منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - بشرى للمؤمنين
الموضوع: بشرى للمؤمنين
عرض مشاركة واحدة
قديم 2019-01-17, 12:17   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
moncefmer
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


أهمية دور المعالج الشرعي


الكاتب: بهاء الدين شلبي.


من الناس من يخاف من الجن، ولا يحسن التعامل معه إذا حضر بصورة همجية، فضلاً عن أن بعض الناس من لو قرأ على المريض فلا يحسن التشخيص، ولا يعرف تمييز المتحدث معه الجني أم القرين أم المريض نفسه، ولا يدري إذا كان المريض مصاب بالمس أو السحر أو العين، أو بمرض عضوي أو نفسي، وربما متمارض، فأكثر الناس لا خبرة لديهم، ولا علم لهم بالمناهج الصائبة للعلاج، وكيف للراقي إن لم يكن عالمًا متمرسًا أن يميز بين حضور الجن وانصرافه، وأن يميز صدقه من كذبه؟! ولعل سبب انفعال المعارضين لنا عفى الله عنهم، أن أحدهم لم يبتلى في نفسه أو أهله حتى يشعر بقسوة ما يعانيه هؤلاء، ليتأكد عجز بعضهم عن رقية نفسه بنفسه، أو عجز ذويه عن رقيته كما ينادي البعض بذلك، فالصحابية أم زفر لم تستطع ستر نفسها، ولا رقية نفسها، فذهبت للنبي صلى الله عليه وسلم تسأله أن يدعو لها، والنبي صلى الله عليه وسلم في مرضه لم يستطع رقية نفسه الشريفة فرقته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، كما سبق وبينا، فليس الخبر كالمعاينة.

وعندها وجب علينا رد عدوانه ولو بالقوة حتى يتوجع ويتألم فيرده الله عنا طالما أصر على العدوان، قال تعالى: (وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [التوبة: 36]، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة قال: (إن الشيطان عرض لي، فشد علي ليقطع الصلاة علي، فأمكنني الله منه فَذَعَتُّه، ( ) ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه، فذكرت قول سليمان عليه السلام رب (هَبْ لِي مُلْكًا لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي) فرده الله خاسيا)،( ) وفي رواية عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مر علي الشيطان، فأخذته فخنقته حتى إني لأجد برد لسانه في يدي، فقال: أوجعتني أوجعتني). ( )

نصيحة: لا داعي مطلقًا للخوف من قتل الشيطان وقتاله ورد عدوانه بما شرعه الله، لأن كيده ضعيفًا، ولو وجد هذا الخوف من الشيطان لما نصر الله معالجًا على الشياطين ولتلبسوا به وصرعوه، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء: 76]، ولأن الله هو الذي يدافع عن المؤمنين، وليس الجن المسلم أو غيرهم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) [الحج: 38]، ولأن الله هو الناصر عليه، وقال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحج: 39].

يقول ابن تيميه: (فهذا من أفضل الأعمال وهو من أعمال الأنبياء والصالحين، فإنه مازال الأنبياء والصالحون يدفعون الشياطين عن بني آدم بما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم ، كما كان المسيح عليه السلام يفعل ذلك، وكما كان نبينا صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، ولو قدر أنه لم ينقل ذلك لكون مثله لم يقع عند الأنبياء لكون الشياطين لم تكن تقدر أن تفعل ذلك عند الأنبياء، وفعلت ذلك عندنا فقد أمرنا الله تعالى ورسوله بنصر المظلوم وإغاثة الملهوف ونفع المسلم بما يتناول ذلك). ا.هـ ( )

وهناك دور هام منوط بالمعالج لا نستطيع إغفال أهميته بحال، وهو اكتشاف ما سقط لدى المريض من التوحيد، فينبهه إليه ويدعوه إلى إصلاحه، لذلك يشترط في المعالج أن يكون ملمًا بفقه الدعوة، وذو بصيرة نافذة يستطلع بها أحوال مرضاه، فيلتمس بها نقاط ضعفهم الإيمانية وثغراتهم العقائدية، والتي كانت سببًا في تسلط الشيطان عليهم، فيعمل على كشفها ومداواتها، ومن هنا كانت أهمية الورد القرآني في علاج النفس وتهيئتها وإعدادها لقبول فاعلية جلسات العلاج، هذا إلى جانب أهمية المواعظ التي يقدمها المعالج للمريض.

قال شيخنا الألباني رحمه الله: (التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح كأن يقع المسلم في ضيق شديد، أو تحل به مصيبة كبيرة، ويعلم من نفسه التفريط في جنب الله تبارك وتعالى، فيجب أن يأخذ بسبب قوى إلى الله، فيذهب إلى رجل يعتقد فيه الصلاح والتقوى، أو الفضل والعلم بالكتاب والسنة. فيطلب منه أن يدعوا له ربه، ليفرج عنه كربه، ويزيل عنه همه). ( )

ودور المعالج في علاج المسحور يتم على مرحلتين، مرحلة إبطال أمر التكليف قال تعالى: (مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ) [يونس: 81]، ومرحلة التعامل مع (خادم السحر) الموكل بتنفيذ (أمر التكليف)، وبعد إبطاله يتدخل بالدعاء بما يلائم الحالة باعتبارها صارت حالة مس، وقد تتقدم إحدى المرحلتين على الأخرى في بعض الحالات.

لذلك يشترط في المريض بالمس والسحر التوبة وصدق الإيمان، هذا بالتزام العمل بما آمن به، والتوكل على الله سبحانه وتعالى ليكون جاهزًا وقابلاً للعلاج من المس والسحر قال تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [النحل: 99]، ففضل الله ورضوانه لا ينال بمعصيته، فالنصر والاستعلاء قرينا الإيمان قال تعالى: (وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139].

الشيخ عبد الرحمن بن حسن يقول: (من تعلق قلبه شيئًا، بحيث يعتمد عليه ويرجوه وكله الله إلى ذلك الشيء، فمن تعلق على ربه وإلهه وسيده ومولاه رب كل شيء ومليكه كفاه ووقاه وحفظه وتولاه، فنعم المولى ونعم النصير، قال تعالى: (أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) [الزمر: 36]، ومن تعلق على السحرة والشياطين وغيرهم من المخلوقين وكله الله من تعلقه فهلك، ومن تأمل ذلك في أحوال الخلق ونظر بعين البصيرة رأى ذلك عيانا، وهذا من جوامع الكلم، والله أعلم). ( )

نصيحة: وما يجب إدراكه أنه كلما اشتد كفر الساحر وطالت مدة ممارسته للسحر كلما ازداد قربًا من إبليس وأكتسب سحره قوة أكثر، ولزم لإبطاله زيادة الإيمان والقرب من الله تعالى، وبدرجة لا تقل بحال عن درجة كفر الساحر وقربه من الشيطان، هذا إن لم تزد عليه، فإذا كان كفر الساحر وقربه من الشيطان يزداد بعبادته وإخلاصه له، ففي المقابل لابد للمسحور له والمعالج أن يزدادا إيمانًا بكثرة عبادتهما وإخلاصهما لله تعالى، فاعلم أنك لن تشفى حتى يفوق إيمانكما بالله تعالى إيمان الساحر بالشيطان.

نصيحة: وذلك التوفيق في علاج المس والسحر بالقرآن الكريم، ليس دليل على منزلة المعالج عند الله، ولكن دليل على فضل الله عز وجل وعفوه ومغفرته، فهذا المعالج المستغرق في الذنوب لم ولن يبلغ مبلغ الصحابة رضوان الله عليهم، ولكن ذلك من جميل ستر الله ونصرته لدينه، وعون وفضل من الحنان المنان لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (واللَّه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه). ( ) لذلك يجب أن لا نغلو في المعالج وننزله المنازل، وكأنه من أصحاب الكرامات، وأن ننسب الفضل دائمًا وأبدًا لله، فالمعالج شخص عادي جدًا، الأصل فيه العلم بالتوحيد، والفهم الصحيح للعقيدة، والخبرة الناضجة، وغزارة الاحتكاك بعالم الجن والشياطين، وإلا لاستطاع أي إنسان أن يعالج نفسه بنفسه، فإذا أصيب أحد المعالجين بالمس أو السحر ذهب إلى معالج آخر ليعالجه وهذا شيء متعارف عليه بين المعالجين.

مشروعية إعطاء المعالج أجرًا:


ويعتقد أن من صفات المعالج الرباني عدم اتخاذه أجرًا، وأن عليه بذل جهده ووقته لوجه الله تعالى، وبدون كسب يسد به نفقاته، ولو على حساب مسؤولياته التي تستغرق منه اليوم بأكمله، وإلا حكموا عليه بأنه دجال، وهذا وهم أضر بالمعالجين فاضطرهم مرغمين للإحجام عن مزاولة العلاج، وذلك وفقًا لفقه الأولويات، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول)، ( ) فلا فائض وقت يكفي لعلاج المصابين على كثرتهم، مما انعكس سلبًا على المرضى، وفتح الباب للكهان والدجالين، فإخلاص النية لله تعالى فهو واجب، ويجب أن يصاحب كل عمل، سواء أخذ حكم العبادات أو أخذ حكم العادات، لقوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162: 163].

أما اتخاذ الأجر على العمل فهذا من المباحات، فللعامل أخذه أو احتسابه عند الله، أما أخذ الأجر على النية والعبادات فلا يؤخذ إلا من الله تعالى وحده، وإلا صار شركًا، أما اتخاذه أجرًا على الرقية فهو من المباحات، فله أن يأخذه، وله أن يتركه، حتى ولو قدم له هدية، فله أن يقبل جزءًا منها ويرد البقية، وذلك من قصة المرأة التي اهدت النبي صلى الله عليه وسلم شياه ثلاث، بعد أن شفى الله صبيها بعد أن رقاه النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: والذي بعثك بالحق ما حسسنا منه شيئا حتى الساعة، فاجترر هذه الغنم، قال: (انزل فخذ منها واحدة ورد البقية).( )

ولما صح عن ابن عباس أن نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ، أو سليم، فعرض لهم رجل عن أهل الماء فقال: هل فيكم من راق؟ إن في الماء رجلاً لديغًا، أو سليمًا. فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء، فبرأ: فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك وقالوا: أخذت على كتاب الله أجرًا، حتى قدموا المدينة فقالوا: يا رسول الله، آخذ على كتاب الله أجرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله). ( )

وفي رواية عن أبي سعيد الخدري أن أناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في سفر فمروا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم فلم يضيفوهم، فقالوا لهم: هل فيكم راق فإن سيد الحي لديغ أو مصاب، فقال رجل منهم: نعم فأتاه فرقاه بفاتحة الكتاب، فبرأ الرجل، فأعطى قطيعا من غنم، فأبى أن يقبلها، وقال: حتى أذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال: يا رسول الله، والله ما رقيت إلا بفاتحة الكتاب، فتبسم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما أدراك أنها رقية) ثم قال: (خذوا منهم واضربوا لي بسهم معكم). ( )

قال النووي: (قوله صلى الله عليه وسلم: (خذوا منهم واضربوا لي بسهم معكم) هذا تصريح بجواز أخذ الأجرة على الرقية بالفاتحة والذكر، وأنها حلال لا كراهية فيها، وكذا الأجرة على تعليم القرآن، وهذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق وأبي ثور وآخرين من السلف ومن بعدهم، ومنعها أبو حنيفة في تعليم القرآن، وأجازها في الرقية. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (واضربوا لي بسهم معكم) وفي الرواية الأخرى (أقسموا واضربوا لي بسهم معكم) فهذه القسمة من باب المروءات والتبرعات ومواساة الأصحاب والرفاق، وإلا فجميع الشياه ملك للراقي مختصة به، لا حق للباقين فيها عند التنازع، فقاسمهم تبرعا وجودًا ومروءة، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (واضربوا لي بسهم) فإنما قاله تطييبا لقلوبهم، ومبالغة في تعريفهم أنه حلال لا شبهة فيه). ( )