منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - موضوع مميز مساحة حرّة : أجمل وأصدق ما قرأت اليوم
عرض مشاركة واحدة
قديم 2021-03-12, 19:55   رقم المشاركة : 1074
معلومات العضو
العضو المحظور
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الصبي قال لأبيه: سمعت وأطعت ثم ماذا? قال: يا ولدي احفظ الله يحفظك وصن مالك ولا تفرط فيه فإنك إن فرطت فيه تحتاج إلى أقل الناس واعلم أن قيمة المرء ما ملكت يمينه وما أحسن قول الشاعر:

إن قل مالي فلا خل يصاحبنـي وإن زاد مالي فكل الناس خلاني
فكم عدو لأجل المال صاحبنـي وكم صديق لفقد المال عادانـي

فقال: ثم ماذا قال: يا ولدي شاور من هو أكبر منك سناً ولا تجعل في الأمر الذي تريده وارحم من هو دونك يرحمك من هو فوقك ولا تظلم أحداً فيسلط الله عليك من يظلمك وما أحسن قول الشاعر:

أقرن برأيك غيرك واستشر فالرأي لا يخفى على الاثنين
فالمرء مرآة تريه وجـهـه ويرى قفاه بجمع مرآتـين

وقول الآخر:

تأن ولا تعجـل لأمـر تـريده و كن راحماً للناس تبلى براحم
فما من يد إلا يد الله فوقـهـا ولا ظالم إلا سيبلى بـظـالـم

وقول الآخر:

ولاتظلمن إذا كنت مقتـدراً إن الظلوم على حدً من النقم
تنام عيناك والمظلوم منتبـه يدعو عليك وعين الله لم تنم

وإياك وشرب الخمر فهو رأس كل شر وشربه مذهب العقول ويزري بصاحبه وما أحسن قول الشاعر:

تالله لا خامرتني الخمر ما عـلـقـت روحي بجسمي وأقوالي بإفصاحـي
ولا صبوت إلـى مـشـمـولة أبـداً يوماً ولا اخترت ندماناً سوى الصاحي


فهذه وصيتي لك فاجعلها بين عينيك والله خليفتي عليك ثم غشي عليه فسكت ساعة واستفاق فاستغفر الله وتوفي إلى رحمة الله تعالى فبكى عليه ولده وانتحب ثم أخذ في تجهيزه على ما يجب ومشيت في جنازته الأكابر والأصاغر وصار القراء يقرؤن حول تابوته وما ترك من حقه شيئاً إلا وفعله ثم صلوا عليه وواروه التراب وكتبوا على قبره هذين البيتين:

خلقت من التراب فصرت حياً وعلمت الفصاحة في الخطاب
وعدت إلى التراب فصرت ميتاً كأنك ما برحت من التـراب

حزن عليه ولده علي شار حزناً شديداً وعمل عزاءه على عادة الأعيان واستمر حزيناً على أبيه إلى أن ماتت أمه بعده بمدة يسيرة ففعل بوالدته مثل ما فعل بأبيه ثم بعد ذلك جلس في الدكان يبيع ويشتري ولا يعاشر أحداً من خلق الله تعالى عملاً بوصية أبيه واستمر على ذلك مدة سنة وبعد السنة دخلت عليه النساء الزواني بالحيل وصاحبوه حتى مال معهم إلى الفساد وأعرض عن طريق الرشاد وشرب الراح بالأقداح أو رواح وقال في نفسه إن والدي جمع لي هذا المال وأنا إن لم أتصرف فيه فلمن أخليه والله لا أفعل إلا كما قال الشاعر:

إن كنت دهره كله تحوي إليك تجمع
فمتى بما حصلته وحويته تتمـتـع

وما زال علي شار يبذل في المال إناء الليل وأطراف النهار حتى ذهب ماله كله وافتقر حاله وتكدر باله وباع الدكان والأماكن وغيرها ثم بعد ذلك باع ثياب بدنه ولم يترك لنفسه غير بدلة واحدة فلما ذهبت السكرة وجاءت الفكرة وقع في الحسرة وقعد يوماً من الصبح إلى العصر بغير إفطار فقال في نفسه أنا أدور على الذين كنت أنفق مالي عليهم لعل أحداً منهم يطعمني في هذا اليوم فدار عليهم جميعاً وكلما طرق باب واحد منهم ينكر نفسه ويتوارى منه حتى أحرقه الجوع ثم ذهب إلى سوق التجار. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

من كتاب قصص * ألف ليلة وليلة * الصفحات : 413 - 414










رد مع اقتباس