منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - حقا؟
الموضوع: حقا؟
عرض مشاركة واحدة
قديم 2020-07-22, 04:57   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
جَمِيلَة
مراقبة خيمة الجلفة
 
الصورة الرمزية جَمِيلَة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرحبا أخي الفيلسوف
حجزت مكانا لي في الموضوع منذ مدة (افتراضيا) وها قد سنحت لي الفرصة للرد فيه، موضوع شيق صراحة يجعل الإنسان يتعمق في ذاته أكثر ويسعى لفهم جزء من طبيعته
أولا وكمبدأ علينا أن نعلم جميعا أن الإنسان إذا لم يحب نفسه فلن يستطيع أن يحب غيره، ثمّ المتأمل في مشاعر الحب والكره يرى أن لها ارتباطا وثيقا بالماديات أو بالمقابل (مادي أو معنوي)
فكما هو معلوم أن القلوب جبلت على حبّ من أحسن إليها، ونظام عمل القلب يتطلب وجود تفسيرات لهذا الحب أي أنه وحتى تحب شخصا تحتاج للتبرير والإجابة عن السؤال: "لماذا أحب ذلك الشخص؟" وأيضا كره شخص ما يتطلب سببا كذلك وتحتاج للإجابة عن هذا السؤال: "لماذا أكره هذا الشخص؟"
معناها حتى ولو لم تعلم بالسبب عقلك سيواصل البحث حتى يحصل على إجابة وذلك دافعه ليستمر.
نقطة أخرى تصب في نفس القضية أن ديننا يحثنا على أن يكون الحب لله ونفس الشيء بالنسبة للبغض
أي أنك تحب الإنسان لأنه يطيع الله ويزداد هذا الحب كلما ازدادت استقامته والعكس بالعكس وبالتأكيد اعتمادنا هنا يكون على ظاهر الإنسان فقط،
أي أن الأمر من وجهة نظري طبيعي جدّا، أن الحب والكره كلاهما يتكونان في القلب لأسباب معينة وتختلف شدة هذه العواطف وتتفاوت باختلاف تلك الأسباب وهكذا.
الآن قد يأتي شخص ويقول: ماذا تفسر الحب من أول نظرة والكره من أول نظرة وبدون سبب؟
أقول بان هذا الأمر طبيعي أيضا ذلك أن الإنسان يتكون من جسد وروح، فكما أن الأجساد تتعارف عبر الملامح والتصرفات،
فإن للأرواح طريقتها أيضا، ولا يخفى على أغلبنا ان الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف، وهذا ما يفسره انجذاب الناس لبعضهم البعض كالمغناطيس في بداية التعارف، ثم يبدأون في اكتشاف بعضهم البعض (قد يكملون وقد يتوقفون حسب المعطيات) يعني سيتحول في نهاية المطاف إلى مادي فإذا كان هناك توافق استمر ونما وازداد، وإلا انطفأ واختفى أو تحول إلى كره.
احتمال أن أرواحنا قد تضللنا في مرات كثيرة ذكرني بقصة حدثت لي في مرحلة الثانوية، حيث
نفرت نفسي من زميلة لنا ومن النظرة الأولى لا أدري لماذا... هكذا فقط وبقيت أفسر تصرفاتها على أساس رأيي فيها في اللقاء الاول ولمدة معتبرة يمكنني القول لمدة ستة أشهر، لكن بعد احتكاكي بها وتعاملي معها
اكتشفت بانها عكس ما كان في مخيلتي تماما، هذه الحادثة علمتني أن الحدس وحده لا يكفي كما أنه ليس من الجيد اتخاذ قرار نهائي في الناس هكذا بالمطلق دون تجربة ودون معاشرة بل إنه حتى بعد المعاشرة نحتاج للتريث والصبر وعدم التسرّع، كما قيل في الأثر:
أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون عدوك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما.
والتجربة أثبتت صحة هذا الكلام.
نقطة أخرى أرى أن لها علاقة بالموضوع: بعض المصادر التي تلقينا منها معلوماتنا عن الحب تسببت في بعض التشويش أو لنقل الكثير من التشويش وغيرت المفاهيم في الأذهان وجعلت الحب صعب التحقيق بجعله تحديا ذا سقف عال،
فمثلا السيناريوهات والروايات تبني علاقات الحب -أقصد هنا العلاقات الرومنسية بشكل أكبر- على مفهوم الحب بدون مقابل،
كم مرة يطرح السؤال: لماذا تحب ذلك الشخص؟ والكاتب يحرص دائما على وضع هذه الإجابة: لا أدري هكذا فقط أحبه بدون سبب، بل إن الحبكة كلها تمشي نحو إثبات ذلك أو تسير نحو تحقيقه،
فلن يعتبروه حبا إلا إذا كان بدون أسباب وبشعور خارق لا يمكن تفسيره،
كطريقة لبرمجتنا على أن الحب الحقيقي خالص لا مادية فيه ولا غرض ولا مصلحة من ورائه، بل ومحاولة إثبات أن وجود سبب أو فائدة او مقابل هذه ليست حبا أصلا بل مجرد أنانية، والمتأمل في مجريات الأحداث فيما بعد يجد أن هناك أسبابا ضمنية،
(إعجاب بالشكل، بالأفكار، توافق في التفضيلات، مثلا تقديم تضحية من نوع ما، التوافق في أمور معينة....)
يعني يريدون تحويلنا إلى عكس طبيعتنا البشرية، وحتى يبقى الواحد منا دائما مطأطئ الرأس لأنه لا يستطيع أن يحب الحب الأسطوري الثوري المبني على التضحية والخزعبلات الخارقة للعادة ليبدو كالمستحيل تماما.
نحن قبل أن نقرر أن نحب شخصا ما نجري عملية حسابية في أذهاننا سواء أدركنا أو لم ندرك، ونبحث عن أسباب منطقية تجعل ذلك الإنسان جديرا بهذا الحب وهل يستحق أن نفتح قلوبنا له أم لا، ويبقى التحفظ قائما حتى إشعار لاحق،
لا يهم ما هي تلك الأسباب سواء كانت أمورا مادية كالجمال والمال والحسب والنسب وما شابه، او معنوية كالأخلاق والاستقامة والمعاملة وغير ذلك...
إذن ما النقطة الفاصلة بين الحب الحقيقي (المنظور المقبول) والحب الأناني (بمنظور سلبي مذموم
الحب الحقيقي يبنيه صاحبه على العطاء يعني يفكر في كيفية منح الحب لغيره أولا قبل التفكير فيما سيحصل عليه، وهنا نلاحظ أن من يحبون بصدق يقدرون أي شيء يقوم به الآخر ولو كان لفتة بسيطة، ويحفظون الود للناس باستمرار ولا تكون المعاملة "شدّ مدّ" كما نقول، يعني قد أتلقى منك معاملة طيبة ويبقى أثرها على نفسي لمدة طويلة مما يجعلني أحفظ لك الودّ لزمن طويل ولو لم تحسن إلي باستمرار بعدها. وأيضا
أن المحب هنا لا يركز على نفسه فقط بل يهمه ما يحبه الطرف الآخر وما يكرهه وما يحتاجه وما يمكنه فعله لأجله، يهتم بالآخر بالموازاة مع اهتمامه بنفسه، كما أن هناك مجالا لتقديم التنازلات لتستمر العلاقة إن تطلب الأمر. بالإضافة إلى أن المبادلة تثبِّت الحب أي أننا هنا مع نظام المشاركة وليس الأنانية حتى ولو كان المبدأ نفعي.
هنا لا نقصد الحب بين الزوجين فقط، بل الحب الانساني بأنواعه ويمكن الإشارة إلى أن العائلة والأقارب والأصدقاء هم أفضل وسيلة للتدريب على الحب.
أما ما نسميه بالحب الأناني هذا لا أعتبره حبا فصاحبه إنسان وحيد -رغم أنه ظاهريا يبدو غير ذلك- لا يفكر إلا في منفعته الخاصة، أي أنه يتعامل معك على أنه محور الكون وعلى أساس ما ستمنحه له فإذا خذلته أو أسأت إليه أو اتضح أنك غير مفيد، تنكر للعشرة وتركك وذهب لغيرك ولا يترك مجالا للتفكير ولا يقدم تنازلات، وسترى قدراته العجيبة في تحويل حبه إلى كره ونسف كل شيء في لحظة، يعني بالمختصر هذا الإنسان ينظر إلى ما في يديك ولا ينظر إليك، بل ربما أنت لا تعني له شيئا (وحبه مجرد كلام فارغ باه يمشي كوارطو)
غالبا هذا النوع يتميز بأخلاق سيئة أهمها نكران الجميل واللؤم والنذالة، أي أنه لا يعرف كيف يحبّ أصلا ويحتاج لإعادة حساباته بكل تأكيد.
إذن: حب أناني يساوي لا يحب إلا نفسه وركزلي على إلا، أما الحب الحقيقي فهو عملية مبادلة قد تكون متناغمة وقد لا تكون يعني قد يتفاوت الطرفان في الحب وهذا معروف.
فلا مشكلة أبدا في كون الحب مبني على أساس نفعي تبادلي، بل هو أحرى بتقوية العلاقات وإطالة مدتها، عكس الأنانية وتفضيل الذات على حساب الآخر.
يا أخي لو كان الحب غير مادي ومجرد مشاعر خالصة دون مقابل، كيف أحببنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم دون أن نراه، لولا وجود أسباب واضحة، ولولا تقلبنا الآن في إحسانه وفضله، ولولا معرفتنا بجميل خصاله وبجمال خلقته وأخلاقه، كما أن معرفتنا بأنه يحبنا ويشفع لنا جعلتنا نحبه أكثر ونتمنى لقاءه. قد يستعمل الناس هذا القياس كدليل أن الحب الخالص دون مقابل لكن الحقيقية غير ذلك، نحن نحب رجال ونساء التاريخ الاسلامي لأنهم أبطال، لأنهم مصلحون، لأنهم حفظوا لنا الدين، والبلد، وحقنوا الدماء ووسعوا الدولة، وأقاموا العدل، وضحوا من أجل اعلاء كلمة الله ولأننا الآن نستفيد منهم وهم تحت التراب....
قد تكون هناك حالات أين تحس أن شخصا يحبك لذاتك ولا ينتظر منك شيئا، هذه رأيتها في الأم
وليست كل الأمهات كذلك طبعا، لكن العينة التي أتحدث عنها لا تطلب شيئا تحبك فقط لأنك أنت انتهى. تتقبلك بأخطائك بزلاتك بهفواتك، وترى أفعالك الطيبة مضخمة، وتقدم لك ما تستطيع ولا تنتظر الرّد تسيء إليها ولا تكرهك، تتمادى ولا تيأس منك.....
بالنسبة لكيف أحب وكيف أكره، لا أدري ربما لا أستطيع وصف ذلك كون الأمر غير ثابت، لكن ما يمكنني قوله -كأساس- أنني أتعامل مع الناس بالصّبر والتريّث وتقديم الظن الحسن، والتخفيف من الأحكام المسبقة لأدنى حد ممكن حتى لا يتشوش تفكيري،
والأهم أحاول أن لا أسود قلبي بالكره خاصة إذا كانت الأسباب من السفاسف، لا أنتصر لنفسي ولا أنتقم ممن يسيء إلي، فإذا لم يكن الإنسان خارج عن الملة معاديا لله ورسوله لن أتعب قلبي في كرهه، بل أتعايش معه وأحاول إعانته على نفسه وأنتظر فقد يأتي اليوم الذي يتحسن فيه ويصبح أفضل وربما أنا لم أر منه إلا الفعل السيء وهو عنده خبايا صالحة لا أعلمها (من يدري قد يكون عند الله خيرا مني).
مع العلم أن معاملتي للعائلة تختلف فأنا أفضل أن أكون الجانب الذي يمنح بلا كلل ولا ملل فمن وجهة نظري ترك الإخوة أو الأهل بفراغ عاطفي وعدم تعليمهم الحب الحقيقي قد يتسبب في خسارتهم وضياعهم وفساد أخلاقهم، وقد يجعلهم فريسة سهلة للضباع الجائعة في الخارج.
وبالتالي تقع على عاتق كل مسؤول في العائلة (فإن لم يكن لنقل الفرد الأكثر وعيا) أن يزرع الحب في أهله وأن يعلمهم كيف يحبون، تسألون كيف؟ نعلمهم معنى العطاء، وأنه لا يوجد حب بشري مطلق خالد راسخ مجاني، فالناس يختلفون ويتقلبون وأن الخطأ لا ينفي المحبة فإذا أخطأ من نحب نعالج الخطأ ولا نصل للشقاق والفراق بسبب ذلك من منا لا يخطئ، وأن الاختلاف أمر طبيعي وبالتالي حتى نحب بشكل صحيح نحتاج لتعلم كيفية تقبل الآخر بخصوصياته ومميزاته....
وأخيرا التعبير عن الحب علنا وبشكل مستمر، حتى يعلموا أن الحب شعور نبيل وهو ليس عيبا، بل هو ضرورة من ضرورات الحياة، إذا كان في مكانه المناسب طبعا.
المهم أتوقف هنا لأنني أحس بأنني شعبت الموضوع وأطلت الرّد كثيرا جدا، مع أني أحس بأنني أهملت نقاطا
المهم أحببت أن أشارك بما أنه مرتبط بموضوعي الأخير، من باب الدنيا لمن سبق.
بارك الله فيك
تحياتي









آخر تعديل جَمِيلَة 2020-07-22 في 05:21.
رد مع اقتباس