ثانياً:
بين الله تعالى لعباده طريق الوصول إلى محبته سبحانه
فقال : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) آل عمران / 31 -32.
قال ابن كثير رحمه الله :
" ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) أي : يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه ، وهو محبته إياكم ، وهو أعظم من الأول
كما قال بعض الحكماء العلماء : ليس الشأن أن تُحِبّ ، إنما الشأن أن تُحَبّ . وقال الحسن البصري وغيره من السلف : زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية .
( فَإِنْ تَوَلَّوْا ) أي : خالفوا عن أمره ( فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر ، والله لا يحب من اتصف بذلك
وإن ادّعى وزعم في نفسه أنه يحب لله ويتقرب إليه ، حتى يتابع الرسول النبيّ الأميّ خاتم الرسل ، ورسول الله إلى جميع الثقلين الجن والإنس " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (2 / 32)
وقال السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية :
"هذه الآية فيها وجوب محبة الله ، وعلاماتها ، ونتيجتها ، وثمراتها ، فقال ( قل إن كنتم تحبون الله ) أي : ادعيتم هذه المرتبة العالية ، والرتبة التي ليس فوقها رتبة فلا يكفي فيها مجرد الدعوى
بل لا بد من الصدق فيها ، وعلامة الصدق اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله ، في أقواله وأفعاله ، في أصول الدين وفروعه ، في الظاهر والباطن
فمن اتبع الرسول دل على صدق دعواه محبة الله تعالى ، وأحبه الله وغفر له ذنبه ، ورحمه وسدده في جميع حركاته وسكناته ، ومن لم يتبع الرسول فليس محبا لله تعالى
لأن محبته لله توجب له اتباع رسوله ، فما لم يوجد ذلك دل على عدمها وأنه كاذب إن ادعاها ، مع أنها على تقدير وجودها غير نافعة بدون شرطها .
وبهذه الآية يوزن جميع الخلق ، فعلى حسب حظهم من اتباع الرسول يكون إيمانهم وحبهم لله ، وما نقص من ذلك نقص " انتهى .
"تفسير السعدي" (ص 128)
وقد روى البخاري (6502) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ
وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ
فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ) .
فبين في ذلك الحديث القدسي الجليل أن من أحب الله تقرب إليه بما يحبه ، من أداء الفرائض والنوافل ، وأنه بذلك ينال العبد محبة الله تعالى .
قال ابن رجب رحمه الله :
" ومحبة الله تنشأ تارة من معرفته ، وكمال معرفته : تحصل من معرفة أسمائه وصفاته وأفعاله الباهرة ، والتفكير في مصنوعاته وما فيها من الإتقان والحكم والعجائب
فإن ذلك كله يدل على كماله وقدرته وحكمته وعلمه ورحمته .
وتارة ينشأ من مطالعة النعم ، وفي حديث ابن عباس المرفوع : ( أحبوا الله لما يغدوكم من نعمه ، وأحبوني لحب الله ) . خرجه الترمذي في بعض نسخ كتابه [ضعفه الألباني] .
وقال بعض السلف : من عرف الله أحبه ، ومن أحبه أطاعه فإن المحبة تقتضي الطاعة ، كما قال بعض العارفين : الموافقة في جميع الأحوال.
ومحبة الله على درجتين :
إحداهما : فرض ، وهي المحبة المقتضية لفعل أوامره الواجبة ، والانتهاء عن زواجره المحرمة ، والصبر على مقدوراته المؤلمة ، فهذا القدر لابد منه في محبة الله
، ومن لم تكن محبته على هذا الوجه فهو كاذب في دعوى محبة الله ، كما قال بعض العارفين : من ادّعى محبة الله ولم يحفظ حدوده فهو كاذب ، فمن وقع في ارتكاب شيء من المحرمات
أو أخل بشيء من فعل الواجبات ، فلتقصيره في محبة الله ، حيث قدم محبة نفسه وهواه على محبة الله ، فإن محبة الله لو كملت لمنعت من الوقوع فيما يكرهه . وإنما يحصل الوقوع فيما يكرهه لنقص محبته الواجبة في القلوب
وتقديم هوى النفس على محبته ، وبذلك ينقص الإيمان ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) الحديث .
والدرجة الثانية من المحبة ، وهي فضل مستحب : أن ترتقي المحبة من ذلك إلى التقرب بنوافل الطاعات ، والانكفاف عن دقائق الشبهات والمكروهات
والرضى بالأقضية المؤلمات ، كما قال عامر بن عبد قيس : أحببت الله حباً هوّن عليّ كلّ مصيبة ، ورضّاني بكلّ بليّة ، فما أبالي مع حبي إياه على ما أصبحت ، ولا على ما أمسيت
. و قال عمر بن عبد العزيز أصبحت ومالي سرور إلا في مواقع القضاء والقدر ، ولما مات ولده الصالح قال : إن الله أحب قبضه ، وأعوذ بالله أن تكون لي محبة تخالف محبة الله .
وقال بعض التابعين في مرضه : أحبّه إليّ أحبّه إليه . "
. انتهى من " فتح الباري " لابن رجب(1/46-48) .
والله أعلم
و اخيرا
الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء
و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين