منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - استشارات علمية
الموضوع: استشارات علمية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-11-06, 14:14   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة استشارات علمية


اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



هل يمكن تغيير القدر وكيف نكون مخيرين بينما القدر يحكمنا؟


السؤال

هل كل شيء في هذا العالم قد كتبه الله ؟ إن كان الأمر كذلك ، فلماذا نحن مخيرون ؟

ما الفائدة من ذلك إن كنا لا نستطيع تغيير القدر؟ هل يشمل ذلك الحالة الجسدية والموت ؟

هناك شخص عزيز علي أريد أن أقول له شيئًا لن يتقبله ، فأنا أظن أنه ما أن يسمع الخبر ، إما سيموت ، أو يصاب بنوبة قلبية ، أو سيجعلني بلا مأوى ، ولا طعام ، أو شراب ، أو نقود

وسيدمر حياتي بالكامل ، وحياة الكثير ممن أحب ، هذا الشخص مع العديد من العوامل هو السبب في ضياع كل شيء أحبه ، بما ذلك ديني

وصلاتي ، وهي الخسارة الكبرى ، ويجب علي أن أخبره للتوقف عن هذا الجنون ، والسبب الوحيد الذي يمنعني من إخباره هو : خشيتي أن أكون السبب في موته

وأنا أريد أحدا أن يخبرني أن أجله مكتوب في قضاء الله وقدره ؛ حتى أخبره ، ولكن الجميع يخبرونني أننا مسيرون ، ويمكننا تغيير قدرنا من خلال قراراتنا في الحياة ، ولكن ألا يعني ذلك أن الله ليس عظيمًا ؟

أنا لا استطيع تصديق ذلك ، فإما أن يكون الله عظيمًا ، وأن القضاء لا يمكن تغييره ، وإما أن ما يخبرني به الناس من بعض الأشياء المذكورة في صحيحي البخاري ومسلم كذب

أو أن يكون الله مجرد كذبة ، وأنا أرفض أن أعتقد الخيار الثاني.


الجواب

الحمد لله

أولا:

كل شيء في هذا العالم، ما كان وما سيكون، قد كتبه الله تعالى في كتاب عنده، وقد علمه، وشاءه، وهذا هو "القدر" بمراتبه الأربعة: الكتابة، والعلم، والمشيئة، إضافة للخلق والإيجاد.

قال تعالى: ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) القمر/49

وقوله سبحانه : ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) الأنعام / 59

وقوله : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) الحديد / 22

وقوله : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) التكوير/ 29

وروى مسلم (2653) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. قال : وعرشه على الماء ).

ثانيا:

هذا القدر لا يمكن تغييره، بمعنى أنه لو كان الله قد قدر أن فلانا يموت مؤمنا أو كافرا، أو يحيى سعيدا أو شقيا، أو يرزق بعشرة من الولد مثلا، فلا يمكن تغيير ذلك؛ لأنه لو أمكن تغييره لكان قدحا في علم الله

وإرادته ، وعظمته، بل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ :

( يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ

وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ) رواه الترمذي (2516)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

لكن هنا مرتبة أخرى من مراتب القدر ، وهي كتابة مقادير الخلق ، في الصحف التي في أيدي الملائكة .

ففي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً

مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ) رواه البخاري (3208) ومسلم (2643).

وهنا أمر قد يعبر عنه بأنه تغيير للقدر، وهو تغيير لهذا القدر المكتوب في صحف الملائكة فقط، كأن يكون فيها أن فلانا سيمرض، فيدعو بدعاء ، فيعافيه الله ولا يمرض .

أو يكون فيها أن عمره ستون سنة، فيصل رحمه، فيزيد عمره إلى سبعين سنة .

فهذا تغيير لما في صحف الملائكة، وهو ممكن ، لا مانع منه .

وليس هذا تغييرا لما في اللوح المحفوظ ، ولا تغييرا لما في علم الله، فقد علم الله تعالى أن سيفعل ذلك، فيعافى أو يزيد عمره. وهذان ـ يعني : ما في اللوح المحفوظ

وما في علم الله ـ : لا تغيير لما فيهما ، كما سبق بيانه .

وأما تغيير ما كتب في الصحف التي في أيدي الملائكة

فهو ثابت ، لا مانع منه ، دل عليه حديث سَلْمَانَ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي العُمْرِ إِلَّا البِرُّ رواه الترمذي (2139)

وحسنه الألباني. وهو عند أحمد (22386) وابن ماجه (90) من حديث ثوبان بلفظ: (لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.

والكتابة نوعان : نوع لا يتبدل ولا يتغير وهو ما في اللوح المحفوظ ، ونوع يتغير ويتبدل وهو ما بأيدي الملائكة ، وما يستقر أمره أخيراً عندهم هو الذي قد كتب في اللوح المحفوظ

وهو أحد معاني قوله تعالى : ( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) الرعد / 39 ، ومن هذا يمكننا فهم ما جاء في السنة الصحيحة من كون صلة الرحم تزيد في الأجل أو تُبسط في الرزق

أو ما جاء في أن الدعاء يرد القضاء ، ففي علم الله تعالى أن عبده يصل رحمه وأنه يدعوه فكتب له في اللوح المحفوظ سعةً في الرزق وزيادةً في الأجل .

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية :

عن الرزق هل يزيد أو ينقص ؟ وهل هو ما أكل أو ما ملكه العبد ؟

فأجاب :

الرزق نوعان :

أحدهما : ما علمه الله أنه يرزقه فهذا لا يتغير ، والثاني : ما كتبه وأعلم به الملائكة ، فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب ، فإن العبد يأمر الله الملائكة أن تكتب له رزقاً

وإن وصل رحمه زاده الله على ذلك ، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مَن سرَّه أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصِل رحِمه "

وكذلك عُمُر داود زاد ستين سنة فجعله الله مائة بعد أن كان أربعين ، ومِن هذا الباب قول عمر : " اللهم إن كنت كتبتَني شقيّاً فامحني واكتبني سعيداً فإنك تمحو ما تشاء وتُثبت "

ومن هذا الباب قوله تعالى عن نوح ( أنِ اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم و يؤخركم إلى أجلٍ مسمَّى ) ، وشواهده كثيرة ، والأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدَّره الله وكتبه

فإن كان قد تقدم بأنه يرزق العبد بسعيه واكتسابه : ألهمه السعي والاكتساب ، وذلك الذي قدره له بالاكتساب لا يحصل بدون الاكتساب ، وما قدره له بغير اكتساب كموت موروثه يأتيه به بغير اكتساب .

والسعي سعيان : سعي فيما نصب للرزق كالصناعة والزارعة والتجارة ، وسعي بالدعاء والتوكل والإحسان إلى الخلق ومحو ذلك ، فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه .

" مجموع الفتاوى " ( 8 / 540 ، 541 ) .









 


رد مع اقتباس