في حكم الصائمة التي أخَّرت الاغتسالَ مِن حيضها إلى وقت المغرب
"... فالمسألةُ المطروحةُ لها شِقَّان: أحدُهما يتعلَّقُ بالصوم والآخَرُ بالصلاة:
ـ أمَّا صومُها بعد انقطاعِ دم الحيض فصحيحٌ لعدم اشتراط الغُسل للصيام، أمَّا حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا يَصُومُ»(١) فمنسوخٌ بحديث عائشة وأمِّ سلمة رضي الله تعالى عنهما «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُدْرِكُهُ الفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ»(٢) متَّفقٌ عليه، وزاد مسلمٌ في حديث أمِّ سلمة رضي الله عنها: «وَلَا يَقْضِي»(٣)، ولكنَّ الأَوْلَى لها أن تكون على طهارة الاغتسال وتتطهَّر مِن حيضتها، لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ﴾ [البقرة: ٢٢٢]، وهذا يدلُّ على كمال صَوْمِهَا.
ـ غيرَ أنَّ الشِّقَّ الثانيَ هو الأَوْلَى بالاعتبار لأنَّ مَدَارَ الأعمال كُلِّها على الصلاة لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ، فَإِنْ صَلَحَتْ صَلَحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ»(٤)، ومِنْ شرط الصلاةِ الوضوءُ فإن تعذَّر فالتيمُّمُ، فإن لم تفعل حتى خرج وقتُها فهي آثمةٌ على الترك ولا يَلزمها قضاءٌ على أصحِّ قولَيِ العلماء عملًا بما تقرَّر أصوليًّا أنَّ «القَضَاءَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ لَا بِالأَمْرِ الأَوَّلِ»، وإنما تَلزمها التوبةُ بشروطها مع الإكثار مِن النوافل والصالحات لتتدارك ما قد فاتها مِن أمرِ الصلاة، فإن كان الماءُ لا يكفي أهلَ البيت في الغُسل ولجأت إلى التيمُّم للصلاة أجزأتها صلاتُها كاملةً، وهي في ذلك موافِقةٌ لأمرِ الشرع، لقوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [النساء: ٤٣؛ المائدة: ٦]، ولا يخفى أنَّ اليسير مِن الماء الذي يحتاج إليه عمومُ الأسرة تجري فيه أحكامُ المعدوم."
الشيخ فركوس حفظه الله
موقع الشيخ