ثانيا :
أما ما جاء من الأحاديث التي يذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى أحدا في الجنة أو في النار ، فهي على أحد وجهين :
1- إما أنها في رؤيا المنام : كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ : ( يَا بِلَالُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ )
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (3/35) :
" قال الكرماني : ظاهر الحديث أن السماع المذكور وقع في النوم ؛ لأن الجنة لا يدخلها أحد إلا بعد الموت . ويؤيد كونه وقع في المنام ما سيأتي في أول مناقب عمر من حديث جابر مرفوعا : ( رأيتني دخلت الجنة فسمعت خشفة ، فقيل هذا بلال ، ورأيت قصرا بفنائه جاريه فقيل هذا لعمر ) الحديث وبعده من حديث أبي هريرة مرفوعا : ( بينا أنا نائم رأيتني في الجنة ، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر ، فقيل : هذا لعمر ) الحديث فعرف أن ذلك وقع في المنام ، وثبتت الفضيلة بذلك لبلال ؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي ، ولذلك جزم النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك " انتهى .
2- يكشف الله للنبي صلى الله عليه وسلم ما سيكون في الأخرة حتى يراه رأي عيان أو رأي قلب ، ومنه ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من أمور في الجنة وفي النار .
يقول الحافظ النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (6/207) :
" قال القاضي عياض : قال العلماء : تحتمل أنه رآهما رؤية عين ، كشف الله تعالى عنهما ، وأزال الحجب بينه وبينهما ، كما فرج له عن المسجد الأقصى حين وصفه .
قالوا : ويحتمل أن يكون رؤية علم وعرض وحي ، باطلاعه وتعريفه من أمورها تفصيلا ما لم يعرفه قبل ذلك .
قال القاضي : والتأويل الأول أولى وأشبه بألفاظ الحديث ، لما فيه من الأمور الدالة على رؤية العين كتناوله صلى الله عليه وسلم العنقود ، وتأخره مخافة أن يصيبه لفح النار " انتهى .
والله أعلم .