منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - باب قول الله تعالى { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُه
عرض مشاركة واحدة
قديم 2024-01-21, 07:57   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عبدالله الأحد
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي


وعن عدي بن حاتمٍ رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وفي عُنقي صليبٌ من ذهبٍ، قال: فسمعته يقول: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 31]"، قال: قلت: يا رسول الله، إنهم لم يكونوا يعبدونهم، قال: ((أجل، ولكن يحلُّون لهم ما حرم الله، فيستحلونه، ويحرِّمون عليهم ما أحَلَّ الله، فيحرِّمونه؛ فتلك عبادتهم لهم))؛رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (30350)، وصححه الألباني.



وعن أبي البَخْتَريِّ، قال: سئل حذيفة رضي الله عنه عن هذه الآية: "﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 31]، أكانوا يصلُّون لهم؟" قال: "لا، ولكنهم كانوا يحلون لهم ما حُرِّم عليهم، فيستحلونه، ويحرِّمون عليهم ما أحَلَّ الله لهم، فيحرِّمونه؛ فصاروا بذلك أربابًا"؛رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (20351).



وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية" (5 / 130): "ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافرٌ، فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلًا من غير اتباعٍ لما أنزل الله فهو كافرٌ؛ فإنه ما من أمةٍ إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دِينها ما رآه أكابرهم... فهؤلاء إذا عرَفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله - فهم كفارٌ".



وقال العلامة الشنقيطي في "أضواء البيان" (7 / 150) عند قوله تعالى: ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [الشورى: 10]: "ما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أن ما اختَلَف فيه الناس من الأحكام فحكمه إلى الله وحده لا إلى غيره، جاء موضَّحًا في آيات كثيرة؛ فالإشراك بالله في حُكمه كالإشراك به في عبادته؛ قال في حُكمه: ﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 26]، وفي قراءة ابن عامر من السبعة: (وَلَا تُشْرِكْ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا)، وقال في الإشراك به في عبادته: ﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، فالأمرانِ سواءٌ،وبذلك تعلَم أن الحلال ما أحَلَّه الله، وأن الحرام ما حرَّمه الله، والدِّين هو ما شرعه الله؛ فكل تشريع من غيره باطل، والعمل به بدل تشريع الله عند من يعتقد أنه مثله، أو خير منه - كفرٌ بواحٌ لا نزاع فيه، وقد دل القرآن في آيات كثيرة على أنه لا حكم لغير الله، وأن اتباع تشريع غيره كفرٌ به، فمن الآيات الدالة على أن الحكم لله وحده قوله تعالى: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ﴾ [الأنعام: 57]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 88]، والآيات بمثل ذلك كثيرة جدًّا؛ كقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾ [النحل: 100]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 121]، وقوله تعالى: ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [يس: 60]، والآيات بمثل ذلك كثيرة جدًّا"؛ انتهى.



وقال - رحمه الله - أيضًا في "أضواء البيان"(7 / 169): "لما كان التشريع وجميع الأحكام - شرعيةً كانت أو كونية قدرية - من خصائص الربوبية، كما دلت عليه الآيات المذكـورة، كان كل من اتبع تشـريعًا غير تشــريع الله قد اتخذ ذلك المشرِّعَ ربًّا، وأشركه مع الله".



وخلاصة ما بينه رحمه الله تعقيبًا على الآيات البينات التي سقناها آنفًا يوجزه قوله (3 / 259): "إن متَّبِعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله مشركون بالله".



وقال ابن أبي العز الحنفي في "شرح الطحاوية"(1 / 228) في معرض ذكر ما يجب على الأمة تجاه نبيها صلى الله عليه وسلم: "فيوحِّده بالتحكيم والتسليم، والانقياد والإذعان، كما وحَّد المرسِل بالعبادة والخضوع، والذل والإنابة والتوكل.



فهما توحيدان، لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما: توحيد المرسِل، وتوحيد متابعة الرسول؛ فلا يحاكِمُ إلى غيره، ولا يرضى بحُكم غيره".



وليس كلام الإمام الطحاوي هنا عن توحيد الرسول بالتحكيم، بل كلامه عن توحيد الحُكم؛ إذ لا فرقَ بين تحكيم الله وتحكيم رسوله الذي لا ينطق عن الهوى.



والواقع أن توحيد الحاكمية الذي ذكره بعضهم هو جزء من توحيد الألوهية، الذي يتضمن إفراد الله تعالى بالعبادة؛ لأن من أطاع غير الله في تحليل حرام أو تحريم حلال، أو وضع شريعة - فقد اتخذه إلهًا من دون الله عز وجل؛ كما قال تعالى: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31].


فمَن أعطى حق التشريع أو الحكم فيما شجَر بين الخَلْق لغير الخالق، أو أقرَّ بذلك، أو دعا إليه، أو انتصَر له، أو سلَّم به دونما إكراهٍ - فقد أشرَك بالله شركًا أكبر يُخرجه من ملة الإسلام، والعياذ بالله!



ويمكن أن نقول: إن توحيد الحاكمية إذا نظَر فيه الباحث يجد أنه يتكوَّن من قسمين:

القسم الأول: ما يتعلق بتقدير الحُكم الكوني، وتشريع الحكم الشرعي، وهذا داخل تحت توحيد الربوبية،وهذا مِن فِعل الرب سبحانه، وهو المشرِّع وحده؛ قال تعالى: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54]، وقال سبحانه وتعالى منكرًا على مَن جعل للبشر حقَّ التشريع فقال: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ﴾ [الشورى: 21].



القسم الثاني: وهو ما يتعلق باستجابة العباد للحكم الكوني والشرعي لله رب العالَمين، وتحاكمهم إلى شرعه، ورضاهم به؛ قال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]؛ فالتحاكُم مِن العباد عبادةٌ، لا يجوز صرفها لغير الله، وهو مِن إفراده سبحانه وتعالى بالعبادة في التحاكم إلى شرعه، وهذا داخل تحت توحيد الألوهية.



فأنت ترى أن تقسيم السلف - رحمهم الله - قد استوعب كل ما يندرج تحت هذا التقسيم من أنواع، والاكتفاء بما ورد عن السلف أولى، دون تبديع أو تفسيق مَن زاد عليها من باب البيان والتوضيح، ما دام ملتزمًا بمضمون ما نص عليه السلف.



وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


[1] (المصدر الصناعي)؛ أي: المصنوع، وهو ما انتهى بياء مشددة وتاء، مأخوذًا من المصدر؛ كالخصوصية، والفروسية، والطفولية، أو من أسماء الأعيان؛ انظر: "المعجم الوسيط" (1 / 525)، و"شذا العرف" (ص 61).

وفي "النحو الوافي" (3 / 187): "عرضت المراجع القديمة لهذا المصدر الصناعي القياسي بما لا يخرج عما قدمناه، وكذلك عرض له مجمع اللغة القاهري عرضًا موجزًا في دور انعقاده الأول، وفيما يلي النص الحرفي - كما ورد في محضر الجلسة الثانية والثلاثين من محاضر جلسات دور الانعقاد الأول ص426 - على لسان أحد الأعضاء قال:

"حاجتنا إلى المصدر الصناعي ماسة في علم الكيمياء وغيره من العلوم، وقد قال العلماء: إنه من المولد المقيس على كلام العرب، وتخريجه سهل؛ لأن هذا المصدر مكون من اللفظ المزيد عليه ياء النسب، وتاء النقل، على رأي أبي البقاء في: "الكليات"؛ اهـ، وتقدم المراد من تاء النقل في رقم 4 من هامش الصفحة السالفة.

ثم جاء في المحضر بعد ذلك ما نصه: "أن عضوًا قرأ نصوصًا من شرح القاموس في مادة: "كيف"، ونصوصًا أخرى من "كليات أبي البقاء"، وأن مناقشة الأعضاء في هذه النصوص انتهت إلى القرار الآتي، وهو: "إذا أريد صنع مصدر من كلمة يزاد ياء النسب والتاء"؛ اهـ، وقد وافق عليه المجلس نهائيًّا طبقًا لهذا، ولما في ص21 من كتاب المجمع المشتمل على القرارات السليمة من الدورة الأولى إلى الدورة الثامنة والعشرين".

[2] انظر: "معجم اللغة العربية المعاصرة" (1 / 539)؛ د أحمد مختار عبدالحميد عمر (المتوفى: 1424هـ) بمساعدة فريق عمل.

[3] "نحو بناء مداخل منهجية وفقه جديد لمفهوم الحاكمية"؛ لأحسن لحساسنة.



رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/9698...#ixzz8PQq6aJvR










رد مع اقتباس