منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - حلقات "حسين" في محراب القرآن والضاد.
عرض مشاركة واحدة
قديم 2019-07-21, 07:35   رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
علي قسورة الإبراهيمي
مشرف الخيمة والمنتديات الأدبيّة
 
الصورة الرمزية علي قسورة الإبراهيمي
 

 

 
إحصائية العضو









افتراضي

ما هي إلا استراحة من حلقات ذلك الحسين ـــ رحمه الله ـــ مع ما كتبتُ ونشرتُ يومًا، وكأنه تطبيق لتلك الدروس.
والقول لكم.. ورحم الله من أصلح عيبًا، أو غض الطرف عن زلل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
أحبتي، وخلاّني
سلامٌ يتنفس بالأقاحي وإيراقه، فيتبسّم به نور الصباح وإشراقه ...
أتشرف أن أتدارسَمع أحبة وحُماة الضاد، هم زينة الشروق في كلّ النوادي، وهم كذلك بشاشة النجد والوادي، لأنهم منارة للمعرفة وهادي .
هذه" مقامة " نشرتها في غير أوانها، وفي غير مكانها.
أعيدها هنا في المكان المناسب لها، وما أشرفه من مكان. تحكي ما أصاب العرب، من شر قد اقترب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقامة الباريسية
حدّثنا قسورة قال:
بينما كنت أطرحُ عن نفسي الكسل، وأنا غارقٌ في الأمل، أشعر بالملل لكثرة العلل.
وبما قد لاح، مع تجاعيد الصباح، وما تعودنا من روتين، وابتعادنا عن الدين.
بينما أنا على تلك الحال، مع ذلك المنوال، إذ اقترب مني أستاذ، بالنسبة لي ملاذ، وعن عصرنا شاذ.
يحفظ كثيرًا من القريض، وينهل بغزارةٍ من العريض. ولي معه صحبتي وقراري، لأني لا أراه يداري، والحاذق في بحره لا يجاري، يبعث دومًا إصراري، ويقتفي آثاري، فكأنما يسير في فلكي و مداري، وأمامه لا أكتم أسراري، وأُريده في جواري.
وكالعادة ــ أيتها السيدات والسادة ــ بما يبعث على السعادة، بادرني بمعسول النحو، ورونق الشدو، فنبع علمه لا يعكره دلو، وأدبه ولا يضيق به بهو.
بالشعر حيّاني، ونفض الغبار عن آذاني، آهٍ ! فقد أيقظ أشجاني، وإلى المتنبي رماني، وألحقني بالحريري والهمذاني، فاندفعت ألملـم أوراق زماني.
فكفكف مدامعي، والتقط مجامعي، حين ردّد على مسامعي:
حيتك عزة بعد الهجرِ وانصرفـت ** فحيّ ويحك من حياك يا جملُ.
حدث هذا ونحن في موطن الفرنسيس بمدينة "باريس " التي قيل عنها ما قيل أنها " بلد الجن و الملائكة ". وكلها تخر صات وأقاويل. هذا، وكنت قد علقت منذ أمد أوتاري. وألجمت أفكاري، وغيبت جواري، وكنت قد طويت مداري، واعتكفت ــ إلاّ عن العمل ــ بداري.
بعد أن جفاني الزمان، وتبدّل الخلان، وتداخلت الألوان والغشاوة عمت المكان، فلا أفق ولا أمان، والرداءة أصبحت العنوان، ونكست الرؤوس عن الأبدان، واستبيحت الأوزان، وقول " الحق " أصبح من الشيطان، والعبث طال الأرصفة والجدران. لأنّ بهذا الزمن اختزلت الأشياء، وفي الوطن العربي تناطحت الأهواء، واستفحل الداء، وعظم البلاء، وتحزبت الغوغاء، واسترجلت حواء، والرجل قد غاب عن الأضواء.
نعم حدث عند العرب الكثير، والأمر هامٌّ وخطير، فلا كبير ولا صغير، وكل من هب ودب له ما يدير، ولو المتاجرة ببيع الخمر ولحوم الخنزير، ورغم الأذى والنفير، وما بالعراق يصير. كأني بالرهط في تخدير، وبلا ألباب تسير، ومنهم من لا يعتبر رغم الذي ننتظر من هذا المحيط القذر. والمصيبة أن الكل يعلم بأن لا أحد سيسلم، ولو ارتقى بسلّم مصاف الأمم، فلا محالة أنّ من نصيبه الألم، والموت القادم الذي لا يرحم، فالطالع ندم، والحاضر سقم.

كأن الشاعر يعنينا، بقولهِ فينا :
أرى حمـرًا فوق الصواهل جمة ** فأبكي بعيني ذل تلك الصواهل.
أعادني صاحبي إلى الوراء، أجول بخاطري في تلك الأجواء، حيث الحال غير الحال والأمل لا يسعه المجال، بل تمتد الآمال في أفق الخيال، إن للخطاب فصله، وللوزن نظمه، و للجمهور نجمه، لا يعتريه قصور، وفي تحديه جسور، و عن ذوقه غيور. متجذر في أصوله، مترفع في ميوله، ينأى عمّا يضنيه إلى ما يغنيه، الوفاء منتهاه، والعتق هواه .والأذن تحنّ للكريم، والذوق السليم، وتطرب بعبد الحليم، وتنفطر القلوب وتحوم، مع قصيد أم كلثوم، ولا نفيق من الألبوم وعبث الروم، والصدى المعدوم.
ناهيك عن الصخب المبهم، واللحن الافرم، وسفور عجرم و هي تداعب الزجاجة، إشهار وحاجة، لتسويق دجاجة.
ورددت قول الشاعر:
جيفة أنتنت فطــار إليها ** من بني دهرها فراخ الذباب.
قلت لصاحبي:
كان للتربية مهد، وللعربي عهد، و للبيد فهد، وللجار حرمة، لا تصادم ولا أزمة، ولا يصنعها مال، بل إخلاص الرجال، فالعزم والتضحية نضال.
فالكل يساير دهره، ويدرك قدره، ولا يكشف ظهره.
قاطعني داحضًا، ولامني معارضًا:
صيرورة الزمان وشروط المكان، فكلامك مدان. فعالمنا اليوم واحة كله فسحة وساحة، والناس في راحة. فضاء إليك، وأنس بين يديك، فخذ مما يليك. وانشد قائلاً:
تحلو الحياة لكل ثغر باسـم ** و رشّ عطرها في الفؤاد الحالم.
فامرح وخذ مما يليك فكلها ** وردٌ تفتــح بالأريج الدائــــم
شعرتُ بانقباض وقلتُ في امتعاض:
ترتيبنا الذيل، وبنا طفح الكيل، علوج في بلادنا تصول، ويقعدنا الذهول، والأذى يلحق بالرسول ــ صلى الله عليه و سلم ــ ولا أمل بادي، ولا حياة لمن تنادي، ومناّ من يرى الأمر عادي.
كل هذا المجون، والكفر المجنون، وما يهدد البطون. فالخلق أصابها الارق، وقد قتلها القلق، والصدر ضاق و فاض، وتهددت الحياض ...
حاول صاحبي كي يجامل، ثم عض الأنامل، وناء كالبعير في تحسر كبير.. صال وجال، واستدار وقال:
إلى متى السكوت واليوم منا يفوت؟
ثم انكمش في دثاره متسائلاً في قراره، متحاملاً على جواره. والقدم منه جف، والوجه قد خسف، والفصل انكشف، والوضع انتصف، فالضر يحوم جراد محموم، القصد معلوم، والدرس مفهوم.
ومن وحي الفراسة، قال ما بال الساسة، وتجار السياسة؟
أحزاب وحكام الكل نيام، يتيهون على الدوام، كأسراب الهوام ، ألا يعتبرون بصدام؟..
تأوهَ صاحبي وتأوهتُ، ومن الأسى مهمهَ ومهمهتُ، انكسر الحلم، وانشطر الظلم. وانحصر الأمام، وغاب الإمام، فتلعثم الكلام، وجفت الأقلام.









رد مع اقتباس