منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - كتاب عن قبائل حميان
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-04-06, 00:17   رقم المشاركة : 42
معلومات العضو
Md Lahmyani
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

-2-6 التغذية
من جانب نمط الاستهلاك الغذائي، فإن طعام البدو كان في ذلك الزمن يتكون من الشعير والمنتجات الحليبية ومشتقاتها والتمر (من نوع الحميرة السالف الذكر) إضافة إلى أكل اللحوم بكثرة طبعا. القمح كان موجودا بكميات قليلة عند الرحل وكان مخصصا في الغالب للضيوف وعابري السبيل لتحضير الكسكسى (ويسمي الطعام أو العيش محليا). ما كان يوجد للخضر مكان في وجبة البدو؛ ولا أثر إذن للفاكهة في مفردات قاموسهم. لا تشترى أية مادة غذائية مصنّعة. كل عمليات التحويل أو الفصل للمنتجات الزراعية المخصصة للاستهلاك الغذائي كانت تتم في الخيمة من طرف الأسرة وأثناء وقت إحضار الوجبة الغذائية مباشرة.
تحضير وجبة من كسكسى القمح يتم من أوله إلى آخره في الساعتين أو الثلاث ساعات اللاتي تسبق وقت الأكل. لتناول كسكسى القمح في وجبة الغذاء مثلا، فإن ربة العائلة تأتي من كيس الحبوب (الغرارة[1]) بالقدر الكافي من القمح، فترحوه برحى يدوية ثم تغربله لفصل الدقيق الذي تحتاج إليه عن النخالة (التي تمزج بالماء وتعطى للكلاب في كل مساء). بعد ذلك مباشرة تشرع في فتل الكسكسى وتطهيه على بخار ماء أو مرق فيه لحم و بعض البقول. ثم يقدم للأكل مدهونا ومسقيا باللبن أو الحليب أو المرق الذي طهي على بخاره.
أوسط احميان أكالون للحم بصفة تكاد تكون مفرطة. إذا غاب اللحم في وجباتهم أكثر من أسبوع فإنهم يقرمون (أي يشتد شوقهم إليه). يأكلون اللحوم الصالحة للأكل لكل ماشية ماتت، وإلا فيذبحون ليأكلوا فقط. كان اهل الدوار كلما قرموا ذبحوا شاة ووزعوها حصص متساوية ثم اقاموا عملية " العُود " ليأخذ كل واحد قسمته (الوزيعة). تكمن عملية العُود هذه في إبعاد أحد الحضور، ثم يعين كل واحد عودا من الخشب ثم ينادون من كان استبعد ويقولون له وزع العيدان على الحصص. وبذالك ياخذ كل واحد حصته التي كانت من حظه من خلال عوده. من تلك العملية استلهم شاعر "ثورة بوعمامة" محمد بلخير حيث يطلب من الله أن يجعل نصيبه دائما أكبر، فيقول:
دبر علي يا صاحب التدبير في القسمة الوافية دير عودي
جمع الحطب وما كان يابسا من خشب النبات هو مهمة المرأة البدوية ويستعمل في نفس الوقت للطهي والإنارة والتدفئة في الشتاء.
1-2-7 علاقات احميان مع القبائل الأخرى
ذو طباع قتالية وعدوانية كسائر القبائل المجاورة، كان احميان في حالة استنفار مستمر، دائما على يقظة يترقبون من القادم، سلوك يكونوا قد ورثوها من أسلافهم الهلاليين، مشبعة بواجب الانتقام لأحد ذويهم قتل أثناء مشاجرة (زازة بالتعبير المحلي) مع قبيلة أخرى. غزواتهم للقبائل المجاورة وغزوات القبائل المجاورة لهم كانت في حالة استمرار متواصل ولا تكاد تنقطع. الغزوات الأكثر تكرر والحديثة العهد كانت تقع بين قبيلة احميان الجزائرية ونظيرتها من بني قيل المغربية. كانت الغنائم فيها كبيرة، بل أكبر بكثير مما نتصور. على سبيل المثال، هناك غزوة قام بها احميان على قبيلة بني قيل المغربية، غنم احميان على إثرها غنائم من الماشية والإبل لا تكاد تعد ولا تحصى. من أجل تقسيم هذه الغنيمة لجأ أعيان القبيلة إلى حوض (ظاية) فكان يعمر ماشية ويعطى للعرش ليقسم على أفراده. بعد هذا الحدث سمي هذا الحوض "ظاية الغنم" وهو الاسم الذي يحتفظ به إلى يومنا هذا. علما أن الماشية من سلالة الدغماء أو الدغمة يمكن أن تملأ مساحة متر مربع واحد على الأكثر لقلة حجمها، فإن ظاية من هكتارين فقط، تتسع لعشرين ألف رأس كلما امتلأت. ولذالك فإن الغنيمة كانت كثيرة جدا.
في هذا المجال يروي الرائد H. A. NOEL [2] في وثائقه : "تاريخ احميان وتاريخ المنطقة التي يقطنون بها حاليا" الأحداث التالية التي وقعت حوالي سنة 1903 [3]:
«حوالي ديسمبر 1903 قام قوم من احميان "شافع" بغزوة في المكان المسمى وازدات بين قريتي برقنت (عين بني مطهر في المغرب حاليا) والمريجة، بقيادة لاغا الحبيب، الذين نهبوا أولاد سيدي علي (بني قيل).
القايد بومدين من عرش عكرمة قتل أثناء هذه الغزوة وأحرقت جثته، (اغتنم 2400 بعير و10000 شاة من الغنم) ».
«من جهة أخرى استولى قوم من "بني قيل" على 13 قطيع من غنم احميان قرب القعلول كما قاموا بسرقتين أخريين قرب الشط الغربي وفي وادي الحرمل (منطقة المشرية).
انطلق "أولاد منصورة" و"بني مطرّف" وراء اللصوص ففرقوهم في "وَزَيّن"، ولكن لم يستطيعوا استرجاع القطعان بسبب وصول "بني مطهر" الذين أتوا لمؤازرة الصوص.
قوم آخرون من احميان فاجؤوا فرقة أخرى من "بني قيل" في "عقلة السدرة" وأخذوا منهم غنيمة كبيرة تحتوي على 2200 بعير وما يقارب 25000 شاة».
أما فيما يتعلق بعلاقات القبيلة مع القبائل المجاورة شرقا، يمكن ذكر الغزوات القديمة نسبيا التي قام بها احميان الغرابة (الذين كانوا يقيمون في الجهة الغربية وهم احميان الحاليون) على احميان الشراقة (الذين كانوا يقيمون في الجهة الشرقية وهم الطرافي حاليا)، كما ذكرها الرائد H. A. NOELفي وثائقه : "تاريخ احميان وتاريخ المنطقة التي يقطنون بها حاليا".[4]
« كانت دواوير احميان الغرابة متواجدة في الفترة[5] التي نتكلم عنها بالمكان المسمى "التواجر"[6]. كان احميان الشراقة متأكدين أنهم سوف ينهزمون لو أنهم حاربوا أو غزوا احميان الغرابة لوحدهم ، فلذالك استعانوا (من باب الإغراء بالغنيمة) بأعراش كل من الأحرار والجعافرة والحساسنة وبني مطهر وأهل أنقاد وأولاد نهار. كل هذه العروش تجمعت في حاسي الحضري شمال تيسمولين وهاجمت بغتة احميان الغرابة. بعد معركة دموية أين تكبد أولاد سرور وبني مطهر خاصة خسائر كبيرة، حيث أن احميان الشراقة وحلفاءهم انهزموا تماما تاركين وراءهم عدة هوادج. كانت توجد داخل أحد هذه الهوادج امرأة تدعى عكية (أو رقية) والتي قيل إنها بقيت عدة أيام بلا أكل ولا شراب.
للإشارة، فالقبائل الجنوبية كانت تأتي في القديم بنساء في الهوادج فوق الجمال. كان دورهن البقاء في الخلف أثناء المعركة لإثارة الشجاعة في المقاتلين ليوقفن من فر منهم مشبعات إياه شتما وسبا؛ بل كان حضورهن وراء الجيوش كافيا لردع أي مقاتل على الفرار من ميدان القتال[7].
بعد هذه الهزيمة، السلم المعتاد بين القبيلتين لم يعمّر طويلا. تحت إثارة وتهييج شيوخ الطرق الصوفية وغيرة على الانتقام لهذا الانهزام، أغار احميان الشراقة مرة ثانية على احميان الغرابة حيث كانت دواويرهم تقيم في المكان المسمى "خبازة" فأهزموا مرة أخرى وأخذ منهم أربعون (40) هودجا.
أصبح الوئام بعد ذلك مستحيلا، فتفرق احميان الغرابة و احميان الشراقة نهائيا؛ فاحتفظ الأولون باسم احميان وانقسموا إلى "شافع" و "الجنبة"؛ والآخرون اتخذوا تسمية "الطرافي" (بسبب موقعهم المتواجد على طرف المقاطعة) وأولاد زياد والرزاينة.
للملاحظة من جهة أخرى، فإن الطابع المحارب أو القتالي لقبائل احميان (شرقية كانت أم غربية)، سواء مع القبائل المجاورة أو فيما بينهم داخل التكتلات الاجتماعية بين العروش، كان المحتل يتركه متفشيا، بل يشجع على إثارته. كانت الإدارة الفرنسية تساعد على مبدأ إثارة الفتنة بين العروش وتتركهم يقتتلوا لتأتي من بعد كحاكم عدل يفصل في أسباب الخلافات بين الناس. تلك شهادة شاهد من أهلها، حيث يعترف الرائد H. A. NOEL في وثيقته السالفة الذكر: « مبدأ "فرق تسد" كان بالنسبة لنا، عند هؤلاء البدو، خطة عمل منهجية ثابتة»[8].

[1]الغرارة: كيس مصنوع من الصوف توضع فيه الحبوب ويتسع لاحتواء قنطار أو يزيد عن ذالك بقليل.

[2]H. A. NOEL : رائد عسكري، رئيس مكتب شؤون الأهالي (الجزائريين في عهد الاحتلال) في المشرية.

[3] المجلة الفصلية / شركة الجغرافيا والآثار ـ وهران / الفصل الأول لسنة 1916 / ص 35؛ الفصل الثاني لسنة 1916 / ص. 125 و 126.

[4] المجلة الفصلية / شركة الجغرافيا والآثار ـ وهران / الفصل الثلث لسنة 1915 / ص 154 و 155.

[5] حوالي 1370 حسب نفس الوثائق.

[6] نقطة ماء على 16 كم في الجنوب الشرقي من المشرية .

[7] تلك كانت عادة يتصف بها العرب القدامى في الجاهلية، ورثها منهم خلفهم الهلاليون ومن جاء بعدهم، أي احميان.

[8] المجلة الفصلية / شركة الجغرافيا والآثار ـ وهران / الفصل الثاني لسنة 1916 / ص 155.










رد مع اقتباس