كيف نجمع بين قوله تعالى :
(وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) بلفظ الإفراد
وقوله : (وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا) بلفظ الجمع
السؤال
كيف الجمع بين قوله تعالى :
(ولتصنع على عيني )
وقوله تعالى : (واصنع الفلك بأعيننا)
فهل هي عين واحدة أو أعين ؟
الجواب
الحمد لله
أولاً :
الذي عليه أهل السنة والجماعة أن لله عز وجل عينين يبصر بهما
وهما من الصفات الذاتية التي لا تنفك عنه سبحانه .
قال ابن خزيمة رحمه الله :
" نحن نقول : لربنا الخالق عينان يبصر بهما ، ما تحت الثرى
وتحت الأرض السابعة السفلى ، وما في السماوات العلى ... "
انتهى من "كتاب التوحيد" (1/76) .
وقال أبو الحسن الأشعري رحمه الله
: " وأن له سبحانه عينين بلا كيف ، كما قال سبحانه : (تجري بأعيننا) "
انتهى من " الإبانة عن أصول الديانة" (1/20) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
: " مذهب أهل السنة والجماعة : أن لله عينين اثنتين ، ينظر بهما حقيقة على الوجه اللائق به
وهما من الصفات الذاتية "
انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (4/58) .
واستدل أهل السنة على إثبات العينين
بما رواه البخاري (6858)
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله لا يخفى عليكم ، إن الله ليس بأعور - وأشار بيده إلى عينه - وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية).
قال الدارمي رحمه الله في "رده على بشر المريسي" (1/327) :
" ففي تأويل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله ليس بأعور) : بيان أنه بصير ذو عينين ، خلاف الأعور " انتهى .
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان حفظه الله في "شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري" :
" قوله : (إن الله ليس بأعور ) : هذه الجملة هي المقصودة من الحديث في هذا الباب ، فهذا يدل على أن لله عينين حقيقة
لأن العور فقدُ أحد العينين ، أو ذهاب نورها " انتهى .
ثانياً :
جاءت صفة العين في القرآن الكريم مضافة إلى الله سبحانه وتعالى بصيغتين:
1- صيغة الإفراد ، مضافة إلى ضمير المفرد . مثل قوله تعالى : (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) طه : 39 .
2- صيغة الجمع ، مضافة إلى ضمير الجمع . مثل قوله تعالى: (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا) القمر : 14
وقوله : (وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا) هود : 37 .
فقوله تعالي : (عَلَى عَيْنِي) ، لا يدل على عين واحدة
وقوله : (بِأَعْيُنِنَا) ، لا يدل على أعين كثيرة ، بل كل موضع يفسر بحسبه
وذلك أن لفظ العين إذا أضيف إلى اسم جمع ظاهر ، أو مضمر ، فالأحسن جمعه مشاكلة للفظ
كما قال تعالى : (قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ) الأنبياء : 61 .
وإذا أضيف إلى مفرد ذكر مفردا مشاكلة للفظ
كما قال تعالى : (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) طه : 39 .
قال ابن القيم رحمه الله "الطواعق المرسلة" (1/255)
: " فذكر العين المفردة مضافة إلى الضمير المفرد ، والأعين مجموعة مضافة إلى ضمير الجمع ، وذكر العين مفردة لا يدل على أنها عين واحدة ليس إلا
كما يقول القائل : أفعل هذا على عيني ، وأجيئك على عيني ، وأحمله على عيني ، ولا يريد به أن له عينا واحدة ، فلو فهم أحد هذا من ظاهر كلام المخلوق لعد أخرق
وأما إذا أضيفت العين إلى اسم الجمع ظاهرا ، أو مضمرا ، فالأحسن جمعها مشاكلة للفظ
كقوله : (تجري بأعيننا) القمر : 14
وقوله (واصنع الفلك بأعيننا) هود : 37 .
وهذا نظير المشاكلة في لفظ اليد المضافة إلى المفرد
كقوله : (بيده الملك) الملك : 1
وقوله : (وبيدك الخير) آل عمران : 26 .
وإن أضيفت إلى ضمير جمع جمعت
كقوله : ( أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما ) يس : 71 .
وكذلك إضافة اليد والعين إلى اسم الجمع الظاهر
كقوله : (بما كسبت أيدي الناس) الروم : 41
وقوله تعالى : (فأتوا به على أعين الناس) الأنبياء : 61 .
وقد نطق القرآن والسنة بذكر اليد مضافة إليه سبحانه مفردة ، ومثناة ، ومجموعة
وبلفظ العين مضافة إليه مفردة ، ومجموعة ، ونطقت السنة بإضافتها إليه مثناة
كما قال عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي : ( إن العبد إذا قام في الصلاة قام بين عيني الرحمن ، فإذا التفت قال له ربه إلى من تلتفت إلى خير لك مني ) .
وقول النبي صلى عليه وسلم : ( إن ربكم ليس بأعور) صريح في أنه ليس المراد إثبات عين واحدة ليس إلا ؛ فإن ذلك عور ظاهر ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا " انتهى .
وقال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله :
" وردت صفتا اليدين ، والعينين في النصوص مضافة إلى الله تعالى : على ثلاثة أوجه : الإفراد ، والتثنية ، والجمع .
فمن أمثلة الإفراد : قوله تعالى : (تبارك الذي بيده الملك) ، وقوله : (ولتصنع على عيني) .
ومن أمثلة الجمع : قوله تعالى : (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً) ، وقوله : (تجري بأعيننا) .
ومن أمثلة التثنية : قوله تعالى : ( بل يداه مبسوطتان)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا قام العبد في الصلاة قام بين عيني الرحمن )
هكذا هو في مختصر الصواعق عن عطاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعزه ، ولم ترد صفة العينين في القرآن بصورة التثنية .
هذه هي الوجوه الثلاثة التي وردت عليها صفتا اليدين ، والعينين .
والجمع بين هذه الوجوه أن يقال :
إن الإفراد لا ينافي التثنية ، ولا الجمع ؛ لأن المفرد المضاف يعم ، فيتناول كل ما ثبت لله من يد ، أو عين ، واحدة كانت أو أكثر .
وأما الجمع بين ما جاء بلفظ التثنية
وبلفظ الجمع : فإن قلنا : أقل الجمع اثنان ، فلا منافاة أصلاً بين صيغتي التثنية والجمع لاتحاد مدلوليهما ، وإن قلنا : أقل الجمع ثلاثة
وهو المشهور ، فالجمع بينهما أن يقال : إنه لا يراد من صيغة الجمع مدلولها الذي هو ثلاثة ، فأكثر ، وإنما أريد بها ، والله أعلم : التعظيم والمناسبة
أعني مناسبة المضاف للمضاف إليه ، فإن المضاف إليه ، وهو " نا " يراد به هنا التعظيم قطعاً ، فناسب أن يؤتى بالمضاف بصيغة الجمع ؛ ليناسب المضاف إليه ، فإن الجمع أدل على التعظيم من الإفراد والتثنية
وإذا كان كل من المضاف والمضاف إليه دالاً على التعظيم حصل من بينهما تعظيم أبلغ "
انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (4/59-60) .
والخلاصة :
أن لله عينين تليقان به سبحانه ، ومجيئهما في القرآن بلفظ المفرد ، المضاف إلى الضمير المفرد
لا يدل على أن لله تعالى عينًا واحدة ، كما أن ورودها بلفظ الجمع لا يدل على أن لله تعالى أعينًا متعددة ، فيحمل ما جاء بالكتاب على ما وضحته السنة ، كما في حديث الدجال ، فيزول الإشكال .
تنبيه :
الحديث الذي ذكره ابن القيم ، ونقله عنه الشيخ ابن عثيمين ، رحمهما الله
: ( إن العبد إذا قام في الصلاة قام بين عيني الرحمن )
خرجه الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الضعيفة" (3/93)
وقال : " ضعيف جداً " انتهى .
ولذلك قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : الحديث ضعيف لانقطاعه ، واعتمادنا في عقيدتنا هذه على الحديث الصحيح ، حديث الدجال
لأنه واضح لمن تأمله .
انتهى بتصرف يسير من "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (8/197) .
والله أعلم
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر علي امل اللقاء بكم
قريبا باذن الله ان قدر لنا البقاء و اللقاء