حكم قول الرجل لصاحبه :
لا تنس الله فينساك .
السؤال
ماحكم قول :
" لا تنسى الله فينساك "
علما بأن معلمة لنا قالت بأنها عبارة لاتصح ؟
الجواب
الحمد لله
النِّسْيَانُ لُغَةً : ضِدُّ الذِّكْرِ وَالْحِفْظِ
يُقَال : نَسِيَهُ نِسْيَانًا وَنِسَاوَةً وَنَسَاوَةً
وَيَأْتِي بِمَعْنَى التَّرْكِ
يَقُول اللَّهُ تَعَالَى : ( نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ )
. أَيْ تَرَكُوا طَاعة اللَّهَ فَتَرَكَهُمْ من رَحمتِه وهِدَايَته
وَلَمَّا كَانَ النِّسْيَانُ ضَرْبًا مِنَ التَّرْكِ وَضَعَهُ مَوْضِعَهُ .
وَقَال الْفَيُّومِيُّ : نَسِيتُ الشَّيْءَ أَنْسَاهُ نِسْيَانًا ، مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ ، أَحَدُهُمَا : تَرْكُ الشَّيْءِ ذُهُولاً وَغَفْلَةً
وَذَلِكَ خِلاَفُ الذِّكْرِ لَهُ ، تَقُول : تَرَكْتُ رَكْعَةً أَهْمَلْتُهَا ذُهُولاً ، وَالثَّانِي : التَّرْكُ مَعَ التَّعَمُّدِ
وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَلاَ تَنْسَوُا الْفَضْل بَيْنَكُمْ ) .
أَيْ لاَ تَقْصِدُوا التَّرْكَ وَالإْهْمَال .
راجع : "الموسوعة الفقهية" (40 /264)
– "لسان العرب" (15/321) –
"الصحاح" (2/207) –
"المحكم" (8/581) –
"المصباح المنير" (2/604)
فللنسيان معنيان : معنى منتف عن الرب ، لا يليق به سبحانه
وهو الذهول وعدم ذكر الشيء المعلوم
قال تعالى : ( قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ) طه/ 52
والآخر ثابت للرب تعالى ، وهو الترك ، عقوبة لبعض عباده ، مع تمام علمه وإحاطته ، سبحانه
ويكون ذلك في مقابلة نسيان العبد أمر ربه
كما قال سبحانه : ( فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ ) السجدة /14.
وقال تعالى في المنافقين : ( نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) التوبة/67 .
قال ابن كثير رحمه الله :
" قوله ( فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا ) أي : نعاملهم معاملة من نَسيهم
لأنه تعالى لا يشذ عن علمه شيء ولا ينساه
كما قال تعالى : ( فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى )
وإنما قال تعالى هذا من باب المقابلة ، كما قال : ( نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ )
وقال : ( كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى )
وقال تعالى : ( وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا )
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : نتركهم ، كما تركوا لقاء يومهم هذا
. وقال مجاهد : نتركهم في النار . وقال السُّدِّي : نتركهم من الرحمة ، كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا "
انتهى ."تفسير ابن كثير" (3 /424)
وسئل الشيخ الفوزان حفظه الله :
قال سبحانه مخاطبًا الكفار وهم في النار : ( الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا )
وقال سبحانه في آية أخرى : ( فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى )
فكيف نجمع بين الآيتين ؟
فأجاب :
" معنى النسيان المذكور في الآيتين مختلف ، فالنسيان الذي نفاه الله عن نفسه هو النسيان الذي هو بمعنى الغفلة والذهول ، والله سبحانه منزه عن ذلك ؛ لأنه نقص وعيب .
أما النسيان المثبت لله في قوله تعالى : ( نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ) فمعناه : تركهم في الضلال وإعراضه سبحانه عنهم ، وذلك من باب المقابلة والمجازاة
فإنهم لما تركوا أوامره وأعرضوا عن دينه تركهم الله وأعرض عنهم ، وكلمة النسيان لفظ مشترك يفسر في كل مقام بحسبه وعلى مقتضاه اللغوي ، وهذا مثل مكره سبحانه بالماكرين
وسخريته من الساخرين ، واستهزائه بالمستهزئين ، كله من باب المجازاة والمقابلة ، وهو عدل وكمال منه سبحانه " انتهى .
"المنتقى من فتاوى الفوزان" (46 /1-2)
وعلى ذلك : فالقول المذكور في السؤال : " لا تنس الله فينساك " ، معناه صحيح
بل هو موافق لما جاء به القرآن في مواضع ، وعلى معنى : لا تنس أوامر الله وطاعته ، فتتركها إهمالا وتضييعا لها ، فيعاقبك الله بجنس عملك وتضييعك
فيحرمك من توفيقه ورحمته ، ويتركك في عذابه .
والله تعالى أعلم .
راجع جواب السؤال القادم