منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - رسالة الضبّ
الموضوع: رسالة الضبّ
عرض مشاركة واحدة
قديم 2020-11-26, 09:31   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
اسماعيل 03
مشرف منتديات الدين الإسلامي الحنيف
 
الصورة الرمزية اسماعيل 03
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز لسنة 2013 
إحصائية العضو










افتراضي

((فصل))

ومن مزاعم العرب في الضب أنه أول من دلّ على نفسه، إذ كانت الحيوانات كلّها تتكلّم، فزعموا أن صائدًا مرّ بوادٍ فيه ضب فلم يتوجّه إلى صيده، فخاطبه الضب بقوله: انك لو ذقت الكُشى بالأكباد .. لما تركت الضب يعدو بالواد: والكشى جمع كشية وهي شحمة مستطيلة في الضب يقول آكله إنه لا ألذ منها، ومعنى قوله- لو ذقت الكشى بالأكباد- لو أكلتها ملفوفة بالأكباد أو ممزوجة بها فهو- زيادة عن كونه دلّ على نفسه- أرشد إلى كيفية ونوع من أنواع الملفوف- وتذكّرنا كلمة الكشى بكلمة للزمخشري من كَلِمَهِ النوافي وهي: ما الأعراب بالكشا- أولع من القضاة بالرشا. وأنا أرى أنّ دعوى العرب لدلالة الضب على نفسه أو تزيينه للناس أكله بطيب شحمه، أرى هذه الدعوى ترجمة غامضة لحقيقة كونية تكلّم عنها الحكماء الباحثون في أسرار الكون والمستشرفون لحكمة الخالق في مخلوقاته، وهي أن الحكمة العليا في ألوان الفواكه الزاهية ذات التّلاوين والتهاويل كالخوخ والإجاص والتفّاح وغيرها في مقاديرها وأشكالها هي الدعاية إلى أكلها بمجرّد النظر إليها من الإنسان والحيوان، فإن الرؤية بالعين تسبق الذوق باللسان وتبين الطعم واللذاذة. فتلك الألوان والأشكال هي دعايات تستهوي من فيه قابلية الأكل وتدعوه إلى التجربة، فإذا تمّت التجربة صارت عادة في العقلاء وغريزة فيمن سواهم، ولولا هذه الدعاوى المستهوية في الألوان والتهاويل لما أقدم عاقل ولا غيره على تجربة شيء لم يعرفه لاحتمال أن يكون فيه داؤه لا غذاؤه، والحي إذا عرض له خيال الموت ذابت كل الاعتبارات في نفسه، ويعد هؤلاء العلماء والحكماء وجود هذا المعنى في الفواكه بمثابة المحافظة على بقاء نوعها وتسلسل نسلها، وهي السنة المعروفة في عالم الحيوان بنظام التوالد النوعي والتلاقح الجنسي، فلو فرضنا وجود تينة واحدة في العالم في بقعة لا يوجد بها آدمي لكان من المترتب على هذا الفرض انقراض صنف التين بعد موت تلك الشجرة، ولكن تلك التينة قد أودعت فيها الحكمة ما يحفظ بقاءها النوعي بعد فنائها الشخصي، وذلك أن ألوان ثمرها تستهوي الطيور إلى أكلها ثم تزرع بذورها التي تخرج مع الفضلات في الصخور أو الأودية، فتنبت منها شجيرات صغيرة ثم تنمو وتثمر دواليك، وقل مثل ذلك في النخلة وغيرها. وكم رأينا في شقوق الصخور الشاهقة- حيث لا تصل يد إنسان- أشجارًا من التين عظمت حتى صارت دوحًا وما نبتت إلا من البذور الخارجة مع رجيع الطيور.
وعلى هذا فلا يبعد أن يكون قومنا العرب أدركوا ذروا من هذه الحكمة- وليس ذلك بعجيب منهم- فجعلوا دلالة الضب على نفسه تعبيرًا بلسان الحال عن هذه الحكمة، ولا شك أن الآكل الأول للضب ما أكله إلا بعد أن استهواه شيء فيه من سماته الظاهرة كالكشية، وكم لله من سر خفي!
-11-
يتبع ...









رد مع اقتباس