منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - أسماء الله الحسنى وصفاته
عرض مشاركة واحدة
قديم 2020-03-25, 15:23   رقم المشاركة : 160
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










B18

هل خلق الله الأشياء وقدَّر فيها خواصها وطبائعها أم إنه تعالى يخلقها عند الحدث ؟

السؤال

أخبرنا أستاذ المعهد الشرعي : أن الله لم يخلق في الأجسام خواصها ، فمثلاً : المغناطيس لا يحتوي جاذبية ، والنار لا تحتوي صفة الإحراق

لكن الله سبحانه وتعالى عندما يقع الحدث يخلق الصفة إن أراد ، فمثلاً عند تقريب مغناطيسين لمسافة معينة يخلق الله فعل الجذب ، وعند اقتراب يدك من النار يخلق الله فعل الإحراق

ودليل ذلك : أن إبراهيم عليه السلام دخل النار ولم يخف لأنه على يقين بأن الله لن يخلق فعل الإحراق

وأيضاً كما حدث مع الصحابة في الحرب مع الفرس عندما اجتازوا النهر ولم يخلق الله فعل الغرق أو حتى فعل البلل بالماء فاجتازوا النهر دون أن يبتل أي شيء منهم

وقال : لذلك على المسلم أن لا يخاف من الأشياء أي مثلا لا نخاف من الأدوات الحادة

لأن الله قادر على أن لا يخلق فعل الذبح .

وأنا غير مقتنع بهذا الكلام ، لأنني متذكر أن الله خلق الأجسام وخلق فيها خواصها وجعل للكون سنناً يسير عليها

لكني لم أجد له دليلاً شرعيّاً ، ولم أجد كلاماً يرد عليه ، فلو توضحون لي الأمر مع الدليل ، وجزاكم الله خيراً .


الجواب

الحمد لله

أولاً:

ما نقلتَه - أخي السائل

– عن ذاك الأستاذ هو ما يقول به الأشاعرة موافقة للجبرية ! وهذه المسألة يسمونها " السببية "

وخلاصتها : نفي تأثير الأسباب بمسبَّباتها ، فلا ارتباط لسبب بمسبَّب

وإنما العلاقة بينهما علاقة اقتران ، فالنار – عندهم – لا تحرق بطبعها ولا هي علة الإحراق

وإنما يخلق الله تعالى فيها الإحراق عند التقائها بشيء قابل للاحتراق ، فالذي يحرق هو الله

والنار ليس لها أي تأثير ، والسكين – عندهم - لا تقطع بطبعها ولا هي علة القطع ، إنما يخلق الله تعالى فيها القطع عند مرورها على الشيء القابل للقطع

فالذي يقطع هو الله ، والسكين ليس لها أي تأثير

وهكذا يقولون إن الإنسان لا يشبع بالأكل بل عند الأكل ! ولا يروى بالشرب بل عند الشرب ! وقد جعلوا ذلك من التوحيد ، وحكموا على المخالف بالبدعة والضلالة والكفر .

قال أحمد بن محمد العدوي الأشعري المشهور بـ " الدردير " :

تَخَالُفٌ للغيْرِ وحدانيةْ
في الذَّاتِ أو صِفَاتِهِ العليَّةْ

والفِعلِ فالتأثيرُ ليسَ إلا
للواحِدِ القَهَّار جلَّ وعَلا

ومن يَّقُل بالطَّبعِ أو بالعلَّةْ
فذاكَ كُفرٌ عند أهلِ المِلَّةْ

ومَن يَقُل بِالقُوَّةِ المُودَعَةِ
فَذَاكَ بِدْعِيٌّ فلا تَلتَفِتِ

وقال في شرحه :

يعني أنَّهُ تعَالى مُتَّصفٌ بوحدانيَّةِ الأفعالِ ، فليس ثمَّ مَن له فعلٌ من الأفعال سِوَاهُ تعالَى ، إذ كُلُّ ما سِوَاهُ عاجزٌ لا تأثيرَ له في شيءٍ من الأشياء ...
.
إلى أن قال :

فلا تأثيرَ للنار في الإحراقِ ، ولا للطَّعامِ في الشَّبَعِ ولا للماء في الرّيِّ ، ولا في إنباتِ الزَّرعِ

ولا للكواكبِ في إنضَاجِ الفواكِه وغيرِهَا ، ولا للأفلاكِ في شيءٍ من الأشياء

ولا للسِّكِّين في القطعِ ، ولا لشيءٍ في دفع حَرٍّ أو بردٍ أو جلبِهِمَا وغيرِ ذلك ، لا بالطَّبعِ ولا بالعلَّةِ ولا بقُوَّةٍ أودَعَهَا اللهُ فِيها ، بل التأثيرُ في ذلك كُلُّهُ لله تعالى وحدَهُ بمحضِ اختيارِهِ عند وُجُودِ هذه الأشيَاءِ .

انتهى باختصار من" الخريدة البهية وشرحها " ( ص 59 - 63 ).

ثانيا :

قد ردَّ أئمة السنَّة على مثل هذا القول المتهافت

وبيَّنوا أن الله تعالى خلق الأشياء وخلق تأثيرها فيها ، فليس ثمة خالق مع الله ، والتأثيرات ليست خارجة عن إرادة الله تعالى ، والأسباب ليست فاعلة بذاتها ، بل هي فاعلة بأمر الله وقدرته .

قال ابن القيم - رحمه الله - :

"وأما الوقوف مع الأسباب واعتقاد تأثيرها فلا نعلم من أتباع الرسل من قال إنها مستقلة بأنفسها حتى يحتاج إلى نفي هذا المذهب

وإنما قالت طائفة من الناس وهم القدرية : إن أفعال الحيوان خاصة غير مخلوقة لله ولا واقعة بمشيئة

وهؤلاء هم الذين أطبق الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام على ذمِّهم وتبديعهم وتضليلهم وبيَّن أئمة السنة أنهم أشباه المجوس وأنهم مخالفون العقول والفطر ونصوص الوحي

فالتلبيس في الحقيقة حصل لهؤلاء ولمنكري الأسباب في القوى والطبائع والحكم ، ولُبس على الفريقين الحق بالباطل ... .

إلى أن قال :

ولا تكن ممن غلظ حجابه وكثف طبعه فيقول : لا نقف معها وقوف من يعتقد أنها مستقلة بالإحداث والتأثير وأنها أرباب من دون الله

فإن وجدتَ أحداً يزعم ذلك ويظن أنها أرباب وآلهة مع الله مستقلة بالإيجاد ، أو إنها عون لله يحتاج في فعله إليها ، أو إنها شركاء له : فشأنَك به ؛ فمزِّق أديمَه

وتقرَّب إلى الله بعداوته ما استطعت ، وإلا فما هذا النفي لما أثبته الله ، والإلغاء لما اعتبره

والإهدار لما حققه ، والحط والوضع لما نصبه ، والمحو لما كتبه والعزل لما ولاه ؟!

فإن زعمت أنك تعزلها عن رتبة الإلهية ؛ فسبحان الله

من ولاها هذه الرتبة حتى تجعل سعيك في عزلها عنها ؟! .

والله ما أجهل كثيراً من أهل الكلام والتصوف حيث لم يكن عندهم تحقيق التوحيد

إلا بإلغائها ومحوها وإهدارها بالكلية ، وأنه لم يجعل الله في المخلوقات قوى ولا طبائع ولا غرائز لها تأثير موجبة ما ، ولا في النار حرارة ولا إحراق ، ولا في الدواء قوة مُذْهِبة للداء

ولا في الخبز قوة مشبعة ، ولا في الماء قوة مروية ، ولا في العين قوة باصرة

ولا في الأنف قوة شامَّة ، ولا في السم قوة قاتلة ، ولا في الحديد قوة قاطعة

وأن الله لم يفعل شيئاً بشيء ، ولا فعل شيئاً لأجل شيء ! فهذا غاية توحيدهم الذي يحومون حوله ويبالغون في تقريره ، فلعمْر الله لقد أضحكوا عليهم العقلاء وأشمتوا بهم الأعداء

ونهجوا لأعداء الرسل طريق إساءة الظن بهم وجنوا على الإسلام والقرآن أعظم جناية

وقالوا : نحن أنصار الله ورسوله ، الموكَلون بكسر أعداء الإسلام وأعداء الرسل ، ولعمْر الله لقد كسروا الدِّين ، وسلطوا عليه المبطلين

وقد قيل : " إياك ومصاحبة الجاهل فإنه يريد أن ينفعك فيضرك" .

فقف مع الأسباب حيث أُمرت بالوقوف معها ، وفارقها حيث أمرت بمفارقتها

كما فارقها الخليل .. حيث عَرض له جبريل أقوى الأسباب فقال : " ألك حاجة ؟

" فقال : " أما إليك فلا "

انتهى من" مدارج السالكين " ( 3 / 402 – 409 ) .