الحظوظ وزعت في الدنيا توزيع ابتلاء ، وهي موضع ابتلاء وجودًا وعدمًا :
أيها الإخوة ، هناك تساؤل
المال حظ ، العلم حظ ، الذكاء حظ ، طلاقة اللسان حظ ، الوسامة حظ ، هذه الحظوظ كيف ووزعت في الدنيا ؟
قال بعض العلماء : الحظوظ وزعت في الدنيا توزيع ابتلاء ، ما الذي أتاك الله إياه ؟
أتاك المال ؟
أنت ممتحن بالمال ، أتاك العلم ، أنت ممتحن بالعلم ، أتاك القوة ، أنت ممتحن بها ، ما الذي زوي عنك ؟
زوي عنك الغنى ، أنت ممتحن بالفقر ، زويت عنك القوة ، أنت ممتحن بالضعف ، زويت عنك الوسامة ، أنت ممتحن بها ، فأنت ممتحن في بندين ، فيما وهبك الله
وفيما زوى عنك وهذا المعنى الدقيق يذكرنا بدعاء النبي عليه الصلاة والسلام : " اللهم ما رزقتني مما أُحِبُّ فاجعَلْهُ قُوَّة لي فيما تُحِبُّ ، وما زَوَيْتَ عني مما أُحِبُّ فاجعَلْهُ فَرَاغا لي فيما تُحِبُّ " [الترمذي] .
ما مِن رجبٍ من الناس إلا وآتاه الله حظوظاً ، وزوى عنه حظوظاً ، فأنت ممتحن فيما أتاك ، وممتحن فيما زوي عنك .
الإنسان مخيَّرٌ :
أيها الإخوة ، لكن الإنسان مخير
قال تعالى : " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ " [الإسراء:18] .
لحكمة ما بعدها حكمة ، لرحمة ما بعدها رحمة ، لعلم ما بعده علم : " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ " أي الدنيا .
" عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ "
يعني عجّلنا بالقدر الذي نشاء ، والإنسان الذي إن عجلنا له فيها كان هذا التعجيل حكمة في حقه : " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ "
" ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً " [الإسراء:18] .
الآن دققوا : " وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا " [الإسراء:19]
لم يقل : وسعى لها : " وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً " [الإسراء:19]
الآن كقانون
كسنة من سنن الله عز وجل : " كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً " [الإسراء:20]
أنت مخير ، الشيء الذي تصدق في طلبه تناله ، ما أنت فيه صادق ، وما لست فيه ، تمنياتك ، الله عز وجل لا يتعامل أبداً مع التمنيات .
" لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ " [النساء:123] .
يتعامل مع الصدق ، أي شيء تطلبه من الله بصدق ، وتدفع ثمنه يؤتيك الله إياه
قال بعض المفكرين : " إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام إذا كان صادراً حقاً عن إرادة وإيمان " اطلب ما تشاء من الله
ولكن اطلب بصدق ، واطلب مع دفع الثمن : " وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا "
لم يقل وسعى لها : " وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا " السعي الذي تستحقه .
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ " [آل عمران:102] .
" حَقَّ تُقَاتِهِ " أن تطيعه فلا تعصيه ، أن تذكره فلا تنساه ، أن تشكره فلا تكفره .
إذاً الحظوظ في الدنيا موزعة توزيع ابتلاء ، أنت ممتحن فيما أعطاك ، ممتحن فيما زوى عنك .
" انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ " دقق في هذه الآية :
" انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ " [الإسراء:21] هل بائع متجول كتاجر كبير ؟
هل ممرض كجراح قلب ؟
هل معلم في قرية كأستاذ في الجامعة ؟
" انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً " [الإسراء:21] .
أين بطولتك ؟ أن تحقق نجاحاً في الدنيا ، ثم يأتي الموت لينهي هذا النجاح ؟
أم أن تحقق نجاحاً في الآخرة .
حظوظ الدنيا لا تعني شيئا :
حظوظ الدنيا موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء ، وهذا التوزيع مؤقت ، والتوزيع ينتهي بالموت ، وهذا التوزيع قد لا يعني أنك عند الله متفوق
لأن الله يعطي الملك لمن يحب ، ولمن لا يحب، أعطى الملك لفرعون ، وهو لا يحبه ، أعطى الملك لسليمان ، وهو يحبه ، أعطى المال لقارون
وهو لا يحبه ، أعطى المال لعبد الرحمن بن عوف ، وهو يحبه ، فحظوظ الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب ، ولا تعني شيئاً ، وقد تعني العكس :
" فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ " [الأنعام:44] .
الموت ينهي كل شيء
لكن حظوظ الآخرة تعني كل شيء
وهي أبدية سرمدية لذلك اكبر خسارة أن تخسر الآخرة .
" قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " [الزمر:15] .