرائيني إجماع أهل الصنعة على القطع بصحة ما في الصحيحين وأن من حكم بخلاف ما فيهما بغير تأويل سائغ نقض حكمه.
ونقل السيوطي في" التدريب" عن الحافظ السجزي إجماع الفقهاء أن من حلف على صحة ما في البخاري لم يحنث.
وقال الشوكاني في "نيل الأوطار": ( واعلم أن ما كان من الأحاديث في الصحيحين أو أحدهما جاز الاحتجاج به من دون بحث، لأنهما التزما الصحة وتلقت ما فيهما الأمة بالقبول).
ولقد أتى على هذين الصحيحين أكثر من أحد عشر قرناً انتشر فيها ذكرهما في أقطار البلاد، وبين طبقات المسلمين، في شرق البلاد وغربها، وما زال علماء المسلمين ينقلون منهما، ويستدلون بأحاديثهما، ويرجعون إليهما عند التنازع.
وقل أن يوجد مؤلف في العبادات أو الاعتقادات لعالم معتبر إلا وفيه ذكر الصحيحين أو مؤلفيهما، أو النقل منهما أو من أحدهما.
ولم يذكر عن أحد من العلماء المعتبرين طوال هذه القرون الطعن على الشيخين بعدم الحفظ، أو أن ما في الكتابين غير ثابت أو نحو ذلك.
2- مكانة "صحيح البخاري":
وبعد تقديم الصحيحين على غيرهما اختلف العلماء في أيهما يقدم على أقوال، فذهب أبو علي النيسابوري وآخرين إلى تقديم صحيح مسلم، وذهب آخرون إلى التسوية بينهما، وذهب الجمهور إلى أن البخاري أولى بالتقديم، وذكر السخاوي في "فتح المغيث" قولاً رابعاً وهو التوقف، والصحيح هو أن صحيح البخاري أصح كتب الأئمة إذا نظرنا إليها إجمالاً، أما عند التفصيل فلكل واحد منهما مزية، فمزية البخاري علو الإسناد وصحته، مع ما فيه من الفوائد الفقهية، مع ما يتمتع به صحيحه من القوة لقوة مؤلفه ورسوخه في فن العلل ودقته في هذا الباب، ومزية مسلم حسن الترتيب وجودته وعدم إضافة شيء من آرائه واجتهاداته.
قال أحدهم:
تشاجر قوم في البخاري ومسلم لـدي وقالـوا: أي ذين تقدم ؟!
فقلت: لقد فاق البخاري صحة كما فاق في حسن الصناعة مسلم.

لكن الذي يهمنا هنا ما نذكره من ثناء عاطر على "صحيح البخاري".
قال الإمام النسائي: (ما في هذه الكتب المصنفة أجود من كتاب محمد بن إسماعيل).
وقال الدارقطني: (لولا البخاري ما راح مسلم ولا جاء).
وقال النووي في مقدمة "شرح مسلم": (وصحيح البخاري أَصَحُّهُما، وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة ، وقد صحَّ أن مسلماً كان ممن يستفيد من البخاري ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث، وهذا الذي ذكرناه من ترجيح كتاب البخاري هو المذهب المختار الذي قاله الجماهير وأهل الإتقان والحذق والغوص على أسرار الحديث).
وقال في "التقريب والتيسير": (أول مصنف في الصحيح المجرد، صحيح البخاري، ثم مسلم، وهما أصح الكتب بعد القرآن، والبخاري أصحهما وأكثرهما فوائد، وقيل مسلم أصح، والصواب الأول).
وقال الذهبي كما في "الحطة في ذكر الكتب الصحاح الستة" وأما جامع البخاري الصحيح فأجل كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله تعالى).
وقال ابن القيم في "زاد المعاد" عن الإمام البخاري: (أجَلُّ من صَنَّفَ في الحديث الصحيح).
وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية: (وأجمع العلماء على قبوله - يعني صحيح البخاري - وصحة ما فيه وكذلك سائر أهل الإسلام).
وقال ابن السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى": (وأما كتابه الجامع الصحيح فأجل كتب الإسلام بعد كتاب الله).
وقال ولي الله الدهلوي في "الحجة البالغة": ( أما الصحيحان فقد اتفق المحدثون على أن جميع ما فيهما من المتصل المرفوع صحيح بالقطع وأنهما متواتران إلى مصنفيهما، وأن كل من يهون أمرهما فهو مبتدع متبع غير سبيل المؤمنين).
وقال العلامة أحمد محمد شاكر في "الباعث الحثيث": ( الحق الذي لا مرية فيه عند أهل العلم بالحديث من المحققين وممن اهتدى بهديهم وتبعهم على بصيرة من الأمر أن أحاديث الصحيحين صحيحة كلها، ليس في واحد منها مطعن أو ضعف ، وإنما انتقد الدارقطني وغيره من الحفاظ بعض الأحاديث على معنى أن ما انتقدوه لم يبلغ في الصحة الدرجة العليا التي التزمها كل واحد منهما في كتابه . وأما صحة الحديث في نفسه فلم يخالف أحد فيها . فلا يهولنك إرجاف المرجفين، وزعم الزاعمين أن في الصحيحين أحاديث غير صحيحة وتتبع الأحاديث التي تكلموا فيها وانقدها على القواعد الدقيقة التي سار عليها أئمة أهل العلم واحكم عن بينة، والله الهادي إلى سواء السبيل).
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في مقدمة "تحقيق شرح العقيدة الطحاوية" : ( كيف والصحيحان هما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى باتفاق علماء المسلمين من المحدثين وغيرهم، فقد امتازا على غيرهما من كتب السنة بتفردهما بجمع أصح الأحاديث الصحيحة وطرح الأحاديث الضعيفة والمتون المنكرة على قواعد متينة وشروط دقيقة وقد وفقوا في ذلك توفيقاً بالغاً لم يوفق إليه من بعدهم ممن نحا نحوهم في جمع الصحيح؛ كابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم ،حتى صار عرفاً عاماً أن الحديث إذا أخرجه الشيخان أو أحدهما فقد جاوز القنطرة ودخل في طريق الصحة والسلامة ، ولا ريب في ذلك وأنه هو الأصل عندنا).
المبحث الثاني: تخريج حديث عائشة:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، وبنى [أي: ودخل بي] وأنا بنت تسع سنين".
الحديث أخرجه البخاري في "صحيحه" ومسلم في "صحيحه" وابن ماجه في "السنن" وابن أبي شيبة في "المصنف" مرتين، والنسائي في "الكبرى" والحميدي في "المسند" والطبراني في "الكبير" والدارمي في "السنن" والبغوي في "شرح السنة" وابن الجارود في "المنتقى".
كلهم من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: "فذكرته".
ولحديثها شاهــد من حديث ابن مسعود، رواه ابن ماجه في "سننه" عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: (تزوج النبي صلى الله عليه و سلم عائشة وهي بنت سبع سنين، وبنى بها وهي بنت تسع سنين، توفي عنها وهي بنت ثماني عشر سنة).
قال البوصيري في "زوائد ابن ماجه": (إسناده صحيح على شرط الشيخين إلا إنه منقطع لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه قاله شعبة وأبو حاتم وابن حبان في الثقات والترمذي في الجامع والمزي في الأطراف وغيرهم).
قلت: وفيه أنها بنت سبع وهو مخالف لما في "الصحيحين".
المبحث الثالث: المطاعن في حديث عائشة إجمالاً وردها كذلك:
اعترض هذا الصحفي على الحديث باعتراضين:
الاعتراض الأول:
أن التاريخ ينفي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد تزوج عائشة وهي بنت تسع سنين، بل المصادر تؤكد أنها كانت بنت ثمانية عشرة سنة، كذا قال إسلام بحيري !!وزعم أنها ولدت في الجاهلية وأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بها وهي ابنة ثمانية عشر أو سبعة عشر سنة حيث قالإذن يتأكد بذلك أن سن عائشة كان أربع سنوات مع بدء البعثة النبوية في مكة، أي: أنها ولدت قبل بدء الوحي بأربع سنوات كاملات).
وهذا شيء لم يسبق إليه، وإذا كانت الغرائب مردودة على قائليها ولو من كانوا من أفاضل الناس فكيف بمثل هذا الكاتب، ويكفي في رد كلامه وتخليطه أن نذكر أموراً:
الأمر الأول: إجماع أهل العلم على أن عائشة تزوجت وهي بنت ست سنين، ودخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت تسع سنين، وقد نقل الإجماع جماعة من أهل العلم منهم:
1- الإمام ابن عبد البر "الاستذكار" (16/49-50) حيث قال: (أجمع العلمـاء على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا يشاورها، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة بنت أبي بكر وهي صغيرة بنت ست سنين أو سبع سنين أنكحه إياها أبوها).
2- وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب" (ص901): (تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة قبل الهجرة بسنتين - هذا قول أبي عبيدة، وقال غيره: بثلاث سنين - وهي بنت ست سنين وقيل: بنت سبع وابتنى بها بالمدينة وهي ابنة تسع لا أعلمهم اختلفوا في ذلك).
3- ابن كثير في "البداية والنهاية" حيث قال: (وقوله: "تزوجها وهي ابنة ست سنين، وبنى بها وهي ابنة تسع" ما لا خلاف فيه بين الناس- وقد ثبت في الصحاح وغيرها - وكان بناؤه بها عليه السلام في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة).
الأمر الثاني: أن التاريخ يؤيد ما اتفقوا عليه، فقد توفيت عائشة عام ثمان وخمسين من العام الهجري، عن ست وستين سنة، فدل على أنها كانت عند زواجها ذات تسع سنين تقريباً.
قال ابن سعد في "الطبقات" (8/78): (قال محمد بن عمر[أي: شيخه الواقدي]: توفيت عائشة ليلة الثلاثاء لسبع عشرة مضت من شهر رمضان سنة ثمان وخمسين ودفنت من ليلتها بعد الوتر وهي يومئذ بنت ست وستين سنة).
الأمر الثالث: أن هناك من نص أن عائشة ولدت في الإسلام وليس في الجاهلية كما قال هذا الرجل.
1- قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء"(2/139): (وعائشة ممن ولد في الإسلام، وهي أصغر من فاطمة بثماني سنين، وكانت تقول: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين).
2- قال الحافظ في "فتح الباري" تحت "باب: فضل عائشة" من "كتاب الفضائل" من صحيح البخاري: (وكان مولدها في الإسلام قبل الهجرة بثمان سنين أو نحوها، ومات النبي صلى اله عليه وسلم ولها نحو ثمانية عشر عاماً).
3- وقال رحمه الله في "الإصابة": (ولدت بعد المبعث بأربع سنين أو خمس، فقد ثبت في "الصحيح" أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست، وقيل: سبع، ويجمع بأنها كانت أكملت السادسة ودخلت في السابعة).
الاعتراض الثاني:
يزعم إسلام بحيري أن هشام بن عروة قد تغير حفظه بالعراق، وأن رواية البخاري هذه من هذا الصنف فهي ضعيفة إذاً، كذا قال !!، وهذا فيه رد لأحاديث هشام بن عروة التي حدث بها في العراق كلها بدون تفصيل، وهذا شيء لم يسبق إليه، ثم على فرض أن ما ذكره صحيح فهو مدفوع بأنه قد روى غير هشام عن عروة بن الزبير، وروى غير عروة بن الزبير عن عائشة كما سترى هنا إن شاء الله.
المبحث الرابع: الشبهة الأولى والجواب عنها:
اعتمد هذا الصحفي على أمور بنى عليها كلامه المتقدم من أن عائشة ولدت في الجاهلية، نذكرها مع الأجوبة:
1- تعلقه بكلام ابن جرير:
حيث ذكر ابن جرير في "تاريخ الأمم والملوك"(ص472) أبناء أبي بكر وهو عبد الله وأسماء وعبد الرحمن وعائشة، ثم قال ابن جريرفكل هؤلاء الأربعة من أولاده ولدوا من زوجتيه اللتين سميناهما في الجاهلية.
وتزوج في الإسلام أسماء بنت عميس .....
وتزوج أيضاً في الإسلام حبيبة بنت خارجة ....).
وهذا الصحفي لم يسق للقارئ لفظ ابن جرير حتى ينظر فيه، وإنما عزاه إليه متصرفاً فقال هذا الصحفي: (الطبري يجزم بيقين في كتابه "تاريخ الأمم والملوك" أن كل أولاد أبي بكر قد ولدوا في الجاهلية).
كذا قال !! وهو إما أنه لم يفهم عبارة ابن جرير، أو أنه يريد أن يغالط القراء !! فإنه لم يسق كلام ابن جرير كاملاً كما ساق كلام غيره، فإن ابن جرير يريد بكلامه المتقدم أن هاتين الزوجتين تزوجهما أبو بكر في الجاهلية، ولم يرد أن الأولاد ولدوا كلهم في الجاهلية فإن عائشة لم تولد في الجاهلية، فالجار والمجرور وهما: (في الجاهلية) يتعلقان بالزوجتين، لا بالولادة، والمعنى: (فكل هؤلاء الأولاد الأربعة من أولاده، ولدوا من زوجتيه اللتين تزوجهما أبو بكر في الجاهلية).
ومما يدل على أن ابن جرير أراد ما ذكرناه أمران أحدهما: أنه ساق بعد ذلك الزوجات اللاتي تزوجهن أبو بكر في الإسلام، فعرف أنه قصد أولاً الزوجات اللاتي تزوجهن في الجاهلية.
والثاني: أن ابن جرير قال في "تاريخ الأمم والملوك" (ص472): (ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة بعدما قدم المدينة وهي يوم بنى بها ابنة تسع سنين).
فنحن نطلب من هذا الصحفي أن يبين لنا: كيف يرى ابن جرير أن عائشة ولدت في الجاهلية ثم يقول: (وهي يوم بنى بها ابنة تسع سنين) ومن المعلوم أن يوم البناء بها كان في السنة الأولى من الهجرة، أي: قد مر على الجاهلية قرابة أربعة عشر سنة ؟!!
2-كلام ابن كثير:
نقل هذا الصحفي عن ابن كثير أنه قال: (ذكر ابن كثير في "البداية والنهاية" عن الذين سبقوا بإسلامهم: "ومن النساء ... أسماء بنت أبي بكر وعائشة وهي صغيرة، فكان إسلام هؤلاء في ثلاث سنين ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في خفية، ثم أمر الله عز وجل رسوله بإظهار الدعوة" وبالطبع هذه الرواية تدل على أن (عائشة) قد أسلمت قبل أن يعلن الرسول الدعوة في عام 4 من بدء البعثة النبوية، بما يوازي عام614م ومعنى ذلك أنه آمنت على الأقل في عام 3 أي: عام 613م فلو أن عائشة على حسب رواية البخاري ولدت عام 4 من بدء الوحي، معنى ذلك أنها لم تكن عل ظهر الأرض عند جهر النبي بالدعوة في عام 4 منن بدء الدعوة أو أنه كانت رضيعة، وهذا ما يناقض كل الأدلة الواردة) أ.هـ
وأنا أسوق إليك كلام ابن كثير في "البداية والنهاية" (ص378) حيث قال رحمه الله: (وقد سرد ابن إسحاق أسماء من أسلم قديماً من الصحابة رضي الله عنهم.
قال: ثم أسلم أبو عبيدة بن الجراح، وأبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم، وعثمان بن مظعون، وعبيدة بن الحارث، وسعيد بن زيد، وامرأته فاطمة بنت الخطاب، وأسماء بنت أبي بكر، وعائشة بنت أبي بكر - وهي صغيرة - وقدامة بن مظعون، وعبد الله بن مظعون، وخباب بن الارت، وعمير بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، ومسعود بن القاري، وسليط بن عمرو، وعياش بن أبي ربيعة، وامرأته أسماء بنت سلمة بن مخرمة التيمي، وخنيس بن حذاقة، وعامر بن ربيعة، وعبد الله بن جحش، وأبو أحمد بن جحش، وجعفر بن أبي طالب، وامرأته أسماء بنت عميس، وحاطب بن الحارث، وامرأته فكيهة ابنة يسار، وحطاب بن الحارث وامرأته فكيهة بنت يسار، ومعمر بن الحارث بن معمر الجمحي، والسائب بن عثمان بن مظعون، والمطلب بن أزهر بن عبد مناف.
وامرأته رملة بنت أبي عوف بن صبيرة بن سعيد بن سهم، والنحام واسمه نعيم بن عبد الله بن أسيد، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر، وخالد بن سعيد، وأمينة ابنة خلف بن سعد بن عامر بن بياضة بن خزاعة، وحاطب بن عمرو بن عبد شمس، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وواقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة التميمي حليف بني عدي، وخالد بن البكير، وعامر بن البكير، وعاقل بن البكير، وإياس بن البكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة من بني سعد بن ليث، وكان اسم عاقل غافلاً فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عاقلاً، وهما حلفاء بني عدي بن كعب، وعمار بن ياسر، وصهيب بن سنان.
ثم دخل الناس في الاسلام أرسالاً من الرجال والنساء حتى فشا أمر الاسلام بمكة وتحدث به.
قال ابن إسحاق: ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث سنين من البعثة بأن يصدع بما أمر، وأن يصبر على أذى المشركين).
هذا كلام ابن كثير، وليس فيه: (ومن النساء) ولا فيه (فكان إسلام هؤلاء في ثلاث سنين ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في خفية) !! فلا أدري من أين أتى به ؟!!فربما تصرف فيه كسابقه !!.
وقد أخذ من قوله: (قال ابن إسحاق: ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث سنين من البعثة) إلخ، أن عائشة أسلمت قبل العام الثالث وهو العام الذي أمر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدع بالدعوة، مما يدل على أنها لم تولد في العام الرابع كما المؤرخون.
والجواب عن ذلك:
أولاً: ما ذكره ابن كثير لا يفيد أن عائشة أسلمت قبل العام الرابع، وإنما فيه أن عائشة من السابقين بإسلامها، ولا شك أن من أسلم في مكة فهو من السابقين الأولين وعائشة منهم رضي الله عنها، وتأمل قول ابن كثير: (فصل: في ذكر أول من أسلم، ثم ذكر متقدمي الإسلام من الصحابة وغيرهم ...)، وتأمل في قوله: (وقد سرد ابن إسحاق أسماء من أسلم قديماً من الصحابة)، فالسياق سياق من أسلم قديماً.
والسبب في اشتباه الموضوع على الكاتب أن المؤرخ قد يسوق قصة حصلت في عام معين، ثم يستطرد في ذكر القصص المشابهة لهذه القصة وإن كانت متأخرة، فيخرج عن العام الذي هو في صدده، فيظن الظان أن هذه القصص كلها حصلت في ذلك العام، وهذا شيء معروف من أساليب المؤرخين.
فكيف يرى ابن كثير أن عائشة من مواليد الاسلام وهو الذي قال في عائشة: (تزوجها وهي ابنة ست سنين، وبنى بها وهي ابنة تسع" ... وقد ثبت في الصحاح وغيرها، وكان بناؤه بها عليه السلام في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة) ؟! أي: هي عند ابن كثير من مواليد الاسلام لا الجاهلية.
3- كلام عائشة في صحيح البخاري:
قال البخاري في "صحيحه": (باب جوار أبي بكر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعقده).
ثم ساق بإسناده إلى عائشة قالت: (لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، وقال أبو صالح حدثني عبد الله عن يونس عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت: "لم أعقل أبوي قط، إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية، فلما ابتلى المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قبل الحبشة، حتى إذا بلغ برك العماد لقيه ابن الدغنه - وهو سيد القارة - فقال أين تريد يا أبا بكر ؟ فقال أبو بكر: "أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربى" قال ابن الدغنه: "إن مثلك لا يخرج ولا يخرج، فإنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق، وأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلادك، فارتحل ابن الدغنه فرجع مع أبي بكر، فطاف في أشراف كفار قريش، فقال لهم: "إن أبا بكر لا يخرج مثله، ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقرى الضيف، ويعين على نوائب الحق ؟" فأنفذت قريش جوار ابن الدغنه وأمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدغنه: "مر أبا بكر فليعبد ربه في داره، فليصل وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به، فإنا قد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا" قال ذلك ابن الدغنه لأبي بكر، فطفق أبو بكر يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بالصلاة ولا القراءة في غير داره، ثم بدا لأبى بكر فابتنى مسجدا بفناء داره، وبرز فكان يصلي فيه، ويقرأ القرآن، فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم، يعجبون وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدغنه فقدم عليهم، فقالوا له إنا كنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره، وإنه جاوز ذلك، فابتنى مسجدا بفناء داره، وأعلن الصلاة والقراءة، وقد خشينا أن يفتن أبناءنا ونساءنا، فأته فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرين لأبى بكر الاستعلان، قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة أبا بكر، فقال قد علمت الذي عقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد إلى ذمتي، فإنى لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له" قال أبو بكر: إني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله" ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قد أريت دار هجرتكم، رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين، وهما الحرتان، فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة، وتجهز أبو بكر مهاجراً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي. قال أبو بكر: "هل ترجو ذلك بأبي أنت قال: "نعم"، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر).
قال هذا الصحفي: (ولا أدري كيف أخرج البخاري هذا ؟! فعائشة تقول إنها لم تعقل أبويها إلا وهم يدينان الدين، وذلك قبل هجرة الحبشة كما ذكرت، وتقول إن النبي كان يأتي بيتهم كل يوم، وهو ما يبين أنها كانت عاقلة لهذه الزيارات، والمؤكد أن هجرة الحبشة إجماعاً بين كتب التاريخ كانت في عام "5" من بدء البعثة النبوية ما يوازي عام "615م" فلو صدقنا رواية البخاري أن عائشة ولدت عام 4 من بدء الدعوة عام 614م فهذا يعني أنها كانت رضيعة عند هجرة الحبشة، فكيف يتفق ذلك مع جملة (لم أعقل أبوي) وكلمة أعقل لا تحتاج توضيحاً ..) إلخ ما قاله.
والجواب:
أولاً: إن قول عائشة: (لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين) ليس فيه ما يشكل، لأنها تخبـر عن نفسها، وهذا هو الذي وقع فعائشة عرفت نفسها وأبواها مؤمنان، ولا يلزم أن يكون ذلك قبل الهجرة.
وأما بقية الخبـر ولاسيما خبر الهجرة إلى الحبشة فليس ضرورياً أن تكون عائشة قد عاصرته، وليس مع هذا الصحفي ما يدل على أن عائشة ادعت سماع مثل ذلك، فقد ترويه عن غيرها ممن عاصر هذا الشيء مثل أبيها أو أمها أو أختها أسماء أو غيرهم، وهذا ما يسمى عند المحدثين بمرسل الصحابي، وهو مقبول إذا كان مميـزاً عند موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روى ابن عباس وغيره أحاديث كثيرة من هذا الصنف، وهذا أمر معروف بين أهل العلم بالحديث.
قال ابن الصلاح في "مقدمته" (ص75): ( .. مرسل الصحابي، مثل ما يرويه ابن عباس وغيره من أحداث [أي: صغار] الصحـابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوه منه، لأن ذلك في حكم الموصول المسند لأن روايتهم عن الصحابة والجهالة بالصحابي غير قادحة لأن الصحابة كلهم عدول والله أعلم).
ولما كان هذا الصحفي يجهل ذلك قال فضيلته: (ولا أدري كيف أخرج البخاري هذا ؟!).
أقول: ألا سألت فيعلمك الناس ؟! بدلاً من هذه العجائب !!
4- تعلقه بحديث خوله بنت حكيم :
قال هذا الصحفي: (أخرج الإمام أحمد أيضاً عن خولة بنت حكيم حديثاً طويلاً عن خطبة عائشة، ولكن المهم فيه ما يلي:"قالت أم رومان: إن مطعم بن عدي قد ذكرها على ابنه والله ما وعد أبو بكر وعداً قط فأخلفه ... لعلك مصبي صاحبنا" والمعنى ببساطة أن المطعم بن عدي وكان كافراً قد خطب عائشة لابنه جبير بن مطعم قبل النبي الكريم وكان أبو بكر يريد أن لا يخلف وعده فذهب إليه فوجده يقول له: لعلي إذا زوجت ابني من عائشة يصبي أي: يؤمن بدينك، وهنا نتوقف مع نتائج مهمة جداً وهي: لا يمكن أن تكون عائشة مخطوبة قبل ست سنوات لشاب كبير – لأنه حارب المسلمين في بدر وأحد – يريد أن يتزوج مثل جبير، كما أنه من المستحيل أن يخطب ابنته لأحد من المشركين وهم يؤذون المسلمين في مكة مما يدل على أن هذا كان وعداً بالخطبة وذلك قبل بدء البعثة النبوية حيث كان الاثنان في سن صغيرة، وهو ما يؤكد أن ولدت قبل بدء البعثة النبوية يقيناً).
خرج هذا الصحفي بعد شدة التنقيب والعناء الكبير بنتيجتين:
الأولى: وهي أنهلا يمكن أن تكون عائشة مخطوبة قبل ست سنوات لشاب كبير) !!.
والثانية: هي أنه: (كما أنه من المستحيل أن يخطب ابنته لأحد من المشركين وهم يؤذون المسلمين في مكة) !!.
ويؤسفني أن أقول: إن هاتين ليستا نتائج مثمرة، ولا تدل على ما ادعاه من أن عائشة ولدت في الجاهلية، لأنها دعوى مجردة فقط دون برهان وهي قوله: (لا يمكن ..)، وقوله: (من المستحيل ..) !! وتبقى مشكلة هذا الصحفي أنه إلى الآن لا يتصور أن بنات العرب كانت تُخطب في سن مبكرة، وهذا يدل عليه العرف والشرع.
قال الحافظ في "فتح الباري" في "كتاب النكاح" من "صحيح البخاري" تحت باب: "تزويج الصغار من الكبار": (وقال ابن بطال: يجوز تزويج الصغيرة بالكبير إجماعاً ولو كانت في المهد، لكن لا يُمكّن منها حتى تصلح للوطء).
فأرجو ممن اغتر بكلام هذا الصحفي أن يتأمل في هذه الحكم المدعوم بالإجماع، وسيأتي مزيد من التفصيل في ذلك.
وأما النتيجة الثانية: وهي أن أبا بكر لا يمكن أن يزوج ابنته بمشرك حارب المسلمين، فهذا يدل على جهله، لأن تحريم زواج المسلمة بالكافر نزل في المدينة بعد الهجرة، في قوله تعالى: (فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم، ولا هم يحلون لهن). وقد تزوج أبو العاص وهو مشرك بزينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم بعد النبوة، ولم يسلم إلا متأخراً بعد أن هاجرت زوجته إلى المدينة.
وأما قوله: (وهم يؤذون المسلمين في مكة) فهذا جهل آخر، فليس كل المشركين كانوا يؤذون المؤمنين، فقد هناك من المشركين من كان له حسن جوار، أو ود لبعض المؤمنين، بحكم الصحبة القديمة قبل الإسلام، أو له حماية لقرابة بينهما كما فعل أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو للصفات الجميلة التي يتحلى بها بعض المؤمنين كأبي بكر، ولعل الصحفي نسي أنه استدل قبل قليل بقصة ابن الدغنه فقد كان مشركاً وكان يحب أبا بكر ويجله كثيراً، ولذلك أجاره من المشركين.
والخلاصة: ليس مع فضيلة هذا الصحفي دليل تاريخي على أن عائشة ولدت قبل الإسلام.
5- تعلقه بحديث عائشة:
روى البخاري في "صحيحه" عن عائشة أم المؤمنين قالت: لقد أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بمكة ، وإني لجارية ألعب (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر).
قال البخاري: (باب قوله: "بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر").
قال هذا الصحفي: (والمعلوم بلا خلاف أن سورة القمر نزلت بعد أربع سنوات من بدء الوحي بما يوازي 614م فلو صدقنا رواية البخاري تكون عائشة إما أنها لم تولد أو أنها رضيعة حديثة الولادة عند نزول السورة، ولكن عائشة تقول: "كنت جارية ألعب" أي: أنها طفلة تلعب فكيف تكون لم تولد بعد ؟ ولكن الحساب المتوافق مع الأحاديث يؤكد أن عمرها عام 4 من بدء الوحي عند نزول السورة كان 8 سنوات كما بينا مراراً وهو ما يتفق كلمة: "جارية ألعب").
والجواب:
1- لقد بحثت كثيراً عن هذا الذي ادعاه الكاتب - وهو عدم الخلاف - فلم أجد شيئاً يذكر، وقد كنا نتمنى من الكاتب أن يحيل القراء إلى مراجع معتمدة عند أهل العلم ولاسيما في بحوث دقيقة كهذه.
2- القول بأنها نزلت في السنة الرابعة بدون خلاف غير صحيح، فقد قال بعضهم بأنها نزلت في بدر، وقد قال السيوطي في "الدر المنثور": (أخرج ابن أبي شيبة وابن منيع وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: (سيهزم الجمع ويولون الدبر) قال: كان ذلك يوم بدر قالوا (نحن جميع منتصر) فنزلت هذه الآية).
قال أبو حيان في "البحر المحيط": (والجمهور على أنها مكية، وتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مستشهداً بها، وقيل: نزلت يوم بدر) أ.هـ فهذا نقل صريح للخلاف فمن أين أتى الكاتب بـ (عدم الخلاف) ؟!
3- من المعلوم في (علوم القرآن) أن الآية الواحدة قد تنزل مرتين، إن صح أن الآية نزلت كما قاله الكاتب، وعلى هذا فإن استدلاله على ما ذكر باطل، ويراجع كتاب: "الإتقان" للسيوطي.
قال الصحفي: (أخرج البخاري في "باب: لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها" قال رسول الله: "لا تنكح البكر حتى تُستأذن" قالوا يا رسول الله ! وكيف إذنها ؟ أن تسكت" فكيف يقول الرسول الكريم هذا ويفعل عكسه ؟ فالحديث الذي أورده البخاري عن سن أم المؤمنين عند زواجها ينسب إليها أنها قالت: كنت ألعب بالبنات – العرائس – ولم يسألها أحد عن إذنها، في الزواج من النبي، وكيف يسألها وهي طفلة صغيرة جداً لا تعي معنى الزواج، حتى موافقتها في هذه السن لا تنتج أثراً شرعياً، لأنها موافقة من غير مكلف، ولا بالغ ولا عاقل).
والجواب: إنني لأتعجب من مثل هذا الإشكال الذي أجزم أنه لم يطرأ على أحد من أهل العلم، وإنما أوقع هذا الصحفي في ذلك أنه جعل حديث استئذان المخطوبة هو الأصل، وحديث عائشة الآخر مشكلاً لأنه يخالف ذلك الأصل فرد حديثاً بآخر!! ولم يدر أن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخذ بها كلها لأنها جميعاً أصول، ويجمع بينها إذا ظهر تعارضها فيما بينها،ولا يضرب بعضها ببعض كما فعل هذا الصحفي !! ولو أنه سأل أهل العلم لأفادوه.
والجمع بين هذه الأحاديث أن البالغة لابد من استئذانها وغير البالغة يجوز إجبارها وعدم استئذانها لأنها لا تعي معنى الزواج كما قال الأخ، ولكن هذا للأب وحده دون غيره.
1- قال الحافظ في "الفتح"(9/98): (ثم إن الترجمة معقودة لاشتراط رضا المزوجة بكراً كانت أو ثيباً صغيرة كانت أو كبيرة، وهو الذي يقتضيه ظاهر الحديث، لكن تستثنى الصغيرة من حيث المعنى لأنها لا عبارة لها).
2- قال شيخ الاسلام كما في "مجموع الفتاوى"(32/22): (وأما إجبار الأب لابنته البكر البالغة على النكاح ففيه قولان مشهوران: هما روايتان عن أحمد، أحدهما: أنه يجبر البكر البالغ كما هو مذهب مالك والشافعي وهو اختيار الخرقي والقاضي وأصحابه.
والثاني: لا يجبرها كمذهب أبي حنيفة وغيره، وهو اختيار أبي بكر عبد العزيز بن جعفر، وهذا القول هو الصواب).
3- وقال في الصفحة التي بعدها: (والصحيح أن مناط الإجبار هو الصغر، وأن البكر البالغ لا يجبرها أحد على النكاح).
والخلاصة: كذلك ليس مع فضيلة هذا الصحفي دليل تاريخي على أن عائشة ولدت قبل الإسلام.
المبحث الرابع: الشبهة الثانية والجواب عنها:
وأما الرد على الشبهة الثانية وهي أن هشاماً قد نزل العراق فتغير حفظه، وأن هذه الرواية من تلك الروايات التي تغير فيها حفظه، فالجواب عنها من عدة أوجه:
الوجه الأول: أن هناك من روى عنه هذه الرواية من غير أهل العراق:
1- فقد أخرج الحميدي في "المسند" (231) ومن طريقه الطبراني في "الكبير" قال الحميدي: ثنا سفيان قال ثنا هشام بن عروة - وكان من جيد ما يرويه - عن أبيه عن عائشة قالت : (تزوجني رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا بنت ست سنين أو سبع سنين وبنى بي وأنا بنت تسع).
وسفيان هنا هو سفيان ابن عيينة أبو محمد الهلالي المكي فهو وتلميذه الحميدي من أهل مكة.
الوجه الثاني: أن هشاماً قد توبع ولم ينفرد بالحديث، فقد تابعه غير واحد عن أبيه عن عائشة، حتى وصلت الطرق عن عائشة إلى درجة التواتر، فقد تابعه أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة كما في "السنن الكبرى" للنسائي، والقاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة كما في "المعجم الكبير" للطبراني، وأبو عبيدة عن عائشة كما في "المعجم الكبير" للطبراني، ويحي بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة كما في "المعجم الكبير" للطبراني، والأسود عن عائشة كما في "المعجم الكبير" للطبراني، وابن سعد في "الطبقات" وعبد الملك بن عمير كما في "المعجم الكبير" للطبراني، وأبو الزناد عن أبيه عن عائشة كما في "المعجم الأوسط" للطبراني، وعبد الرحمن بن محمد بن زيد بن جدعان: كما في "المعجم الكبير" للطبراني.
فهذه ثمان طرق، وهي غير المراسيل الكثيرة التي تؤيد ما ذكرناه وتزيد الحديث قوة فوق قوته، وهذه المراسيل تدل على اشتهار الأمر واستفاضته حتى عند التابعين، من هذه المراسيل مرسل ابن أبي مليكة عند الطبراني في "الكبير"، ومرسل أبي عبيدة، ومصعب بن سعد، والزهري عند ابن سعد في "الطبقات".
الوجه الثالث: فيما قاله من أن هشاماً تغير حفظه لما نزل العراق نظر، فقد نقل هذا الصحفي عن الإمام مالك أنه قال: (إن حديث هشام بالعراق لا يقبل)، وهذا اللفظ لم أجده عن الإمام مالك، وإنما وجدت عنه ما يلي: (قال يحي: رأيت مالك بن أنس في النوم فسألته عن هشام بن عروة فقال: أما ما حدث به وهو عندنا فهو أي كأنه يصححه، و ما حدث به بعدما خرج من عندنا، فكأنه يوهنه).
وهذا الكلام الصريح هو أولاً ليس حقيقة، وإنما هو منام رآه يحي بن يحي التميمي النيسابوري وهو من تلاميذ مالك، ولكن هذا لا يعتد به في ميزان "الجرح والتعديل"، ولا هو مما يجرح به الثقات ولاسيما بعد أن ثبتت عدالته، وثانياً ليس فيه أنه قال لا يقبل.
ولمالك كلام آخر فيه هذا الغمز، ولكن ليس فيه "أنه لا يقبل" كما نقل هذا الصحفي !! وإنما فيه ما سنذكره:
1- وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: ( كان مالك لا يرضاه، وكان هشام صدوقاً تدخل أخباره في الصحيح، بلغني أن مالكا نقم عليه حديثه لأهل العراق).
2- وقال يعقوب بن شيبة: "ثبت ثقة"، لم ينكر عليه شيء إلا بعدما صار إلى العراق، فإنه انبسط في الرواية عن أبيه، فأنكر ذلك عليه أهل بلده، والذي يرى أن هشاماً يسهل لأهل العراق أنه كان لا يحدث عن أبيه إلا بما سمعه منه فكان تسهله أنه أرسل عن أبيه مما كان يسمعه من غير أبيه عن أبيه).
والخلاصـــة:
1- أن دعواه غير صحيحة، بل هي كذب على الإمام مالك.
2- أنهم نقموا على هشام أنه أدخل في الرواية عن أبيه ما لم يسمعه منه مباشرة، وإنما سمعه بواسطة عنه، وليس هذا الحديث منه فإن هشاماً قد سمع أباه في هذه الرواية بدليل أن هشاماً قد توبع.
وهذا الصحفي المشار إليه حالة نادرة حيث ذهب يشكك في أحاديث أصح الكتب بعد كتاب الله وهي أحاديث البخاري ومسلم معتمداً على مثل ما رأيت أيها القارئ الكريم، ثم يتهم هذه الأحاديث بكل وقاحة بأنها بلغت المنتهى في المخالفة، فخالفت كل ما يمكن أن يُخالف فقال فضيلته !!: (رغم أنها تخالف كل ما يمكن مخالفته، فهي تخالف القرآن والسنة الصحيحة وتخالف العقل والمنطق والعرف والعادة والخط الزمني لأحداث البعثة النبوية).
أقول: سبحان الله !! كل الأجيال الذين قرأوا هذا الحديث ما عندهم أدنى إلمام بعلم الشريعة !! وليس عندهم مُسكة عقل !! ولا هم يعيشون بين الناس !! إلى يومنا هذا لم تخرج لنا هذه الأمة رجلاً يفهم هذا الحديث حق الفهم ويعطيه المنـزلة اللائقة به حتى جاءنا هذا الصحفي العجيب !!
إن علماء الأمة قاطبة – ومن وراءهم عوام الناس - أجمعوا على صحة هذا الحديث، وتلقيه بالقبول الحسن، والعمل به، وحفظه وكتابته في دواوين الاسلام، ولا يعرف أحد غمز فيه فضلاً عن أن يتجرأ على هذا الرد الصريح كما صنع هذا الصحفي، مع العلم أن "صحيح البخاري" بما فيه هذا الحديث قد مرت عليه أجيال من العلماء والمحققين، وقوافل من النقاد والمؤرخين، فما علمنا أحداً أنكر هذا الحديث أو أشار على الأقل إلى نكارة فيه، مع كثرة ما يستدلون به في عدة أبواب، في "أبواب النكاح" "باب: نكاح الصغيرة"، و"أبواب السيرة" باب: زواجه صلى الله عليه وسلم من عائشة"، و"باب: فضائل عائشة"، وغير ذلك من الأبواب.
ولو كان هناك أحد أنكره لما تأخر هذا الصحفي في النقل عنه، والاستناد إلى كلامه ليخرج من شبهة التفرد بهذا الرأي الغريب !!.
بل نقول: لقد مر على كتاب "صحيح البخاري" العوام من الناس، فمنـزلة "صحيح البخاري" لا تخفى على أحد، فهو يُقرأ على الناس في المساجد بعد الصلوات، وفي خطب الجمعة من على المنابر، ومع هذا فإن الكاتب لم يسأل نفسه سؤالاً: وهل أنكر هذا الحديث أحد في نفسه، وهل أشكل على أحد قبلي بقطع النظر هل هو صحيح من الناحية الاسنادية والتاريخية أم لا ؟!!
إن التحقيق العلمي يكشف لنا مدى تلبيس هذا الصحفي، ومغالطاته الصريحة، فنحن في زمن يبيع فيه المرء دينه بدراهم معدودة !! ولو ببحث يرضي به الأعداء ويكون الكاتب فيه مستأجراً، وكيف لا يكون الأمر كذلك ونحن في زمن يمجد فيه الكثير من الكتاب ما عليه أعداء الإسلام من حضارة زائفة، في الوقت الذي يهاجمون فيه الإسلام ويشككون في مسلماته وثوابته ؟!!










رد مع اقتباس