منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - مسألة الإخلاص في طلب العلم
عرض مشاركة واحدة
قديم 2019-06-18, 16:52   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
wahab dadi
عضو جديد
 
إحصائية العضو










B11 مسألة الإخلاص في طلب العلم

بسم الله الرحمن الرحيم


أجاب فضيلة الدكتور الشيخ يحيى البكري الشهري حفظه الله عن السؤال التالي :

أود أن أسأل عن مسألة دائمًا تشكل عليَّ في مسألة الإخلاص في طلب العلم، وهو أني قرأت في الإخلاص في طلب العلم: أن من تمام الإخلاص ألا يكون للنفس حظ ولا نصيب، فهل يدخل فيه ما يغلب عليَّ من لذة العلم حتى يغيب عن ذهني أهداف العلم الأساسية من العمل بالعلم، ودخول الجنة وغيرها، وأصبحت أطلب العلم لذات اللذة، فهل ينقص هذا من الإخلاص.؟.بما بلي:

بما أنك إحدى طالبات علم الحديث فسأجيبك عنه جوابًا حديثيًا ، فنحن لدينا في تعريف الحديث الصحيح: شرط تمام الضبط، فتمام الضبط هنا لا ينطبق على كل من روى الحديث وقبل حديثه واحتج به، فهناك الثقة الضابط، وهناك الصدوق الضابط، وهناك من هو دونهما ممن يهم ويحتج بحديثه لقلة وهمه في جنب ما روى، فمسألة الإخلاص كذلك فتمام الإخلاص هو الدرجة العليا منه والتي ينبغي أن تكون مطلبًا، ولكن قلما يرزقها إلا من صبر وصابر وتجرد للعلم تعلمًا وتعليمًا، ولم يجعل للدنيا فيه نصيب: من حب ظهور، وسمعة، ومدح، ورياسة، ومنصب، وغير ذلك، وهذا لا يطيقه إلا أفراد معدودين، وذلك أن الإخلاص فعل من أفعال القلوب، وكل عمل لا بد أن يكون للشيطان فيه مدخل، فالسعيد والمخلص هو من دفع نزغات الشيطان ونزوات النفس، ولم يسترسل مع الشيطان، والعبرة ـ كما قال أهل العلم ـ هو بسلامة المقصد الأساس الذي ينبني عليه العمل، فإذا طرأ على الإنسان الرياء واسترسل معه فهل يبطل سائر العمل أم أنه يجزى على أصل النية الحسنة في هذا خلاف.

وأما إذا دفع هذه الخواطر ومطامع النفس فلا تضره بدون خلاف.

أما قضية لذة العلم وغيبة المقصد الأساس عن النفس، وطلب العلم لذات اللذة، فلا أراه سببًا مقلقاً ؛ فقد اقتضت حكمة الله وجود هذه اللذة لكي يكون ذلك دافعًا قويًا في الاستزادة من العلم؛ لأنه صعب المأخذ ولذلك لا توجد هذه اللذة لكل أحد، فإن باردي الأنفس، وقاصري الهمم لا يجدون هذه اللذة، فمن وجدها فيا بشراه فهو على الطريق الصحيح .. (ومن سار على الطريق وصل).

وقد استشعر السلف هذه اللذة : فقال أحد المحدثين في رحلته إلى يزيد ين هارون من حران في شعر له:

أقبلت أهوي على حيزوم طاوية * في لجة اليم لا ألوي على سكـن

حتى أتيت أمام الناس كلهــــــم* في الدين والعلم والآثار والسنن

أبغي به الله لا الدينا وزخرفهـــا * ومــــن تغنى بديـن الله لا يهـــــن

يا لذة العيش لما قلت حدثنـــــا * عوف وبشر عن الشعبي والحسن

وقال آخر:

علم الحديث أجل السؤل والوطر * فاقطع به العيش تعرف لذة العمر

وقال بعضهم: ولقد كنت في حلاوة طلبي العلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل، لأجل ما اطلب وأرجو، كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة، فأخرج في طلب الحديث، واقعد على نهر عيسى، فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلت لقمة شربت عليها، وعين همتي لا ترى ألا لذة تحصيل العلم، فأثمر ذلك عندي أني عرفت بكثرة سماعي لحديث الرسول ^ وأحواله وآدابه، وأحوال أصحابه وتابعيهم .

وأنا أبشِّرُكِ ! فإن أول علم الحديث هي هذه اللذة التي تقذف في قلب طالب العلم، فلا يصرفك الشيطان ويوحي لك بأن ما تقومين به ليس فيه أجر أو أنك تركت الأفضل وهو العمل.

قال سفيان: لا أعلم شيئا من الأعمال أفضل من طلب العلم والحديث، لمن حسنت فيه نيته. اهـ.

وعلى هذا القول جماعة من الأئمة.

ومن صلاح النية الاستزادة منه ومدارسته وتقديمه على ما سواه لا لغرض دنيوي من منصب وسمعة وحب ظهور.. وهو ما أحسبك بعيدة عنه.

وقد تساءلوا عن مثل ما سألتني عنه، فقيل لسفيان الثوري: إن هؤلاء يكتبون وليس لهم نيه؟ فقال سفيان: طلبتهم له نية.

ثم إن من طلب العلم بالرغبة فحسب فنهاية أمره إلى خير لأن العلم لا يدله إلا على الخير والهدى، فكيف إذا كان علم الحديث، فأولى لمن طلبه أن يدله على الهدى وسواء الصراط، وقد جاء قوم إلى سماك بن حرب يطلبون الحديث، فقال جلساؤه: ما ينبغي لك أن تحدث، فما لهؤلاء رغبة ولا نية، فقال سماك: قولوا خيراً، قد طلبنا هذا الأمر لا نريد الله به، فلما بلغت منه حاجتي، دلني على ما ينفعني وحجزني عما يضرني.

وعن ثابت ومعمر، إنهما قالا: طلبنا الحديث وما لنا فيه نية، ثم رزق الله النية بعد.

وفي لفظ عن معمر: كان يقال إن الرجل ليطلب العلم لغير الله، فيأبى عليه العلم حتى يكون لله.

وقال ابن المبارك: طلبنا العلم للدنيا، فدلنا على ترك الدنيا.









 


رد مع اقتباس