منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - حَمْلُ الـمُجْمَلِ عَلَى الـمُفَصَّلِ من كَلاَمِ العُلَمَاءِ
عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-09-17, 00:58   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
ابو الحارث مهدي
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية ابو الحارث مهدي
 

 

 
الأوسمة
وسام أفضل قصيدة المرتبة  الثانية 
إحصائية العضو










افتراضي

وقال -رحمه الله-


الفصل السادس عشر: (في بيان ما يقبل التأويل من الكلام، وما لا يقبله)

قال: (لما كان وضع الكلام للدلالة على مراد المتكلم، وكان مراده لا يُعلم إلا بكلامه؛ انقسم كلامه ثلاثة أقسام:
أحدها: ما هو نص في مراده، لا يحتمل غيره.
الثاني: ما هو ظاهر في مراده، وإن احتمل أن يريد غيره.
الثالث: ما ليس بنص ولا ظاهر في المراد، بل هو مجمل يحتاج إلى البيان.
فالأول: يستحيل دخول التأويل فيه، وتحميله التأويل:كذب ظاهر على المتكلم، وهذا شأن عامة نصوص القرآن الصريحة في معناها، كنصوص آيات الصفات، والتوحيد...)

إلى أن قال: (فصل: في القسم الثاني: ما هو ظاهر في مراد المتكلم، ولكنه يقبل التأويل، فهذا يُنظر في وروده، فإن اطّرد استعماله على وجه واحد؛ استحال تأويله بما يخالف ظاهره، لأن التأويل إنما يكون لموضع جاء نادرًا، خارجًا عن نظائره، منفردًا عنها، فيؤول حتى يُردَّ إلى نظائره، وتأويل هذا غير ممتنع، لأنه إذا عُرف من عادة المتكلم، باطراد كلامه في توارُد استعماله معنى أَلِفَهُ المخاطِب، فإذا جاء موضع يخالفه؛ رده السامع بما عهد من عُرف المخاطِب، إلى عادته المطردة، هذا هو المعقول في الأذهان والفِطَر، وعند كافة العقلاء
وقد صرح أئمة العربية، بأن الشيء إنما يجوز حذفه، إذا كان الموضع الذي ادُّعي فيه حذفه؛ قد استُعمل فيه ثبوته أكثر من حذفه، فلابد أن يكون موضع ادعاء الحذف عندهم صالحًا للثبوت، ويكون الثبوت مع ذلك أكثر من الحذف، حتى إذا جاء ذلك محذوفًا في موضع؛ عُلم بكثرة ذكره في نظائره، أنه قد أزيل من هذا الموضع، فحُمل عليه، فهذا شأن من يقصد البيان والدلالة، وأما من يقصد التلبيس والتعمية؛ فله شأن آخر....
والقصد أن الظاهر في معناه، إذا طَّرد استعماله في موارده مستويًا؛ امتنع تأويله، وإن جاز تأويل ظاهر ما لم يطرد في موارد استعماله، ومثال ذلك اطراد قوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ في جميع موارده من أولها إلى آخرها على هذا اللفظ، فتأويله بـ"استولى" باطل، وإنما كان يصح؛ أن لو كان أكثر مجيئه بلفظ "استولى"، ثم يخرج موضع عن نظائره، ويَرِد بلفظ ﴿استَوَى، فهذا كان يصح تأويله بـ"استولى" فتفطّن لهذا الموضع، واجعله قاعدة فيما يمتنع تأويله من كلام المتكلم، وما يجوز تأويله...).

ثم قال-رحمه الله-: (فصل: القسم الثالث:
الخطاب المجمل الذي أحيل بيانه على خطاب آخر، فهذا -أيضًا- لا يجوز تأويله إلا بالخطاب الذي بيّنه، وقد يكون بيانه معه، وقد يكون منفصلاً عنه، والمقصود أن الكلام الذي هو عُرضة التأويل، قد يكون له عدة معانٍ، وليس معه ما يبيّن مراد المتكلم، فهذا للتأويل فيه مجال واسع، وليس في كلام الله ورسوله من هذا النوع شيء من الجمل المركبة، وإن وقع في الحروف المفتتح بها السور...).اﻫ

"الصواعق المرسلة" (1/382-389)