اخوة الاسلام
أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
يسأل عن طبيعة النفس وتأثيرها في عمل الإنسان وهل تتأثر وراثياً؟
السؤال :
يعتقد النصارى بعقيدة الخطيئة الأصلية ، وأن البشر ورثوا تلك المعصية كلعنة من الله ، وعليه ورث جميع الرجال والنساء من بني آدم وحواء المعصية
ونحن نؤمن بالنفس والتي هي رغباتنا الطبيعية لارتكاب المعاصي (أظن ذلك) . فمتى وجدت النفس في جسد بني آدم ؟
هل كان ذلك عند نفخ الروح في الجسد أم قبل ذلك أو بعد ذلك ؟
وكيف يختلف أمر النفس عندنا عن الخطيئة الأصلية عند النصارى ؟
هل نرث النفس من آبائنا؟ وما دور النفس في شهر رمضان ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
النفس المدبرة للبدن هي الروح المنفوخة فيه ، فنفس آدم وجدت فيه عند نفخ الروح فيه ، ولكن لفظ " النفس " يطلق باعتبار ، ولفظ " الروح " يطلق باعتبار آخر .
قال شيخ الإسلام رحمه الله ، كما في "مجموع الفتاوى" (9/289) :
"وَالرُّوحُ الْمُدَبِّرَةُ لِلْبَدَنِ ، الَّتِي تُفَارِقُهُ بِالْمَوْتِ : هِيَ الرُّوحُ الْمَنْفُوخَةُ فِيهِ ، وَهِيَ النَّفْسُ الَّتِي تُفَارِقُهُ بِالْمَوْتِ ؛ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَامَ عَنْ الصَّلَاةِ: ( إنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا حَيْثُ شَاءَ
وَرَدَّهَا حَيْثُ شَاءَ ) ، وَقَالَ لَهُ بِلَالٌ: ( يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك ) ، وَقَالَ تَعَالَى: ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: يَقْبِضُهَا قبضين: قَبْضُ الْمَوْتِ ، وَقَبْضُ النَّوْمِ ، ثُمَّ فِي النَّوْمِ يَقْبِضُ الَّتِي تَمُوتُ ، وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ، حَتَّى يَأْتِيَ أَجَلُهَا وَقْتَ الْمَوْتِ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إذَا نَامَ : ( بِاسْمِك رَبِّي وَضَعْت جَنْبِي وَبِك أَرْفَعُهُ ، إنْ أَمْسَكْت نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا وَارْحَمْهَا ، وَإِنْ أَرْسَلْتهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَك الصَّالِحِينَ ) .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّ الشُّهَدَاءَ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ خُضْرٍ ، تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ ، ثُمَّ تَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ .
وَثَبَتَ أَيْضًا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ: أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا قُبِضَتْ رُوحُهُ ، فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ : ( اُخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ ، كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ ، اُخْرُجِي رَاضِيَةً مَرْضِيًّا عَنْك ) .
وَيُقَالُ : ( اُخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ ، كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ ؛ اُخْرُجِي سَاخِطَةً مَسْخُوطًا عَلَيْك ) .
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: ( نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ : طَائِرٌ ؛ تَعْلُقُ مِنْ ثَمَرِ الْجَنَّةِ ، ثُمَّ تَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ ) ؛ فَسَمَّاهَا نَسَمَةً.
وَكَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ: أَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قِبَلَ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ ، وَقِبَلَ شِمَالِهِ أَسْوِدَةٌ ؛ فَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ يَمِينِهِ ضَحِكَ
وَإِذَا نَظَرَ قِبَلَ شِمَالِهِ بَكَى . وَأَنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذِهِ الْأَسْوِدَةُ نَسَمُ بَنِيهِ: عَنْ يَمِينِهِ السُّعَدَاءُ ، وَعَنْ يَسَارِهِ الْأَشْقِيَاءُ .
وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ: ( وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ ) .
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: ( إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ ) .
فَقَدْ سَمَّى الْمَقْبُوضَ وَقْتَ الْمَوْتِ ، وَوَقْتَ النَّوْمِ : رُوحًا ، وَنَفْسًا.
وَسَمَّى الْمَعْرُوجَ بِهِ إلَى السَّمَاءِ : رُوحًا ، وَنَفْسًا.
لَكِنْ يُسَمَّى نَفْسًا بِاعْتِبَارِ تَدْبِيرِهِ لِلْبَدَنِ ، وَيُسَمَّى رُوحًا بِاعْتِبَارِ لُطْفِهِ ؛ فَإِنَّ لَفْظَ " الرُّوحِ " يَقْتَضِي اللُّطْفَ ، وَلِهَذَا تُسَمَّى الرِّيحُ : رُوحًا. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الرِّيحُ مِنْ رُوحِ اللَّهِ )
أَيْ مِنْ الرُّوحِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ ؛ فَإِضَافَةُ الرُّوحِ إلَى اللَّهِ : إضَافَةُ مِلْكٍ ، لَا إضَافَةُ وَصْفٍ ؛ إذْ كَلُّ مَا يُضَافُ إلَى اللَّهِ : إنْ كَانَ عَيْنًا قَائِمَةً بِنَفْسِهَا ؛ فَهُوَ مِلْكٌ لَهُ
. وَإِنْ كَانَ صِفَةً قَائِمَةً بِغَيْرِهَا ، لَيْسَ لَهَا مَحَلٌّ تَقُومُ بِهِ : فَهُوَ صِفَةٌ لِلَّهِ." . انتهى .
ثم قال رحمه الله ( 9/294 ) :
" لَفْظُ " النَّفْسِ " : يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ النَّفْسِ الْمُتَّبِعَةِ لِهَوَاهَا ، أَوْ عَنْ اتِّبَاعِهَا الْهَوَى ، بِخِلَافِ لَفْظِ " الرُّوحِ " ؛ فَإِنَّهَا لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ ذَلِكَ ؛ إذْ كَانَ لَفْظُ " الرُّوحِ " لَيْسَ هُوَ بِاعْتِبَارِ تَدْبِيرِهَا لِلْبَدَنِ. وَيُقَالُ النُّفُوسُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:
وَهِيَ " النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ " الَّتِي يَغْلِبُ عَلَيْهَا اتِّبَاعُ هَوَاهَا بِفِعْلِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي. وَ" النَّفْسُ اللَّوَّامَةُ " وَهِيَ الَّتِي تُذْنِبُ وَتَتُوبُ ، فَعَنْهَا خَيْرٌ وَشَرٌّ ؛ لَكِنْ إذَا فَعَلَتْ الشَّرَّ تَابَتْ وَأَنَابَتْ ، فَتُسَمَّى لَوَّامَةً
لِأَنَّهَا تَلُومُ صَاحِبَهَا عَلَى الذُّنُوبِ ، وَلِأَنَّهَا تَتَلَوَّمُ ، أَيْ تَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. وَ" النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ " ، وَهِيَ الَّتِي تُحِبُّ الْخَيْرَ وَالْحَسَنَاتِ
وَتُرِيدُهُ ، وَتُبْغِضُ الشَّرَّ وَالسَّيِّئَاتِ ، وَتَكْرَهُ ذَلِكَ ، وَقَدْ صَارَ ذَلِكَ لَهَا خُلُقًا وَعَادَةً وَمَلَكَةً.
فَهَذِهِ صِفَاتٌ وَأَحْوَالٌ لِذَاتٍ وَاحِدَةٍ ؛ وَإِلَّا فَالنَّفْسُ الَّتِي لِكُلِّ إنْسَانٍ : هِيَ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ ، وَهَذَا أَمْرٌ يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ." .