منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - أثر الزواج على الجنسية في ظل القانون الجزائري
عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-12-11, 11:35   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
adoula 41
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 تابع للفصل الأول

إلى جانب هذه الآثار الفردية المقررة للزوجين، هناك آثار جماعية تتعلق بالأولاد تتطرق لها في المطلب الموالي.
المطلب الثاني: الآثار الجماعية لاكتساب الجنسية عن طريق الزواج
يقصد بالآثار الجماعية لاكتساب الجنسية الجزائرية عن طريق الزواج مدى تأثير اكتساب أحد الزوجين الجنسية الجزائرية و انصرافها إلى الأولاد .
إذ تعتبر جنسية الطفل ذات أهمية بالغة كونها تعبر عن هويته، و تمثل جزء من حالته المدنية، وقد نصت اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل في الفقرة الأولى من مادتها السابعة على أن "الطفل بعد ولادته فورا ....له الحق في اكتساب الجنسية..." وتعد هذه الاتفاقية بمثابة قانون دولي ملزم للدول التي صادقت عليها أو التي انضمت إليها يما بعد، إذ تسمو على القانون الداخلي، فهي أولى بالتطبيق في خالة تعارض أحكامها معه ....، وقد أكد الدستور الجزائري هذا الحكم بموجب المادة 132 منه التي نصت على مبدأ سمو المعاهدة المصادق عليها على القانون .
لكن هذه الاتفاقية لم تقيد الدول في اختيار أساس منح الجنسية للطفل، فربطت ذلك بالوسائل المقررة في القانون الداخلي، فالأصل أن العبرة في تحديد الجنسية الطفل نسبته لأحد أبويه أو هما معا حسب معيار الدم أو على أساس رابطة الإقليم، فتمنح للطفل جنسية مكان ميلاده، و تختلف سياسة الدول التشريعية في تبني أحد المعياريين أو الجمع بينهما.
فأما المشرع الجزائري لم يرتب أي أثر على الجنسية الأولاد من جراء اكتساب أحد والديهما الجنسية الجزائرية عن طريق الزواج في ظل كل التعديلات التي عرفها قانون الجنسية الجزائرية،فقبل تعديل 2005 كان المشرع الجزائري في ظل قانون 63/96 وكذا أمر 70/86 يعترف سوى بالآثار الجماعية للأولاد القصر لشخص متجنس بالجنسية الجزائرية ، إذ منح السلطة التقديرية للسلطة المختصة بمد الأثر الجماعي للأولاد متى توفرت فيهم بعض الشروط، كما أقر لهؤلاء الحق في اختيار التنازل عن الجنسية الجزائرية خلال الفترة المتراوحة بين 18 و21 سنة من عمرهم.
وأمام سكوت المشرع عن مد الأثر الجماعي للأولاد الناتجين عن الزواج المختلط غلق في بعض الحالات كل المنافذ أمام الطفل لاكتساب الجنسية الجزائرية خاصة و أنه كانت العبرة في إضفاء الجنسية الأصلية هي النسب من ناحية الأب و استثناء النسب من جهة الأم مع تقييده بشروط معينة، إذ كان يشترط أن يكون الأب مجهول أو عديم الجنسية.
وكان من الجائز إعطاء الجنسية الجزائرية على أساس الإقليم وحده في حالة الولد مجهول الأبوين أو على أساس الإقليم مضاف له عوامل أخرى كالميلاد المضاعف ، وعليه قنن المشرع الجزائري عدم المساواة بين حق الدم من جهة الأب وحق الدم من جهة الأم بصورة مطلقة، إذ اعتد في إضفاء الجنسية الجزائرية إلى الأبناء بالانتساب إلى الجنسية الأم بشكل مقيد، بينما اعتد بالانتساب إلى الأب بشكل مطلق دون استلزام أي معيار آخر يعضده .
وتجدر الإشارة أن المشرع المصري انتهج نفس الاتجاه بموجب نص المادة الثانية من قانون الجنسية المصرية رقم 26/1975 إذ ميز هو الآخر بين دور الأب و الأم في نقل الجنسية للأبناء إذ لم يرق النسب الأموي في نظر المشرع كأساس كاف بمفرده للإدلاء بالجنسية المصرية إلى الولد فاشترط أن يكون الأب مجهول أو عديم الجنسية أو أن يكون مجهولا أصلا.
و قد رد الفقه ذلك إلى عدة اعتبارات تدفع المشرع المصري إلى إقرار هذا التمييز منها اعتبارات سكانية خوفا من الانفجار السكاني الذي ستزيد خطورته بإدخال أبناء الأم المصرية في الجنسية المصرية خاصة وأن التشريع المصري تشريع طارد للجنسية و ليس جاذب لها نظرا للزيادة المعتبرة في كثافة السكان لكن هذا الرأي مردود عليه مادام الواقع يثبت أن أسرة المصرية المتزوجة من أجنبي تبقى غالبا مقيمة في دولة الزوج,
و رد البعض الآخر ذلك إلى اعتبارات دينية مفادها أن الولد ينتسب لأبيه لا لأمه باعتبار أن الأب هو رب الأسرة و المسؤول عنها، و أن ابن الزنا وحده يثبت نسبه لأمه، ويقرن اسمه باسمها للتعريف به، ومنه إقرار المساواة بين دور الأم و الأب في نقل الجنسية للأبناء قد يؤدي إلى نقل الجنسية للأبناء غير الشرعيين، و هو فرض لا يسوغ وجوده في الدول الإسلامية.
و هناك من رد ذلك إلى اعتبارات اجتماعية كون الأب هو الممثل القانوني للقاصر وهو القدوة، إذ بدون الأب تنهار الأسرة وتتشتت لكن هذا الرأي غير صائب كون أن الأم تتولى تنشئة و تربية الطفل خاصة في السنوات الأولى من هامش حياته.
فرغم توسع المشرع في حالات إضفاء الجنسية الجزائرية مقارنة بقوانين أخرى كالقانون القطري للجنسية لسنة 1961 الذي حصر منح الجنسية الأصلية في حالة واحدة فقط و هي الولد المولود في قطر أو خارجها لأب قطري إلا أنه بقيت عدة فروض لا يكتسب فيها الطفل الجنسية الجزائرية كأن يكون الطفل مولود لأم جزائرية و أب مجهول الجنسية أو أب أجنبي .
ففي هذه الحالات يبقى للطفل سوى سلوك طريق التجنس عند بلوغه سن الرشد، لذا حاول المشرع الجزائري بموجب تعديل قانون الجنسية الجزائرية سنة 2005 تدارك بعض هذا الفراغ التشريعي القائم، إذا راعى مصلحة الطفل من عدة نواحي فرغم أنه لم يتطرق إلى أثار الزواج المختلط على جنسية الأبناء من جراء اكتساب أحد والديهما الجنسية الجزائرية إلا أنه مد أثر تجنس احد الوالدين تلقائيا إلى الأولاد القصر، بموجب أحكام المادة السابعة عشر من أمر 05/01 فلم يعد ذلك يخضع للسلطة التقديرية للسلطة المختصة، كما أنه منح الطفل الذي امتد إليه أثر تجنس أبيه أو أمه فرصة التخلي على الجنسية الجزائرية المكتسبة خلال سنتين من بلوغه سن الرشد و حسنا فعل إذ أنه لا يسوغ الاعتداد بإرادة القاصر في مسائل الجنسية لأهميتها و خطورتها.
و لعل عدم ترتيب المشرع الجزائري أي أثر على جنسية الأولاد من جراء اكتساب أحد والديهما الجنسية الجزائرية عن طريق الزواج المختلط مقصود، مادام أنه في ظل أمر 05/01 و عملا بمبدأ المساواة التامة بين الرجل و المرأة في نقل الجنسية للأولاد ، فتح طريق اكتساب الجنسية الجزائرية بمجرد الانتساب إلى أم جزائرية أو أب جزائري على حد سواء.
إذ أصبحت الأم الجزائرية مثلها مثل الأب الجزائري تنقل جنسيتها الأصلية أو المكتسبة لأبنائها بصفة مطلقة سواء حصل الميلاد بالجزائر أو خارج التراب الجزائري، فلم يعد يشترط أن يكون الزوج عديم أو مجهول الجنسية، سواء كان الزوج أجنبيا أو وطنيا، و حتى و لو كان الطفل غير شرعي ، فالعبرة باكتساب أحد الوالدين الجنسية الجزائرية وقت ميلاد الطفل و عليه، فالأولاد الذين يولدون بعد انعقاد الزواج المختلط يكتسبون الجنسية الجزائرية بناءا على حق النسب من جهة الأب أو الأم على حد السواء حسب الحالة.
لكن قد يكون للزوج المتحصل على الجنسية الجزائرية بسبب الزواج أبناء من زوج أجنبي سابق قبل زواجه من الزوج الجزائري، فهل يتبع هؤلاء الأبناء والدهم في الجنسية الجزائرية ؟
سكت المشرع عن هذه المسألة ولم يتطرق لها صراحة، لكن يمكن استنباط الحكم التالي، إذا كان الأولاد راشدين فلا يكتسبون الجنسية الجزائرية تبعا لوالدهم، وإن أرادوا اكتساب الجنسية الجزائرية فما عليهم إلا إتباع طريق التجنس متى توافرت فيهم الشروط القانونية المطلوبة.
أما إذا كان هؤلاء الأولاد قصر فلا يمتد لهم أيضا أثر اكتساب أحد والديهم الجنسية الجزائرية عن طريق الزواج، ذلك أن قانون الجنسية قانون خاص يخضع للتفسير الضيق، لا يجوز التوسع في تفسير أحكامه و لا القياس عليها، خاصة و أن المادة 17 حصرت الآثار الجماعية للأولاد القصر للشخص المتجنس طبقا للمادة 10 التي تحيل إلى التجنس و لم تذكر المادة 09 مكرر .
عكس المشرع الفرنسي الذي أقر بموجب أحكام المادة 48 من قانون الجنسية الفرنسية الصادر سنة 1973على أنه " إذا اكتسب أحد الوالدين الجنسية الفرنسية ، فإن الطفل القاصر يصبح فرنسيا بقوة القانون"
ومن ثمة من الأفضل لو يضيف المشرع الجزائري حكما مشابها في نص المادة 9 مكرر أو المادة 17 من الأمر 05/01.
و في الأخير نخلص إلى القول أن المشرع في ظل الأمر 05/01 ضيق في امتداد أثار اكتساب الجنسية عن طريق الزواج المختلط ، لكن بالمقابل أقر باكتساب الأولاد الجنسية الجزائرية عن طريق الانتساب إلى الأم الجزائرية بدون قيد أو شرط.

المبحث الثالث: إشكالية تعدد الجنسيات التي يثيرها الزواج
ينجر عن استئثار كل دولة بتنظيم جنسيتها كسبا و فقدانا وفقا لسياستها و مصالحها الاجتماعية، الاقتصادية و السياسية اختلاف و تباين تشريعات الجنسية في العالم، مما يؤدي إلى طرح مشكل من الناحية العملية يتمثل في ظاهرة تعدد الجنسيات .
يعني تعدد الجنسيات تمتع الشخص بصفة قانونية و صحيحة بأكثر من جنسية دولة في نفس الوقت سواء تم ذلك التعدد بإرادة الفرد أو رغما عنه، أي يصبح رعية لكل دولة يحمل جنسيتها وهذا الفرض يختلف عن تغيير الجنسية الذي يتم بصفة متتالية كالانتقال من جنسية إلى أخرى بالتخلي عن السابقة مثلا، فالعبرة بوقت اكتساب الجنسيات.
سنتطرق من خلال المطلبين التاليين إلى أسباب تعدد الجنسية و المشاكل التي تطرحها هذه الظاهرة و كيفية علاجها و تفاديها عن طريق الزواج المختلط.

المطلب الأول: أسباب تعدد الجنسيات و المشاكل التي تثيرها:
من أهم أسباب تعدد الجنسية تباين أسباب كسب الجنسية من دولة إلى أخرى بالنظر إلى حرية كل دولة في تحديد من هم رعاياها، مما يجعل تلك الأسباب متابينة و متعددة فيما بينها ،إحداها معاصرة للميلاد و أخرى لاحقة له، و قيام هذه الظاهرة يثير عدة مشاكل و بعض الفوائد ،نتناولها في الفرعين المواليين:

الفرع الأول: أسباب تعدد الجنسيات:
تعود هذه الظاهرة إلى عدة أسباب، لكن سنقتصر الكلام في هذا المقام على حالات التعدد التي يثيرها الزواج المختلط التي تنقسم بدورها إلى أسباب معاصرة للميلاد و أخرى لاحقة له.
أ- الأسباب المعاصرة للميلاد:
تنحصر أساس في الأثار التي يرتبها الزواج المختلط على جنسية الأولاد، و تكون الجنسيات في هذه الحالة أصلية دائم.
من ذلك أن يولد الطفل لأبوين مختلفي الجنسية تمنح كل من دولتهما جنسيتها على أساس حق الدم مع اختلافهما في تحديد الطرف الذي سيستمد منه هذا الحق، كأن يأخذ قانون دولة الأب بحق الدم من جهة الأب، في حين يأخذ قانون دولة الأم بحق الدم من جهتها فيصبح الطفل منذ ميلاده مزدوج الجنسية.
وقد يكتسب ذاك الطفل فور ميلاده ثلاث جنسيات أصلية إذ ولد في دولة تمنح جنسيتها على أساس حق الإقليم كأن يولد طفل من أب جزائري وأم فرنسية في الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد أدى تبني الدول مبدأ المساواة بين الرجل و المرأة في مادة الجنسية إلى زيادة حالات تعدد الجنسيات، إذ أصبحت العديد من التشريعات الحديثة ترتب اكتساب جنسيتها بناء على حق النسب من جهة الأب و الأم على حد السواء كالتشريع السويسري و الفرنسي، وقد تبنى المشرع الجزائري مؤخرا هذا المبدأ بموجب أحكام المادة 06 من الأمر05/01 التي تنص على أنه "يعتبر جزائريا الولد المولود من أب جزائري أو أم جزائرية" إذ تراجع المشرع ولم يعد يشترط أن يكون الأب عديم أو مجهول الجنسية مثلما كان منصوص عليه في الأمر 70/86
كما أنه يمكن أن يؤدي الزواج المختلط الناشئ بعد الزواج إلى تعدد جنسية الولد كأن يولد طفل لأبوين لهما نفس الجنسية، بعدها غير أحدهما جنسيته الأب مثلا، في الفترة ما بين الحمل و الولادة، ففي هذه الحالة يكتسب الولد جنسية أبوه الأولى إذا كانت دولته تمنح جنسيتها للمولود بالنظر إلى جنسية الأب وقت الحمل إضافة لاكتسابه جنسية أبوه الجديدة إذا كانت تأخذ بجنسية الأب وقت ميلاد الطفل .
إضافة إلى هذه الأسباب هناك أسباب لاحقة للميلاد تؤدي إلى تعدد جنسية الشخص بسبب الزواج المختلط.
ب- الأسباب اللاحقة للميلاد:
يتحقق التعدد اللاحق للميلاد غالبا نتيجة اكتساب الشخص جنسية جديدة دون التخلي على الجنسية الأولى، و يؤدي الزواج المختلط بدوره كذلك إلى تعدد الجنسية .
كأن يرتب قانون جنسية الزوج كأثر مباشر للزواج اكتساب الزوجة جنسية زوجها بقوة القانون حفاظا على احترام مبدأ وحدة الجنسية في العائلة، وذلك دون اشتراط تخليها عن جنسيتها الأصلية.
كما يمكن أن تتعدد جنسية أحد الزوجين أو كلاهما، إذا استعمل كل واحد منهما أو كلاهما حقه في طلب الدخول في جنسية الطرف الآخر، مع احتفاظهما بجنسيتهما السابقة، وقد عالج المشرع الجزائري هذا الفرض بموجب الأمر 05/01 بموجب أحكام المادة 09 مكرر حيث رتب على الزواج من جزائري أو جزائرية إمكانية اكتساب الطرف الآخر الجنسية الوطنية متى توافرت فيه مجموعة من الشروط دون اشتراط التخلي على الجنسية السابقة.
و كما تثير ظاهرة تعدد الجنسيات عدة المشاكل و جملة من الفوائد عكس ما هو متوقع، نتطرق لها في الفرع الموالي.
الفرع الثاني : مشاكل و مزايا ظاهرة تعدد الجنسيات
تثير ظاهرة تعدد الجنسيات مشاكل خطيرة على كل من الفرد و الدولة.
فبالنسبة للفرد، تساهم في إثقال كاهل متعدد الجنسيات بالتكاليف العامة التي تلقيها كل دولة على عاتق وطنيها مثل الالتزام بأداء الضرائب أو الالتزام بأداء الخدمة الوطنية، ونظرا لصعوبة الوفاء بأداء الخدمة الوطنية في كل بلد ينتمي إليه متعدد الجنسية كونه واجب وطني يعبر به المواطن عن ولائه الحقيقي للدولة، حاول برتوكول لاهاي الصادر بتاريخ 12/04/1990 المتعلق بواجبات الخدمة العسكرية في بعض حالات ازدواج الجنسية علاج هذه المشكلة من خلال نص المادة الأولى التي نصت على أن " الشخص الذي له جنسية دولتين أو أكثر و المقيم في إحدى هاته الدول، و الذي هو أكثر ارتباطا بها في الواقع، يعفى من واجبات الخدمة العسكرية في الدولة أو الدول الأخرى "
كما أن مزدوج الجنسية يصبح في حرج في حالة اندلاع حرب بين الدولتين التي يتمتع بجنسيتهما، فانضمامه إلى إحداهما تعد خيانة بالنسبة للأخرى.
وأما بالنسبة للدولة تحول ظاهرة تعدد الجنسيات دون تطابق الجنسية بمفهومها القانوني و مضمونها الروحي و الاجتماعي "لأن ازدواج الجنسية يفترض أازدواج الولاء السياسي و توزيعه بين الدول التي يحمل جنسيتها "
ذلك أنه إن صح تعريف الجنسية على أنها رابطة قانونية و تنظيمية ينتمي بها الفرد إلى الدولة، فهي تنطوي كذلك على فكرة اجتماعية تتمثل في ولاء الفرد واندماجه الفعلي في المجتمع، وهذا التضامن الفعلي و الولاء الحقيقي يستحيل أن يكنه الفرد لعدة دول بحيث أنه سيميل لا محالة لإحدى الدول، وهذا من شأنه أن يهدد وحدة وتماسك شعب الدول الأخرى .
كما أنه يصعب تحديد القانون الواجب التطبيق في حالة تنازع القوانين بالنسبة للدول التي تخضع مادة الأحوال الشخصية لقانون الجنسية، فعلى أي أساس يتم اختيار قانون إحدى الدول التي ينتمي إليها زوج متعدد الجنسية إذا كان إحدى القانونين يبيح الطلاق و الأخر لا يجيزه؟
وفي المجال الدولي تطرح ظاهرة تعدد الجنسيات صعوبة لتطبيق الحماية الدبلوماسية التي تلتزم بها الدولة نحو وطنييها، بحيث لا يمكن لدولة أن تبسط حمايتها الدبلوماسية على شخص يحمل جنسيتها في دولة أخرى يحمل جنسيتها كذلك، و هذا ما أكدته المادة 04 من اتفاقية لاهاي المبرمة في 13/03/1930 بنصها: " لا يجوز لدولة أن تحمي شخصا من رعاياها إزاء دولة أخرى يتبعها هذا الشخص".
بالإضافة إلى ذلك يثير ازدواج الجنسية صعوبات في مجال تنازع القوانين فيما يتعلق بتحديد الاختصاص التشريعي من جهة إذ يصعب تحديد القانون الواجب التطبيق و الاختصاص القضائي الدولي من جهة أخرى خاصة فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام و القرارات الأجنبية في دول أخرى.
وعلى العكس مما هو متوقع فإن لهذه الظاهرة الشاذة و المنحرفة عن المألوف بعض الفوائد يتمتع بها كل من الفرد و الدولة.
فالفرد يستفيد بكل الحقوق الوطنية التي تخولها له كل دولة من الدول التي يحمل جنسيتها، فبإمكانه مثلا أن يستثمر رؤوس أمواله في الدولة التي تكون فيها نسبة الفوائد عالية مع إبقاء نشاطاته في الدول الأخرى، كما يستفد من بعض الحقوق الاجتماعية في الدولة الأكثر ثراءا كالمنح العائلية وخدمات الضمان الاجتماعي.
أما بالنسبة للدولة، فإن التعدد يجلب لها مزايا كثيرة، فبإمكان الدول المستوردة للسكان أن تستفيد بتزويد بلادها باليد العاملة المؤهلة أو تقوية ركن شعبها للدفاع الوطني عن طريق تسهيل اكتساب جنسيتها، كأن لا تشترط التخلي عن الجنسية السابقة، في حين أن الدول المصدرة للسكان يمكنها أن تؤثر على سياسة الدول المضيفة من خلال توزيع عدد كبير من جاليتها عبر العالم.
كما أنها تجني فائدة اقتصادية عن طريق بعث المهاجرين أجورهم إلى الوطن الأم ونقل أموالهم إلى بلدهم الأصلي عند رجوعهم .
و في الأخير نخلص إلى القول أن فوائد تعدد الجنسيات تبقى هشة أمام كثرة المشاكل التي تثيرها لذلك حاول الفقه إيجاد حلول للتخلص من هذه الظاهرة نتطرق لها في المطلب الموالي.

المطلب الثاني: الحلول الوقائية و العلاجية المقترحة لحل مشكلة تعدد الجنسيات
نظرا للمشاكل القانونية التي تطرحها هذه الظاهرة، انصبت الجهود الدولية و الفقه على إيجاد حلول وقائية لاستئصال المشكل من جذوره، وأخرى علاجية تقلل من حدة هذه المشاكل عند وقوعها.


الفرع الأول: الحلول الوقائية المقترحة
اقترح الفقه عدة حلول وقائية للقضاء على هذه الظاهرة من أساسها، فذهب البعض إلى القول بتوحيد قوانين الجنسية بين الدول، فلو وحدت كل الدول القواعد التي تبنى عليها جنسيتها لأستطاع العالم التخلص من هذه الظاهرة، كأن تبنى جنسيتها الأصلية على حق الدم وحده أو ترتب أسس منح جنسيتها بحسب أهميتها كتفضيل حق الإقليم على حق النسب أو العكس .
غير أن هذا الاقتراح يعد ضرب من الخيال لاستحالة تجسيده من الناحية العملية، فكل دولة لها ظروفها السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية الخاصة بها، ومنه تحرص على أن يستجيب قانون جنسيتها لمتطلبات سياستها السكانية.
كما أن التوحيد و الترتيب لا يقضي على تعدد الجنسيات، وإن قضية كارليه " Carlier " لا دليل قاطع على ذلك لذا ذهب فريق آخر من الفقه إلى القول بضرورة تشجيع الدول على إبرام اتفاقيات ثنائية أو جماعية لتفادي تعدد الجنسيات، لكن هذا الحل لم يلق رواجا كبيرا في المجتمع الدولي لتضارب مصالح الدول.
ويرى جانب آخر من الفقه أنه يمكن الحد من التعدد اللاحق للميلاد الناتج عن الزواج المختلط عن طريق تعليق كل دولة في تشريعها كسب الجنسية الوطنية الجديدة على فقد الجنسية السابقة .
وقد نص المشرع الجزائري على هذا الحل بموجب أحكام المادة 12 من قانون 63/96 إذ اشترط على المرأة الأجنبية التي تود اكتساب جنسية زوجها الجزائري أن تتنازل عن جنسيتها الأصلية عكس أمر 05/01 إذ لم ينص على ذلك.
في حين أن أمر 70/86 لم يرتب أصلا على زواج الأجنبية من جزائري اكتساب الجنسية الجزائرية لكن يعاب على هذا الحل أن المشرع يتردد فيه ويخشاه الأفراد، فقد لا يكتسب الفرد الجنسية الجديدة التي فقد من أجلها جنسيته السابقة فيصبح عديم الجنسية.
وتجدر الملاحظة أنه مادامت كل دولة تستقل بتنظيم قواعد جنسيتها يستحيل استئصال هذا الداء من أساسه رغم كل الحلول الوقائية المتوصل إليها، لذلك راح الفقه يقترح وسائل علاجية.





الفرع الثاني: الحلول العلاجية المقترحة
تهدف هذه الحلول إلى التقليل من مساوئ ظاهرة تعدد الجنسيات بالتخفيف من مسبباتها وقد اقترح الفقه عدة حلول.
إذ يرى بعض الفقهاء منح متعدد الجنسية فرصة اختيار الجنسية الأكثر تماشيا مع مصالحه و ظروفه، فيمكن للزوجة التي اكتسبت جنسية زوجها بقوة القانون أن تستفيد من هذا الحل باختيارها إما جنسيتها السابقة إن لم تتخلى عنها من قبل أو جنسية زوجها.
وقد جسدت المادة 06 من اتفاقية لاهاي الصادرة في 12/04/1930 هذا الحل بنصها "مع مراعاة ما للدولة من حق في التساهل عن جنسيتها، فإنه يمكن لكل شخص اكتسب جنسيتين بغير صريح إرادته أن يتنازل عن إحداهما...."
غير أنه يصعب تطبيق هذا الحل في الواقع لاعتبار مسألة الجنسية من مواضيع القانون العام، و بالتالي غالبا ما تتمسك الدول مواطنيها و بحقها في ممارسة الرقابة حتى لا يتعسف الشخص في ممارسة هذا الحق كالتهرب من واجب الخدمة العسكرية.
ومادام أن هذا الحق قائم على إرادة الفرد الحرة، فإنه قد لا يباشر الفرد الخيار بين الجنسيتين فيظل المشكل قائما.
أما لعلاج مشكلة تنازع القوانين و تنازع الاختصاص القضائي، اقترح الفقه عدة معايير لتغليب إحدى هذه الجنسيات المتصارعة بين فرضين:
يثار الأول لما تكون جنسية إحدى الدول من بين الجنسيات المتنازعة، بحيث تكون القضية المتعلقة بتعدد الجنسيات معروضة أمام السلطات الإدارية أو القضائية لدولة من الدول التي يتمتع الشخص بجنسيتها، ففي هذه الحالة استقر الفقه و القضاء الدوليين على اعتماد قانون جنسية الدولة التي يعرض النزاع أمام سلطاتها سواء كانت هذه الجنسية أصلية أو مكتسبة و سواء كان هذا الشخص مرتبط من الناحية الفعلية بإقليم هذه الدولة أم لا حتى و لو لم تكن الجنسية الوطنية هي الأكثر ارتباط و واقعية بالقضية، ومنه يعامل الشخص على أنه وطني بغض النظر عن موقف القوانين الأخرى سواء تعلق الأمر بتحديد مركزه داخل إقليم الدولة أو بتحديد القانون الواجب التطبيق على أحواله الشخصية، أو من حيث عقد الاختصاص للمحاكم الوطنية.
وعلة الأخذ بهذا الموقف مبدآن، أولهما حرية الدولة في تحديد رعاياها، ومن ثمة فمن غير الجائز أن تنكر السلطة القضائية أو الإدارية للدولة صفة الوطنية على شخص بعدما أضفى عليه قانون تلك الدولة هذه الصفة، بما أن هذه السلطات تستمد سيادتها من نفس النظام القانوني .
وثانيهما اعتبار الجنسية من القضايا التي تتعلق بالسيادة الوطنية.
وقد تبنى المشرع الجزائري هذا الحل من خلال نص المادة 22/2 من القانون المدني ، ومن هذا المنطلق إذا كان الشخص يتمتع بالجنسية الجزائرية إلى جانب تمتعه بجنسية دولة أخرى، فإنه يعامل في الجزائر على أنه من الوطنيين، وعلى هذا الأساس فهذا الجزائري يحق له التمتع بكافة الحقوق المقررة للجزائريين و يتحمل كافة الالتزامات الملقاة على عاتقه.
ومن ثمة فإن القاضي الجزائري مجبر في هذه الحالة أن يطبق القوانين الجزائرية التي اعتبرت متعدد الجنسية وطنيا و يتجاهل القوانين الأخرى، وتعد هذه المسألة، مسألة قانون تخضع لرقابة المحكمة العليا.
لكن رغم اعتماد الكثير من التشريعات العربية و الدولية هذا الحل، إلا أنه تعرض للنقد من عدة نواحي، إذ عيب عليه أنه يفتقر إلى الواقعية بما أنه يعترف سوى بالجنسية الوطنية ويفرض تطبيق القانون الوطني وحده على كل القضايا حتى ولو كانت الرابطة بين الدولة و الفرد منعدمة، وبذلك تصبح الجنسية القانونية غير مطابقة للجنسية الواقعية.
كما أن هذا الحل يؤدي إلى اختلاف الأحكام و الحلول باختلاف المحكمة المطروح أمامها النزاع.
فنتيجة لهذه الانتقادات أقر بعض الفقه هجر هذا الحل و اقترح عدة حلول بديلة منها القول بتطبيق قانون الجنسية الواقعية "حتى يكون الحل المقدم مؤكدا للروابط الاجتماعية و الاقتصادية بين الفرد و الدولة، ويعمل به كقاعدة عامة صالحة للتطبيق على مختلف فروض تنازع القوانين في الجنسية "
كتفضيل جنسية دولة الإقامة المعتادة مثلا إذا كانت جنسية تلك الدولة من بين الجنسيات التي يتمتع بها متعدد الجنسيات، و أصبح القضاء يفضل هذه النظرية مثال ذلك قرار محكمة استئناف باريس الصادر في 30/10/1964 الذي قضى بتبرئة امرأة تحمل الجنسيتين الفرنسية و الأورغوانية من تهمة تعدد الأزواج رغم أن طلاقها من زوجها الأول الفرنسي لم يتم طبقا للقانون الفرنسي المختص حسب قواعد التنازع الفرنسية.
لكن يعاب على هذا الحل افتقاره للدقة و الموضوعية بحيث أن هناك اختلاف حول مفهوم و عناصر الجنسية الفعالة مما قد يبعث نوع من عدم الأمن القانوني، كما أنه لا يمكن أن تهمل دولة مصلحتها الوطنية و مقتضيات النظام العام للحصول على الواقعية.
وأمام القصور الذي يعتري فكرة الجنسية الواقعية، أقر جانب من الفقه في بلجيكا و فرنسا بفكرة الحل الوظيفي، إذ لا يجب التقيد بحل معين مسبقا، كون أن مسألة تعدد الجنسيات مسألة أولية تثور بمناسبة أصلية تتعلق إما بتنازع القوانين أو بالاختصاص القضائي الدولي أو تنفيذ الأحكام الأجنبية أو بمركز الأجانب، لذا يجب البحث عن حل يتلائم مع طبيعة المسالة الأصلية واختيار الجنسية الملائمة حسب المشكل المطروح و الهدف المنشود .
و أما الفرض الثاني يتعلق بالحالة التي تكون جنسية الدولة ليست من بين الجنسيات المتنازعة، إذ تثور مشكلة تعدد الجنسيات في دولة لا ينتسب إليها الشخص متعدد الجنسيات أو أمام هيئة قضائية دولية، فعلى القاضي أن يختار بحياد جنسية يعتد بها دون الجنسيات الأخرى حتى يتمكن الفصل في النزاع وأداء الحقوق لأصحابها.
أكدت اتفاقية لاهاي المبرمة بتاريخ 12/04/1930 في مادتها الخامسة على هذا الحل بقولها: " الشخص الذي يتمتع بأكثر من جنسية واحدة يجب أن بعامل في دولة الغير كما لو كان لا يتمتع إلا بواحدة فقط"
لكن اختلف الفقه في الأساس القانوني الذي يختار بموجبه القاضي الأجنبي الجنسية الملائمة، فتعددت المعايير المقترحة نذكر أهمها فيما يلي:
ذهب جانب من الفقه إلى ترجيح الجنسية التي تكون أحكامها أقرب إلى أحكام قانون دولة القاضي، كأن تكون حلول التنازع متقاربة.
لكن يعاب على هذا الرأي مغالاته في تمجيد قانون القاضي إلى درجة إقحامه في نزاع لا مصلحة له فيه و كذا خلوه من الأساس القانوني فلا مبرر لجعل قانون القاضي حكما للتفضيل مادام أن قانون جنسيته ليس ضمن الجنسيات المتنازعة.
بينما ذهب فريق آخر إلى بناء رأيهم على أساس وقت اكتساب الجنسية، فمنهم من قال بالاعتداد بالجنسية الأولى التي اكتسبها متعدد الجنسية عملا بمبدأ التقادم المكسب، وقد أخذت بهذا الحل الاتفاقية الجامعة العربية المتعلقة بالجنسية لسنة 1954...، إلا أن هذا الحل يغفل الحالة التي يكتسب فيها الشخص جنسيتان في نفس الوقت.
ونفس النقد ينطبق بالنسبة للقائلين بالأخذ بالجنسية الأحدث اكتسابا عملا بالتقادم المسقط للجنسية الأولى تكريسا لحرية الفرد في تغيير جنسيته، فحسب رأيهم الجنسية الأخيرة تعبر على إرادة الشخص خاصة إذا اكتسبت بناء على طلبه ، إلا أنه قد يكتسب الشخص جنسية جديدة رغما عنه كالزوجة التي تكتسب جنسية زوجها بقوة القانون، فلا يعقل الأخذ بها لعدم واقعيتها.
واقترح آخرون ترك لمتعدد الجنسيات حق اختيار إحدى الجنسيات الثابتة له فيتقرر معاملته و فقها كون الدول الغير لا يمكنها اختيار جنسية واحدة من الجنسيات المتنازعة لما في ذلك من اعتداء على سيادة الدول الأخرى، لكن يعاب على هذا الرأي تجاهله طبيعة الجنسية على أنها رابطة قانونية بين الفرد و الدولة تخضع للقانون العام و لا يسوغ الاعتداد بإرادة الفرد وحدها، كون أن هذا الاختيار سيفتح الباب للتحايل و الغش ، كما أنه لا يجوز أن يحل الخصوم محل القاضي في تعيين القانون الواجب التطبيق .
وأما الرأي الراجح، ذهب إلى الاعتداد بالجنسية الفعالة دون سواها، أي الجنسية الممارسة من طرف متعدد الجنسية فعلا، لأنها تحقق التطابق القانوني و الاجتماعي للجنسية، و تعبر عن رغبة الفرد بصفة غير مباشرة و يستخلص القاضي هذه الجنسية من الظروف و الملابسات المحيطة بالقصية كونها مسألة واقع لا تخضع لرقابة المحكمة العليا ، كمكان إقامة متعدد الجنسية أو البلد الذي يمارس فيه نشاطه أو مركز وجود مصالحه المادية أو من اللغة التي يتقنها كونها أحسن دليل لتبيان اندماج الشخص في المجتمع.
وأكدت هذا الاتجاه اتفاقية لاهاي المبرمة في 12/04/1930 بموجب أحكام مادتها الخامسة إذ نصت على أنه "..... تختار جنسية الدولة التي يستنتج من ظروفه أنه يبدو أكثر تبعية لها في الواقع"
وقد تبنى المشرع الجزائري هذا الحل من خلال نص المادة 22 فقرة 1 من القانون المدني إذ نصت على أنه: "في حالة تعدد الجنسيات ، يطبق القاضي الجنسية الحقيقية ".
وسايره في ذلك عدة تشريعات من بينها القانون السوري بموجب أحكام المادة 27/2 من القانون المدني .
كما القضاء الدولي أيد هذا المبدأ، و أحسن مثال على ذلك حكم محكمة العدل الدولية الصادر بتاريخ 06/04/1955 المتعلق بقضية Nottebohm الشهيرة ، إذ تعتبر هذه القضية بمثابة دستور لحل مشكلة الترجيح بين الجنسيات وكذا المقنن الحقيق لنظرية الجنسية الواقعية في القضاء المعاصر.










رد مع اقتباس